صفحات الثقافةممدوح عزام

أدب الجار البعيد/ ممدوح عزام

 

أدب الجار البعيد/ ممدوح عزام

لا تشغل مكتبة الأدب الفارسي الحديث حيزاً واسعاً في خزانة الترجمة العربية، وقلّما كان لأي كاتب إيراني معاصر مريدين من بين القرّاء، أو كان له تأثير بيّن في الأدب العربي في العصر الحديث.

ولم يبدأ القارئ العربي في الاطلاع على الأدب الفارسي الحديث إلا في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، ويمكن أن نميّز فترة الثمانينيات التي شهدت ثورة الإيرانيين ضد حكم الشاه رضا بهلوي، وانتصارها على نظامه. حيث يمكن أن تكون حركة الترجمة قد انتبهت لضرورات التعريف بهذا الأدب.

على العكس من الأدب الفارسي القديم الذي يعرفه القرّاء العرب جيداً، سواء عبر القراءة المباشرة، كما في حالة رباعيات الخيام التي تحظى بشهرة واسعة، بعد أن غنّتها أم كلثوم بترجمة أحمد رامي، كما تحظى الترجمة الجميلة التي أنجزها أحمد الصافي النجفي بشهرة موازية بين قرّاء الشعر. وفي الغالب يتقرّب كثير من الكتاب العرب المعاصرين من أشعار جلال الدين الرومي، أو حافظ وسعدي الشيرازي.

من بين الكتّاب الإيرانيين الذين بدأت المكتبة العربية تعرفهم، يعتبر صادق هدايت أكثرهم شهرة، والمرجح عندي أن شهرته تعود إلى الغرب، الذي صدّر هدايت إلينا، أكثر من كونها راجعة إلى علاقات التثاقف بين الأدبين العربي والفارسي. فروايته “البومة العمياء” ترجمت إلى العربية ثلاث مرات، وقد أنجز إبراهيم الدسوقي شتا، الترجمة الأولى ونشرها في مصر في منتصف السبعينيات من القرن الماضي.

وينوه شتا بأهمية الروائي الفارسي على الصعيد العالمي. كما أنجزت زبيدة أشكناني ترجمة ثانية لها، بينما تقول “دار الجمل” عن النسخة التي ترجمها عمر عدس، إنها تقدم لأول مرة الترجمة العربية “الكاملة” لهذه الرواية. والظاهر أن الغرب استقبل عمله الروائي لا بسبب التأثير الواضح للرواية الأوروبية الحديثة وحسب، بل بفضل التقنيات الغربية الصريحة، والانشغال الفلسفي البيّن فيها.

على أن لهدايت منحى آخر لا يمكن للقارئ العربي أن يتجاهله، وهو تحقيره للعرب في أعماله الأدبية. ويشير سليم عبد الأمير حمدان في كتابه “قراءات في الرواية الإيرانية” إلى هذا التوجه العنصري الصريح لدى هدايت، وخاصة في مسرحيته “بروين بنت ساسان” حيث يصف العرب فيها بأنهم: “عابرو الصحارى، أكلة الجرابيع، الذين كانوا لسنوات طويلة تحت أيدينا يدفعون الضرائب” ومن الواضح في الجملة الأخيرة أن هذا الروائي الفارسي يعاني من جرح نرجسي مستمر منذ أكثر من ألف وخمسمائة عام.

في موازاة صادق هدايت، تم الترويج لجلال آل أحمد في الترجمات العربية، فترجمت روايته “نون والقلم” أكثر من مرة، كما ترجمت له رواية “مدير المدرسة”. غير أنه لم يحظ حتى اليوم بالشعبية التي تكفل انتشار اسمه بين القراء العرب.

والملاحظ أن حركة الترجمة من الأدب الفارسي إلى العربية تراخت في السنوات العشر الأخيرة من قرننا الحالي. وقد يكون للشأن السياسي الذي يتسم بالتوتر في العلاقة بين إيران والعرب دور حاسم في هذا الباب، بحيث يبدو كأن الجوار مجرد مساحة جغرافية لا شأن للوجدان فيها.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى