صفحات الناس

أربعون يوماً في سجن “جبهة النصرة”/ تيم غوراني

 

 

يقع السجن المركزي في الجهة الغربية من مدينة إدلب وتسيطر عليه جبهة “النصرة” أو”هيئة تحرير الشام” التي تستخدمه اليوم سجناً وفرع تحقيق أمنياً، تحبس فيه معارضيها من الناشطين، إضافة إلى مقاتلين من بقية الفصائل التي تتقاتل معها في محافظة إدلب، كـ”أحرار الشام” و”صقور الشام” وغيرهما. وكما هو حال عدد من الفصائل المسلحة، تتكرر حكايات الاعتقال والتعذيب وسوء المعاملة واحياناً الاعدام داخل المعتقلات. وقد التقى “درج” ص.م وهو معتقل سابق قبع لمدة 40 يوماً ففي قسم أمنية إدلب داخل السجن المركزي، بتهمة انتمائه إلى فصيل “أحرار الشام”، والذي تدور بينه وبين “هيئة تحرير الشام” معارك ضارية في محافظة إدلب، في محاولة الهيئة فرض سيطرتها على كامل المحافظة. خرج الشاب بعد اعتقاله وغادر مناطق التنظيم.

اعتقال تعسفي

يروي ص.م حكاية اعتقاله وما حصل معه في مطلع عام ٢٠١٨، “كنت في طريقي من مدينة أريحا التي أقطنها، إلى مدينة إدلب ليلاً حين أوقفني أحد الأشخاص، وطلب أن أوصله في طريقي إلى إدلب، وعندما توقفنا أمام حاجز بلدة المسطومة، أحاط أربعة مقاتلين ملثمين بالسيارة. كنا نعلم أن هذا الحاجز للهيئة، ولكن فكرتُ في أن لا مشكلة، فأنا مدني أتاجر في المحروقات، ولا أخشى الحواجز في المناطق المحررة”.

يتابع، “شعرت بدايةً بخوفهم منا، وكأننا مقاتلان نريد أن نزهق أرواحهم، وفجأة وضعوا السلاح في رأسينا وأنزلونا من السيارة وطلبوا منا هواتفنا النقالة لكي يفتشوها، ولكن لم يكن هاتفي معي حينها، وقاموا بتفتيش هاتف الشخص الذي أتى معي، ليتبين أنه مناصر لـ”أحرار الشام” وعندها اتهموني مباشرة بأنني أعمل لدى هذا الفصيل، مبررين ذلك بعدم وجود هاتف معي”. ويمكمل أن كل الممتلكات التي كانت بحوزتهما سُرقت، ووُضعا في سيارة من نوع (فان) وتوجه المقاتلون بهما إلى سجن العقاب سيئ الصيت في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي.

من العقاب إلى إدلب المركزي

“بقيت في العقاب مدة يومين من دون أي تحقيق، فقط قاموا بتصويري وإلقاء التهم الملفقة لي، عميل للنظام، عميل تحالف، تفجير عبوات، أمني في أحرار الشام، وكل ذلك من دون تحقيق رسمي، وبعد يومين في العقاب اقتيد عدد كبير من السجناء إلى سجن إدلب المركزي، وتحديداً قسم أمنية إدلب، وذلك لأن المنطقة التي يقع فيها سجن العقاب كانت مهددة من فصيل جبهة تحرير سوريا واقتربت الاشتباكات منه. وفي سجن إدلب تم التحقيق معي من اليوم الأول، وكانت التهم ذاتها من دون أن يصدقوا أنني مدني ولا علاقة لي بأي فصيل عسكري. بعد أيام من التحقيق شبه اليومي، الذي تعرضت خلاله للضرب الخفيف نسبياً مقارنة بالمساجين الآخرين، لم أعرف ما حالتي ولماذا أنا موجود في هذا السجن، ولا ما حصل للشخص الذي كان معي، هو صديق السجن الذي لا أعرف حتى اسمه، سمعت فقط أنهم وضعوه في المنفردة.”

بحسب شهادة ص.م يتكون السجن من غرف “مهاجع” بسعة 4 أمتار عرضاً و5 طولاً، وفي كل غرفة 30 شخصاً تقريباً، ومع كل شخص بطانيتان عسكريتان لا تقيانه البرد، وفي الغرفة مرحاض رطب جداً، يصيب معظم السجناء بأمراض تنفسية. ويقول، “يبدأ اليوم عند صلاة الفجر، وبعدها يجلس المساجين حتى الساعة العاشرة صباحاً، وهنا يأتي الفطور المكون من قطعتي جبنة أو ملعقة لبن على خبزة أو عشر حبات زيتون، ويأتي مع الفطور حصة الخبز اليومية وهي 3 أرغفة لكل شخص، وبعدها ينتظر الجميع دوره في التحقيق، فهناك من يتلهف ليعرف ما هي تهمته ومصيره، وهناك من يخاف من جلسات التحقيق تلك، لما فيها من تعذيب. وإن لم يكن لديك تحقيق تبقى جالساً حتى الساعة الرابعة، حتى يأتي الغذاء وهو برغل في معظم الأحيان، وهذا آخر حدث في اليوم. وقبل الذهاب إلى التحقيق توضع عصبة على أعين السجين، على رغم أن السجانين كلهم ملثمون، ويُعرَفون بألقاب خاصة بهم يتم تغييرها باستمرار، فأبو عمر اليوم هو نفسه أبو القعقاع في الأمس، وذلك لخوفهم الشديد من أن يتعرف إليهم أحد السجناء، فيفضّلون أن يبقوا مجهولين.بقيت قيد التحقيق مدة 9 أيام وكانت التهم نفسها تتكرر، وأخيراً أقروا بأنني مدني لا أتبع لفصيل عسكري وعملي هو في المحروقات، ولكن للأسف لم يتم إخلاء سبيلي واكتفوا بقول أنت أمني وهذا كله لكي تخفي حقيقتك”.

الشبح، التابوت والدولاب أشهر طرق التعذيب

وعلى غرار ما هو معروف وموثق عن أساليب تعذيب النظام السوري، تمارس فصائل سورية مسلحة النهج نفسه. ويروي ص.م أن طرق التعذيب التي عاينها هي نفسها التي لدى نظام الأسد، فالشَّبْح، عبر ربط الأيدي إلى الخلف وتعليق الشخص منها إلى الأعلى، هي طريقة التعذيب الأكثر بشاعة، “إنها تشعرك وتسمعك طقطقة العظام في كتفيك، وتم شَبحي مرة واحدة لمدة ربع ساعة تقريباً، كانت كافية لكي تجعلني أعترف، إن كنت قد اقترفت أمراً ما، ولكن ما زاد تعذيبي هو أنني لم أعترف بشيء لأنني حقاً لا أعرف شيئاً، وهذا ما لم يصدقوه.” ومن طرق التعذيب أيضاً التي تحدث عنها المعتقل السابق لدى جبهة النصر التابوت، وهو جهاز من حديد يشبه البراد المنزلي، يتم وضع الشخص في داخله وفيه مقابض تضيّق المساحة الداخلية على جسد المعتقل، وكلما يتم تدوير المقابض يزداد ضغط الحديد على الجسد حتى يصل الشخص إلى مرحلة تمنعه من الحركة نهائياً، ويبقى مدةً معينة في هذه الحالة، إلى أن يعترف أو يصل إلى مرحلة ما قبل الموت، وعندها يتم إخراجه.

تضاف إلى ذلك طرق التعذيب التقليدية كالضرب بالسوط والركل والشتائم وغيرها من الأمور التي قد تعتبر روتينية في كل سجن.

في القسم الأمني، هناك قرابة 800 معتقل وفق تقدير ص.م 20 في المئة منهم جنود للنظام، 20 في المئة هم من مقاتلي تنظيم الدولة “داعش”، أما النسبة الأكبر من المساجين فهم من مقاتلي الجيش الحر بنسبة 50 في المئة، إضافة إلى حالات متنوعة، والتهم تتنوع بين عميل للغرب، مقاتل في درع الفرات، السرقة، تفجير عبوات، وغيرها. ويؤكد ص.م أن في السجن نساء معتقلات لم يشاهدهن، ولكنه كان يسمع أصواتهن دائماً، مشيراً إلى وجودهنّ في الطبقة العلوية.

يحوي السجن عدداً من الغرف تسمى “ج1، ج2، د1، د2… إلخ”، إضافة إلى المنفردات التي تكون مساحتها عرض متر وبطول مترين، وفيها مرحاض ولا مكان فيها لدخول الضوء.

معظم المعتقلين يبقون مدة 2 إلى 5 أشهر، حتى يتم تحويلهم ليقضوا مدة حكمهم في قسم منفصل في السجن، ففرع الأمنية لا يعتبر سجناً دائماً.

السكريات ممنوعة، الرعاية الصحية سيئة وحالتا وفاة

وعند سؤال السجين ص. عن الخدمات التي يوفرها السجن، يفيد بأن لا خدمات سوى الطعام المحدد، “وهم يتقصدون عدم تقديم السكريات، لكي يبقى السجناء بحالة تعب دائمة”. ويضيف: “عندما علمنا أن في اليوم التالي سيتم توزيع (حلاوة طحينية) على الفطور، أصبح السجن في عيد انتظاراً لتلك المفاجأة”.

من الناحية الطبية، يفيد ص.م بأن لا رعاية صحية إلا لبعض الحالات التي تقارب الموت، وقد علم من خلال حديثه مع السجناء بوفاة شخصين في فترة سابقة كانا يعانيان من السكري والربو، وذلك بسبب الرطوبة المرتفعة والروائح الخانقة في الغرف.

اعتذار بعد 40 يوماً من الاعتقال

بقي ص. في السجن أربعين يوماً، حتى تم استدعاؤه إلى التحقيق ليشاهد القاضي الذي وبخ السجانة بقوله “كيف بتخلوا واحد مدني ما عليه شيء أربعين يوماً ما بتطالعوه”، وأمرهم بإخلاء سبيله واعتذر منه.

ويرى ص. أن “هذا الأمر هو تمثيلية قام بها القاضي، ليظهر الأمر وكأنه خلل غير معتاد، تسبب بإبقائي كل هذه الفترة لديهم”.

شهر كامل للحصول على المقتنيات

يقول ص.م: “بقيت شهراً كاملاً بعد خروجي وأنا أحاول أن أحضر سيارتي التي صادروها حين اعتقالي حتى وصلت إلى مرحلة فكرت بأن أستغني عنها خوفاً من إعادة اعتقالي، ولكن بعد إلحاحي، سلّموني إياها لأكتشف أنها كانت تستخدم في العمليات العسكرية التي يقومون بها في ريف حلب الغربي”.

ص.م ليس المعتقل المدني الوحيد من دون تهمة في السجن، فهناك عدد من الحالات المماثلة، فبحسب قوله “هناك معتقل من ريف دمشق تهمته أنه لا يحمل إثبات شخصية، وهو في الواقع فقد كامل أوراقه الثبوتية بقصف للطيران على منزله واتهموه بأنه عسكري في جيش النظام”.

تسيطر “هيئة تحرير الشام” على معظم المفاصل الرئيسية في محافظة إدلب وهي تفرض قبضة أمنية شديدة على معارضيها، وتزج بهم في السجون بتهم متنوعة ومختلقة، وتعيش حالياً نوعاً من الاقتتال الداخلي، ربما يؤدي إلى إنهاء سيطرتها على محافظة إدلب.

درج

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى