صفحات الحوار

أحمد برقاوي: الثورات هزمت الأصوليات والمجتمع يقاتل في سبيل حقوقه لا في سبيل الله


راشد عيسى

ما يجري هو من حيث دلالته التاريخية ثورة والثورات بصورتها الفرنسية والبلشفية انتهت

أحمد برقاوي لـ”السفير”: المثقف تلميذ نجيب لدى التاريخ، يذكّر أحمد برقاوي، كانما ليقول ليس بإمكان المثقف أن يتأخر، كما الثورات ذاتها، عن الموعد. هذا إذا كان التلميذ نجيباً بالفعل، أما الاخرون، الذين يحتشد بهم المشهد الثقافي فلا يبدو أن الأكاديمي المعروف قلق بشأنهم، يقول لطالما كان الوضع كذلك على مرّ التاريخ، مقسوماً بين نجباء وحراس. ما الذي يقوله أحمد برقاوي إذاً بخصوص ربيع الثورات العربية، ومن يقودها، وإلى أين تمضي، هنا حوار معه: ÷ كيف تسمي ما تشهده بلادنا اخيراً؟ ثورات؟ انتفاضات؟ أم ماذا؟ } ما يجري حالياً في الوطن العربي، وما سيجري، هو من حيث دلالته التاريخية ثورة، لأنه يريد أن يحطم نظاماً قديماً، سلطة قديمة، وينشئ نظاماً جديداً. يريد تجاوز ماض، متسم بالقمع والإفقار، إلى حاضر متسم بالحرية والعدالة، بهذا المعنى هي ثورة. أما أسلوب الثورة فيختلف عبر التاريخ، وأنا منذ فترة طويلة أتحدث عن هذا النمط من الثورات. أنا أصدرت كتاباً بعنوان “العرب بين الأيديولوجيا والتاريخ”، وقلت إن المنطقة تعيش حالة من الثورة الصامتة، وستقوم ثورة سلمية. الثورات القديمة، بصورتها البلشفية والفرنسية انتهت، ثم إن الانقلابات العسكرية لم تعد قادرة على إنجاز حركة تاريخ مهمة، وبالتالي أنا مع استخدام مفهوم الثورة. الآن الثورات تتعيّن بأشكال متعددة، تتعين بتمرد هنا، تمرد هناك، انتفاضة في هذه القرية أو تلك، حيث الأساليب لا تنفي أن المفهوم الدال على الحركة هو الثورة. حتى بالمعنى اللينيني للكلمة، فإن شروط الثورة تنطبق على ما يجري في الوطن العربي؛ ضعف الدولة، ضعف السلطة، وصول المجتمع إلى حالة من الفوضى والخراب الاجتماعي، وصول الطبقات الاجتماعية إلى درجة القرف من هذا الواقع… كل ذلك سيؤدي في النهاية إلى ثورة. ÷ هل تجد فوارق بين هذه الثورات، تونسية كانت أم مصرية، سورية أم ليبية؟ } التعيّنات المختلفة الآن للثورات العربية مرتبطة بطبيعة المجتمعات نفسها، الثورات، البنى،… أنا أبحث عن المعنى العام لما يجري، لا أدخل بالتفاصيل، مثل مقتل خمسة وجرح آخرين هناك… هذه التفاصيل للأخبار، نحن شغلنا الشاغل كيف نكشف عن المعنى القابع وراء هذه الحركة. لكي تفسر التمايزات عليك أن تفهم البنى الواقعية، بنية السلطة وبنية المجتمع. لكن قبل أن أبرز لك هذه التمايزات أقول لك إن المشترك في الوطن العربي ككل من المحيط إلى الخليج، من المغرب إلى البحرين، هو ما يلي: سلطة مناقضة للتاريخ، وتريد أن تستمر أنفاً عن التاريخ، ما يعني أن مرحلة الانقلابات العسكرية التي انتهت باستمرار الأنظمة، ملكية أو جمهورية لا فرق… أبرزت حركة معقدة في عالمنا، سلطة قابضة بتلابيب المجتمع معتقدة أنها إذ تمسك بالمجتمع يكف! المجتمع عن التغيّر والتطوّر. بالمقابل المجتمع يسير وفق الآليات العفوية، فهو يتطور أمام أعين السلطة دون أن ترى السلطة ذلك. تنشأ طبقات جديدة، معرفة جديدة بالعالم، علاقات جديدة بالحياة، هذا عملياً يتحقق بشكل عفوي في المجتمع. السلطة هنا أشبه بالقميص الذي ألبسته للمجتمع والذي صار أضيق بما لا يقاس من حجم المجتمع الذي يتطور، وبالتالي لكي تستمر السلطة موجودة أنفاً عن حركة التاريخ، أي أنفاً عن الحركات العفوية، كان يجب أن تستخدم أعلى درجات القمع، اعتقاداً منها بأن القمع قادر على إيقاف حركة التاريخ. في المقابل كلما ازداد القمع أبدع التاريخ دروباً متعددة لتطوره، إذ وصل المجتمع إلى حالة من التغير في الواقع: فئات مثقفين تكاثرت، فئات وسطى انحطت إلى ما دون الفئات الوسطى وظلت محتفظة بوعي الفئات الوسطى. طبقة برجوازية متحالفة مع السلطة، لكنها من جهة أخرى تعيش مأزق تطورها بسبب تحالفها مع السلطة، معرفة متطورة بالعالم، علاقات اتصال جديدة، شاب يضغط على زر فيرى العالم وهو في غرفته، كل هذا شيء جديد في التاريخ، بينما السلطة شيء قديم. لما كانت السلطة تعتقد أنها قادرة على الإمساك بالسلطة بالقمع، ولما كانت عمياء لا تستطيع أن ترى حركة التاريخ، وصماء غير قادرة على سماع نواقيس التاريخ، أي أنها أصيبت بالعماء وبداء الصمم التاريخي والمجتمع يتطور فقد حولت المجتمع إلى مجتمع شرارات، لأنها إذ قضت على شخصية المجتمع السياسي، فقد قضت على إمكانية التطور والتحول الطبيعي للمجتمع. المجتمع الذي يتكون من أحزاب، جمعيات، يكون له فاعلية في تغير النظام السياسي، في تصورات جديدة للحكم، في تصورات جديدة للقيم والثقافة… لما أصبح المجتمع خلواً من التعيّن الشخصاني السياسي، صار المجتمع مجتمع شرارات عفوية، ومجتمع الشرارات العفوية بالتعريف هو المجتمع الذي تراكم فيه الهشيم، إلى حد أن صارت شرارة واحدة قادرة أن تشعل النار في السهل كله، كما قال ماو تسي تونغ. هذه هي الحركة العامة الآن في الوطن العربي، لا أستثني منها السعودية ولا الإمارات ولا قطر ولا المغرب ولا أحد. بناء على هذا المعنى العام لهذه الحركة التاريخية، ننتقل إلى خصوصيات تطور المجتمع المحلي؛ ففي بلد مثل المغرب، فمحمد السادس، الذي ورث عن أبيه سلطة قمعية متخلفة ديكتاتورية مستبدة منفرة للمجتمع، عبر وعيه وعبر حراك مجتمعي ما، قرّر أن يتجاوز عالم أبيه، قرر أن يقتل الأب، فقتل أبيه، قتل التجربة، وقرر إجراء مصالحة وطنية، أخرج الناس من السجون، عمل قانون أحزاب، وبدأت هذه الأحزاب تفعل فعلها في المجتمع المغربي، وصولاً إلى تحويل المغرب إلى ملكية دستورية، وبالتالي ما فعله أن مجتمع الانفجارات المغربي، قبل أن ينفجر قام بعملية الإصلاح للسلطة السياسية، فلم يعد المجتمع المغربي مجتمع انفجارات، على عكس الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، حيث السلطة هناك أبقت المجتمع مجتمع انفجارات، ولم تسمع ولم تر إطلاقاً. فهذا الضخ الكبير للهشيم في المجتمع؛ إفقار، فساد، قمع، وغيره… مع وجود حركة عمالية كبيرة أنفاً عن النظام، مع ثقافة مرتبطة بالغرب، حيث كل تونسي يعرف لغتين (عربية وفرنسية)، بالإضافة إلى قربه من المجتمع الفرنسي، ومعرفته للعالم، فكان بوعزيزي هو الشراراة التي ألهبت النار في السهل كله. وقس على ذلك المجتمعات الأخرى. القبيلة طبقة ودولة في البحرين مجتمع قديم بتاريخه السياسي؛ نقابات عمال قديمة، نادي العروبة في البحرين عمره عقود من الزمن وهو ناد قومي. الحركة العمالية كبيرة. الملك هذا الذي جعل نفسه ملكاً في البحرين هو في النهاية سلطة أتوقراطية وراثية مستبدة، وقد بدأ بإصلاحات استجابة للحراك. لكن مجتمع البحرين هو مجتمع حولته السلطة إلى مجتمع طائفي. السلطة ليست قبلية فحسب، فهي قبيلة، طبقة، وطائفة. لاحظ التعقيد، القبيلة صارت طبقة، في كل دول الخليج القبيلة طبقة وطائفة وحاكمة. القبيلة دولة. مجتمع القبيلة، الدولة هذا كان قادراً، عبر الدخل الكبير للنفط، على امتصاص الوعي المناهض للسلطة، فصار لدينا تناقض بين مجتمع لديه وعي متقدم على السلطة، لكن شروطه المادية لا تسمح له بأن يأتي على هذه السلطة. لكن إلى متى يمكن لهذا أن يستمر، طبعاً من غير الممكن، حيث السلطة تمنع أي شكل من أشكال الشخصية السياسية في المجتمع. ولعلها تعتقد أن هذا المنع الطويل قابل للاستمرار، لكنه بقدر ما هو مستمر الآن بقدر ما تنمو جرثومة الفعل السياسي داخل المجتمع. جراثيم الفعل السياسي داخل المجتمع لا يستطيع أحد إلغاءها. خذ السعودية مثلاً، إذا طبقنا المنهج الذي تحدثنا عنه في البداية على السعودية تجد أن الطبقة الحاكمة، العائلة تنتمي إلى قرن من الزمن، أي إلى بداية المجتمع السعودي القبلي العشائري شبه الفلاحي (العشرينيات من القرن الماضي). كانت سلطة آل سعود، مع الايديولوجية الوهابية، متطابقة مع هذا المجتمع، ولم يكن هناك مشكلة. ثم يأتي النفط ويصبح هناك تراكم رأس مال ريعي. عبر سلطة الدولة يذهب جزء منه إلى تغيير المجتمع وتنميته. صار هناك مدن، وهذا يعني فئات جديدة، طبقات جديدة، مثقفون، جامعات، وسائل مواصلات، تواصل بين أجزاء المملكة. مجتمع ينمو، في وقت ما زالت السلطة هي هي. وهذه لا تتطابق مع المجتمع وستنفجر. والمجتمع السعودي مجتمع انفجارات، وبالتالي فإن البنى المجتمعية، مع بنى السلطة والتناقض بينهما يفسر للتمايزات الحاصلة الآن في أقطار الوطن العربي، حيث ستمتد الثورات على مستوى المنطقة، ولن ينجو منها أحد إطلاقاً. الطبقة الوسطى ÷ تحدثت عن الطبقة الوسطى هل تراها فاعلة في ثورة مصر بالمقدار نفسه في سوريا؟ } الثورة البرجوازية الفرنسية هي ثورة الطبقة الوسطى. الطبقة الوسطى هي قلب المجتمع، هي التي تفكر، تكتب، تنتج، تتمرد. البرجوازية المرتبطة بالسلطة مرتاحة، جمهور البروليتاريا الرثة ليس عندهم ذاك الوعي القابل لأن يجعل منهم فئة متمردة، إنما هم ينضمّون تالياً. عملياً هذه الثورات هي ثورات الفئات الوسطى العربية المتحالفة مع جماهير الفقراء، قامت من أجل إعادة الاعتبار للحياة. السلط العربية “شرشحت” الحياة، الثقافة، القيمة الكبرى للإنسان. السلط فعلت ما لا يمكن أن يتحمله التاريخ، فالتاريخ لديه قدرة على التحمل، لكنه لا يستطيع أن يتحمل كثيراً. فكرة الدولة التي هي مفهوم حقوقي، دستوري، جغرافي، وطني، لم تنتصر. ما انتصر هو فكر السلطة، صار لدينا سلطة بلا دولة، بدل أن يكون لدينا دولة لها سلطة، مما يعني أن ليس هناك من قانون في هذا المجتمع ناتج عن إجماع مجتمعي يخضع له الجميع، بل هناك سلطة قادرة على أن تفعل كل شيء، من دون اعتداد بالمجتمع، وهذا ما نسميه دولة السلطة. أصبح هناك كل سلطة عندها دولة، لذلك في الإمارات أو السعودية ليس هناك دولة، بل سلطة ولديها دول، لذلك هي حرة في ممارساتها، ولا سلطة حرة في ممارساتها في التاريخ تستطيع أن تستمر. كلما ازداد استبداد السلطة في ممارساتها قلّت حرية البشر في فاعليتهم. لذلك ترى أن الفئات الوسطى طرحت شعاراتها في البداية عبر فكرة الكرامة والحرية، وإذا دققت في هذين المفهومين الكرامة والحرية ترَ أن تفسيرهما عن طريق السلب أهم من تفسيرههما عن طريق الإيجاب. أي أن شخصاً ما فقد إحساسه بوجوده الحر، لكنه يشعر أنه عبد، وما من مشكلة حينما يكون الكائن عبداً ولا يشعر أنه عبد، أما عندما يكون مستعبداً ويشعر أنه مستعبد فذلك يعني أنه يعي أنه حر، وأنه مسلوب الحرية، هذا الربط بين الكرامة والحرية لا يحتاج إلى قراءات، لا سارتر ولا هيغل ولا ماركس، لأنه المواطن يعيش التجربة المعيشة، يعيش القمع الحياتي، يعيش سرقته، قتله، فقره… هذا الواقع المعيش لا يتحول إلى فعل إلا بمستوى محدد من الوعي الذي هو عند الفئات الوسطى، هكذا حركت الفئات الوسطى المجتمع عبر شرارة من الشرارات، لذلك ترى أن حجم اشتراك الناس كبير. الفئات الوسطى ذكّرت الفئات المسحوقة والبروليتاريا الرثة بواقعها الذي يجب أن يزول، فجاءها الوعي من خارجها. يأتيك واحد من المنتمين إلى الحقل الثقافي ويسألك بنوع من السخرية والتهكم إن كان هؤلاء يفهمون معنى الحرية والديموقراطية، وأنا أقول إنهم لم يقرأوا لا روسو ولا مونتسكيو ولا سارتر، هؤلاء يعيشون فقدان الحرية والديموقراطية، وبالنسبة لهم الحياة المعيشة هي الأهم. قالوا نريد حرية وديموقراطية، وعيهم بذاتهم صحيح. انظر عبقرية الشعب، غرامشي يقول إن المفكر أو الفيلسوف تلميذ نجيب عند التاريخ، ونحن بهذا المعنى نشارك بصناعة التاريخ. “الشعب يريد” انتبه إلى هذا الشعار، عبارة “الشعب يريد” تعني أن الشعب وعى أن لديه إرادة، حددَ هذا الفعل انطلاقاً من معنى الارادة، والارادة تنطوي بالضرورة على الحرية، وبالمناسبة؛ لا يوجد لإرادة غير حرة، حين تقول إرادة يعني حرية. بمجرد ما رفع شعار “الشعب يريد” فهذا يعني أن إرادته صارت متعينة حقيقة في الواقع بوصفها فعل تغيير وتثوير للعالم. ÷ طالما تحدثنا عن المثقفين، تلاميذ التاريخ كما أسميتهم، كيف ترى دورهم اليوم؟ } مثل أي مرحلة في التاريخ، تجد كلاب حراسة للسلطة، وتجد البين بين، وتجد من هو مع هذه الحركة، هكذا كان الأمر دائماً في التاريخ كلّه. لكن التأمل في الحركة، وأنت حين تكون مع الحركة مختلف عن التأمل فيها وأنت حيادي. المثقف، في تأمله الحالي لحركة التاريخ، يقدم وعياً جديداً للعالم، هذا الوعي يساهم في إنضاج ما لم ينضج بعد، باعتبارها حركة وليدة. كذلك فإن المثقف، وهو يفكر بحركة التاريخ ويكون جزءاً لا يتجزأ منها، فإنه يساهم بصناعة المستقبل، ليس كل الناس يعرفون ما المستقبل. أنت قادر أن تثور الآن ضد الواقع، لكن المهم ما الواقع الممكن القابل للتحقق. المثقف يرسم الممكن القابل للتحقق. إنه لا يدين البشر في أنهم لا يعرفون الممكن، بالعكس، فلولاهم لما استطاع المثقف اكتشاف الممكن في التاريخ، منهم أستطيع أنا أن ألتقط الممكن، وهكذا بالتالي يكون اندراج المثقف الآن في حركة التاريخ عموماً. المثقف العربي كما هو واضح مع حركة التاريخ، فالمثقف الذي لا يفكر بوصفه جزءاً لا يتجزأ من حركة الناس، ليس مثقفاً، طبعاً هو يفكر بمستوى أعلى من مستواهم، فهذا شغله، ولديه “عدة” فكرية غير موجودة عند المتظاهر، لكن “عدته” الفكرية لولا المتظاهر لما قدحت، لما استطاع أن يكتب نصاً، لما استطاع أن يكشف ما هو خفي في الحركة. بل قل إن حركة التاريخ الآن تسمح لنا بإنتاج المفاهيم، وأنا أتحدث أمامك استخدمت “مجتمع الشرارات”، واستخدمت “القميص الأضيق من جسد المجتمع”… استخدمت جملة من المفاهيم، حين أستعيدها أرى أنها خرجت بسبب وعيي للتاريخ بسبب هؤلاء، تتحول هذه المفاهيم فيما بعد إلى عدة معرفية. الدين ÷ كيف تعلق على حضور الدين في هذه الثورات، والجدل بين من استنكر خروج مظاهرة من الجامع، ومن اعتبر أن الدين كان في الغرب طريقا إلى الحرية؟ } من يخاف هذا الأمر لا يفهم أن هذه الثورات بالأساس ليست انتصاراً للدين. هم لم يقيموا ثورة لينتصروا لدين، هم قاموا بثورة لينتصروا لحريتهم وكرامتهم. المجتمع متعدد العقائد والمشارب والطوائف، وعندما يقول المتدين إنه يريد الحرية والكرامة، فليس بسبب تدينه، بل لأنه إنسان، وبالتالي الطابع الإنساني للثورات هو أهم بكثير من الحكي عن الطابع الديني لها. ومجتمعنا كله إما مسلم أو مسيحي أو سواهما. وحتى لو قلت إن الدين كان وراءها، فما الدين سوى، كما يقول ماركس، “الدين صرخة قلب في مجتمع لا قلب له”. حين تكون السلطة بلا قلب تخرج من المجتمع كل الأشكال المختلفة بما فيها الأصوليات. لكن من حيث السمة العامة فإن المجتمع يقاتل من أجل حقوقه، لا من أجل الله، فبالأساس السلطة لم تعد الله. وبالتالي القتال ضد السلط الحاكمة ليس لأنها معادية للإله، بل لأنها معادية للإنسان، معادية للكائن، معادية لقيمة البشر. سلطة حولها مجموعة من الناس، تعي ذاتها أدوات، ولأنها كذلك فهي تقتل، فمن لديه وعي بذاته كإنسان لا يقتل. فإذا انطلقت من الإنسان قيمة القيم، وغاية الغايات، ويكون وعيك بذاتك على هذا النحو يصبح وعيك بالآخر هكذا أيضاً. ولكن أنت تقتل لأن وعيك بذاتك أقل من ذلك. ÷ هل كشفت الثورات عن حجم الدين في مجتمعاتنا؟ } الثورات هزمت الأصوليات، خذها مني كلمة. لأن الأصوليات ظواهر غير شعبية، محدودة، والسلطات من مصلحتها أن تواجه أصوليات لأنها قادرة على الانتصار على الأصوليات، قادرة على أن تستخدم العنف والقتل ضد الأصوليات، وسيقول لها الغرب “برافو”. وبالتالي عندما صارت الحركة شعبية انهزمت الأصولية، ولذلك فإن السلطة غاضبة لأنها لا تواجه أصوليين، لذلك فإن بعض السلط تحاول أن تجعل من الحركة أصولية. ترى مثلاً “أزعر” اليمن وهو يصف المتظاهرين بالقاعدة، كي يقول للغرب إنه يواجه أصولية. خرج ملايين في اليمن، وإذا كانت القاعدة ملايين ينبغي لها أن تحكم، فالحكم للأكثرية. هذه الثورات هزمت السلطة والأصولية معاً. ÷ الهتاف الأثير عند المتظاهرين “الله أكبر”… هل يعني شيئاً؟ } الجيش السوري والمصري في هجومه على إسرائيل عام 73 كان نداؤه “الله أكبر”. هذا نداء يقوله كل إنسان في حياته اليومية، ونسمع ذلك ألف مرة كل يوم، وما ناقوس الكنيسة سوى “الله أكبر” تقال بصوت الجرس، هذا نداء داخلي لكل البشر، لكن الناس نسوا “الشعب يريد”، هذه العبارة الأقوى من “الله أكبر”. لأول مرة الناس يعرفون أنهم شعب، وقادر أن يقول لا. حتى الفلسطيني الذي خرج في المخيم، طلع ضد الأشكال القديمة من المنظمات، خرج يقول الشعب لا يريد… ÷ ماذا عن حضور فلسطين في هذه الثورات؟ } فلسطين حاضرة أكثر مما يتوقع الكثيرون. ففلسطين حركة بشر ووعي شعوب. وبالعكس فإن السلطة التي ضد الشعب هي ضد فلسطين، وبالتالي هذه الثورات… ثق تماماً أنه بحالة أي نجاح لأي من هذه الحالات الثورية يصبح الطريق إلى فلسطين اقصر، وأنا ممن يعتقدون أن إسرائيل إلى زوال، ما عندي شك في ذلك، لأن وجودها ضد التاريخ، إن التاريخ ينتقم لنفسه عاجلاً أم آجلاً. حاوره: (دمشق)

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى