صفحات الثقافة

أريد أن أقود دبابة/ حمد عبود*

 

 

 

 

لو أعرفُ كيف أقودُ دبابة

كنتُ استعرتُ واحدة من الأعداء أو الأصدقاء

-الكل لديه دبابة سواي –

 

ولأخذتكِ على متنها

في فسحةٍ بمستوى هذه الحرب

لتشاهدي الحياة كما يراها الجنود من فتحة الباب المستطيلة

لربما عذرتِهم  لتدمير كنيستكِ المفضلة

– قبل أن تكفري بقليل –

 

أقحموه عنوةً في قلوبهم فخرجَ عنوةً

 

كنتُ أخذتكِ

نعَرِّجُ  فوق المأذنة المرمية في الشارع ولن نكون قد اقترفنا معجزة بذلك …

المأذنة التي وضعتْ أذنها على الاسفلت

كهندي أحمر يستمعُ إلى خطوِ القادمين والنازحين من البعيد وإلى البعيد

 

لو أنني أعرف كيف أقود دبابة لتعاركَ أخوتي من سيأخذ الكرسي الأمامي بجانبي

 

أعرفُ بعد أن فقدنا سقفَ الوطن ستصبحُ الدباباتُ بسقف مكشوف أيضا..

كشفنا رؤوسنا و صدورنا وانتظرنا صدى الدعواتِ الثقيلة

وكأي مهووس بالنظافة والبريستيج

كنتُ سألمع حديد دبابتي – و إن كانت مستعارة- و أمسحُ زجاج النافذة المستطيلة

لرؤية أفضل وحربٍ أنظف وشهداء يموتون بكامل شاماتهم وبلونهم الحقيقي

لا أريد – بعد أنْ أعيدها – أنْ يُقتلَ شهيدٌ أبيضاً فقط لأنه اسمَّرَ في زجاج النافذة

كلنا نريد للقتل أنْ يكون واضحا, صافيا, ثلاثي الأبعاد والنوايا

 

و كأي مهووسٍ كنت سأمرِرُ الكفن على الماسورة جيئة وذهابا

كملمع أحذية ماهر

الحرب النشيطة  تستحق مواسير سالكة

بدون طينٍ أو أعشاش عصافير وحمامات بيضاء تقف عليها و تعكر تركيزها

لا أريد أن يقول الناس انظروا خربوا لنا حربنا بمنظر حديد الدبابة الصدئ

 

أعرفُ صديقا من القرية سرق دبابة وأخذها إلى النهر

تعرّتْ وتوضأتْ الدبابة من الفرات وأسقطتْ الجسر المعلق …

قيلَ في الموضوع خلافُ وجهات نظر

الجسر كان يرى الدبابة حالة انتصاب فاضحة  من فوق

الدبابة كانتْ ترى الجسر رصيفاً طائرا

من فتحة الباب المستطيلة الضيقة كان الموضوع مستفِزاً ألا تُرى حِبال الحديد

الدبابة سحبتْ مسدسها أولا..

…..

لم أكن شجاعا كفاية

اكتفيت بوشم دبابتي

كتبتُ:

«رضاكَ يا وطني ..»

 

و كنتُ ألوح للأعداء للأصدقاء للمارة للأمهات للأولاد ألا يقتربوا

دبابتي مصابة بداء «الشقيقة»

لم أكن لأعرف متى نوبتها القادمة

لو أني أعرفُ قيادة دبابة

لتركتُ غرفتكِ تنسل هاربةً من الطابق الثاني إلى الطابق الثالث دون أنْ أدفعها إلى ذلك

كنت أخطأتُ التصويب لحظتها وأصبتُ المأذنة

هذا السبب الوحيد الذي جعل المأذنة تُقصف …المأذنة  أولى بالقذيفة من شباكك

ألم نتعلم بعد كل هذا الضرب بأن خد الدِيْن الأيمن يحتمل اللطم أكثر من خد القلب

 

أمّا هم

كانوا يصوبون نحو شالك ليغتالوه, المنحرفون كانوا يحبون رؤية عنقك في الصباح

على الحاجز و انتِ تضغطين الهاتف بين أذنك وكتفك

 

سأستعيرها لا تقلقي ولن يزعجك زمور دبابتي حيثُ أنتظركِ لتنزلي

سأطلق مئة وسبعاً وأربعين قذيفة حتى تنتهي من زينتك

ريثما تنزلين سأقفُ أسفل بيتك

وسيتهامس أهل الحارة: «انظروا لقد صادقت الأقوياء».

ومع أن قلبي الضعيف ودبابتي روسية الصنع

كنتُ سأحبك من قلبي حيث أنا في قلب دبابتي

 

رأيت في طريقي إليك دبابة صفراء قصيرة مزركشة باللطخ السوداء

شعرتُ بالغيرة واشتقتُ إليك أكثر

 

كنت أحييك بقذيفة كلما خطرت ببالي دائما

تضحكين

أنت الوحيدة التي تعرف سبب هذا القصفِ العشوائي

كنتُ أمنعُ الناس من التفكير بك أيضا

أمنعُ الأمهات من دق بابك

هل عرفتِ لماذا شارفتِ على العنوسة …

ما زلتُ صادقا بأنكِ لن تكوني لغيري

أنا الغيور صاحبُ الدبابة المستعارة.

 

أجلس في دبابتي اطرقُ رأسي إلى الأرض وماسورتي

رأسُها منتصبٌ فوق المأذنة:

– «ماذا فعلنا يا الله»

– «كيف اقترفنا كل هذه المسافات الشاسعة من القتل»

كم كان جميلاً لو أخذتكِ وإبريق الشاي

جلستُ علي الحدود لأحميها وأسقيها ما تبقى من الكوب البلاستيكي

كم كان أنيقاً

لو أن الجسر بقي طائراً و تسترتْ عورة الدبابة الفاضحة

 

كم كان جميلاً لو أنّ الدبابة تعطلتْ وسكتَ هديرها واستمعنا  لصوت أألمنا ينادي:

 

«تعالوا العشاء اليوم بطيخ وجبن أبيض»

 

في يوم مشمس

في يوم مشمس طارت حبيبتي و أنا ألوِّح لها بمفاتيح دبابتي

كانت هناك بصلة يابسة في نهاية علاقة المفاتيح

علقتُها ليبكي الحزن إذ أتى يوما

لأتذكر بأن الحزن جميل أيضا

لأبكي عندما أحتاج وأبتسم وأنا أنشِّفُ دموعي أنّ كل شيء بخير الآن

 

كان شريط الهاتف الطويل جداً يكفي ليتعثر المارة بقربي وأنا أتغزل بك

أعدك بفسحة في الدبابة

و كان كافياً لأن أربط به الدبابة وأجرها خلفي كي لا ترجع الى أصحابها..

أعدائي أصدقائي.. أصحاب الدبابات أولاد القذائف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى