صفحات الناس

أجنحة الشام… اختراق سوري إيراني لقوانين الطيران الألمانية/ باسل الحمدو

 

 

عبر مجموعة “كراجات الهجرة العكسية الأساسية – التغريبة السورية (العودة بدون مهربين)” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، تساءل اللاجئ السوري في ألمانيا كريم حزوري، عن كيفية الرجوع إلى ألمانيا عقب زيارة سورية، من دون أن يكتشف مكتب الأجانب، والذي يتبع له اللاجئون، زيارته بلده الأم، إذ تنص المادة 25/2 من قانون اللجوء الألماني على أن “كل من يحمل صفة اللجوء الإنساني ويثبت عودته إلى بلده الأم يُعتبر لجوؤه لاغياً ويفقد حق الإقامة في البلاد، كون الحجة التي حصل على أساسها على حق اللجوء غير صحيحة”، قائلا في منشور نهاية أغسطس/آب الماضي “سؤال لأهل الخبرة، معي إقامة ثلاث سنوات وجواز سفر ألماني (وثيقة سفر زرقاء خاصة باللاجئين)، ونزلت إلى إيران ومنها إلى سورية وبدي أرجع عن طريق لبنان، حدا جربها وطلع ولا بحسوا علينا الألمان”.

ويحمل اللاجئون الذين يتمتعون بحق اللجوء الإنساني وثيقة سفر ألمانية كُتب عليها “يسمح لحاملها بزيارة جميع البلدان عدا بلده الأصلي”، بعد أن هربوا منه بسبب الخوف على حياتهم، بينما يظهر حزوري في صورة على “فيسبوك” مرتديا زيا عسكريا كتب عليه “عمليات التنسيق 1 # 314″، وفي شهر مارس/آذار 2017 نشر صورة أخرى على صفحته على فيسبوك وهو في مدينة حلب السورية، واستمر ذلك حتى الثاني والعشرين من شهر أغسطس/آب 2017، عندما التقط آخر صورة أمام سيارة تحمل لوحة سورية، ثم ظهر مجدداً في مدينة هانوفر الألمانية وهو يحمل علم سورية في مكان عام.

ويعد حزوري مثالا للاجئين خرجوا من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وحصلوا على حق اللجوء في ألمانيا بحجة أن حياتهم مهددة بالخطر، لكنهم عادوا لزيارة بلدهم مرة أخرى، بينما ما يزالون محتفظين بحق اللجوء الإنساني، في ظاهرة متنامية وفق ما يتضح من إحصاء مكتب الأجانب في مقاطعة بادن فوتينبيرغ جنوب غربي ألمانيا، والذي ضبط 100 منهم بحسب تقرير أصدره مطلع شهر أغسطس/آب 2017.

لكن كيف سافر حزوري وغيره من اللاجئين إلى بلدهم الأصلي، رغم الحظر المفروض عليهم وفقا لقوانين اللجوء الإنسانية؟ هذا هو ما تجيب عنه السطور التالية والتي تكشف مخالفة شركتين، إحداهما سورية والأخرى إيرانية، مدرجتين على قوائم العقوبات الأميركية لقوانين الطيران الأوروبية.

إعلانات أجنحة الشام في قلب برلين

في شارع Sonnenallee في قلب برلين، تنتشر سلسلة من المطاعم السورية التي تحمل اسم دمشق، ظهرت إلى الوجود بعد موجة الهجرة الأخيرة عام 2014، حين استقبلت برلين وحدها ما يزيد على سبعين ألف لاجئ سوري من ضمن أكثر من نصف مليون سوري وصلوا إلى ألمانيا بحسب الإحصائيات الدورية التي نشرها مكتب المهاجرين واللاجئين في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2015، وتنتشر في الشارع ذاته سلسلة من المكاتب السياحية العربية، تعلق شعارات الناقل الوطني الألماني “لوفتهانزا” أو شركتي النقل الأوروبيتين الأرخص “ريان اير” و”إيزي جيت”، والتي باتت شعارات وإعلانات شركة أجنحة الشام السورية الخاصة تطغى عليها، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر جولة في الشارع.

وعلى الصفحة الرسمية لشركة أجنحة الشام على “فيسبوك”، تروج الشركة لرحلات متجهة من مطارات برلين وميونخ ودوسلدورف إلى دمشق، رغم أن جداول الطيران في المطارات سابقة الذكر لا تحتوي على أي رحلة تحمل اسم أجنحة الشام للطيران، وهو ما أكدته كورنيليا كرامر رئيسة قسم التواصل مع الإعلام والمؤسسات الرسمية في المكتب الاتحادي للطيران المختص بمراقبة تراخيص شركات الطيران داخل ألمانيا، قائلة لـ”العربي الجديد”: “شركة أجنحة الشام ليست معروفة على الإطلاق بالنسبة لنا، ولا تحتوي سجلاتنا على أي رحلات طيران باسم أجنحة الشام”.

وتأسست شركة أجنحة الشام للطيران عام 2007 وفق القرار رقم 868 بإدارة رجل الأعمال السوري عصام شموط، وشريكه محمد علاء شموط، بحسب وثيقة التأسيس التي حصل عليها “العربي الجديد” والموقّعة من قبل اللواء الطيار حازم الخضراء والصادرة عن المؤسسة العامة للطيران المدني بتاريخ 16 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2007، وفي الحادي والثلاثين من شهر يوليو/تموز الماضي أصبح مالك شركة أجنحة الشام يملك صفة رسمية، بعد أن أصدر وزير السياحة السوري قراراً بضم عصام شموط إلى اتحاد غرفة السياحة السورية بصفته خبيراً.

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2016 أدرجت وزارة الخزانة الأميركية شركة أجنحة الشام ضمن قائمة عقوباتها الاقتصادية لمساعدتها النظام السوري ومليشياته وقوات الحرس الثوري الإيراني مادياً ولوجستياً وتكنولوجياً واعتبرتها كياناً خاضعاً لسيطرة النظام السوري، الأمر الذي يتطابق مع ما رصده “العربي الجديد” عبر حالة لمقاتل ضمن مليشيا النجباء العراقية يدعى مقدم الدبي والذي ظهر عبر صفحته على “فيسبوك” في صورة التقطها أمام طائرة لشركة أجنحة الشام، ونشر أيضاً صورة أخرى وهو يقاتل في بلدة الحاضر السورية في ريف حلب.

العمل بدون الترخيص الأوروبي

في 23 يوليو/تموز عام 2012 أصدر الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات شملت عدة شخصيات وجهات سورية، ضمن ما يعرف بالتدابير التقييدية بشأن الوضع في سورية، ومن بين تلك الجهات مؤسسة الطيران العربية السورية والتي منعت من الهبوط في المطارات التابعة للاتحاد الأوروبي أو التحليق في المياه الإقليمية لدول الاتحاد الأوروبي، بسبب سيطرة النظام عليها وتوفيرها الدعم المالي له.

ورغم أن العقوبات لم تشمل شركة أجنحة الشام للطيران الخاصة، فإن إعلانات الشركة تنتشر في العاصمة الألمانية، بالرغم من أنها بحاجة للحصول على موافقة المفوضية الأوروبية للعمل في ألمانيا، وهو ما لم تحصل عليه حتى نشر التحقيق، بحسب وثائق وكالة سلامة الطيران الأوروبية EASA في بروكسل، والتي زودتنا بقائمة شركات الطيران المرخصة وتلك التي قدمت أيضاً طلبات للترخيص ولم يبتّ في أمرها بعد، وفقا لتقريرين بتاريخ أكتوبر/تشرين الأول 2016 والثاني في سبتمبر/أيلول من 2017، والذي ظهرت فيه شركة أجنحة الشام باعتبارها من بين الشركات المتقدمة للحصول على الترخيص.

ضمانات أجنحة الشام للاجئين

غادر العشريني السوري أحمد شامي ألمانيا في زيارة إلى بلده الأصلي في سبتمبر/أيلول 2017، عبر مطار برلين إذ حجز رحلته عبر وكيل شركة أجنحة الشام في ألمانيا، والذي وفّر له رحلة من برلين إلى طهران عبر شركة “ماهان اير” الإيرانية ومن طهران إلى بيروت عبر شركة أجنحة الشام، ومنها إلى دمشق بواسطة ذات الشركة التي نجحت مطلع مارس/آذار 2016 في كسر قرار الأمن العام اللبناني “بمنع الرعايا السوريين الذين غادروا تركيا بصورة غير شرعية إلى أوروبا من دخول الأراضي اللبنانية والإيعاز للشركات الناقلة بعدم السماح للمسافرين بالسفر على متن رحلاتهم” بحسب ما جاء في بيان أعلنت عنه صفحة الشركة، فرع بيروت في تاريخ 21 مارس/آذار 2016.

وأكدت الشركة اتفاقها مع إدارة مطار رفيق الحريري باستخدامه كمطار عبور في نقل المسافرين جوا فقط إلى القامشلي ثم إلى دمشق، الأمر الذي تحقق عبر السماح لركاب أجنحة الشام بالسفر إلى سورية باستخدام الهوية الشخصية، وبالتالي يمكن للاجئ الخروج بجواز سفره السوري أو الوثيقة الألمانية إلى إيران أو لبنان، ومن ثم الدخول إلى سورية باستخدام هويته الشخصية من دون أن يترك أي علامة أو ختم على جواز سفره تدل على دخوله إلى سورية، وفقا لما أعلن فرع الشركة في بيروت في 9 و16 أبريل/نيسان 2016.

وتروج شركة أجنحة الشام في بيروت عبر صفحتها، لرحلاتها من ألمانيا إلى سورية وبالعكس، مقدمة ما وصفته بضمانة للاجئين ممن يخشون العودة من سورية إلى أوروبا، إذ يظهر في أحد المقاطع المصورة المروجة على “فيسبوك” أحد موظفيها في مطار بيروت، يطلب من المسافرين في 9 إبريل/نيسان، التوضيح والرد على الشائعات التي روجت عن تعرض ركاب الشركة القادمين من ألمانيا إلى مشاكل، وهنا يرد المسافرون بأن كل شيء جرى على ما يرام ولا داعي للخوف، وعادت الصفحة مرة أخرى لترد على الانتقادات التي وردت في تعليقات على صفحتها على فيسبوك بفيديو آخر يظهر فيه المسافر علي عبدالله عبدالله متوجهاً إلى سورية في 21 يوليو/تموز 2017، بالهوية الشخصية دون استخدام جواز السفر.

وكيل الشركة في برلين

نشرت الصفحة الرسمية لشركة أجنحة الشام رقم هاتف أرضي وآخر لجوال قالت إنهما يعودان إلى مكتب وكيلها الرسمي في برلين، والذي يحمل اسم McSa e-travel solutions، ويظهر على الموقع الرسمي لوكيل أجنحة الشام العلاقة ما بين الشركة والمكتب الذي اتصل معد التحقيق طالبا زيارته والاستفسار عن الوضع القانوني في حالة ما إذا كان المسافر لاجئاً؟ وأجاب الطرف الآخر بالعربية بعد أن استهل حديثه بالألمانية، بأن المكتب لا يقوم باستقبال أي زبون ونصح بالتوجه إلى شارع “زونين اليه” في برلين للقيام بالحجز، أما بخصوص من لا يحمل ختم خروج شرعياً، فعليه مراجعة السفارة السورية فقط وهناك سيجد الإجابة.

ولا يحمل الموقع الرسمي للمكتب على الإنترنت معلومات تفصيلية عن الوكيل، لكن حصل معد التحقيق من ردّ لشركة أجنحة الشام على فيسبوك عن تساؤل أحد الزبائن عن الرقم الشخصي لمدير المكتب دون ذكر اسمه، وتبين بعد إجراء بحث بالرقم عبر تطبيق سناب شات أن رقم الهاتف يعود لشخص يدعى ياسين طيان والذي تم تأكيد هويته عبر شبكة linkedin للتواصل المهني وموقع التواصل holaconnect، أن ياسين يقيم في ألمانيا ويتولى منصب المدير التنفيذي لمكتب McSa e-travel solutions (الوكيل الرسمي لشركة أجنحة الشام في ألمانيا وفق ما أعلنته على حسابها على فيسبوك) وكان من قبل يعمل موظفاً في مؤسسة الطيران العربية السورية، ودرس دبلوم إدارة سياحة وخدمات الرحلات في جامعة كاسل هايم في النمسا.

وللاستفسار عن طريق الرحلة من برلين إلى دمشق توجه معد التحقيق إلى أحد المكاتب السياحية في شارع sonnenallee في برلين، قائلا للموظف إن “قائمة رحلات المطارات الألمانية لم يرد فيها اسم شركة أجنحة الشام للطيران”، وكانت الإجابة أن الرحلات تتم باتفاقية بين شركتي أجنحة الشام و”ماهان اير لاين” الإيرانية، حيث تتولى طائرات “ماهان اير لاين” نقل مسافرين من ألمانيا إلى إيران ومن ثم تتولى شركة أجنحة الشام بقية الرحلة إلى سورية عبر بيروت، الأمر الذي يؤكده مدير التطوير التجاري في شركة أجنحة الشام أسامة ساتيا، والذي أرسلنا له في الثاني والعشرين من شهر يناير/كانون الثاني رسالة عبر الفاكس إلى المقر الرسمي للشركة في دمشق، نطلب فيه تفسيراً لإعلانات رحلاتها غير القانونية في ظل عدم وجود ترخيص رسمي يمنحها حق مزاولة العمل في دول الاتحاد الأوروبي، وردها على الاتهامات الموجهة لها بمساعدة اللاجئين السوريين بالسفر إلى سورية وتجنب رقابة السلطات الألمانية عليهم! ووصل الرد في اليوم التالي عبر الفاكس موقعاً من قبله، مفسّراً ما سبق، بأن الشركة وقعت اتفاقية خاصة مع “ماهان اير لاين” لخدمة المواطنين السوريين في أوروبا، أما في ما يخص الاتهامات الموجهة إليهم بمساعدة اللاجئين في تجنب رقابة السلطات الألمانية فقد تجنب الإجابة، قائلا “نحن متوافقون مع السياسات الدولية بكل تأكيد”، من جانبها تجاهلت شركة “ماهان اير لاين” الرد على أسئلتنا المرسلة عبر الفاكس والبريد الإلكتروني في اليوم نفسه.

شركة ماهان

يدير “ماهان اير” التي تعد أول شركة طيران خاصة إيرانية (بالفارسية: هواپیمایی ماهان، Havapeymaei-e Mahan)، حميد عرب نجاد، وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية شركة ماهان للطيران على لائحة العقوبات في ديسمبر/كانون الأول 2011 بسبب تقديم خدمات للحرس الثوري الإيراني في إيران وسورية، ثم شددت العقوبات المفروضة عليها مجدداً في شهر مارس/آذار من عام 2016 لنفس السبب، لكن مالك شركة أجنحة الشام الحالي عصام شموط تجاوز الحظر الأميركي وساعد شركة ماهان للطيران بشراء تسع طائرات، ثمانٍ منها من نوع إيرباص ايه 340 وطائرة إيرباص من نوع ايه 320 أدرجت على إثرها واشنطن شركة “سكاي بلو بيرد” للطيران التي تتخذ من دبي مقراً لها ورئيسها رجل الأعمال السوري عصام شموط في العقوبات الاقتصادية التي أصدرتها وزارة الخزانة الأميركية عام 2015.

وتبدو العلاقة الحالية بين شركة ماهان وأجنحة الشام أقوى من أي وقت سابق، إذ تعلن شركة أجنحة الشام لمسافريها، عبر صفحتها الرسمية في فيسبوك، عن رحلاتها من مطارات ألمانيا إلى سورية، وتضع أرقام وكلائها في ألمانيا دون الإشارة إلى أن الناقل الوسيط هي شركة ماهان، بالرغم من وجود اتفاق تعاون وقعه الطرفان في مارس/آذار 2016 في حفل أقيم في دمشق، ويتضمن الاتفاق في مرحلته الأولى فتح خط طهران دمشق، والذي وصفته حينها ممثلة شركة ماهان الإيرانية للطيران زهراء شعبان زادة في تصريح أدلت به إلى وكالة سانا الحكومية بـ”التعاون الذي سيصب في مصلحة الشعب السوري الصامد”.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى