بشير البكرصفحات سورية

أسئلة متأخرة للاخوان المسلمين السوريين/ بشير البكر

ثمة اسئلة كثيرة تلح منذ فترة بالطرح على جماعة الاخوان المسلمين في سوريا، ولكن التطورات المصرية طغت على المشهد العام في الشهرين الأخيرين، ودفعت بالكثير من القضايا ذات الصفة الاستعجالية نحو مرتبة متدنية في الاهتمام العام، الاعلامي والسياسي. ومن المصادفات التي لا تخلو من مغزى أن السؤال الاكثر الحاحا ضاع في معمعة اللحظة التي بلغ فيها الموقف ذروة التصعيد، بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي، وهو يتعلق بملابسات فوز أحمد عاصي الجربا برئاسة الائتلاف الوطني السوري، وهزيمة مرشح الاخوان المسلمين مصطفى الصباغ، في انتخابات أخذت طابع المعركة السياسية العلنية ضد الأخوان. واللافت أن ماكينة اعلامية سياسية اشتغلت في هذا الاتجاه على مدار حوالي أربعة أشهر، أي منذ استقالة الرئيس السابق للائتلاف أحمد معاذ الخطيب، وانتخاب مرشح الاخوان غسان هيتو كرئيس لحكومة سورية مؤقتة، لكنها لم تتشكل بسبب التجاذبات داخل مكونات الائتلاف.

حتى وقت قريب كان الانطباع الشائع في الأوساط السياسية السورية هو أن الأخوان المسلمين هم أكثر جماعة منظمة على الساحة، وثمة تقديرات تشير إلى أنهم، رغم حملات القمع المديد والاجتثاث المادي والسياسي،  حافظوا على بنية سياسية داخلية، وتمتعوا بعلاقات عربية ودولية، ولذلك، حين قامت الثورة، كانوا الفصيل السياسي السّباق الى التقاط المبادرة، وسارعوا إلى إعادة ترتيب صفوفهم ، مع انهم لم يشاركوا فيها على نحو ملموس إلا في وقت متأخر نسبيا، ولذا استطاعوا خلال فترة قصيرة أن يتصدروا المشهد الاعلامي، والمحطة الاساسية الأولى والبارزة التي جعلت بقية الاطراف تحسب للأخوان حسابا مختلفا، كانت الدعوة الى اجتماع اسطنبول لتشكيل المجلس الوطني السوري في مطلع تشرين الأول/ اكتوبر 2011.

رغم ان اجتماع اسطنبول ضم قوى سياسية مختلفة، وحضره عدد لا يستهان به من المستقلين، فإن المجلس الوطني وُسم بالصبغة الأخوانية، ولم يشفع للأخوان وجود شخصيات مثل برهان غليون، الذي تولى الرئاسة لثلاث دورات متوالية، وهو شخصية مستقلة وليست اخوانية. وهناك من يعزو تسويق “بروباغندا” هيمنة الاخوان على المعارضة لسببين. السبب الأول هو الاخوان انفسهم، الذي وجدوا الساحة فارغة أمامهم في ظل تشتت وضعف وانقسامات بقية أطراف المعارضة، فاغتنموا الفرصة لكي يكونوا في الصدارة، مستفيدين من دعم خارجي، عربي ودولي. أما السبب الثاني فهو النظام. كان دأب النظام أن يُخيف الداخل والخارج من أن البديل القادم هو الأخوان المسلمين، وظل يلعب هذه الورقة عدة اشهر، واستنفذها بعد ما صار يدرك بأن الشارع استطاع أن يقيس وزن الأخوان المتواضع، لاسيما وأنهم تأخروا في الظهور كتشكيلات مسلحة، رغم حضورهم البارز على مستويات أخرى كالاغاثة.

سؤال معركة رئاسة الائتلاف الأخيرة ظل بلا إجابة، ورغم الاحتفاء بالجربا في الاعلام السعودي، بوصفه قاهر مرشح الأخوان مصطفى الصباغ، فإن جماعة الاخوان لم يعيروا الأمر اهتماما، ولم يعلقوا عليه. ومن خلال مراقبة سلوكهم تجاه قيادة الائتلاف الجديدة، يمكن القول انهم أرادوا الظهور بمظهر من مارس اللعبة الديموقراطية حتى النهاية، وقبل الخسارة بصدر رحب، إلا ان الحدث أحيط بضجة اعلامية وفتح ابوابا للنقاش، ولو ان الاخوان  قدموا روايتهم لما دار في الكواليس، لكانوا هونوا على الآخرين طرح الكثير من الاسئلة، التي تراكمت خلال شهرين من دون اجابات. وقد كان في وسع الاخوان مدّ هذه الفرصة على استقامتها، من أجل توضيح مواقف الجماعة حيال عدة قضايا، تتعلق في صورة أساسية بدور الاسلاميين في الثورة، بما يحتمله ذلك من ايجابيات وسلبيات.

وثمة سؤال يزداد أهمية في كل يوم، وصار في الشهر الأخير على ألسنة غالبية السوريين، وهو يتناول  تنظيم “دولة العراق والشام الاسلامية”،(داعش)، التي اتسعت دوائر نفوذها من محافظات الجزيرة ( الحسكة،ديرالزور،الرقة) الحدودية مع العراق،  نحو حلب التي تشكل عمقا شعبيا تاريخيا للأخوان. والملاحظ هنا انه لم يسجل للاخوان اي دور أو موقف. وبالنظر إلى الممارسات النافرة ل”داعش” فإن قطاعا هاما من الشارع السوري، لا يزال ينتظر ردود فعل ومواقف اخوانية، في اتجاه بذل جهود من اجل تطويق ظاهرة التطرف، التي صارت تكبر في سوريا. وفي الداخل والخارج، هناك من يعتبر هذه القضية الامتحان والسؤال الأكبر للاخوان المسلمين السوريين.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى