صفحات المستقبلعامر مطر

أحذية مستعملة للبيع/ عامر مطر

لأنني لم أستطع سحل جثثهم دفعةً واحدة، قطعتُ أرجلهم وسحلتُها. أركض في المدينة بحبلٍ واحد وعشرات الأرجل. الدم يرسم خطاً بنّياً على الزفت. يركض أطفال المدينة خلفي، يريد كلٌّ منهم أن يرسم خطاً بنّياً في حارته. حين أتعب، أعود إلى البيت، أدفن الأرجل، وأفتح على مدخل الحارة بسطة صغيرة للأحذية المستعملة.

* * *

حين جاء الموت إلى مدينتي كانت رائحته زنخة، كأنه يتعرّق كثيراً، ولا يستحم البتة. نكايةً بالموت، كنا نفقأ أعين الأسماك التي نصطادها، ونعيدها إلى الماء. نسحل الأسماك الكبيرة على الزفت، ونحاول تعليمها الطيران من الطابق الرابع.

* * *

في المنفى الهادئ، الأسنان أغلى من البشر في بلدي. زرعتُ المسامير في فكّي السفلى لأن لحم الغربان قاسٍ. جففتُ اليوم كل غربان حارتنا على شبابيك بيتي وصلّيتُ لتستمرّ فكّي العلوية، لأن صدأ المسامير مرّ، ولحم الغربان قاسٍ. حفرتُ في مطبخي مقبرة صغيرة للأحشاء والريش، إذا جعتُ طبختُها في الشتاء.

* * *

لأنني لم أستطع سدّ نافذتنا، سأجرّب الآن للمرة الثالثة دقّ مسمار جديد في رأسي. لم أستطع سدّ نافذتنا، سأسلق قلبي بماء الزهر وأفتح الباب لقطط المدينة.

* * *

على جدران غرفة نومي آذانٌ لجنود قُتلوا بالمصادفة. قطعتُها، ثبّتُّها بالمسامير. ووقفتُ قبل النوم أحكي لها قصة ليلى والذئب وأمسح عن وجه جدراني ما ينزّ من دم وقيح. لا أستطيع النوم. أدقُّ المسامير أكثر وأحكي لها مجدداً قصة ليلى والذئب.

* * *

خرجت القذيفة من المدفع، ودخلت في جسد صديقي. يضحك الجندي، ولا أستطيع فعل شيء. أنزع أظفاري، وأدقّها في كتفي. أنا ضابط برتبة عالية أستطيع الضحك بصوت أعلى وكتابة قصائد من تاريخ الحب العذري على بطن القذائف.

* * *

حين سقط برميلٌ من السماء على حارتنا الصغيرة، اتسعت المقبرة. نسيتُ يومها تصوير الجثث، فلم يصدّقنا أحدٌ من العالم الهادئ. نبشنا القبور، وطبخنا لوسائل الإعلام لحم قتلانا، بكينا أمام الكاميرات بحرقة، ودفنّا الصحون والسكاكين.

* * *

لم ندفن أحداً منهم بعد، سنطبخ جثثهم في آلات النفط البدائية، نكرر اللحم البارد، ونرمي العظام في فم البئر. لا مقابر بعد اليوم. اقتلعتُ شواهد مقبرتنا القديمة وسحلتها على الزفت. نكرر النفط واللحم البارد بأباريق الشاي، نغسلها بعد كل طبخة، لنشرب الشاي الأخضر والمازوت.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى