صفحات سوريةهوشنك أوسي

أتراك يتقاتلون على الأرض السوريّة!/ هوشنك أوسي()

المعارضة التركيّة في البرلمان التركي، متمثّلة بحزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي، وحزب الحركة القوميّة (الأتاتوركي المتطرّف) وحزب السلام والديموقراطيّة الكردي (الجناح العلني للعمال الكردستاني)، بالإضافة الى أحزاب أخرى علمانيّة وإسلاميّة غير ممثّلة في البرلمان، كلّها كانت تنتقد تدخّل حكومة حزب العدالة والتنمية في الأزمة السوريّة، ودعمها للمعارضة السياسيّة والمسلّحة. ولكن، لا يمكن للحكومة التركيّة إلاّ أن تتدخّل في الشؤون السوريّة، لأسباب عدّة، أبرزها:

1 ـ منعاً لتكرر الخطأ الذي ارتكبته أنقرة حين وقفت متفرّجة على التدخّل الأميركي في العراق سنة 2003، ورفضها المشاركة فيه، ما جعلها تخسر الكثير، بعد انفراد طهران بالتحكّم في مصير العراق. أضف الى ذلك ولادة الإقليم الكردي الفيدرالي، الذي اضطرت أنقرة للتنازل عن “كبريائها القومية”، والاعتراف به، ومحاولة استمالته إلى جانبها لتعزيز النفوذ التركي في العراق، الى جانب استثمارها الورقة التركمانيّة!

2 ـ الحدود المشتركة التي تجمع البلدين، (نحو 800 – 900 كيلو متر)، والمشاكل والملفّات المشتركة المتداخلة، كالقضيّة الكرديّة، ووجود العمال الكردستاني على جانبي الحدود، (بلديّات مدن؛ جِزير، نصيبين، ماردين، قزلتبه، سريه كاني – جيلان بنار…) يسيطر عليها حزب السلام والديمقراطيّة الموالي للكردستاني. بينما يحظى الأخير بقاعدة جماهيريّة في المناطق الكرديّة السوريّة، لا تقلّ عمّا يحظى به في كردستان تركيا، بالإضافة إلى حضوره العسكري في سوريا، الذي لم يعد خافياً عن أحد.

3 ـ الغنائم السياسيّة والاقتصاديّة، في سوريا والشرق الأوسط، التي ستجنيها تركيا من نظام ما بعد الأسد، ستكون أضعاف ما كانت تحصده من علاقاتها المميّزة مع نظام الأسد، قبل اندلاع الثورة. وبالتالي، النظام السياسي السوري، الذي سيأتي بعد إسقاط الأسد، سيكون موالياً لتركيا تماماً، بالقدر ذاته لموالاة نظام نوري المالكي وتبعيته لطهران، وربما أكثر. ما يعني أن تركيا ستصبح على حدود إسرائيل، ويمكنها التأثير أكثر على القرار السياسي والاقتصادي والأمني العربي.

4 ـ تركيا، كغيرها من القوى الإقليميّة والدوليّة، تحاول أن تجد لها دوراً وازناً ومهمّاً في رسم خارطة مستقبل المنطقة، وتسعى لتصفيّة حساباتها مع إيران وروسيا في سوريا. ذلك ان إيران تعارض النفوذ التركي في العراق، وروسيا تعارض نفوذ الاتراك في جمهوريّات آسيا الوسطى. وعليه، تركيا تنظر إلى سوريا على أنها “عراقها”، الذي لن تفرّط به مطلقاً لإيران وروسيا.

على الطرف المقابل، المعارضة التركيّة الأتاتوركيّة، ممثّلة بحزب الشعب الجمهوري، أكثر من مرّة، أرسلت وفوداً برلمانيّة إلى دمشق، والتقت بشار الأسد، خلال السنتين الماضيتين. وجدد الاسد خلال تلك اللقاءات، عزفه على وتر الحساسيّات القوميّة التركيّة، بالحديث عن احتمالات تشكل دولة كرديّة في سوريا وتركيا والعراق، على خلفيّة الأحداث الأخيرة. محذّراً من دور الحكومة التركيّة في ذلك. وربما لا يخفى عن أحد أن أبرز خلفيّات الزيارات المتكررة لوفود حزب الشعب الجمهوري الى دمشق، ولقائهم بالأسد، هو أن الغالبية العظمى من قيادات الحزب التركي وقواعده الجماهيريّة من العلويين الأتراك والكرد والعرب (زعيم الحزب كمال كلجدار أوغلو، علوي من أصول كرديّة). وهنا، يدخل الاصطفاف الطائفي العلوي على خطّ الخلاف بين الحكومة والمعارضة التركيتين، في ما يخصّ الأزمة السوريّة. إذ يتبنّى علويو تركيا، العوام منهم والمسيّسون، موقف نظام الأسد، باعتباره “مستهدفاً من الأنظمة السنيّة الحاكمة في تركيا ودول الخليج، بالتعاون مع أميركا وإسرائيل”! وبالتالي، إحدى الساحات التي يعبّر فيها الصراع بين الحكومة “السنيّة” والمعارضة “العلويّة” في تركيا عن نفسه، هي سوريا. ليس هذا وحسب، بل كشفت العديد من التقارير وجود المئات من المتطرّفين الاسلاميين الأتراك، ضمن “جبهة النصرة” و”دولة العراق والشام الاسلاميّة”. وهذا ما كشفت عنه تقارير إعلاميّة تركيّة مؤخّراً. إلى جانب تحذير كتّاب الزوايا والأعمدة في الصحافة التركيّة من ذلك. في حين أن هنالك المئات من العلويين الأتراك، بخاصّة ذوو الأصول العربيّة من منطقة هاتاي وميرسين وأضنا… يقاتلون في صفوف الشبّيحة، بقيادة المدعو معراج أورال (علي كيّالي) في محافظة اللاذقيّة وحمص. ومع وصول الاشتباكات بين المجموعات السوريّة المسلّحة وجيش الأسد وشبّيحته الى ريف اللاذقيّة، لا غرابة في أن نجد مواطنين أتراك (سنّة وعلويين) يسقطون على جبهتي القتال!

بالتوازي مع ما سلف، هنالك كرد من تركيا، ضمن وحدات الحماية الشعبيّة الكرديّة السوريّة التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي، يقاتلون الجماعات الإسلاميّة المتطرّفة المدعومة من تركيا، رسميّاً وشعبيّاً – إسلاميّاً. وعليه، هنا أيضاً، يسقط مواطنون أتراك من الجهتين، على الأرض السوريّة. وثمّة حالة مشابهة لذلك، هي وجود كرد عراقيين متطرّفين، ضمن المجموعات الاسلاميّة، السالفة الذكر، يقاتلون إخوتهم الكرد السوريين!

وبما أن سوريا أصبحت ساحة مباحة ومتاحة لكل قوى الاستخبارات الإقليميّة والدوليّة، وميدان لتصفيّة الحسابات بين هذه القوى، فإن الناس البسطاء “الغلابى”، هم المنخدعون بالشعارات الدينيّة أو القوميّة أو الطائفيّة للجهات المتقاتلة، وهم الذين يدفعون من كيسهم ضرائبَ وفواتيرَ هذه الحرب القذرة، المسمومة، التي تداخل فيها القومي بالديني بالطائفي.

ختام القول: الأتراك الذين يتقاتلون سيّاسيّاً في تركيا، يتقاتلون عسكريّاً على الأرض السوريّة. وإذا حسمت المعركة لصالح نظام الأسد، بكل تأكيد، لن يستفيد علويو تركيا من ذلك قيد أنملة، سوى أن النظام الذي يحكم سوريا، كان وسيبقى علويّاً! بينما إذا انتهت الحرب بسقوط نظام الأسد، ربما تنتقل “كرة الانتقام والثأر” الطائفي إلى تركيا. إذ سيعتبر علويو تركيا أن حكومة أردوغان الإسلاميّة هي التي تسببت في ذلك، كرهاً في العلويين ومذهبهم، وليس حبّاً في تحرر الشعب السوري من الطاغوت الأسدي. وكي تقلل الحكومة من خطورة تحقق هذا الافتراض، عليها أن تبادر بأسرع وقت ممكن، الى الانفتاح على الملفّ العلوي وإجراء الاصلاحات اللازمة، كي تسحب البساط من تحت أقدام نظام الأسد. ذلك أن أنقرة، ومع انفتاحها على القضيّة الكرديّة، ودخولها في تسوية مع الكردستاني، لم تترك للنظام السوري سبيلاً إلاّ العبث بالملفّ العلوي للضغط على أنقرة. فالإصلاح في تركيا، لا مناص من أن يكون شاملاً؛ الملف الكردي بالتوازي مع الملف العلوي. هكذا، ستتعافى تركيا داخليّاً وخارجيّاً. وإلاّ فإن سحب الصاعق من برميل البارود، لا يعني إبطال مفعول القنبلة الطائفيّة إلى الأبد! بخاصّة أن التاريخ التركي (العثماني والجمهوري) مليء بالقمع الدموي والوحشي وسياسات الانكار ضدّ العلويين. وللأسف، حزمة الإصلاحات الأخيرة التي طرحها أردوغان، لم تصب الكرد بخيبة الأمل وحسب، بل تجاهلت ملف العلويين تماماً! ومع استمرار تقاتل المواطنين الأتراك على الأرض السوريّة، ليس مستبعداً أن يتنقل هذا القتال الى داخل تركيا، مع تجاهل الحكومة التركيّة حلحلة الملف العلوي في تركيا.

() كاتب كردي

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى