صفحات العالم

أزمة الجنود اللبنانيين المخطوفين في لبنان – مجموعة مقالات-

 

 

 

عندما يعتقل لبنان زوجة “الخليفة”/ سعد كيوان

تحتار السلطات اللبنانية ماذا تفعل بمسألة اعتقال زوجة “خليفة” المسلمين، و”أمير دولة الإسلام في العراق والشام”، سجى الدليمي، وكيف توظفها.

فلبنان غارق في أزمته، لا يرى سبيلا للخروج منها، فقد مضى على شغور موقع رئاسة الجمهورية أكثر من ستة أشهر، والبرلمان مشلول، بفعل انتهاء ولايته، ولجوء النواب للتمديد لأنفسهم ولاية كاملة، والحكومة تعمل بشق النفس، وتقف عاجزة عن حل مشكلة العسكريين المخطوفين منذ أكثر من أربعة أشهر، من تنظيمي “داعش” و”النصرة” في معركة عرسال الحدودية، في أوائل أغسطس/آب الماضي، وهي تخضع لابتزاز هاتين المجموعتين الإرهابيتين، اللتين تهددان، ثم تنفذان تهديداتهما، بذبحهما أربعة عناصر من الجيش وقوى الأمن، حتى اليوم.

وتقف الحكومة حائرة في أمرها، ضائعة ومرعوبة، تحت الضغط الهائل الذي يمارسه أهالي المخطوفين الذين يفترشون الساحات، وينصبون خيمهم، ويقطعون الطرقات في محيط السراي الحكومي ومجلس النواب، وعلى الطرقات بقاعاً وشمالاً. يتحرك الوسطاء المحليون، من دون أن يعرف كيف ومع من يتصلون. هل مع الخاطفين مباشرة، أو عبر وسطاء محليين؟ ومن هو المفوض الفعلي، وزير الصحة الجنبلاطي، وائل أبو فاعور، الذي يزور الأهالي في خيمهم مُطمئناً، أم المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، الذي يتواصل مع أجهزة النظام السوري الأمنية، ويلقى اعتراضاً من بعض قوى 14 آذار؟ فيما يعلن الوسيط القطري، قبل أيام، انسحابه من عملية التفاوض مقراً بعجزه، بعد أن أعدم “داعش” العسكري الرابع، علي البزال، نهاية الأسبوع الماضي.

ويختلط الحابل بالنابل، وتتشوش الصورة في أذهان اللبنانيين الذين يعيشون المسلسل الدرامي مضاعفاً عبر سماع ومشاهدة السجالات، التي تدور على شاشات التلفزة، حول السبيل إلى إنقاذ حياة العسكريين، وخصوصاً حول صحة أو عدم صحة إجراء عملية مقايضة مع الإرهابيين، ومبادلة أسرى الجيش بمعتقلين إسلاميين “أصوليين”، أو “سلفيين” لدى السلطات اللبنانية، يطالب بعضهم “داعش” و”النصرة” بإطلاق سراحهم.

ويزيد من مأساوية هذا السجال وبؤسه، قيام “حزب الله” بعملية تفاوض موازية، ومقايضة تمكنه من استرجاع أحد مقاتليه الأسرى في مقابل تسليمه عنصرين محتجزين لديه. ليتحول هذا السلوك إلى نموذج يطالب به كثيرون، بهدف الضغط على الحكومة، وإجبارها على المقايضة، وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك، مطالبا بتسليم ملف الأسرى برمته إلى حزب الله الذي، برأيهم، “يتقن فن التفاوض وأساليب تحرير الأسرى”، علماً بأن الحزب نفسه كان يرفض، في البداية، أية مقايضة مع تنظيمي “داعش” و”النصرة”، إلا أنه اضطر إلى التراجع تحت ضغط وغضب أهالي العسكريين الذين يشكلون خليطاً طائفياً، من سنة وشيعة وبعض المسيحيين. كذلك حليفه رئيس التيار الوطني الحر، ميشال عون، الذي ما زال على موقفه الرافض، فيما يقف وزراء داخل الحكومة مع المقايضة، وبعضهم الآخر ضدها.

وفي خضم هذا الضياع المثير، وغياب أي تحمل فعلي للمسؤولية، تظهر فجأة على السطح مسألة اعتقال إحدى زوجات “الخليفة”، أبو بكر البغدادي، التي كانت تتحرك بين مناطق في البقاع وشمال لبنان، والتي تحمل هوية مزورة. وكانت قد دخلت على ما يبدو “خلسة” إلى لبنان قبل نحو ستة أشهر، فيما تفيد معلومات أخرى بأن سجى الدليمي، عراقية الجنسية، تمكنت من مغادرة سورية مع مجموعة راهبات دير معلولا اللواتي تم تحريرهن عبر الوساطة التي قام بها يومها اللواء إبراهيم. وقد تمكن الجيش اللبناني، أيضاً، من اعتقال آلاء العقيلي، زوجة قيادي في جبهة “النصرة”، يدعى أنس شركس، وهي سورية. وفيما تفيد المعلومات المسربة عن التحقيقات بأن العقيلي كانت تقوم بدور صلة الوصل بين المجموعات وخلايا “النصرة” على الأرض، كان دور الدليمي جمع التبرعات وتأمين وصولها إلى مقاتلي “داعش” في سورية، وتتلقى، أيضاً، أموالاً من الخارج.

فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا تم اعتقال زوجة البغدادي؟ هل لخطورة الدور الذي تقوم به، أم بهدف مقايضتها “صيداً ثميناً”، من أجل استرجاع العسكريين المخطوفين؟ وهل إن من اعتقلها متأكدٌ فعلاً من أنها تحظى بمكانة خاصة عند البغدادي، مما يضطره إلى لخضوع للابتزاز والقبول بالصفقة، كي يسترجع زوجته؟ وهل هي الزوجة الوحيدة لديه، أم لديه أخريات؟ ثم هل إنها لا تزال فعلا زوجته، أم أصبحت طليقته، إذ من اللافت عدم صدور أية ردة فعل من “أمير الدولة الإسلامية” منذ اعتقالها؟ كما أن جريدة “السفير” اللبنانية نشرت، قبل أيام، معلومات تفيد بأن الدليمي حامل، فمن تراه يكون والد الجنين؟

أسئلة وأسئلة كثيرة تزيد من غموض القضية، وتطرح مزيداً من التساؤلات حول الهدف من القبض على المرأة. والأغرب والأطرف من ذلك أن وزير الداخلية، نهاد المشنوق، الذي ينتمي إلى تيار سعد الحريري (“المستقبل”)، فاجأ الرأي العام بانتقاده العلني عبر محطة تلفزيونية توقيف السيدتين. فهل إنه لم يكن يعلم بذلك، أو إنه لم يحط علماً به قبل حدوثه؟ أم إن القضية أدخلت، كالعادة، في زواريب السياسة الداخلية؟

الثابت والمضحك، في آن، أن قضية اعتقال زوجة “الخليفة” بدل أن تكون سلاحاً فعالاً في يد الدولة اللبنانية تحولت، على الأرجح، إلى ورطة!

العربي الجديد

 

 

 

زوجات “المجاهدين” والضابط الأردني/ حـازم الأميـن

سألت في أحد الأيام ضابط أمن أردنياً في دائرة مكافحة الإرهاب إذا ما اكتشف في سياق تتبعه تنظيم “القاعدة” دوراً لنساءٍ ناشطات في الخلايا الإرهابية، فأجابني على نحو قاطع أن شكوكاً ساورتهم ذات يوم بدور لنساء الناشطين في “القاعدة” فما كان من دائرة مكافحة الإرهاب إلا أن أرسلت عبر قنوات التواصل المعهودة في العمل الأمني إلى “من يهمه الأمر” في تنظيم “القاعدة” أن أي دور يوكل لنساء في هذا السياق سيعني حملة اعتقالات تطاول زوجات الناشطين، وسيعني أيضاً إدخال كل من هي متزوجة بـ”مجاهد” أو تربطها علاقة قرابة به في دائرة الشكوك والاستدعاء للتحقيق في كل مناسبة.

وأضاف الضابط: “نحن نعرف ما يُمثله النساء لهؤلاء الناشطين من احتمالات أن يعرضها التوقيف والاعتقال لما لا يرغب القاعديون في أن تتعرض نساؤهم إليه. ولهذا استجابوا لشرطنا، ونحن بدورنا احترمنا وعدنا لهم باستبعاد نسائهم من الاستدعاءات”.

الحرب على الإرهاب لعبة لا تجيدها على ما يبدو أجهزة الأمن اللبنانية. فالطريقة التي يُدار فيها ملف مبادلة الجنود اللبنانيين الذين تختطفهم “النصرة” و”داعش” كشفت عن خِفّة في التعاطي مع هذا الملف المعقّد.

فما الذي فعلته السلطات اللبنانية بعد استحضارها ملفي الزوجة السابقة للبغدادي والزوجة الراهنة لأبو علي الشيشاني؟

من الواضح أن عمليتي توقيف زوجتي البغدادي والشيشاني ليستا إنجازاً أمنياً، فهما كانتا موجودتين بمعرفة الأجهزة الأمنية في لبنان. الأولى كانت وصلت إلى لبنان بعد عملية مبادلة راهبات معلولا، والثانية تقيم مع طفليها في إحدى مناطق طرابلس التي تؤوي لاجئين سوريين. وبالتالي فقد تم استحضارهما للحاجة إلى أوراق مفاوضة حول الجنود المختطفين من قبل “النصرة” و”داعش”. أما تسريب الخبر حول توقيفهما بصفته إنجازاً أمنياً، فسنكتفي بوصف وزير الداخلية نهاد المشنوق له: “لقد كان خطأ كبيراً”.

لكن “الخطأ الكبير” كان سبقه خطأٌ كبير آخر: ما هي خطة السلطات اللبنانية للتفاوض حول زوجتي الرجلين؟ ذاك أن لبنان في مفاوضته على جنوده المختطفين مكبل أيضاً بحقيقة أنه دولة، وهذه الأخيرة لا يمكن لها أن تقوم بعملية اختطاف. توقيف أي شخص يجب أن يُرفق بأسباب وبارتكابات. أن تكون فلانة زوجة مجرم فهذا لا يكفي لتوقيفها. يجب أن تكون قد شاركت في الجريمة. ويجري الآن بحث عن جرائم ارتكبتها زوجة البغدادي (السابقة) وزوجة الشيشاني (الراهنة)، ويبدو أيضاً أن القضاء لم يعثر على جرائم، فأعادهما إلى الأمن العام للتحقيق معهما مجدداً. وما رشح من احتمالات التهم حتى الآن هو أنهما تقيمان على نحو غير شرعي على الأراضي اللبنانية، شأنهما شأن أكثر من مليون لاجئ سوري.

القانون اللبناني يُلزم أي جهاز أمني يلقي القبض على مقيم غير شرعي على الأراضي اللبنانية بإعادته إلى بلده وتسليمه إلى السلطات فيها. ما يعني أن الأمن العام اللبناني الذي أعاد القضاء إليه زوجة البغدادي السابقة وزوجة الشيشاني الراهنة سيجد نفسه أمام هذا الاحتمال. وأمام هذه المعضلة سنجد أنفسنا أمام مزيد من التعقيدات في ملف جنودنا المختطفين. فكيف سيتصرف البغدادي والشيشاني مع الجنود إذا ما سلمت السلطات اللبنانية زوجتيهما للنظام السوري؟ أطلقوا العنان لخيالكم أيها اللبنانيون، وأجيبوا عن هذا السؤال.

والمسألة الأعقد هو أن كرة “الزوجات” قد تكبر، ذاك أن مئات “المجاهدين” أرسلوا زوجاتهم إلى مخيمات اللجوء في لبنان وفي الأردن وفي تركيا، وأن يعتبر لبنان أن هؤلاء الزوجات هن مشاريع مفاوضة فذلك يعني دخوله في نفق فضلت دول حققت نجاحات في الحرب على الإرهاب، تفاديه.

وهنا يجب أن نستعيد كلام الضابط الأردني مصحوباً هذه المرة بحقيقة أن الأردن تمكّن أكثر من غيره من الحد من مخاطر الإرهاب.

موقع لبنان ناو

 

 

 

 

 

الخطف والمسؤولية/ زيـاد مـاجد

يعيش لبنان منذ أسابيع توتّراً تضبط إيقاعه ومضاعفاته جريمة خطف ذهب ضحيّتها عدد من عناصر قواه الأمنية النظامية على يد مسلحّين من فصائل إسلامية وجهادية تقاتل في سوريا. فالجريمة المذكورة، بمستوياتها المتعدّدة، تظهّر مدى هشاشة “الدولة” اللبنانية بمؤسّساتها التي ما زالت قائمة.

ويفيد التذكير، في ما يخصّ الجريمة نفسها، بما يغيب أكثر فأكثر في النقاش اللبناني العام حولها.

فالجريمة هي أوّلاً سياسية، نجمت عن وضع عسكري متفاقم في منطقة القلمون السورية على مقربة من الحدود اللبنانية البقاعية، حيث يعتدي حزب الله منذ صيف العام 2012 على السوريّين، قبل وصول “النصرة” الى المنطقة وقبل الولادة الرسمية لـ”داعش” بسنةٍ كاملة.

والجريمة هي ثانياً نتيجة فلتان حدودي في الاتجاهين، تُسأل عنه أجهزة الدولة الأمنية التي لم تضبط الحركة في الاتجاه السوري، ولم يعد بمقدورها ضبطها في الاتجاه المعاكس، أي اللبناني.

وهذا لا يعني بأي شكل أن ثمة ما يبرّر الجريمة أو يوجد أسباباً تخفيفية لمرتكبيها. فهم قتلة، وما إعدامهم لمخطوفين وتهديدهم بالاستمرار في ذلك سوى دليل على وضاعتهم الإجرامية.

على أن ما يدعو للتذكير المشار إليه هو أن الطرف اللبناني المسؤول جزئياً عن مأساة العسكريين المخطوفين اللبنانيين وذويهم، إنما يتباهى في المقابل بنجاحه بتحرير أحد أسراه في عملية تبادل أقامها مع خاطفي العسكريّين إياهم، محوّلاً الأمر الى مدعاة مقارنة بين إنجازاته وإخفاقات “الدولة”، التي يتحكّم الى حدّ بعيد في ظروفها وفي إدائها.

أكثر من ذلك، يُظهر حزب الله نفسَه وسط المأساة هذه كطرف هو الأكثر عقلانية وكفاءةً (وليس الأمر في أي حال بمفاجئ) بين أطراف المعادلة الثلاثية الشهيرة التي أرساها: الجيش والمقاومة والشعب. فالأول، كاختزال مؤسساتي للدولة، يبدو عاجزاً حتى الآن عن إنهاء وضع أمني إنساني يطال عناصر محسوبين عليه وعلى عدد من الأجهزة “الدولتية”. والثالث، الشعب، لا يبدو أكثر من جماعات تنفعل وتتصرّف وفق ردود أفعالها الغريزية علىحالات الخطف وتهديدات الإعدام، فتقطع الطرقات أحياناً، وتعتصم حزناً وقهراً أحياناً، ثم يخرج من صفوفها في أحيان أُخرى من يبادر الى اعتداءات عشوائية إجرامية ضد لاجئين سوريين أو ضد مخيّمات بؤس أقاموها.

هكذا، تتعرّى الدولة اللبنانية وتفقد حصانات مؤسساتها الواحدة تلو الأخرى، وتخرج مجموعات أهلية عن أطر السلوك والنشاط المدنيّين لتمارس العنف المعمّم، فلا يبقى سوى “المقاومة” التي تقاتل في سوريا (وتتسبّب بالمصائب للسوريّين واللبنانيّين) قادرةً على حماية أبنائها، واستطراداً من يلجأ إليها. وهكذا أيضاً يتكرّس انخراط لبنان الدموي في الأتون السوري، أو بالأحرى في الأتون السوري – العراقي، بلا استشارة لكثر من اللبنانيين وبلا حسابات لما سيحمله المستقبل من احتمالات أهوال قد لن تكفي “الكفاءة” ولا القدرة على تحرير الأسرى لدرئها.

موقع لبنان ناو

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى