صفحات الحوار

أرونداتي روي: كتبت عن كشمير لأواجه آثامي الشخصية

 

 

أجرى الحوار رينيه فان ستيبريان

بعد عشرين عامًا على النجاح الكبير الذي حققته روايتها الأولى “إله الأشياء الصغيرة” (1997)، ها هي الكاتبة الهندية المثيرة للجدل “أرونداتي روي” تصدر روايتها الثانية في مشوارها الأدبي تحت عنوان “وزارة السعادة القصوى”، تقول: “لم يعد إصدار رواية جديدة حدثًا اليوم، وأصبح من الغباء أن أضطر في كل مرّة إلى شرح الأسباب التي جعلتني أتوقف كل هذه الأعوام عن الكتابة الروائية”. بدأت “روي” كتابة روايتها الأولى في العام 1992، والتي تكاد تكون سيرة ذاتية لكاتبتها، وعكفت على نسج خيوطها لمدة خمسة أعوام، قبل أن تصدر في 1997 لتصنع زلزالًا في كل لغة تترجم إليها.

ولدت “أرونداتي روي” في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1961 من أم سورية مسيحية وأب بنغالي يدين بالهندوسية، وتعود جذور أمها “ماري روي”، والتي برزت هي الأخرى كمناضلة في مجال حقوق المرأة، إلى القبائل السريانية التي هاجرت قبل عقود من الشام إلى الهند، كان أول ظهور لاسم “أرونداتي روي” على الساحة الدولية حين حصدت روايتها الأولى، في مفاجأة غير متوقعة، جائزة البوكر الشهيرة سنة 1997، خاصة وأن “روي” كانت مجهولة تمامًا على المستوى الدولي آنذاك، وعلى العكس من الكثيرين الذين علقوا على الكاتبة الموهوبة الكثير من الآمال، تركت “روي” نجاحها الأدبي جانبًا، وتفرغت لنشاطها السياسي الاستثنائي كمدافعة عن حقوق الأقليات في بلدها الهند.

ليس لدى “روي” ما تخشاه، حتى وإن كان الموت المشهر عبر العديد من فوّهات كارهيها من السياسيين ومافيات الدم البشري، تناصر الفقراء والمعدمين وتقف بالمرصاد لألاعيب رجال الأعمال والشركات الأخطبوطية عابرة القارات، قضت طفولتها في ولاية كيرالا وذهبت إلى مدارسها لتنهي مراحل تعليمها الأساسية هناك، قبل أن تنتقل إلى الجامعة لتدرس الهندسة المعمارية بجامعة نيودلهي.

“صارت كل كتابة عن العنف الدائر اليوم في الهند تتهم بالابتذال، وبالتالي صار الجميع ينصرفون عن تناول المجازر اليومية بحق الكثير من الأقليات خوفًا من وصمهم بهذه التهمة”، تقول “روي” وهي تقودني إلى مجلسنا في غرفتها بفندق شيراتون القريب من مطار أمستردام الدولي، حيث ستغادر بعدها إلى بروكسل لتوقع الترجمة الهولندية لروايتها الجديدة “وزارة السعادة القصوى”. لحسن الحظ لم تؤثر الإضاءة السيئة للغرفة على مزاج “روي” أثناء الحوار، تحدثت بحماس عن قضية كشمير كما لو كانت طائرًا يحلق فوق جبل، وأنهت كلامها قائلة إنها لم تعد تشعر بالتفاؤل حين تفكر في المستقبل القريب لبلدها الهند: “الكثير من القراء وجدوا أن روايتي الجديدة بها العديد من الرموز والإسقاطات السياسية، لا سيما فيما يتعلق بالتعامل البشع الذي تنتهجه الهند تجاه الطبقات الفقيرة، خاصة طبقة الـ”داليت” أو “المنبوذين”، والتي تحتل أدنى مرتبة في النظام الطبقي الهندوسي في الهند”.

في روايتها الجديدة، نشعر أن “روي” أصبحت بعيدة تمامًا عن الخيال الروائي الذي تبدّى في روايتها الأولى “إله الأشياء الصغيرة”، في “وزارة السعادة القصوى” نجدها تكتب بطريقة أبعد ما تكون عن التخييل الروائي، بل أقرب إلى الرواية الوثائقية منها إلى الخيالية، حيث نجد في ثنايا الرواية العديد من التقارير الصحفية وطلبات اللجوء والشهادات الشخصية لأفراد من طبقة الداليت الهندية، إلى جوار العديد من الشخصيات الفرعية والعابرة، لتغطي الرواية عدة عقود من تاريخ الهند المعاصر.

الشخصيتان الرئيسيتان في رواية “روي” الجديدة هما الخنثى (هيجرا – أنجوم) الذي يعيش بإحدى مقابر العاصمة الهندية دلهي، والآخر هو المهندس المعماري الحر “تيلو” الذي عانى من صدمة كبيرة في كشمير. تسخّر أرونداتي روي روايتها الجديدة لمناقشة قضية كشمير على نطاق واسع، حتى تكاد لا تترك شيئًا يُذكر للخيال الروائي. ومعروف أن روي سخّرت سنواتها العشرين السابقة في الدفاع عن قضية كشمير من خلال كتاباتها الوثائقية ونشاطها كمدافعة عن حقوق الإنسان.

وإن كانت أرونداتي روي توقفت عشرين عامًا عن الكتابة الروائية، إلا أنها تملك رصيدًا مهمًا من الكتب السياسية التي لاقت رواجًا في العالم الناطق بالإنكليزية وكذلك في بلدها الهند، والتي تدور في غالبيتها حول السياسات الكونية والعولمة المتوحشة والحرب على الإرهاب، وعودة الاستعمار الأميركي لينتشر من جديد في عدد من المستعمرات الغربية العتيقة، كالعراق وأفغانستان وباكستان والهند، ومن هذه الكتب: “نهاية الخيال” (1998)، “ثمن العيش” (1999)، “علم جبر العدالة اللانهائية” (2001)، “سياسات القوة” (2001)، “حديث الحرب” (2003)، إضافة إلى كتابها المهم “دليل القارئ العادي إلى الإمبراطورية” والصادر سنة 2004.

إلى أي مدى ترين أهمية كتاباتك السياسية التي قدمتها على مدى الأعوام العشرين الماضية في بناء روايتك الجديدة؟

لهذه السنوات الطويلة من اهتمامي بالسياسة أهمية كبيرة في تشكل روايتي الجديدة بالطبع، لقد سافرت إلى جميع أنحاء وقرى الهند المنسية خلال الأعوام العشرين الماضية، ورأيت الأشياء التي لم يكن يتسنى لي رؤيتها وأنا جالسة خلف شاشة كمبيوتري الشخصي، من خلال هذه الرحلات المستمرة إلى جنبات الهند ومناطقه المنسية، لاحظت أن الهوة تتسع بين المدن والقرى المحيطة بها، ولا أعني هنا الهوة الاقتصادية بقدر ما أعني الهوة الثقافية، في بعض المدن يبنون السدود المائية من دون أية دراسة للتأثير الذي سيخلفه بناء هذا السد على العديد من القرى الأخرى، يسخرون في المدن من قضايا الفقراء الذين يعيشون في القرى والضواحي الفقيرة التي تنعدم فيها أية بنية تحتية من أي نوع، ثم تأتي السياسة الهندية لتسكت عن قضية كشمير[1]، لن تستطيع أبدًا فهم ما يحدث في كشمير لو أنك اكتفيت بما تذكره منشورات نشطاء حقوق الإنسان أو التقارير الصحفية أو الكتابات الوثائقية المدعومة بآلاف الحقائق التاريخية، لن تستوعب قضية كشمير من دون أن تزاوج بين ما يحدث على أرضها من فظائع واقعية وبين الخيال الأدبي.

ولكن لماذا تناولت القضية من خلال قالب الرواية؟ أكانت هذه هي الوسيلة المناسبة لإيصال رسالتك؟

الخيال هو السبيل الوحيد من وجهة نظري لتناول قضية معقدة وشائكة مثل قضية كشمير، في الكتابات غير المتخيلة تجد نفسك داخل جدال لا ينتهي حول الموقف الهندي من كشمير والعكس، أما من خلال الكتابة الروائية فأنت تضع العالم كله تحت عينيك، لتظهره من جديد إلى الآخرين من الزاوية التي تريدها، من خلال تناولك لخبرات إنسانية لمستها أو عايشتها بنفسك، حين تنطلق من هذه النقطة لن تتساءل حول مدى صلاحية هذا الخطاب الروائي لإيصال رسالتك من عدمه، لأن المحاولة ذاتها تستحق الخوض فيها أكثر من إيصال الرسالة أو عدم إيصالها، لم يكن لديّ غرض محدد من كتابتي عن قضية كشمير، ولست في حاجة إلى التوصل إلى استنتاجات جديدة غير التي أؤمن بها منذ سنوات، لكني مؤمنة تمامًا بأن الخيال يحسن الواقع. لم أكتب هذا العمل كي يفهم القراء خارج الهند ما يحدث في كشمير، ولكن لطرح العديد من الأسئلة الملحة ومن بينها: كيف يرى الهنود سلطتهم السياسية وهي تمارس الإرهاب العلني ضد أهل كشمير؟ وما هو المبرر الأخلاقي الذي يتكئ عليه القاتل وهو يقوم بارتكاب جرائم حرب؟ أنا مقتنعة بأن كشمير سوف تدمر الهند في نهاية المطاف لأنها تمتلك القاعدة الأخلاقية الرئيسية التي تبنى عليها المجتمعات.

ثمة جملة في روايتك تقولين فيها: “أوه، إنها فقط كشمير”! وأبرزت صحيفة النيويوركر الجملة ذاتها معتبرة أن نبرتك فيها كانت جد ساخرة، هل بالفعل كتبت هذه الجملة على سبيل السخرية أم الغضب مما يحدث هناك أم اليأس من إصلاح القضية برمتها؟

لم أكتبها وفي عقلي أحد هذه الاحتمالات الثلاثة، بل فقط لأنها النبرة الواقعية التي تناسب ما يحدث هناك من إرهاب يومي وجرائم حرب، بل لا يمكننا حتى أن نقول إنها نبرة إحباط، فليس هناك على المستوى الدولي من يهتم بقضية كشمير، لم ترتفع قضية كشمير إلى مستوى القضية الفلسطينية، والتي تتم مناقشتها باستمرار على المستوى الدولي دون أن يحدث فيها أي تغيير من أي نوع، هي ليست جملة ساخرة، وليست جملة غضب أو احتقار، بل بحث عن معنى للقضية، أنا أسميها جملة “رحيمة”، تكتب عن قضية تعالج بدون رحمة منذ عقود، جملة كتبتها كاتبة هندية تحاول التعبير عن مخاوفها تجاه مستقبل شعبها وبلدها، فهذا هو دوري المنوط بي ولن أتخلى عن الالتزام به حتى الموت، كتبت هذه الرواية لتسجيل رؤيتي الخاصة جدًا لقضية كشمير من خلال تاريخي الشخصي، عوضًا عن كتابة رواية عن الاستعمار أو الإمبريالية الجديدة، إنها مسألة مثيرة لاهتمامي بقوة أن أكتب عن كشمير من خلال تاريخي الشخصي، لأن ذلك يجعلني أواجه آثامي الشخصية تجاه هذه القضية.

يتساءل المحامي “تيلو” في الرواية قائلًا: “كم من الدماء يمكن لرواية أن تحتمل؟” هل توصلت إلى الجواب الآن بعد صدور الرواية؟

تحتمل الرواية كل ما يسال هناك من دماء بشكل يومي، ألاحظ ومنذ سنوات كيف تم محو العديد من الموضوعات السياسية الساخنة من الأدب الهندي المعاصر، خذ مثلًا موضوع تقسيم المجتمع الهندي على أساس التنوع الروحي والكرمة في الهندوسية إلى أربع مجموعات، حيث يؤمن الهنود أن براهما خلق أربع مراتب من الناس: الأولى هي “براهمين” وهي الطبقة الكهنوتية والمعلمة، والثانية هي “كشاتريا” وهي طبقة المحاربين والحكام، والثالثة “فيشيا” وهي طبقة المزارعين والتجار، والرابعة والأخيرة هي “شودرا” طبقة الخدم والعمال. أغلب الكتاب ألغوا هذا الموضوع الرئيسي في الذهنية الهندية من تناولهم أو حتى النقاش حوله، وهو الموضوع ذاته الذي تناوله كتاب جنوب أفريقيا قبل ثلاثين عامًا من الآن، أي الفصل العنصري القائم على تقسيم الناس إلى طبقات من خلال دينهم أو عرقهم أو لون بشرتهم، كذلك لا يجب أن ننسى أنه منذ العام 1947 لم يمر يوم في الهند دون أن ينزل الجيش ضد الشعب في منطقة ما من البلاد، ثمة مذابح بشرية عديدة وقعت في الهند دون أن يكتب عنها أحد، لا من الكتّاب أو الشعراء أو حتى الصحفيين الهنود، العنف والإبادة التي تتم يوميًا ضد مسلمي الهند موجودة منذ عشرات السنين، لكنها صارت اليوم مقبولة من قبل الكثيرين، تشارك فيها قوات الشرطة والجيش ويباركها السياسيون تحت قبة البرلمان، كثير من الهندوس يتجرأون على قتل أي مسلم لو اقترب من بقرة بدعوى أنها مقدسة، ولا يجب على غير من يعبدونها الاقتراب منها، يقتل المسلمون في الطرقات دون شرطة أو محاكمات، بل يقتلون لو تسبب أحدهم في حادثة سير في الطريق، وسياسيًا يتم النظر اليوم إلى رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” على أنه تقدمي، لذلك تتظاهر بلدان العالم بأنها لم تر ولم تسمع شيئًا مما يحدث داخل الهند من مذابح ضد الأقليات، وهذا شيء مرعب، ويجعلني أفكر في أي مستقبل ذلك الذي ينتظرنا لو بقينا على هذا النحو؟ لذلك أردت أن أكتب عن هذه الحالة المريبة من الصمت.

وتضيف روي: “ما زلنا عندما نريد التحدث عن الهند نجد أنفسنا نتحدث عن الغاندية والروحانية فقط، كأن هناك نوعًا من الضغوط تمارس كي لا يتناول الكتَّاب ما يحدث من أهوال ضد بعض الفئات والطبقات والإثنيات في الهند، كما لو كانت الكتابة عن العنف لا تتناسب مع الفن، أو كما لو كان العنف والدم سيأتيان على حساب دقة الرواية وجمالها. وهنا أود أن أقول: هلا توقفنا عن ترديد مثل هذه المقولات عديمة الفائدة؟ لا يمكنك تناول قضية كشمير فقط من خلال الدراسات الجنسانية أو السياسية أو الأكاديمية للتقسيم الطبقي تبعًا للكرمة، لأن كل هذه الأمور متشابكة ومعقدة داخل البشر أنفسهم، وبالتالي فإن الرواية هي الفضاء الأمثل لمناقشة هذه القضية”.

هل اختيارك لموضوع الرواية الجريء والحساس على المستوى السياسي الهندي له علاقة بما قالته مواطنتك الكاتبة “بانكاج ميشرا” مؤخرًا حول “تسليع الأدب الهندي الجديد على طريقة وجبات ماكدونالد السريعة”، وأن الرواية القادمة من الهند “صار عليها أن تلتزم بالصورة المعهودة عن الأدب الهندي، وإلا فلن تحقق النجاح المرجو منها دوليًا؟” هل كتبت روايتك كي تقدمي بديلًا لن يجرؤ عليه أحد سواك؟

لا أعرف، بالنسبة لي لا ينطبق ما قالته “ميشرا” على جميع كتاب وأدباء الهند، لكن ما أعتقد أنه يتخطى مشكلة اختيار موضوع الروايات، وفي صناعة الكتاب ككل، هو أن الروايات الهندية صارت كالسينما الهندية، تستهدف مستهلكًا بعينه، صار عليك في الهند أن تشرح في ثلاث كلمات فقط عن ماذا تدور روايتك كي تجد لها سوقًا، الكاتب يفعل ذلك مع الناشر، والناشر يفعل ذلك مع المكتبات التي ستوزع الرواية، وتفعل المكتبات الشيء ذاته مع القارئ الذي سيشتري الرواية، وهو ما يمنحني الشعور بأن عملية النشر في الهند صارت كما لو كانت تقدم منتجًا صناعيًا يخرج حسب مواصفات معينة على عملك الإبداعي الالتزام بها؟ كأنك لا تكتب روايتك الخاصة، بل تقدم حرفتك في تقديم ما يطلبه السوق، وهو ما جعل من الأدب الهندي الجديد مجرد كتابات مدجنة، حيث لا جديد يمكنك اكتشافه، فالتركيز على رغبات المستهلك أثناء الكتابة يحد من قوة الخيال لديك ككاتب، وهو السبب ذاته الذي يجعل من صناعة الكتاب بأكملها تدور حول قوائم الكتب الأكثر مبيعًا أو ما يسمونه بظاهرة “البيست سيلر”. ربما لكل هذه الأسباب التي أوردتها أجد من الغباء أن أشرح كل مرة لماذا توقفت عن الكتابة لمدة عشرين عامًا، وفي كل مرة كنت أرد على السؤال بسؤال آخر: ولمَ لا؟ وحينها لا يأتيني أي رد على سؤالي، فبمجرد أن تقرر أن تصبح جزءًا من صناعة “الأكثر مبيعًا”، وتهتم بسلوكيات وأذواق المستهلكين وعجلة الإنتاج بدلًا من الاهتمام بالخلق الفني المختلف، فأنت تضع مستقبلك ككاتب حقيقي على المحك، الكتابة يجب أن تكون تجربة خطيرة وغير مأمونة العواقب، أنا جد سعيدة اليوم أن اسمي مدعوم بنجاح روايتي الأولى “إله الأشياء الصغيرة”، وأقولها بصدق أن هذا النجاح هو ما شجعني اليوم على تقديم روايتي الجديدة بعد كل هذه السنوات من التوقف.

شخصياتك الرئيسية في روايتك الجديدة “وزارة السعادة القصوى” لا حدود لها. وكذلك قضية كشمير في حد ذاتها قائمة على نزاع حدودي. هل  لهذا السبب تبدو روايتك الجديدة أقل تقليدية وأكثر تجريبًا من عملك الروائي الأول؟

المضحك في الأمر أنه عندما صدرت “إله الأشياء الصغيرة” في 1997 لم يجد أحد أنها رواية تقليدية، الآن صارت تقليدية بفضل الأعوام العشرين التي مرت على صدورها، أنا مؤمنة بأنه لا يجب على الكاتب أن يكرر فكرة روايته الناجحة في رواية أخرى، وهو ما جعلني أكتب شيئًا مختلفًا تمامًا عن روايتي الأولى، “إله الأشياء الصغيرة” كانت تحكي عن عائلة هندية، في الرواية الجديدة ليست هناك أية روابط عائلية بين الشخصيات التي أتناولها، بل تتكون الرواية كلها من شظايا وثائقية ونتف محكية. وهي الطريقة الأنسب اليوم في رأيي لكتابة الرواية، تغير الكثير في الطريقة التي ننظر بها إلى العالم خلال الأعوام العشرين الماضية، لم يعد هناك أحد يتفحص لحظته الراهنة كما كنا نقول قبل عشرين عامًا من الآن، لأن الإيقاع السريع واللاهث اليوم جعل من عملية تفحصك للحظتك الراهنة شيئا عبثيا تمامًا، لأن اللحظة لم تعد راهنة كما كانت عليه في السابق، فبمجرد تفحصك لها صارت في الماضي، وما أعنيه هنا أننا صرنا نحيا لحظة مزدحمة بالمعلومات التي تأتيك عبر عشرات الشاشات المحيطة بك، بدءًا من شاشة هاتفك المحمول الموصول بغابة الإنترنت، وانتهاءً بشاشات قنوات الإعلام التي توجه تفكيرك حيثما تشاء، لم تعد اللحظة اليوم كما كانت عليه قبل عشرين عامًا، وهذا النقص الحاد في اللحظات الحقيقية الصادقة هو ما يجعلنا اليوم أكثر قابلية للانهيار، أشخاصًا وبلدانًا وثقافات.

ترجمه عن الهولندية عماد فؤاد

المصدر: صحيفة NRC الهولندية

[1] نزاع إقليمي بين الهند وباكستان من ناحية، وبين الهند وجمهورية الصين الشعبية من ناحية أخرى حول إقليم كشمير الواقع في الشمال الغربي لشبه القارة الهندية. نشبت بسببه العديد من الحروب والمواجهات العسكرية بين البلدين في الأعوام 1947، 1965، 1971، تبعها مؤتمرات قمة، سعيًا إلى حل المشكلة التي زاد خطرها بعد انضمام الدولتين إلى النادي النووي.

ضفة ثالثة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى