صفحات الحوار

آلان غريش: الثورات العربية لم تنته بعد

انهيار الدولة محتمل في سوريا والعراق.. ومستبعَد في مصر

مصطفى بسيوني

آلان غريش، مدير تحرير مجلة «لوموند ديبلوماتيك»، والباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، والمتابع الدائم لمسار الثورات العربية منذ العام 2011، يتحدث في لقاء مع «السفير»، خلال زيارته الأخيرة لمصر، عن نتائج هذه الثورات ومستقبلها والحلول الممكنة للخروج من الأزمات التي يواجهها الوطن العربي. وفي الاتي نص الحوار:

÷ كيف ترى ما آلت إليه الأمور في دول «الربيع العربي» بعد ثلاث سنوات من انفجار الثورات العربية؟

} برغم مرور ثلاث سنوات، إلا أن الوقت ما زال مبكراً للسؤال على النتائج. ما بدأ في العام 2011 لم ينته بعد. والأهداف لم تكن واضحة أصلاً. كانت هناك شعارات عامة مثل «الحرية» و«العدالة الاجتماعية»، وهذه الشعارات ما زالت تفعل فعلها في الشارع، وتضغط من أجل التغيير، ولكن الأمور لم تجر مثلما حدث في ثورات القرن العشرين، فمنذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى ستينيات القرن العشرين، كانت هناك قوى ثورية يسارية تحمل برامج وتعرف جيداً ما تريد، وهو ما أثر بوضوح في ثورات تلك الفترة. لكن اليسار يبدو اليوم ضعيفاً، ولا يلعب دوراً قائداً في الثورات. كما أن الطبقة العاملة اختلفت من حيث الحجم والتركيبة. لا يمكن التنبؤ في تلك اللحظة بحجم التغيير الذي ستحدثه الثورات في المنطقة، ولكن ما يمكن تأكيده أن الأمر لم ينته بعد.

÷ كيف ترى مستقبل الإخوان المسلمين ودورهم في المستقبل؟

} التيار الإسلامي موجود منذ بداية القرن العشرين. وفي التاريخ الحديث كان موجوداً على الأرض. في كل انتخابات ديموقراطية أثبت وجوده، كما حدث في فلسطين في العام 2006، وفي مصر منذ مطلع التسعينيات، وأيضاً في الجزائر. المشكلة أن نجاح التيار الإسلامي بني على فشل ما يُسمى بالقوى المدنية الليبرالية واليسارية. كانت القوى الإسلامية قوية، وتمكنت من بناء جذور لها بعكس القوى السياسية كافة. اليسار مثلاً لم تعد له جذور قوية، بعكس ما كان في السابق، كذلك فإن القوى المدنية تفتقد إلى التماسك التنظيمي ووضوح الرؤية بعكس الحركة الإسلامية. لذلك لا يمكن استبعاد القوى الإسلامية من حسابات المستقبل في مصر والمنطقة.

÷ كيف ترى ما حدث في مصر في 30 يونيو؟

} هناك جانبان لما حدث. أولهما الرفض الشعبي الواسع لسياسات «الإخوان المسلمين» في السلطة وفشلهم. كان هناك غضب حقيقي، وهذا مهم، فأفضل طريقة لمواجهة الحركة الإسلامية هي الديموقراطية والاختبار السياسي الحقيقي، وهي الفرصة التي كانت متوفرة بالفعل. والجانب الآخر سلبي وهو دور الدولة القديمة في 30 يونيو وتوجيه الأحداث في اتجاهها.

÷ هل ترى أن الثالث من يوليو نتيجة طبيعية لـ30 يونيو؟

} الثالث من يوليو هو انقلاب عسكري مهما كان مدعوماً شعبياً. والحقيقة أنه أنقذ «الإخوان»… «الإخوان» خسروا في عام واحد أكثر مما خسروه في عشرين عاماً من الملاحقة الأمنية. التأييد الشعبي لـ«الإخوان» انهار بالفعل خلال حكمهم. هذا هو الفارق بين التجربة المصرية والتونسية. السؤال، هو هل يمكن بناء تفاهم تاريخي بين مختلف القوى الفاعلة في المجتمع وخلق إطار للصراع كما جرى في تونس؟ للأسف ما جرى في مصر كان خرقاً لقواعد الصراع السياسي. ماذا يعني إعلان الحرب على الإرهاب؟ إنها حرب أهلية لأنها لا تدور ضد تنظيم أو جماعة محدودة، وإنما تدور ضد نسبة حقيقية من المجتمع. عقب الثالث من يوليو رأينا مصادرة حق التعبير والقمع ليس فقط ضد الإخوان ولكن ضد كل المعارضة، وحتى ضد هؤلاء الذين قاوموا الإخوان وساهموا في إسقاطهم. هناك تراجع مخيف بالفعل لمصلحة الدولة القديمة.

÷ معنى حديثك أن الثورة في مصر قد هُزمت بالفعل؟

} كلا… على العكس، فالرغم من التقدم الذي أحرزته الدولة القديمة، إلا أن الدولة ليست قوية، بدليل الإضرابات العمالية التي يتسع نطاقها بشدة. الدولة تخشى الحركة الاجتماعية، ولكنها لا تستطيع قمعها. لذا فهي تقدم الوعود لامتصاص غضب العمال، ولكنها لا تستطيع أن تجري إصلاحات حقيقية فتعود الحركة العمالية أقوى. تضطر الدولة إلى تقديم تنازلات أمام الحركة العمالية، وهي تستخدم الأموال الآتية من السعودية والخليج في رفع الأجور فتصبح هذه الزيادات مشوهة ويعود الغضب مرة أخرى.

÷ ولكن لماذا لا ينجح الإصلاح؟

} هناك من يقول إنه يجب أن يتم إصلاح في البلاد العربية، ولكن الحقيقة أنه لا يوجد نظام عربي مستعد لإجراء إصلاحات حقيقية. إذا فشل خيار الثورة، وفي ظل صعوبة خيار الإصلاح، سنكون في مواجهة خيارات كارثية مثل انهيار الدولة، مثلما حدث في الصومال. هذا الخطر يهدّد بالفعل سوريا والعراق والسودان مثلا. في مصر الدولة ضعيفة، ومراكز السلطة متعددة، ولكن من الصعب تصور انهيار الدولة في مصر.

÷ما المسار الذي يمكن أن تسير فيه مصر؟

} الحل في مصر هو تحقيق تفاهم تاريخي يضم الجميع ولا يستبعد أحداً بما في ذلك «الإخوان المسلمين» ومختلف القوى الموجودة بالفعل، ووضع قواعد للعمل السياسي والصراع والتنافس يلتزم بها الجميع. المشكلة أن الوضع الحالي في مصر لا يمكن أن تتطور خلاله حركات شعبية وعمالية يكون لها دور في حقيقي وحاسم. يجب أن تكون هناك مرحلة تفاهم تسمح بتشكل قوى اجتماعية وحركة شعبية يكون لها دور في بناء المستقبل السياسي.

÷ كيف ترى التغيرات التي تشهدها المنطقة اليوم؟

} من أخطر ما يجري حالياً هو الصراع بين السعودية وإيران على قيادة المنطقة. وللأسف فإن هذا الصراع يأخذ شكلاً مذهبياً. لا إيران ولا السعودية تقدّمان رسمياً الخطاب المذهبي، ولكن هذا مفهوم موجود ضمناً في الخطابات التي تقدّم في المنطقة وطبيعة التحالفات القائمة. وللأسف من أسوأ ما يمكن أن يحدث أن تجد تلك الخطابات طريقها وتنقسم المنطقة على أساس مذهبي.

÷ما هي أهم القضايا التي يجب حلها في المنطقة على خلفية الثورات العربية؟

} مشاكل الدول العربية هائلة وكلها ملحة. مثلاً مشكلة الفقر والبطالة التي تعاني منها نسب ضخمة من أبناء المنطقة. لقد كانت مشاكل الفقر والبطالة أهم دوافع الانتفاضات في المنطقة العربية. ولكن من ناحية أخرى ورغم أنها كانت مفجر للثورة إلا أنها تحتاج لدرجة من الاستقرار لفترة معقولة حتى يمكن إحراز تقدم في حلها. ما يحدث اليوم تفاعل معقد. الفقر فجر الثورات. وحالة الاضطراب الناجمة عن الثورات خلقت عدم استقرار فاقم من أزمة الفقر ورفع نسب البطالة. ستجد السبب يتحول إلى نتيجة ولا يمكن كسر تلك الحلقة الجهنمية سوى بمرحلة من الاستقرار تأتي عبر تفاهم واضح يضم الجميع.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى