باسل العوداتصفحات الناس

أداء متواضع وفساد ينخر منظمات إغاثة السوريين/ باسل العودات

 

 

ليس خافيا أن حرب النظام السوري أدّت إلى مآس لا حصر لها، طالت الإنسان قبل أن تطال البلد وبناه التحتية وحاضره ومستقبله. وأثّرت على البنية المجتمعية السورية. وقتلت ما لا يقلّ عن نصف مليون من السوريين. وهجّرت ما بدأ يقترب من ثمانية ملايين سوري من ديارهم. وطردت نحو خمسة ملايين إلى بلاد الله الواسعة. وخلّفت أيضا نحو مليون من الأيتام، ومثلهم من المعاقين، وفق تقديرات العديد من المنظمات الحقوقية والمراصد الإنسانية، ووفق آخر تقرير للمفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

هذا التدمير الواسع الذي طال البنية السكانية السورية، ترافق مع تدمير مشابه تماما للبنية الاقتصادية، حيث تراجع النشاط الاقتصادي في بعض القطاعات لما يُقارب الصفر، إضافة إلى تبديد معظم الثروة الوطنية، ووفق بعض الإحصائيات، هناك أكثر من أربعة ملايين مبنى مُهدّم، وأكثر من 3 آلاف مدرسة، ونحو 70 بالمئة من المشافي والمراكز الصحية، و60 بالمئة من البنى التحتية، فضلا عن دمار المئات من المصانع الكبيرة ونحو عشرين ألف ورشة صغيرة، وشبه انهيار لمؤسسات الدولة في العديد من المدن، ووصول مستوى الفقر ليصبح نحو 85.2 بالمئة من السوريين في عداد الفقراء، و70 بالمئة منهم في مستوى الفقر المدقع.

دفع هذا التردّي على صعيد حياة السوريين واقتصادهم، المجتمع الدولي والمنظمات الإغاثية والطبية والإنسانية لتضع مخططات وبرامج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من السوريين، فنشطت منظمات دولية غير حكومية في تقديم المساعدات للسوريين، في الداخل وفي دول اللجوء خاصة دول الجوار. لكن تبيّن أن غالبية هذه المنظمات، بما فيها الدولية، غير مستعدة، وربما غير مؤهلة أو قادرة، على تقديم الدعم والمساعدة لهذا الكم الهائل من المتضررين.

تبع هذا النشاط الدولي والإقليمي، نشاط سوري محلّي، قامت به مجموعات سورية معارضة، أو محسوبة على المعارضة، وبعضها ولج إلى هذه المجالات لاقتناص فرصة للنهب والربح على حساب مآسي السوريين.

وكان عمل غالبية المنظمات الدولية والسورية (ترقيعيا) منذ البداية، ومازال، واختلط الفساد بالعمل الإنساني، وتحوّل، بفعل السياسات الدولية والانتهازية والفساد إلى ملف دولي مشكوك بجدواه، وارتفعت أصوات، سورية وغير سورية، تطالب بوضع حد للتسيّب والعبث في هذا الملف، وتتساءل عن جدوى كل الجهود الأممية بهذا الشأن، خاصة بعد انكشاف فضائح النظام السوري الذي تم توثيق نهبه لكل المساعدات التي تصله بالتعاون أو التآمر أو التسهيل من قبل موظفين أمميبن ومنظمات إغاثية عابرة للقارات.

تُقسم المنظمات الإغاثية العاملة في سوريا إلى نوعين وفقا للخدمات التي تُقدّمها، فمنها ما هو مخصّص لتقديم الدعم المادي للاجئين والنازحين، بما فيه من دعم في تأمين السكن والخيام والغذاء والألبسة والمدارس والرعاية الصحية والنظافة وغيرها، ومنها ما يُقدّم خدمات معنوية كخدمات التوعية والإعلام وحماية الأطفال والأمومة والدعم النفسي والاجتماعي ودعم المجتمع المدني وتعزيز السلم والتعايش.

حتى المساعدات حاربونا فيها

وفق عاملين في هذا المضمار، فإن نحو 50 بالمئة من إجمالي المِنح المُقدّمة لهذه المؤسسات على اختلاف أنواعها تذهب لتغطية المصاريف التشغيلية، وأجور المدراء والموظفين ومهمات السفر والمكافآت واستئجار المباني ووسائل المواصلات والمصاريف الهامشية التي لا علاقة لها بصلب عملها.

يقول أبو راضي، أحد الموظفين الإداريين المحليين في إحدى هذه المنظمات الدولية “هناك من المدراء من يأخذ أكثر من 8 آلاف دولار كراتب شهري، فضلا عن دفع المنظمة أجور منزله وسياراته وبطاقات السفر له ولأسرته، وهذا دخل لا يحصل عليه حتى في بلده الأصلي لو عاد إليه، ومثل هؤلاء كثر، وبعضهم سوريون، هذا يتسبب بعجز في إمكانية تنفيذ المشاريع وفق ما خُطط له، والبعض يُصنّف ذلك في خانة السرقة”.

لكن المدافعين عن عمل هذه المنظمات يؤكدون على أنها لا تعمل وفق هذه المفاهيم السطحية، ويشدّدون على أن هناك فرق مراقبة وتقييم لعمل هذه المنظمات، والتزامها بتحقيق الشروط المتفق عليها مسبقا، وتوضع النفقات التشغيلية بطريقة نسبية متعارف عليها لمثل هذه المنظمات، وتشمل ضمنيا كل المصاريف التشغيلية الأجور، وهي نسبة تحترمها الدول المانحة وتعتبر تقليصها دليل ضعف.

تختلف مشاكل المنظمات والجمعيات السورية المحلية عن تلك الدولية في قضايا وتتقاطع في قضايا أخرى، حيث ترتبط أعمالها بالهدف منها وبمصادر تمويلها وغايات هذه المصادر، ومنها من يعتمد على تمويل محلّي وتبرعات من رجال أعمال سوريين، ومنها من يعتمد على تمويل ودعم من دول مختلفة ورجال أعمال عرب أو من خلال دعم من منظمات دولية أكبر منها أو الشراكة الجزئية معها، وغالبية هذه الجمعيات ذات طابع إسلامي، ولا تحقق الحدّ الأدنى من أنظمة الشفافية والمحاسبة، وتخضع لدعم من جهات سياسية معارضة تُغطّي على أخطائها وهفواتها، وهذا يشمل كتل سياسية كبيرة كالائتلاف والحكومة المؤقتة وهيئة التنسيق غيرها من القوى السياسية السورية المعارضة.

أمّا لجهة النظام، فيؤكد قيادي في ائتلاف المعارضة السورية لـ”العرب” أن السلطات السوري تنهب المساعدات الأممية والدولية، وقال إنها توصل 3 بالمئة فقط من المساعدات المخصصة لمناطق المعارضة وتقوم ببيع 97 بالمئة لحسابها الخاص عبر مافيات تجارية.

بالعموم، لا تعتمد الجمعيات والمنظمات الإغاثية السورية، سواء التابعة للمعارضة أو للنظام، على خبراء أو أصحاب كفاءات علمية وعملية. وتحكم عملها المحسوبيات والواسطة، ومدى القرب من مركز اتخاذ القرار أو القرابة من المسؤولين. ووصل الفساد في بعضها إلى إقامة مشاريع وهمية، أو تحميل نفقاتهم الشخصية المرتفعة على هذه المشاريع، أو التنسيق مع أكثر من داعم للحصول على دعم مضاعف من جهتين لنفس المشروع، ما أفقدها الكثير من مصداقيتها، وأثّر سلبا على العمل الإغاثي وأدى إلى تقليص الأموال المُقدّمة من الجهات الداعمة.

يحتاج الشعب السوري، في الداخل وفي دول اللجوء لمساعدات أساسية وضرورية، لتخفف من الآثار الكارثية للحرب، ولتفادي تحوّل الأزمة إلى جحيم، وهذا يقتضي العمل على أكثر من صعيد لتلافي الثغرات في عمل المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية، التي أصبحت جزءا أساسيا من حياة السوريين، ووسيلة وحيدة يعتمد عليها الملايين منهم، وفي نفس الوقت تُخيّب آمالهم وتعمل على عكس ما يشتهون.

كاتب من سوريا

العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى