حواس محمودصفحات سورية

أزمة الدولة العربية.. دولة «البعث» نموذجاً/ حواس محمود

 

 

تستأثر الدولة العربية باهتمام الباحثين والمفكرين العرب بخاصة بعد ثورات الربيع العربي التي تم تحويلها إلى خريف عربي من خلال التدخلات السلطوية المحلية ذات الامتدادات والتفاعلات الإقليمية والدولية التي باتت تستطيع عرقلة التحولات الداخلية. وبهذه الحالة نعود من جديد إلى الحاجة إلى إعادة صوغ المفاهيم والنظريات والأفكار والمبادئ حول آلية التحولات الديموقراطية ومدى قدرة القوى الاجتماعية والسياسية في الدولة القطرية العربية على انجاز التحول الديموقراطي المنشود، بدأت أزمة الدولة العربية المستقلة حديثا بعد خروج الاستعمار الغربي منها باستيلاء طغمة على الحكم وفق انقلاب عسكري وليس وفق عملية ديموقراطية انتخابية أو دستورية، هذه الطغمة غلفت سيطرتها على المجتمع والدولة (حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع – الحالة السورية-) بشعارات ومكياجات ايديولوجية ذات طابع قومي وأحيانا اشتراكي، لتعطي مبررات مقنعة ايديولوجياً لدى الجماهير، بأنها تقاوم اسرائيل وتدافع عن الوجود العربي وتدعو للوحدة العربية وهي ضد التجزئة والتقسيم في العالم العربي، لكنها كانت تمارس فعليا تحطيم بنى الدولة والمجتمع، إذ أنها غيبت المجتمع المدني من التأسيس والتفعيل، ومنعت العمل السياسي، وأفسدت الاقتصاد بالسماح بنشوء طبقة بيروقراطية تمتص قوت الشعب تحت جنح السلطة وهيمنتها الدائمة، إلا أننا يمكننا أن نضيف سمة مهمة وكبيرة تميز الدولة العربية المأزومة والا وهي: لجوؤها إلى القمع عبر الأمن والمخابرات، اذ تدخل الامن في كل شاردة وواردة في المجتمع، ما أصابه بالشلل التام وسمي هذا النموذح بالدولة الأمنية على حد تعبير الدكتور طيب تيزيني وهو نموذج معظم الدول العربية إن لم نقل كلها هذا النموذج الذي ثارت عليه الشعوب العربية في ما سمي بثورات الربيع العربي، ويمكننا ان نحدد ملامح الدولة الأمنية بما يأتي

ملامح الدولة الأمنية:

تتسم الدولة الأمنية بعدة ملامح تميزها عن الدولة اللاأمنية أو الديمقراطية ويمكن أن نذكر هنا أهم ملامح الدولة الأمنية :

أولا: رفض التداول السلمي للسلطة وجمع الصلاحيات في شخص فرد أو حزب واحد.

ثانيا: تعتمد الدولة الأمنية أيديولوجية شمولية ذات طابع عقائدي دوغمائي إيديولوجي مغلق تستند إلى التحشيد والتجييش والتحميس وتبث ثقافة إيديولوجية عمادها التلقين والحفظ والببغائية والعدمية الفكرية والعقلية والنقدية لكي تستطيع أن تسود وتسيطر على مقدرات البلد والمجتمع.

ثالثا: التركيز على (كاريزما) القائد الأوحد والحزب الواحد وعبارة (زعيم واحد) والقائد الملهم، ويتحول الحزب إلى رهينة بيد الرئيس فيأخذ الاهتمام الأوسع وبذلك تسهل عملية الاستبداد بالرأي والتصرف بمقدرات الدولة والمجتمع.

رابعا: السيطرة والاحتكار التام لوسائل الإعلام والصحافة والترويج للقائد وتلميع وجهه وترديد كلامه كمفكر وسياسي وداهية بالعلوم كافة، ويمنع المجموع العام من التعبير عن رأيه بحرية، خامسا: إخضاع المؤسسة العسكرية ومفاصل القوة والدفاع، ومؤسسات المجتمع المدني إلى منهج الارتباط المباشر بشخصية الحاكم وترجمة سياساته عن طريق استخدام البطش والقسوة والتنكيل.

سادساً: الاقتصاد الموجه الذي يسيطر الحاكم به على مقدرات الشعب، ويتحكم بقوت الناس وأرزاقهم ليكون له اليد الطولى بزيادة العطاء لمن يواليه وتقليص وتضنيك متطلبات المعيشة لمن يغايره التفكير والتوجه

سابعا: تطبيق المواد القانونية والدستورية بطريقة مسيسة، فتشدد في جانب وترتخي في جانب آخر وحسب أهواء السلطة والقيام بشراء ذمم المحامين والقضاة واستخدامهم في محاكمة الوطنيين والشرفاء لاستصدار أحكام جائرة بحقهم بموجب محاكمات شكلية وصورية.

ثامناً: تجيد الدولة الأمنية فن اللعب على الداخل والخارج، تبين دائما من خلال وسائل إعلامها وأبواقها المتعددة سواء أكانت هذه الأبواق مؤسسات أو أشخاصاً من ضمن الدولة أو خارجيين (عرباً أو أجانب)، تبين أن الخارج هو المهم أي توجيه الأنظار إلى الخارج وتحدياته، وهي تسيطر على مقدرات الشعب بشكل محكم، وإذا وجد عدو خارجي فإن الدولة الأمنية تقوم بالتركيز (عندما يطالب الشعب بالتغيير) على أننا أي الدولة الأمنية الشمولية مستهدفون، ونحن نواجه هجمة خارجية شرسة لذلك فان المطالب بالتغيير أو التنمية يوصم بالتواطؤ وخدمة الأعداء، وتحت هذه الحجة تم خنق المجتمع وأهملت التنمية وتخلفت المجتمعات وزج بالعديد بالسجون والمعتقلات، وأعدم بعضهم بتهمة الجاسوسية لإسرائيل حتى إن الأمن يهدد بعض المعارضين بتدبير تهمة التعامل مع الأعداء، وتحت موجة العداء للعدو الخارجي تمارس شتى العقوبات ضد العديد من المناضلين من أجل التغيير والديمقراطية من دون أن يحدثوا أي ضجة إعلامية لصالح الدفاع عنهم ومطالبة الدولة الأمنية بالإفراج عنهم، على العكس من ذلك يذهبون إلى سجونهم بتغطية إعلامية معادية لهم لأن السلطات تشتري الإعلام الخاص من خلال الرشاوى أو التهديد. أما الإعلام الحكومي فهو إعلام الدولة الأمنية طبعا يروج لهذه ضد خصومها الديمقراطيين بالبلد.

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى