صفحات سوريةغازي دحمان

آصف شوكت دهسه القطار الإيراني/ غازي دحمان

 

 

أعاد تقرير صحيفة «وول ستريت جورنال«، عن اغتيال آصف شوكت، الاهتمام بحدث مرّ في سياق الحدث السوري وكاد يطويه النسيان، ليس بسبب عدم أهمية ذلك الحدث وتأثيره في مجريات الصراع، وإنما لكثرة الأحداث التي عايشها السوريون، وما انطوت عليها من تطورات فارقة ومؤلمة.

بالأصل جاءت حادثة تفجير ما كان يسمى ب» خلية الأزمة» في إطار حالة استعداد السوريين وتوقعاتهم حصول حدث ما في دمشق في تلك الأيام تحديدا، وكانت التوقعات في تلك اللحظة تقع على خط أكثر من احتمال، واحد منها كان هرب بشار الأسد بما يشابه ما حصل مع الرئيس التونسي، واحتمال أخر حصول انقلاب داخلي بقيادة أحد قادة الفيالق المحيطة بدمشق، ومع هذين الاحتمالين بدأت الناس بتداول احتمال الأسلحة الكيماوية، في ما يشبه عملية انتحارية يقدم عليها النظام على طريقة شمشون «عليّ وعلى أعدائي».

وكانت هذه الاحتمالات تعكس حراجة الوضع القائم في دمشق وحالة التفكك السريع التي بدأت تظهر على مستوى المؤسستين العسكرية والأمنية نتيجة الانشقاقات المتسارعة في حينه وضغط الثوار على العاصمة، التي بدأ ريفها يخرج عن السيطرة من الزبداني والمعضمية غرباً إلى دوما وجوبر والقابون شرقاً، وبدء تسلل الثوار إلى قلب العاصمة من ناحية حي الميدان جنوب العاصمة، وكانت الأوضاع تتداعى في حمص ودرعا وحماة ودير الزور.

ورغم أن حادثة تفجير «خلية الأزمة « كانت مفاجأة، ورغم أنها جاءت في لحظة مصيرية، إلا أنها ليست الحدث الذي كان ينتظره السوريون في حينه، ولا اعتبروه حدثاً مفصلياً سيكون له تداعياته الخطيرة في سياق ثورتهم على النظام، والسبب هو إدراك السوريين أن كل ما هو دون بشار الأسد لاعب غير مؤثر، ويمكن للنظام الاستمرار من دونه، وأن عملية فرط النظام مسألة أعقد من هكذا حدث. لذا، كان يهمهم في ذلك الوقت حصول متغيرات في البنية الأمنية والعسكرية وعلى مستوى كبير، بعد ان تأكدوا أن النظام سيستخدم في مواجهتهم كل طاقاته في هذين المجالين.

غير أن تفجير «خلية الأزمة» أطلق رائحة وجود صراع سياسي ما فيما يسمى ب»النواة الصلبة» للنظام، وظهور تباينات على مستوى إدارة الصراع ومخارجه المحتملة، وكان اسم آصف شوكت، في ذلك الوقت، قد تردد في أولى عمليات فك الاشتباك، التي حصلت بين النظام والثوار في الزبداني، حيث أشرف شخصياً على بنود الاتفاق وتطبيق مقتضياته، وقد أعطى الاتفاق للثوار صلاحية إدارة مناطقهم، ضمن صيغة تمنع الصدام مع الجيش، وتجنب المدينة الدمار وتضمن الأمن للأهالي. وهو النموذج الذي أريد استنساخه في حمص وريف دمشق، وبخاصة في الغوطة، وذلك كمقدمة لتسوية سياسية أكبر في مختلف المناطق.

يعرف متابعو الحدث السوري أن هذه التسويات الصغيرة، إما جرى الانقلاب عليها بعد وقت قصير، أو جرى تعطيل مسارها عند مفصل معين. وفي حينه، سرت بين الثوار أخبار الكمائن التي نصبها آصف شوكت لهم في الزبداني عبر خداعهم بالاتفاق ثم التملص من مقتضياته والنكوص عنه. وكان طبيعيا أن يصل السوريون في تلك الفترة إلى هذه الخلاصات، باعتبار أن الرجل من صقور النظام ومن قلب دائرته الصلبة، وبالتالي فهو يطبق تكتيكات هذا النظام، وربما يكون هو صانعها.

لكن بعيداً عن هذه الخلاصات، ولفهم الوضع ضمن سياقه العملاني، لا بد أن نضع في جملة حساباتنا أن النظام، وفي سعيه للسيطرة على الأوضاع في حينه، لا بد أن يكون قد وضع بدائل سياسية معينة. وقد تكون سياسات آصف شوكت من ضمن تلك البدائل، وذلك عبر سلسلة من الإجراءات تصل في نهايتها إلى السيطرة على زمام الأمور، ولكن ضمن صيغة جديدة، لم يكن بالإمكان أن يخرج آصف شوكت، وهو صاحب الذهنية الأمنية والمرتبط بالنظام بدرجة شديدة، عن حدود هذا الإطار. بمعنى أنه لن يعمل على وضع النظام على سكة التنازلات الكبيرة، التي ستؤدي إلى تفكيكه. على الأكثر كان سيعمل على إعادة إنتاج النظام ضمن صيغة جديدة، تراعي التطورات الحاصلة في سوريا، وتستوعب التداعيات التي أنتجها مناخ «الربيع العربي«.

إلى أي درجة كان ذلك سيضر بنظام الأسد؟ القراءة السياسية المنطقية تفيد، لو نجحت خطة شوكت، أن التأثيرات على نظام الأسد كانت ستكون تحت سقف السيطرة، ورغم خسارته بعض النفوذ والسلطة، إلا أنه في المقابل كان سيتحصل على مكاسب أهم من نوع شرعنة نظامه والمد بعمره. وبالتأكيد أن شوكت لم ينطلق بمبادراته في الزبداني ودوما وحمص من تلقاء نفسه، الأكيد أنه كان يطبق بدائل يتم الاتفاق عليها في مطبخ صنع القرار، الذي يشكل أحد عناصره. لكن، ويتذكّر متابعو الحدث السوري، أن ثمة قرارات كان يجري التراجع عنها من دون مبرر، وكانت تزيد حدة التوتر، وثمة استفزازات واستعراضات فجائية كانت تحصل ومن رأس النظام نفسه، ما يعني أن ثمة تغذية خارجية للقرار السوري، كانت تحرفه عن مساره عندما يصل أمر عملياتها، بناء على تقديرات ورؤى ليس لها علاقة بسياق الحدث؟

في السياق الزمني الذي وقع فيه تفجير «خلية الأزمة«، كان الحدث السوري يشهد تغيراً لافتاً في بنية الصراع، تمثل بازدياد الانخراط الإيراني فيه، وبداية ظهور البعد الطائفي في الصراع وصناعة سياق لهذا التطور، عبر فيديوهات القتل التي بدأ يجري تسريبها. ثم تأخذ التداعيات التالية مسارا مختلفا يحتوي القتل المذهبي والتطهير الديموغرافي. في لحظتها، بدأت تظهر التطبيقات العملانية للمشروع الإيراني.

غير أنه من المفيد هنا التذكير بمسألة مهمة، وهي أن المشروع الإيراني كان قد بدأ بتأسيس بناه التحتية قبل هذا الوقت بكثير، كانت جولاته الأولى في العراق، عبر السيطرة على مكوناته، ثم في لبنان واغتيال كل القوى المدنية الفاعلة فيه، وليصل إلى سوريا عبر تحويل السلطة فيها إلى فرقة ضمن هيكلية القوة الإيرانية، وخادمة لأهدافها. وللوصول إلى هذه الوضعية، كان لزوماً تزخيم الصراع الحاصل فيها وإفراغها من كل التوجهات التي لا تخدم المشروع الإيراني.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى