صفحات الرأيطيب تيزيني

أربعة وأربعون عاما على العار

 


د.طيب تيزيني

هكذا انقضى اربعة واربعون عاما على الهزيمة الثانية في التاريخ العربي الفلسطيني, باعتبار ان الاولى حدثت عام 1948 بصيغة ما اطلق عليه “عام النكبة” ممثلة بتقسيم فلسطين. وقد عاش الفلسطينيون ومعهم العرب ذلك الخط الاخذ بالانحدار التاريخي حتى ثلاثة اشهر انقضت, تحت شعار مثّل مفارقة منطقية وواقعية زائفة هو التالي: لا صوت يعلو على صوت المعركة! وفي اعقاب ذلك وسياقه, ظهر مصطلح اريد منه ان يحدد الفرقاء المعنيين بتلك المعركة, وذلك هو “بلدان الطوق” اي البلدان العربية التي نيطت بها مهمة تاريخية عظمى في المشروع العربي, هي اطباق حصار على اسرائيل اقتصاديا وعسكريا واستراتيجيا يفضي الى تصفيتها, ومن ثم الى انهائها بمثابتها “مؤسسة عسكرية عنصرية محتلة”.

واذا دققنا الان في المصائر, التي انتهت اليها ممارسات الفريقين الاثنين العربي والاسرائيلي, وجدنا امامنا اللوحة التالية: الفريق العربي سلك طريق التفكك من الداخل عبر اخفاق مشاريع التنمية والتقدم والتحديث والنهوض والتنوير, والتأسيس الاستراتيجي بوصفه رافعة شعار المعركة والممانعة كما سلك طريق الاستبداد والاستئثار والفساد والافساد على صعيد النشاط مع المواطنين. وقد افضى ذلك الى استبدال شأن الخارج بشأن الداخل, حيث بدأت روح التمرد تجتاح الدواخل العربية, بحثا عن الكرامة والحرية والعدالة, ومن طرف ثان, لما عمل شباب العالم العربي, اخيرا ومنذ بضعة اشهر, على التصدي للنظم الامنية بارادة كبيرة وحزم عملي واخلاقي, اكتشف سادة تلك النظم ان الامر قد تحول على ايدي الشباب, الى فعل حقيقي قد يكون مهددا لهم, تذكر هؤلاء السادة ان لديهم سلاحا جاء باسم مواجهة العدو الخارجي يمكن استخدامه في الداخل, بعد ان سوي الامر مع العدو الخارجي الصهيوني وغيره عبر صفقات وتحالفات معه وتنازلات تجاهه (لنتذكر ما صرح به اخطبوط مالي سوري على صعيد الامن مع اسرائيل).

على ذلك النحو وعبر تلك المسوغّات, ظهر السلاح الخفيف والثقيل في ليبيا واليمن وسورية, ليوجه الى المتظاهرين الشباب بوصفهم “العدو الجديد الخطير”, بعد ان تبين ان “هدنة ابدية” عقدت بين الفرقاء المعنيين وبين اسرائيل. وبهذا اغلق ملف “الاراضي المحتلة من حرب 1967”.

لقد ولد تسونامي جديد في عالم العرب, لم يكن يخطر على بال, خصوصا ان الشباب بوصفهم “جيلا” لم يكونوا قد ظهروا – باللغة العلمية- كحامل اجتماعي لثورة اجتماعية او لانتفاضة تفضي الى مثل هذه الثورة. وفي هذه المناسبة, نستعيد ذكر الانتفاضات الطلابية في اوروبا (المانيا وفرنسا خصوصا) لمرحلة الستينيات من القرن المنصرم. فهذه الانتفاضات كانت ظاهرة مهمة تجدد من مطالب الاصلاح العلمي والجامعي, ولم ترق الى مستوى الاهداف الاستراتيجية, التي ظهرت في مقدمة الثورات العربية الحالية (مثل امارة بناء النظام السياسي والامني والعسكري, والاقتصادي, وذلك على نحو يلبي مطالب التغيير على صعيد المجتمع العربي كلا وجزءا).

اننا نعيش عصرا قد يؤسس لمنظومة جديدة في الحرية والاستقلال والانتاج الاجتماعي الاقتصادي, وما يتصل خصوصا بالمجتمع السياسي والحراك السياسي والحرية وحقوق الانسان. ولعلنا نرى ان انتصار هذا التسونامي العربي قد يؤدي الى تحقيق ما اخفق منذ عصر النهضة العربية في القرن التاسع عشر, اضافة الى ما جد من مسائل حملها التطور المركب في العالم.

العرب اليوم

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى