كتب ألكترونية

أربعة كتب لإميل سيوران

 

 

 

إميل سيوران في “الحياة كلها بلون الغرق” عرّاف اليأس الحكيم والشقاء القدري للإنسان

محمد أبي سمرا

إميل سيوران كاتب الشذرات الفلسفية – الشعرية، إبن شرعي لعظمة القرن العشرين الأوروبي ورعبه، ووارث صرخة نيتشه الفلسفية المدوّية “لقد مات الله”. الشاعر التونسي آدم فتحي ترجم لسيوران كتاباً عن الفرنسية عنوانه “مقايسات المرارة”، مختاراً له عنواناً آخر في العربية: “الحياة كلها بلون الغرق”. عدا كتاب “توقيعات” الذي ضم مختارات من ثلاثة كتب لسيوران، ترجمها لقمان سليم (1991)، نقل آدم فتحي للمرة الأولى كتاباً كاملا للكاتب الروماني – الفرنسي الراحل.

ربما يقلّ الكتَّابُ الذين تحقق كتاباتهم القول الشهير وتستنفده: “كلما اتسع المعنى ضاقت العبارة”، وهو للنفّري، أحد كبار المتصوفة الإسلاميين في العصور الكلاسيكية. كاتب الشذرات الفلسفية – الشعرية الروماني – الفرنسي الراحل، إميل سيوران (1911 – 1995)، واحد من هؤلاء القلة في القرن العشرين الأوروبي. يكتب في شذراته: الصلاة عراك بين الخالق والخالق. منذ ألفي عام ينتقم المسيح منا لكونه لم يمت على أريكة. ليس الله من يتمتع بميزة الحضور في كل مكان، بل الألم. وحدها الكائنات التي تعيش بلا ذاكرة لم تغادر الفردوس بعد.

في الشكل أو في الأسلوب الكتابي، ثمة قرابة ما بين هذه الشذرات المكثَّفة المصفّاة والمتقشفة الموجزة، والقاطعة النبرة، وبين ما كتبه صاحب “المواقف والمخاطبات” الصوفية، القائل مثلاً: “أوقفني في الاختيار وقال لي كلّهم مرضى”. أما في المضمون وفي الحقل التعبيري واللغوي، وفي الحمولة الفكرية والفلسفية والأخلاقية، فيبلغ الاختلاف بين ما كتبه الرجلان حدَّ التعارض التام أحياناً. وهذا طبيعي بين “فيلسوف” صوفي إسلامي في العصر العباسي، وكاتب نهلَ من ثقافة القرن العشرين الأوروبية، طولا وعرضاً، ومن مسبقاتها الفلسفية في عصر التنوير، وعاصر النازية الألمانية ومحارقها وحروبها، معاصرته الستالينية ومعتقلاتها وترويعها، وخرج من كلتا الظاهرتين المدمرتين مرتاعاً يائساً شكّاكاً في إنسانية الإنسان وفي إلهه، حتى العبثية والعدمية والإلحاد. لكن اللافت أن ما كتبه النفّري وسيوران يلتقي في ضيق العبارة واتساع المعنى.

الحياة مهنة حشرات

الشاعر التونسي آدم فتحي، بدّل عنوان كتاب سيوران الذي ترجمه، من “مقايسات المرارة” في الفرنسية (منشورات “غاليمار” الباريسية، 1953)، إلى “المياه كلها بلون الغرق” في العربية (منشورات “الجمل”، بيروت – بغداد، 2013). وهو في هذا التبديل في العنوان، يميل إلى الصبغة الشعرية للكتاب ولكتابة سيوران عموماً، على حساب الصبغة الفلسفية. في مقدمة الترجمة يصف فتحي صاحب “المقايسات والمرارة” بأنه “عاشق الحياة، الانتحاري بامتياز”، مشدّداً على أننا “نحتاج إلى كتَّاب (مثله) في هذه العتمات التي تحوط الإنسانية من كل جانب”. والحق أن العتمات التي يقصدها المترجم إنما تتجلّى دامسة في كتابة سيوران.

فصاحب “غروب الأفكار” (1938) و”غواية الوجود”، ليس مبشّراً بالضوء، ولا هو صاحب نبوّة وهداية للبشر. بل إنه على عكس ذلك ونقيضه: عرَّاف في محراب اليأس الشيطاني من الإنسان الشقيّ شقاء وجودياً وقدرياً، لا فكاك له منه، وخصوصاً في الأزمنة الحديثة. لكن عرّاف اليأس هذا، شكّاك متألم ومتهكم، على المذهب النيتشوي، من دون أن يعفي صاحب “مذهب القوة” أو “الانسان المتفوّق”، أي نيتشه نفسه، من تهكّمه الساخر المرير.

حاجتنا إلى سيوران، في هذا المعنى، هي الحاجة إلى كاشف عتمات وسبر أغوارها في الوجود البشري، ما دامت “الحياة – بحسبه – مهنة حشرات” (ص 105). كأن العرّاف الإبليسي غالباً ما يقلب الحقائق والمعاني الراسخة على قفاها، وعلى ركامها يجلس محدّقاً في أفعال البشر وأقوالهم ومعتقداتهم وأديانهم، في غرائزهم الدهرية وأحوالهم المتقلبة وأهوائهم وحاجاتهم وشهواتهم الرجراجة، في مثلهم العليا والسفلى، ليعتصرها في شذرات كتابية لامعة وحادّة في معناها ودلالتها على اللايقين الذي يغمر العالم. وعليه يتأسس الوجود البشري الهش والمدوّخ. لكنه في رحلته هذه يعبر الفلسفات والأخلاقيات والجماليات، وصولاً الى الله الذي “ليس – بحسبه – سوى هلوسة صوتية”، شأنه في هذا شأن كل شيء، إذ “ما من شيء إلاّ وهو موسيقى، باستثناء المادة” (ص 117). في الصفحة التالية مباشرةً يكتب: “ليس الله من يتمتع بميزة الحضور في كل مكان، بل الألم”. أما “تأسيس دين”، فمن “أسهل” الأمور طراً، “لولا يقظة السخرية: يكفي أن ندعَ المتسكعين يتجمّعون حول شطحاتنا البليغة”. وفي الشذرة اللاحقة: “عند الملمّات، نجد في السجائر العونَ الفعّال أكثر مما نجده في الأناجيل”.

روح في بصقَة

هل ملحدٌ – إذاً – هذا العرّافُ الأخلاقي، كافرٌ ومجدّف؟

الأرجح أن النواة الكامنة، المتلوّنة والجوّابة في شذراته الكتابية اللامعة، مستلة من ليل الوجود وتاريخ الفلسفة والأديان، يمتزج فيها اللاهوت بالناسوت، وهي تضرب في أرض ما قبل الإلحاد والكفر والتجديف، وما بعدها. أرضُ وضاعة الكائن الجوهرية، وتساميه المتعالي، “خفّته غير القابلة للاحتمال” (كونديرا) وثقله ورزوحه السفلي، “تضخيم (ه) الذات” و”رعب (ه) من كون (ه) ليس سوى روح في بصقة” (ص 48). أما “الحكمة (فهي) أن نتحمّل بكبرياء، المذلّة التي تسلّطها علينا ثقوبُنا” (ص 35). الثقوب المقصودة هنا، هي “الفتُحات التسع”. وفي هذه الحال “ماذا يصنع الحكيم؟”، يتساءل سيوران، ثم يجيب: “يستسلم إلى الفرجة والأكل”. أين؟ “في قاعة النوم الكبيرة”، وهي “الكون”، وفقاً لنص من الفلسفة الطاويّة الهندية، حيث “الكابوس هو الطريقة الوحيدة للوعي”. أما “أن تكون إنساناً حديثاً فهو أن تبحث عن عقارٍ لما أفسده الدهر” (ص 37). وحدها “الكائنات التي تعيش بلا ذاكرة لم تغادر الفردوس بعد” (ص 121). وهذه قد تكون وحوش الغابة أو “الزواحف” التي يتساءل سيوران: “من أين جاء رعبنا منها؟”، ليجيب متسائلاً: “ألا يكون من خوفنا من إغواء أخير، من سقطةٍ وشيكةٍ لا قيام بعدها، تجعلنا نفقد حتى ذكرى الفردوس؟” (ص 120). لذا يعلن: “كم أتمنى أن أكون نبتة، حتى وإن استوجب ذلك أن أحرس كتلة براز” (ص 168).

إميل سيوران ككاتب شذرات في الإنسان، في مصيره وقدره المعتمين، هو إبن شرعي لعظمة القرن العشرين الأوروبي ورعبه، وخصوصاً في زمن ما بين الحربين العالميتين، وزمن الحرب الثانية، اللذين استفاقت منهما أوروبا على الكارثة الكبرى في تاريخها، وكان عليها أن تشفى منها في سرعة قصوى. وهو أيضاً وارث صرخة نيتشه المدوّية في مطالع القرن نفسه: “لقد مات الله”، قدر ما هو قارض كتب وفلسفات وتاريخ أفكار وفنون، ليصبَّ مخزون الثقافة الاوروبية تلك في شذراته ذات “الاسلوب الجليدي”، متناولاً – وفقاً لمترجمه آدم فتحي – “دوار الزمن، الموت، سلبيات أن يولد الإنسان”. وذلك في “توليف عجيب بين الحكمة والهذيان (…) وسخرية الوعّاظ الكلاسيكيين”.

في مقدمة كتابه الأول “على ذرى اليأس” (1934)، أشار الى ليالي أرقه الطويلة بلا هدنة ولا قاع، فاضطر إلى التجوال ليلاً في شوارع خالية سوى من “بنات الليل الوحيدات، أفضل الرفيقات في لحظات الحيرة القصوى”. من وحي تلك الليالي وضع للأرق التعريف الآتي: “وعيٌ مدوِّخ قادر على تحويل الفردوس غرفة تعذيب”.

 

 

لتحميل الكتاب الأول

 

لو كان آدم سعيد/ إميل سيوران

 

 

 

 

لتحميل الكتاب الثاني

 

الرابط الأول

 

المياه كلها بلون الغرق/ إميل سيوران

 

الرابط الثاني

 

المياه كلها بلون الغرق/ إميل سيوران

 

 

تحميل الكتاب الثالث

 

الرابط الأول

 

مثالب الولادة/ اميل سيوران

 

الرابط الثاني

 

مثالب الولادة/ اميل سيوران

 

 

تحميل الكتاب الرابع

 

تاريخ ويوتوبيا/ إميل سيوران

 

 

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى