صفحات الناس

أزمة دواء في سوريا

سلام السعدي

تتفاعل أزمة الصناعات الدوائية في سوريا، إثر وقف المصرف المركزي تمويل مستوردات موادها الأولية. وفيما تدفن الحكومة السورية رأسها بالرمل متجاهلةً القضية الخطيرة، حذرت معامل الأدوية من أن إنتاجها الدوائي يتجه نحو التوقف التام، وطالبت بتحرير أسعار الأدوية.

مع تصاعد حدة الحرب في سوريا، يزداد تأثير العوامل غير المباشرة المرتبطة بها. وإذ تحددت أزمة الصناعات الدوائية في بداياتها بتوقف عدد من المعامل، وما تبعه من نقص حاد في الأدوية، تتوسع الأزمة اليوم، ويبرز الارتفاع المستمر في سعر صرف الدولار، وتدهور القيمة الشرائية لليرة السورية، كعامل حاسم يعصف بهذه الصناعة الرائدة في سوريا.

ففي حين تلتزم شركات الأدوية بأسعار ثابتة، تحددها وزارة الصحة بالليرة السورية، بات سعر صرف الدولار المتصاعد بسرعة، يشد تكاليف الإنتاج نحوه بوتيرة قاسية، “إلى درجة أن تكاليف الإنتاج، ستكون في المحصلة أعلى من الأسعار المحددة من وزارة الصحة” بحسب اتحاد غرف الصناعة السورية. الاتحاد لا يخفي استياءه من المصرف المركزي “الذي كان في البداية يقوم بتمويل المستوردات من المواد الأولية الداخلة في الصناعة الدوائية بأسعار تشجيعية، وهو متوقف حالياً عن هذا التمويل”. ما يجعل “معامل الدواء البالغة نحو 70 معملاً – ومنها نحو 15 معملاً متوقفاً منذ فترة بسبب الظروف الأمنية- يعملون بنصف طاقتهم الإنتاجية”. كما حذر الاتحاد من أن اضطرار المعامل إلى استيراد موادها الأولية بناءً على أسعار صرف السوق السوداء، وبيعها بالأسعار المحلية المتآكلة جعلها تشارف على الإفلاس، وتلك ” كارثة، حلها برسم الحكومة، وإن أي سؤال حول أسباب توقف المركزي عن دعم هذه المستوردات، يتم توجيهه إلى الحكومة فقط”.

يقول مدير احد المعامل الدوائية أن “أكثر ما يزعجنا ويربكنا، هو تجاهل الحكومة للقضية برمتها”، ويلخص في حديث لـ “المدن”، تبعات عدم إيجاد حل سريع للازمة، بـ “بتوقف تام لمعاملنا، والاعتماد على الدواء المستورد الذي يفوق أسعار الأدوية المحلية بما لا يقل عن عشرة أضعاف”. ولفت إلى أن شركات الأدوية اقترحت على الحكومة عددا من الحلول، منها “إصدار نشرة شهرية لأسعار الأدوية مرتبطة بسعر صرف الدولار”، أو “إعادة تمويلنا بالقطع الأجنبي من قبل المصرف المركزي بالسعر القديم (80-90 ليرة للدولار)”، ويبقى الحل الأخير الذي “قد يجعل الدواء بعيد المنال عن معظم السوريين، وهو تحرير الأسعار، إذ سيؤدي إلى ارتفاعها من دون أية قيود”. ويختم حديثه آسفاً إلى كون “الحكومة لم تكلف نفسها عناء الرد على أيٍ من اقتراحاتنا”.

وكما تنظر شركات الأدوية إلى القضية بعين الربح والخسارة، تدير الحكومة السورية المشكلات الاقتصادية بالعين نفسها، إذ تبدو الأولوية بالنسبة لها، حشد الإيرادات من اجل مواصلة الحرب، والحفاظ على ما تبقى من احتياط النقد الأجنبي، وعدم التفريط به خدمةً لقضايا “ثانوية” تخص السوريين كالغذاء والدواء!

في الجانب الاقتصادي، ينذر استمرار المشكلة، بانهيار احد أهم الصناعات السورية. فتوقف المعامل قد يترافق مع هجرتها إلى الخارج، كما يحصل اليوم على نطاق واسع. الحديث يدور عن صناعة احتلت المرتبة الثانية عربياً بعد مصر. وبحسب تقرير الاتحاد العربي لمنتجي الأدوية (2011)، بلغ حجم إنتاج سوريا من الأدوية 1170 مليون دولار، أي ما نسبته 14 في المئة من الإنتاج الإجمالي لكافة الدول العربية. ويغطي الإنتاج الدوائي نحو 93 في المئة من الاستهلاك المحلي. ما جعل نسبة الاستيراد تنخفض إلى أقل من 10 في المئة.

غير أن توقف عدد من المعامل، ونقص الأدوية المحلية البالغ نحو 40 في المئة، رفع نسبة الاستيراد من روسيا وإيران وعدد من دول أوروبا الشرقية. فيما يتم تأمين كميات أخرى من الأدوية عبر الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية. وكانت “مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين” قد قدمت قبل نحو شهرين، دفعة كبيرة من الأدوية تصل قيمتها إلى 3.5 ملايين دولار إلى الحكومة السورية.

على الجانب الاجتماعي، سيقذف توقف معامل الأدوية بأكثر من 30 ألف عامل إلى مستنقع البطالة. وفي ظل شح متزايد في عرض الدواء في الأسواق، سوف يؤدي الاعتماد على الأدوية المستوردة والمهربة إلى ارتفاع الأسعار بأكثر من عشرة أضعاف سعر الدواء المحلي.

لكن أيا مما ذكر، ليس من مهام الحكومة المشغولة أكثر بالتصدي لـ “المؤامرة”، وحشد الإيرادات وزيادتها، لا تبذيرها على شؤون ربما تصب في خدمة الشعب. فالأخير، هو خارج اهتماماتها، حتى إشعارٍ آخر.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى