صفحات سوريةعمر كوش

أزمة المبعوثين الأمميين/ عمر كوش

 

 

 

من الثورة إلى الأزمة

أزمة المبعوثين

أسباب الفشل

بعد استقالة كوفي أنان أول مبعوث مشترك أممي وعربي إلى سوريا طرحت تساؤلات كثيرة حول إدارته لمهمته وللأزمة، ثم تكرر الأمر نفسه مع الأخضر الإبراهيمي الذي أعلن فشل مهمته بعد وصول مفاوضات جنيف2 إلى طريق مسدود.

ثم جاء تعيين ستيفان دي ميستورا ليكشف أزمة المبعوثين الأمميين إلى سوريا، وإضاعتهم البوصلة، وضلالهم طريق الحل، وكي يثير من جديد أسئلة حول الدور الأممي في بلدان الثورات العربية، وعما إذا كان هذا الدور يهدف بالفعل إلى إيجاد حلول تلبي طموحات الشعوب العربية في الحرية والتحرر، أم أنه بات يشكل عامل إعاقة للتحولات الديمقراطية في هذه البلدان.

من الثورة إلى الأزمة

أظهر فشل المبعوثين الدوليين إلى كل من سوريا واليمن وليبيا أزمتهم في إمكانية إيجاد حلول سياسية لأزمات بلدان ثورات الربيع العربي التي أرسلوا إليها، ولعل الحالة السورية تقدم نموذجا في هذا السياق، حيث إن الثورة السورية -التي بدأت في منتصف مارس/آذار 2011- كانت سلمية الطابع ووطنية التوجه.

وقد وقف العالم متفرجا على مشاهد وصور قتل السوريين السلميين من طرف قوات النظام وأجهزته الأمنية شهورا عديدة  من دون أن تتحرك قوى المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة لوقف نزيف دمائهم، فيما استغل النظام السوري وحلفاؤه الوقت كي يعملوا على تجريد الثورة من طابعها السلمي، وعلى إفقادها سمتها الوطنية، فحاول النظام منذ البداية بشتى الوسائل والطرق حرف الثورة عن طريقها السلمي الذي بدأته، وتشويه طابعها الوطني التحرري الهادف إلى الخلاص من الاستبداد، ونيل الحرية واسترجاع الكرامة، وتطبيق العدالة.

وأطلق مسؤولو النظام منذ الأشهر الأولى تهديداتهم لدول الجوار كي لا تبقى الثورة محصورة في الحيز السوري، وراح بشار الأسد يتحدث عن زلزال يضرب المنطقة برمتها في حال سقوط نظامه، وعن أن الفوضى ستطول دول الجوار الإقليمي، بل إن أحد رموز النظام الفاسدة اعتبر أن أمن دول المنطقة -خاصة إسرائيل- مرهون ببقاء النظام بكل أركانه.

أزمة المبعوثين

بانتقال الملف السوري إلى الحيزَيْن العربي والدولي جرى تعيين مبعوثين مشتركين بين الأمم المتحدة والجامعة العربية، هما كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، وبعد جولات عديدة قام بهما كل منهما فشلا في التوصل إلى حلول للأزمة، والسبب الأساسي كان تعنت النظام وإمعانه في الحل العسكري الدموي، وعدم قبوله أي حل سياسي للأزمة، لكن الأسباب الأخرى تتعلق بصراع المصالح الإقليمي والدولي في منطقة الشرق الأوسط، ورغم أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان بذل جهودا كبيرة لحل الأزمة السورية فإنه اصطدم بتعنت النظام، لكنه استطاع أن يضع مبادرة تتضمن ستة بنود مثلت أرضية لبيان “جنيف1” في يونيو/حزيران 2012.

غير أن البيان أصبح مشكلة بحد ذاته بسبب التفسير الروسي المناقض للتفسير الغربي والأميركي، وحين تسلم الأخضر الإبراهيمي مهمته لم يتمكن على مدار أكثر من عامين من تقديم تفسير موحد للبيان، واضطر بعد فشل مؤتمر “جنيف2” إلى تقديم استقالته، ولم يخفِ كل من أنان والإبراهيمي خيبة أملهما من تناقض مواقف المجتمع الدولي، والانعكاسات السلبية لذلك على الأزمة.

وفي اليمن، بقي المبعوث الدولي السابق إلى اليمن جمال بن عمر حوالي خمس سنوات يخوض في تفاصيل الأزمة اليمنية، لكنه أيضا انتهى إلى الفشل، نظرا لعدم قدرته على حل إشكاليات عديدة، والأهم أنه افتقد ثقة من بعض الأطراف اليمنية، الأمر الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة إلى استبداله، وتعيين الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد بدلا منه، وقد توصل بن عمر إلى جملة من التفاهمات والاتفاقيات لكنها لم تصمد طويلا، ودخلت البلاد في حالة حرب، حيث استولى الحوثيون وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح على مؤسسات الدولة، وذلك بدعم إيراني وروسي.

وسكت بن عمر طويلا على ممارسات جماعة الحوثيين وعلي صالح، خاصة على اعتقال الرئيس الشرعي والوزراء، فقاموا بالاستيلاء على الوزارات والمؤسسات العامة، ولعل من المفارقة أنه حين بدأ الحوثيون بالهجوم على العاصمة صنعاء بعد حصارها كان جمال بن عمر يتفاوض مع الحوثيين في صعدة، وتمت علمية السيطرة عليها أثناء تلك المفاوضات، ولم يحرك المبعوث الأممي ساكنا، بل ذهب بعض اليمنيين إلى القول إن بن عمر قام بتغطية سقوط صنعاء من خلال جر القوى السياسية إلى التوقيع على وثيقة صاغها مع الحوثيين، وسميت “اتفاقية السلم والشراكة الوطنية”.

وفي المدى المنظور -رغم استمرار ضربات “عاصفة الحزم” لقوات الحوثيين وصالح- من الصعب توقع انتهاء العمليات العسكرية في اليمن دون التوصل إلى حل سياسي، لكن التوصل إليه ليس أمرا سهلا، وليست هناك مؤشرات على نجاح المبعوث الأممي الجديد في القيام بدور فاعل بالنظر إلى تناقض المواقف الإقليمية الدولية حيال التسوية السياسية.

أما في ليبيا فالأزمة أيضا ما زالت معقدة، ولم يتمكن المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون من إيجاد مخارج لها رغم أنه أشاع بعض التفاؤل حين تحدث قرب التوصل إلى اتفاق لحل الأزمة بين ممثلي “مجلس النواب” المنتخب، و”المؤتمر الوطني العام” وباقي الأحزاب والكيانات الأخرى، لكن ذلك لم يتحقق، وربما سيلاقي نفس مصير بن عمر، خاصة بعد أن رفضت الأطراف الليبية المسودات الثلاث التي اقترحها ليون.

إذن، إن كانت هناك أزمات في كل من سوريا وليبيا واليمن فإن أزمة المبعوثين الأمميين إلى هذه البلدان تزيد الأوضاع تعقيدا، بالنظر إلى غياب إرادة دولية موحدة في معالجة الأوضاع ببلدان الثورات العربية.

أسباب الفشل

لعل المشترك في نتائج المهام التي ينبري لها المبعوثون الدوليون في بلدان الثورات العربية هو الفشل الذريع رغم قدراتهم وخبراتهم ومعرفتهم بتفاصيل الأزمات التي يرشحون لتولي مهمة إيجاد حلول لها بتوصية من الأمين العام للأمم المتحدة، والسبب الأساسي في فشلهم هو كونهم يميلون إلى إدارة الأزمات بدلا من البحث عن حلول جادة وعادلة لها، ويعملون على إضاعة الفرص والوقت من خلال تقليد أسلوب عمل الأمم المتحدة نفسه التي فشلت في حل معظم الأزمات الدولية، ومن يحاول منهم الخروج على أسلوب المنظمة الدولية في معالجة الأزمات يصاب بالإحباط الشخصي، وحين يستقيل يكشف حيثيات فشله.

وإن كانت أسباب الفشل في إيجاد حل أممي للأزمات التي تعصف ببلدان الثورات العربية تعود في الأصل إلى تناقضات واختلافات الدول الفاعلة في المجتمع الدولي، وافتقار المجتمع الدولي لإرادة موحدة في التعاطي معها فإن الانقسام في مجلس الأمن الدولي -خاصة تصلب الموقف الروسي- أفضى إلى تشكيل دور أممي معيق لحل الأزمات.

ولعل من بين أسباب أزمة المبعوثين أنهم لا ينظرون إلى جذور وأسباب الأزمات الحالية، ففي الحالة السورية مثلا تعامل جميع المبعوثين الأمميين إلى سوريا مع القضية السورية بوصفها نزاعا مسلحا وليست ثورة شعب ضد طغيان نظام مستبد، ولم يأخذوا في الحسبان التعامل مع المسألة السورية من جانبيها الأخلاقي والإنساني، بل كان المبعوثون يساوون بين الضحية والجلاد، بين نظام الأسد الذي قتل أكثر من ثلاثمئة ألف إنسان والمعارضة التي اضطر أغلبية المسلحين فيها إلى حمل السلاح دفاعا عن النفس والأهل وأماكن العيش والأرزاق.

وتكمن المشكلة في المماحكات الدولية بين المحورين الغربي والروسي، كونها لم تسفر سوى عن تعطيل إمكانية التفاهم الدولي والتوصل إلى حل سياسي للأزمة، مع أن واقع الحال في بلدان الثورات العربية يؤكد أنه لا يمكن معالجة المشاكل والأزمات التي يتعرض لها الناس في هذه البلاد بنتائجها إلا بالقفز على مسبباتها.

ويطرح الدور الأممي في الأزمة السورية -وكذلك في اليمن وليبيا- أسئلة حول ما تبقى من مصداقية لمجلس الأمن الدولي، بوصفه أعلى سلطة إجرائية في العالم، حيث يشير واقع الحال إلى أنه لم يبق لهذا المجلس سوى مجرد دور شكلي أو رمزي مجرد من أي مصداقية عملية، وهو رأي يعكس وجهة نظر أوساط واسعة من الرأي العام العالمي.

ولا يمثل ذلك سوى الوجه الظاهر من المشكلات الداخلية التي تعانيها المنظمة الأممية، فإلى جانب حقيقة أن الأمم المتحدة هي منظمة بيروقراطية تتسم بالمحاباة السياسية ولا تخلو من الفساد في حالات كثيرة فإن الشيخوخة تعتري هذه المنظمة يوما بعد يوم، شأنها في ذلك شأن العديد من الهيئات والمنظمات الوطنية والعالمية.

وقد بات من الضرورة بمكان القيام بصياغة جديدة لهيكليات وآليات عمل مجلس الأمن بحيث تتطابق مع المعطيات الجيوسياسية الجديدة الناشئة عن مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وتتجسد بصورة خاصة بانضمام دول جديدة إلى عضويته الدائمة، والنظر في المشكلة الأكثر إلحاحا، وهي حق النقض أو الفيتو الذي يبقى مشكلة المشاكل في مجلس الأمن الدولي، حيث إنه يشل فعالياته ومصداقيته، ويبقيه مجرد أداة لحماية مصالح الدول الكبرى القوية الدائمة العضوية.

الجزيرة نت

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى