صفحات سوريةطيب تيزيني

أسئلة في التداول الراهن/ طيب تيزيني

 

 

يعيش المواطن السوري، وكذلك العربي، أسئلة حارة ومربكة بقدر ما تتصل بما يحدث بسوريا، كما ينتج في الوقت نفسه آثاراً في العالم السياسي الفكري العربي، ناهيك عما يفرض نفسه على صعيد العالم. ويأتي ذلك عموماً ببداياته التي انطلقت منذ قريب الأربعة أعوام، في إطار من الصراعات المحلية والإقليمية والدولية وبكثير من الخسائر الكبرى التي ارتبطت بغياب الحلفاء في «العالم الثالث» وفي العالم «الاشتراكي» وكذلك بعودة وتائر التخلف والتخليف والفساد والإفساد أو الاستبداد إنها تفعل فعلها، ضمن حالة جديدة في العموم من الفوضى، مع أن هذا الكلام يحتاج إلى تدقيق وتعميق، خصوصاً على صعيد العالم الاشتراكي السابق، الذي لم يخل من هذه المظاهر التي عبرت عنها هيمنة المادة السادسة من الدستور (مثلاً في الاتحاد السوفييتي السابق).

المهم في ذلك أنه أثر فعلياً بعمق في العالم العربي، وخلخل البنية الاقتصادية والسياسية والمجتمعية والعلمية الاستراتيجية، ويأتي الاهتزاز العميق في العالم الاشتراكي مترافقاً مع بروز النظام العالمي الجديد، عالم السوق، ثم تأتي الحروب في مصر وسوريا والكويت والعراق، ويأتي معها استئساد النظام الأمني في كل كبيرة وصغيرة، لقد وجد العالم العربي نفسه وحيداً يتيماً حتى من الآمال الوهمية التي ظهرت في الاستراتيجيات العربية (ومن ضمنها السورية)، فالداخل العربي وجد نفسه تحت قبضة الدولة الأمنية الشرهة في القتل وفي تفكيك خطط التنمية وتحويلها إلى أيدي الفعل المدمر لهذه الأخيرة، يداً بيد، مع تهشيم المجتمع الراهن والمحتمل.

ويحدث الانفجار الذي خفي على «المستشارين والحكماء» الذين ظهر أنهم ثلاث فئات، لصوص، وجهلة وكتبة تقارير، وهذا في النهاية ظل قابلاً للابتلاع بقدر أو بآخر، لكن سدنة النظم العربية ظلت غير عابئة بذلك وبمعرفته وكان اشتغال هذه النظم قميناً بتدمير ما تحقق على مدى أطول من نصف قرن في البلدان العربية، مع اختلاف أو آخر، ولعلنا نضع يدنا هنا على أكثر الإشارات والعلامات التي تدل على خبث النظم تلك وغبائها وعبثها حيال ما راح يفتت كل ما هو عربي يصنع المال والخيانة على حساب الفقراء والمفقرين.

ورغم ذلك (ولا نقول: مع ذلك) اهتزت الرؤوس والأدمغة (من حلاوة الروح)، ومع هذا كان العالم على موعد مع ما كان في مرحلة النزع، لكنها مرحلة غابت منها إلى فرسان الماضي الوطني اليائس، وفي شباب الحاضر الفاقد لذاته عبر استبلاع طاقته وشرفه، وتحويله بقوة إلى حطام تاريخي تراثي، وكل ذلك عبر إبقاءه يتيماً رهن «منظمات» الدولة الأمنية، التي امتدت نهشاً وفساداً وإرعاباً، وأحياناً تجسساً على الأبناء والجيرة والقرابة.

هكذا استجاب الوجود الفيزيقي والمجتمعي لنهوض أولئك الشبان في وجه الجيل الذي هرم وتعطلت قواه بقوة، وظلت أمانيه دون «امتشاق السماء». نريد الآن أن نُمنهج ما أتينا عليه، حيث اندلعت أحداث العالم العربي قبل أربعة أعوام تقريباً، ولكن أين تدخل هذه الأحداث، في أي من المرجعيات التاريخية والسياثقافية؟ في المرجعية النهضوية، أم في المرجعية الثورية، أم في واحدة ثالثة يصبح ما يلتقي معها، أي مع النهضوية والثورية، حالة ثالثة تلتئم مع هاتين السابقتين، لكن دون أن تختزل إليها في التغييرية المفتوحة، والتي تتبلور في حال كونها على أهبة الاستعداد لتلقي سمات أخرى جديدة، كتلك الحداثية أو العقلانية أو الاستقلالية في موقفها من تلك السابقة.

الثورة الفرنسية الحديثة الأولى منذ مائة وخمسين عاماً، مازالت قيد البحث العلمي التاريخي، ولاشك أن هذا البحث هو الذي يكتشف مازال طي الكتمان بحيث تكتمل الصورة، وفي كل الأحوال فإن ما يحدث في سوريا والعالم العربي خطوة كبرى على طريق التحرر والتقدم والازدهار بحيث يستحق أن نوليه الاهتمام الواقعي والعلمي التاريخي.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى