صفحات الحوار

آلان غريش: الحل السياسي في سوريا ممكن.. ولكنْ ليس سريعاً

 

 

مصطفى بسيوني

بعد خمس أعوام على اندلاع الأزمة السورية، أصبحت سوريا مسرحا للتدخلات الإقليمية والدولية، بحيث أصبح الحل لا يتوقف على موقف النظام والمعارضة، بل أصبحت مواقف القوى الإقليمية والدولية أكثر تأثيرا في أي مسار ستتخده الأزمة السورية مستقبلاً.

الكاتب الفرنسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط آلان غريش، يتحدث لـ«السفير» عن المشهد السوري، ودور القوى الإقليمية والدولية، بعد خمس سنوات من بدء الصراع.

بعد خمس سنوات على الأزمة السورية كيف يبدو المشهد اليوم؟

هناك تغيرات مهمة طرأت على الساحة السورية. يمكن القول إن هناك إدراكاً بأن أوراق اللعبة ليست في أيدي روسيا وأميركا بالكامل، وأن هناك أطرافاً إقليمية لها مصالح وأدوار في الأزمة السورية.

كنت في موسكو في الأسبوع الأخير من شباط الماضي، ولمست هذا الفهم لدى الروس. روسيا ضغطت من أجل وقف إطلاق النار، وكان هناك اندهاش من البيان الأميركي ـ الروسي المشترك.

هل تعتقد أن وقف إطلاق النار وبدء المفاوضات يعني تحولاً في مسار الأزمة السورية؟

هناك وجهتا نظر. وجهة نظر في الغرب والمعارضة السورية، ترى أن السياسة الروسية لم تتغير، وكذلك النظام السوري. ووجهة النظر هذه ترى أن الهدنة ستنهار، وتعود الحرب مجدداً، وهذا احتمال وارد بالفعل على أي حال، وبالتالي فالتغيير الحاصل مؤقت.

ولكن هناك وجهة نظر أخرى في روسيا، تبلورت أكثر مؤخراً. فقد توقعت روسيا أن تدخّلها الجوي سينهي الأمر سريعاً وسيحسم المعركة. ولكن ذلك لم يحدث، لأن الجيش السوري ليس موجوداً بما يكفي. وقد عرضت روسيا المزيد من التدخل، بشرط المشاركة أيضاً في عملية إعادة بناء الجيش السوري على أسس مختلفة. وفي الوقت ذاته، فإنّ تجربة روسيا في أفغانستان تجعلها أكثر تردداً في التورط بالكامل في سوريا. وبات واضحاً أن ثمة خلافاً بين روسيا والنظام السوري.

النظام السوري يريد المضي قدماً في الحرب، بينما روسيا ترى أن الأزمة السورية لن تُحسم عسكرياً، على الأقل من دون تدخل بري، وهو ما لن تقوم به. لذا فإن هناك إرادة قوية لدى روسيا لدفع العملية السياسية.

تقصد أن روسيا مكتفية بدرجة تدخلها حالياً؟

روسيا حققت مكاسب بالفعل من تدخلها. لقد أصبح لها قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ سبعينيات القرن الماضي، وقدمت عرضاً لأسلحتها واستخدمتها وجربتها. وأصبحت طرفاً رئيسياً في أي حل مستقبلي في روسيا، وتمكنت من تدعيم النظام السوري الحليف لها ومنع انهياره.

كما أن حسم الأمر عسكرياً، حتى وإن تم، سيعني بدء عملية إعادة الإعمار، والتي تتكلف بحسب تقديرات 300 مليار دولار، وهو ما لن تحتمله روسيا منفردة، ولن يتحقق سوى بجهود إقليمية ودولية، وهذا بالذات يحتاج الى حل سياسي وليس عسكرياً.

لذا فأنا أتفق مع فكرة أن وقف إطلاق النار بداية لعملية سياسية.

لكن، كما قلت، فإنّ الموقفين الروسي والأميركي غير كافيين لأن هناك قوى إقليمية أخرى؟

نعم، وهي متضاربة ومواقفها متباينة. تركيا مثلاً، هي الأكثر سلبية تجاه الهدنة، وكذلك المسار السياسي. وبرغم قبولها بوقف إطلاق النار إلا أنها تنتقد هذا الأمر، وإن كانت قد اضطرت لوقف القصف (في الشمال السوري). ولكن هناك مشكلة تدهور العلاقات التركية الروسية، خاصة بعد إسقاط الطائرة الحربية، وهو ما تسبب بأزمة ذات بعد شخصي بين بوتين وأردوغان.

ومع ذلك لا أعتقد أن تركيا ستعوق الحل السياسي، لأنها خسرت كثيراً في الفترة الماضية، وعلاقاتها ساءت بكل الأطراف تقريباً، في ما عدا السعودية. كذلك هناك مشاكل داخلية في تركيا سياسية واقتصادية. لذا لا أرى في الموقف التركي، وبرغم تشدده، قوة خاصة، مع الأخذ في الحسبان الضغوط الأميركية على تركيا لوقف أي دعم لـ«داعش» و «جبهة النصرة».

ماذا عن الموقف الإيراني؟

أكثر من مصدر روسي أخبرني أن التحالف الإيراني ـ الروسي ليس استراتيجياً بمعنى الكلمة. كنت أتصور ذلك. ولكن مصدراً روسياً أخبرني بأن الفارق بين الموقفين الروسي والإيراني، هو تمسك إيران بالأسد.

ولكني لا أظن أن هذا الموقف أيضاً يعوق بدء الحل السياسي. فمن ناحية، يمكن القول إن العلاقات الإيرانية ـ السورية ليست علاقة عقائدية بمعنى الكلمة، ومن ناحية أخرى فإن قضية مصير الأسد ليست فورية. كل الأطراف، بما فيها المعارضة السورية، أظنها تتفهم أن التفاوض حول هذه النقطة قد يستغرق بعض الوقت. ولا يمكن للمفاوضات أن تبدأ من الإطاحة بالأسد. لذا لا أرى أن الموقف الإيراني سيعوق انطلاق العملية السياسية، ولكن الخلاف قد يظهر عندما تبدأ العملية السياسية بالفعل، وهذا يمكن التعامل معه إذا أراد الجميع ذلك.

كيف ستتعامل السعودية، برأيك، مع العملية السياسية؟

السعودية موقفها أقل تشدداً من تركيا. كذلك يجب الأخذ في الحسبان أن السعودية متورطة بشدة في اليمن، وهذا وحده كارثي بالنسبة لها. لذلك، لا أتوقع إطلاقاً أن ترسل السعودية قوات الى سوريا. كما أن السعودية ضغطت بالفعل على المعارضة للقبول بالهدنة والمفاوضات، والرياض هي الراعية لوفد التفاوض. بالتالي أرى أن السعودية لن تعوق الحل السياسي، ومثل كل الأطراف، فإن أي خطابات أو مواقف يمكن أن تكون بهدف تحسين شروط العملية السياسية، وجذبها في اتجاه معين، ولكن ليس وقفها.

كيف تقيّم الموقف المصري؟

لا أظن أن مصر لديها أدوار مهمة في المنطقة حالياً، ولأسباب عديدة. نعم لقد نظمت مصر مؤتمراً للمعارضة السورية قبل حوالي عام في القاهرة. ولكن لا أظن أن مصر مؤثرة في مسار الأزمة لأسباب كثيرة تتعلق بعلاقاتها بمختلف الأطراف في الأزمة السورية، وتناقضات موقفها مع مواقف حلفائها، فمصر حليف للسعودية، ولكنها في الوقت ذاته ترفض الإطاحة ببشار الأسد. كذلك، فإنّ الأوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية في مصر تجعل مواقفها غير مؤثرة في مسار الأزمة السورية.

إذا ظلت مواقف الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية على حالها، فهل تتوقع اقتراب الحل السياسي في سوريا؟

أعتقد أن هناك إمكانية للحل، ولكني لا أظنه سريعاً.

ثمة خطوات يمكن أن تسير بالتوازي. وقف إطلاق النار وتجميد الموقف على الأرض. رجوع بعض اللاجئين، وإطلاق سراح المعتقلين. محاربة داعش والجماعات الإرهابية. بدء إعادة الإعمار، مع بداية حوار للحل السياسي. وأعتقد أن الحوار سيكون صعباً. ليست المشكلة هي مصير الأسد بالذات، ولكن مشكلة النظام، وفكرة تداول السلطة، فالحكومات الشمولية بشكل عام لا تقبل التعامل مع التعددية. ولكن مع استمرار القتال لسنوات، وعجز كل الأطراف عن حسم الأزمة عسكرياً، فإنّ صعوبة الحل السياسي قد تكون أقل من صعوبة الاستمرار في القتال.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى