صفحات الحوار

أسامة محمد : الممانعة لا تترك وقتاً للثقافة.. والفن ثورة على الذات واللغة


لأنّه جزء أساسي من الحوار، ليس هامشيّاً أو قليل الأهميّة، ولأنّ للسينمائي السوري أسامة محمّد طريقته في “تلقي” أسئلة مشتركي “شباب السفير” والإجابة عنها، نقتطع شيئاً ممّا ورد في مقدّمة أجوبته لتكون تقديماً للحوار:

“محكمة:

أنا هنا.. أقرأ الأسئلة. أراقب الشاشة وأُقَلِّبُ الـ”فايسبوك”..

بين طبيبين، واحدهما الدكتور “محمد المحمَّد” الذي يرتدي المعطف الطبيّ مضرجاً بدماء الجرحى والقتلى في منزلٍ من صوبيا وثلاثين جسداً في بابا عمرو. ويصرخ في حالة مأسوية: “.. أناشد الصليب الأحمر.. الهلال الأحمر.. والله العظيم أكثر من مئتي صاروخ في ثلاث ساعات…”، والطبيب الشاعر حازم العظمة “تأتي بنتٌ من داريّا فقدت أباها.. تنفض دخان القذائفِ من شعرها.. تستند باليدينِ على الطاولة: نحن الدَيرانيين.. نحن الزَبدانيين.. نحن السَقباويين، الحمّوريين، الطَفَسيين، المَيادِنة، الدَوامنة، الأناخِلة، الـجَسارِنة.. الحَراستة .. العَرابِنة، القوريين، العاموديين، الرستناويينَ.. نريد بلادنا واسعة باتساع الحرية”.

بعد قليل سيقول موالون ان طبيب “بابا عمرو” مُفَبْرَك وإن الجرحى مفبركون. والقتلى أيضاً. وإذا استشهد الطبيب في القذيفة التالية فسيقولون انه يفبرك موته أو إن الجرحى والقتلى قتلوه.

بين طبيبين، الأول على الشاشة والثاني على الـ”فايسبوك”، أقرأ أسئلة مشتركي “شباب السفير”، الأحد عشر، فأشعر بعد سبعة منها بأننّي أتفرج على فيلم سبق وشاهدت، وأنني أمام محكمة عرفية، وأن فكرة المؤامرة و”بارانويا” المؤامرة تنخر معظمها، وأنّه كتب علي أن أعيد ما سبق وقلت، وأنَّ السينما التي حاولْتُ مركونةٌ خارج قوسين على الأقل لا مكان لها ولا نصيب في التبصّر في صانعها.

وانَّ اللغة والمفردات تأخذ لبوس الأسئلة ولا تسأل. فحين تخاطبك كمعارض تقول: “انك تُظهر نفسك معارضاً”، وفي مكان آخر تدخل جلدك لتقول “أنت تستمتع” بأنك ممنوع. وتغمز إلى” نخبة النخبة” وكل منهما تهمة.

وكدت أتنّحى عن الإجابة.. لولا أنني خدعت نفسي وقلت ربما أكون أنا الآخر “بارانوياك” وأقرأ ما قرأت بعدسة مَرَضِي الشخصي. وأزمعت الخلاص، مخلصاً لهواجسي متقاسماً معكم ما تيسر منها وما تعسر..

وفي العودة إلى البارانويا وثقافة التهمة لكلينا (السائل أنت والمجيب أنا)، ومحاولة الخروج معا من أسرنا كنت أمام خيارين: الأوّل أن أعترف بجريمتي أمام الشعب والحزب، والثاني وأجد أنه الأكثر تسليةً لنا أن نَلعب “البارانويا”. فما الذي ينقصني لأكون المفتش “كادجيت” هنا وأكشف المؤامرة بالمؤامرة..”.

في مرافعته التالية، يستعين السينمائي السوري أسامة محمّد للإجابة عن أسئلة “شباب السفير”، بـ”المحامين والشهود.. ولسوف يفصحون عن أنفسهم بعد قليل، بالوثائق أيضاً”..

إعداد: محمد دحنون

نعرف أنك درست السينما في موسكو ليس على حساب الدولة فحسب وإنما تحديداً على حساب القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي تناصبه العداء، وهذا امتياز غير متاح إلا لنخبة النخبة. كيف تفسر لنا هذا خاصة وأنك تظهر نفسك معارضا لنظام الحكم في سوريا؟

شارك في السؤال: جمال العنبري

أعترف أنني قرأت توأم السؤال الأول عن العلاقة المؤامراتية بين أن تكون معارضاً وبين كونك منذ 40 عاماً درست على نفقة الدولة. قرأت السؤال نفسه على الـ”فايسبوك” فجر 3 أيار 2011 في الغزوة الأولى للنيل من السينمائيين السوريين الموقعين على نداء وقف القتل وسحب الحصانة عن المؤسسات الأمنية. لم أَرُدّ يومها، ليس لأن المُتّهِم العرفي كان يرتدي قناع امرأة مكحلة ومُغندرة ومخيفة. فالنداء كان هو الردّْ. اليوم هنا على “شباب السفير” لا أردُّ. أنا أوافق على اللعب فالمنبر للجميع وليس “ستاتوس ولا كومنت” مِنْ تلك التي تعبّأت بعتادها الكامل لـ”تفعس” الحريّة. تلك التي لا نرد عليها عادة – حتى المفجع منها والدموي، حين… شاعرٌ وصحافي مُهِمٌ من أبناء “السفير”، سامر محمد إسماعيل، يتمنى علناً على صفحته الموتَ بأبشع الأمراض للشاعرة هالا محمد، كونها تبكي حمص: “أيام وتموتين بداءٍ لا يُعْرَفُ لهُ عِلاج”. ويتلقى اللايكات الدموية. قرأت ستاتوس سامر لأنه صديقي على الـ”فايسبوك. ولفت نظري لأن هالا شقيقتي. سامر.. أيضاً يتصدى للمؤامرة. وأنا أفعل.

بدأت الجلسة:

في حضرة طبيب ثالثٍ افتراضي هو القارئ أبدأ العلاج و..

(موسكو – علاء الدين والمصباح السحري):

المصباح السحري هنا هو شكل الدولة في التخليّ عن وصفها دولة.

المصباح السحري:

عام 1973 أسعف “طبيبٌ يُحِبُّني” مواطناً سورياً في مشفى حكوميّ. أنقذ الطبيب المواطن وأعاده إلى الحياة. ففتح عينيه وقال: اطلب ما تريد؟

قال: وماذا تستطيع؟

هُنا فَرَكَ المريض الحيّ خاتمه فخرج ماردٌ يقول إنه مسؤول عن مِنَحِ الدراسة في روسيا.

كنت نائماً تحت لحاف في اللاذقية. وأيقظني الهاتف. وعرض عليّ دراسة الطب فغضبت. كنت أعتبر الأطباء برجوازية. والهندسة بدعة. ولمن أراد أن يشفي غليله منيّ، فقد كنت كما ترون أعمى البصيرة.

في نهاية “الليسته” كان “الإخراج السينمائي؟”، فصرخت موافقاً. لم أكن أعرف شيئاً عنه.

كان أقصى حلمي حينها أن أستشهد حاملاً “الكلاشن” على أرض فلسطين. ولا شك أن الملصق مع صورتي كان حلماً مخبئاً. وعلى الأغلب كان كل هذا رسالة “أخمص طيّْ” مُضْمَرَة ومؤنِبَة لتقع فتاةٌ في حبّي وتندم على رحيلي. كل هذا وأكثر. كل ما شئتم من تخلّف وتطرف وأحلام. الرجل المارد الذي فتح لي باب “افتح يا سمسم” صدفةٌ يشهدُ على غياب المؤسسات والدولة وما عداه. الطبيب الذي أنقذه من الموت كان تحت القسم.. فأنقذهُ. قبلها كنت طردت من مدارس سوريا واللاذقية لاعتراضي المُتكرر على “ضباط التدريب العسكري” ورفضي أن أُشْتَمَ أو أُضْرَبَ وصولاً إلى رد الضربة بأحسن منها. بعدها كدت على وشك أن أطرد من موسكو لمشاركتي في أول بيان احتجاجي في تاريخ جامعاتها على غياب الديموقراطيّة.

وبعدها أتمنى لو تشاهد السينما التي صنعتُ.. فهي هويتي. أنا أعتذر من مواطنٍ افتراضي كان يُمكن أن يأخذ مكاني في فرصة الدراسة هذه وقد يكون أكثر موهبة. وهنا أعتذر للشعب السوري.

ربّ ضارة نافعة.

“على حساب القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي تناصبه العداء”.

لا أحد يدرس على حساب أحد: إنّها أموال الشعب السوري. وأخشى أن هذا منطق طبائع الاستبداد. ودعوة مضمرة لِرَدِّ الدَيْنْ سُكوتاً أو ولاءً، أو عقلٌ عُبوديّ يرى في حق المواطن مَكْرُمَةً. وفي بقائه على الحياة مكرمة. وفي ميزانية الدولة ورثة شخصية.

في الشقّ اللغوي من “… حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تناصبه العداء”.. لا أعترف بهذا التعريف:

حزب البعث العربي الاشتراكي؟؟؟؟ أربعة علامات استفهام. لقد عافته بنيتي الإنسانية منذ شممت رائحته. وتحديداً منذ اللحظة التي اكتشفت بها كائن “المخابرات”، حصان طُروادَة، أو “الماتروشكا” التي ابتلعت تعدداتها.

سجن البعثيون البعثيين وخوّنوهم وصفّوهم. وراقب المخابراتُ الوطن المُتَّهَمَ. وعمّ إرهاب مبطن وعَلَنيّْ وسادَ الفَسَادْ. أنا مدين للشعب السوري. لقد درست بأمواله وأعمل على أن أكون وفياً لهُ. لا يوجد حساب في البنك باسم حزب البعث. كلمة حساب قد تصحّ يوم محاسبة المجرمين والقتلة وسارقي أرواح السوريين ومستقبلهم. وأعتقد أن الإحصائيات القادمة ستفصح عن بعثيين كُثُرْ قتلوا في مُظاهرات ما بعد 15 آذار.

“نخبة النخبة”؟

الكلمتان حمَّالتا أوجه، وفي واحد منها قد ترمي إلى الجغرافيا أو المذهب، على مبدأ “من وين حضرتك؟”. نعم لقد زَوَّرَتْ بُنية السلطة ذلك الوقت “اللوتو” وفتحت الفرص لأبناء ريفها، تعصّباً أو ظنّاً منها أنها تصحح خطأً تاريخياً، أو بقايا إيديولوجية فقيرة تُمَجِّدُ الريف لتهتك المدينة. أو لغايةٍ في نفس جاكوب. كان هذا همجيّة وانتهاكاً للمواطنة المتساوية.

الفساد الفنيّ يَحُولُ دونَ الابتكار.. ويغتالُ صورة المجتمع السوري

دأب عدد من المخرجين السينمائيين السوريين، وأنت منهم، على مهاجمة المؤسسة العامة للسينما، القطاع العام الوحيد المتبقي في الوطن العربي للإنتاج السينمائي، بالرغم من أن هؤلاء السينمائيين لم يحققوا أي مشروع إبداعي مهم خارج هذه المؤسسة. ألا ترى أن قليلا من العرفان بالجميل سيكون لفتة لطيفة تجاه هذه المؤسسة التي احتضنتكم؟

شارك في السؤال: تمارا الجودي

المؤسّسة مبنى مستأجر.. هل عليّ أن أشكر المبنى؟ طيِّب. أنا أشكر المبنى. المبنى، ثلاثون عاماً من حوارات هامة بين السينمائيين. عدّة بيانات كانت سبّاقة وطازجة وهامة حينها. أبو بدر “كهل جميل من داريّا” رحل وهو يقدم القهوة والشاي ويُحِبُنا.

كل هذا الكادر التقني المدهش في الإضاءة وأحياناً في المخبر وغيرها الذي جعلنا بأياديه النظيفة نشاهد مخيلتنا على الشاشة. كل من دافع من موقعه عن حق الرأي.

في الهجوم .. كلٌ هاجم على ليلاه. ثمّة فاسدون هاجموا الفساد. نحن لم نهاجم أهمية وضرورة الإنتاج وبعضه سيرتنا الذاتية في السينما. قاومنا ونقاومُ عمى الإنتاج وانغلاقه “الوسواسي الأمني” عن الموهبة السورية الشابة. واقتحام الوصاية الأمنية للمعنى المؤسساتي. واللجوء إلى قوة غاشمة وتدخل أمني خارجي مقنّع لرسم فضاء شرطي قاتل للمخيلة.

وهاجمنا الفساد.. الفساد الفنيّ أولاً. الذي يَحُولُ دونَ الابتكار السينمائي ويغتالُ حرية الفن وصورة المجتمع السوري وإنسانه الداخلي.

“آه يا تمارا”…

مرّة أخرى طبائع الاستبداد! كأن المؤسسة أبٌ أو أمٌ افتراضيان أرضعانا الحليب. أنا لا أشكر من يؤدي واجبه الوظيفي ويتلقى أجرأ عن ذلك فما بالك إذا تلقى عشرة أجور. ما الذي يوجب على نضال حسن أن يقدم الطاعة في الجريدة الرسمية ليصنع فيلماً”؟”، إنها دعوة تشترط أن تكون عبداً أناقش معك حدود حريّتك.

المؤسسة هي أفلامنا جميعاً وجِهادٌ مُنْهِكٌ للبعض منا في سبيل أن يصنع زملاؤه أفلاماً. اختفى نضال شهراً في مجهول الاعتقال ولم تتنهد المؤسسة خوفاً على ابنها. واختفى شادي أبو الفخر شهوراً ولم تَهُقّْ المؤسسة بحرف حقّْ بحقّ ابنها. وما يزال فراس فياض في مجهول الاعتقال.

رحل “أميرالاي” مُعَلِمُ السينما فَشُتِمَ في اليوم التالي. مهرجانات تمجد السلطة وتبيع السينما. فيلليني في نسخة فيديو سيئة. وممثلات بورنو في لجنة التحكيم بوصفهن مفكرات ورائدات في ثقافة أوروبا “ربما؟”.

المؤسسة خرجت من مفهوم المؤسسة وصارت محمية أمنيّة. نحن بعض حيواناتها المفترسة. وعلى حائطها مقابل الدرج، لوحة مُذَهَبة ببرواز ذهبي. يؤرخ بالذهبي على خلفية من ذهب أسماء من تعاقب عليها من مدراء.

في بداية الأحداث أصدرتم أنت وبعض زملائك السينمائيين بيانا ضد النظام السوري، ووقع عليه معكم، في النسخة الإنكليزية من البيان، عدد من السينمائيين الإسرائيليين، مما أثار غضب العديد من المثقفين السوريين وبعض الأوساط الصحفية. ما حقيقة الأمر؟ خاصة وأنه لم يصدر عنكم أي نفي أو توضيح لهذا الموضوع.

شارك في السؤال: راما بغدادي

المؤامرة “2”

النداء:

“يُقتل المواطنون السوريون العزل السلميون وتُغتال أحلامهم في التغيير لمجرد مطالبتهم السلمية بمواطنتهم. إن الاستبداد والفساد الأمنيّ الذي اعتقل السوريين وعذّبهم وابتلع أحلامهم وأموالهم وعيشهم يَقتلُ اليوم أجسادهم وأرواحهم بالرصاص.

نحن السينمائيين السوريين الموقعين هنا، نرى أن إصلاحاً لا ينطلق الآن من كفّ يد الأجهزة الأمنية عن عيش المواطنين والكف ّعنْ مَنحِ هذهِ الأجهزةِ الحصانةَ والرخصة للقتل أو الاعتقال أو التعرض للمتظاهرين السلميين… وإغلاق صفحة السجن السياسي إلى الأبد، هو إصلاح موؤود.

وننادي كل السينمائيين في البلدان العربية وفي العالم للمساهمة في وقف القتل بكشفه وشجبه وبإعلان التضامن مع شعب سوريا ومع حلمه بالعدالة والحرية والمساواة”.

انظري إلى حمص اليوم، ثم لا تنظري إلى الإعلام الرسمي، حتى اليوم لا يعترف ولا بقتيل مدني. انظري كيف يحتقر الحياة. ما أُزْهِقَ وما تَبَقّى. لا توجد نسختان من النداء. العربية والإنكليزية لا تختلفان إلا بالأحرف واللغة. والأسماء هي هي هنا وهناك. هذا موثق على صفحة “نداء السينمائيين السوريين” المنبر الذي يمثل مطلقي النداء. وهذه هي الوثيقة الوحيدة التي تلقتها الصحف ووسائل الإعلام. لقد قبل النداء كل الموقعين ما عدا الإسرائيليين. المثقفون السوريون أشادوا بالنداء وانضمّوا له وأصدر معظم الكتاب والصحفيين بيانات مماثلة. وتحمّلوا وزرها واعتقلوا وهددوا.

فمن هم العديد في جملة “مما أثار غضب العديد من المثقفين السوريين وبعض الأوساط الصحفية”؟! هل هم الموقعون على ما سُمّيَ بـ”بيان سينمائيي الداخل” في إشارة أمنيّة إلى أن المناصرين للثورة خوارج ومؤامرة”؟”. لقد قلت رأيي مفصّلاً في المقابلة مع راشد عيسى “السفير 3 – 6 – 2011″، واتضّح بعدها أن العديد من الموقعين على بيان الموالاة المُنَدِّدِ بنا غُرّرَ بهم على الهاتف ولم يقرؤوا ما وقَّعوا عليه. وأن بعضهم تعرض للتحذير المبطن أو المعلن. من مبدأ إما معنا أو ضدنا. إن العودة اليوم إلى بيان سينمائيي “السلطة” وإذا ما تمتعنا بحس المؤامرة تكشف أن نص البيان منقول ومطابق بجملهِ ومضمونه للسياسة الأمنية والسياسة الإعلامية الأمنية. وهو هو الذي يكرره إعلام السلطة منذ 11 شهراً. فالمظاهرات مؤامرة والثورة مؤامرة. والجوامع مؤامرة. وأخطرها… “نعم للحوار الشامل والشفاف بين كلّ أطياف الشعب السوريّ” في إيحاءٍ نوعيّ إلى أن المواجهة تدور بين أطياف الشعب وليس بينها وبين السياسة الأمنية. كان هذا في نيسان 2011، هذا يشبه المؤامرة. مؤامرة النظام الأمني “الذي يُنْهِكُ العقل بالقتل المستمر ليُخْرِجَهُ من الحكمة” فيصطدم المجتمع بنفسه. في النسخة العربية.

النظام هاجم نفسه في خيانته لحياة الإنسان وحقوقه

وفرت لك مهرجانات سينمائية عالمية مثل كان وفينيسيا منبرا للهجوم على النظام السوري. ترى هل كانت هذه المهرجانات ستوفر لك مثل هذا المنبر للمطالبة بالضغط على إسرائيل للانسحاب من الجولان أو رفع الحصار عن غزة مثلا؟

شارك في السؤال: آرام سالم

المؤامرة الثالثة:

أنا أرى في اللغة جذراً شوفينياً، وكأنَّ الثقافة الإنسانية لم تلحس الأوربيين والشعوب الأخرى. وأن الآخر مؤامرةٌ على البطل والبطل نحن ونحن العرب. والعرب حماة العرب.

في العالم منابر تجارية بحت تسويقية ومنابر ثقافية تجارية تُسَوِّق الثقافة ومنابر فقيرة تُسَوِّق للثقافة. وهنا وهناك… قرأ محمد درويش وسلالته أشعارهم، وهنا وهناك عرض شاهين اسكندرياته، وعرض الفلسطينيون أفلامهم ومسرحهم. وهنا تُرجِم “باب الشمس” وصار فيلماً وعرض وترجم خالد خليفة وهدى بركات و.. وهنا عرض فيلم أميرالاي عن سعد الله ونوس والصراع العربي الإسرائيلي. وهنا عرضت أفلام كثيرة عن غزّه وجنين. والمخدوعون وعرس الجليل وإيليا سليمان والمنام… وأفلامنا السورية “حيث فلسطين والعدالة صنوان”.

تعالوا نسأل الجولانيين عن الجولان: وئام عماشة وياسر خنجر وكلّ الأحبة، هل يرون في حرية ومواطنة السوري تهديداً لتحرير الجولان؟

النظام هاجم نفسه في خيانته لحياة الإنسان وحقوقه.

ما زلت تردّد أن فيلمك “نجوم النهار” ممنوع من العرض في سوريا، مع أنه لم تمر مناسبة إلا وعرض فيها، وشاركت به سوريا في مختلف المهرجانات المحلية والعربية والعالمية. هل هو البحث عن نوع ما من البطولة ما يجعلك تستمتع بتكرار قصة المنع؟

شارك في السؤال: حمزة شاكر

المؤامرة الرابعة:

“ماشي” … الفيلم غير ممنوع وأنا لست بطلاً.

السؤال عنقودي. وفي حال جاء دوري في التفتيش كما لوَّحْتُ في البداية فإن:

“ما زلتَ تردد” = خطأ

“لم تمر مناسبة إلا وعُرض فيها” = خطأ

 “بحث عن بطولة” = أخصائي نفسي

“الاستمتاع بتكرار القصة” = محاكمة نوايا

في المجمل ثمة تزوير هوية.

“العمه” أقل ما يستحقّه المرء بعد هذا هو الإعدام. أو السماح على الأقل بإحضار عشرة محامين وعشرة شهود. المحامون موجودون.

والشهود أيضاً..

بعض من الحوار مع راشد عيسى – السفير 3-6-2011:

“أسامة: أحبُ، قبل شتم الأعداء وتمزيقهم إرباً إلى كوادر، أن أبدأ بنفسي. وأعتقد أنني سررت في داخلي لفلسفة التأني والبحث وخدعني سروري. أقمت معه علاقة حُبّْ. أدخلتني زمناً ثالثاً، أنْجَزَتْ مُخيلتي أفلاماً عديدة ثُمَّ أَنْكَرَتْها. كنت مخرجاً شاباً واعتقدت أنني هو للأبد. شابٌّ للأبَد، وفجأة مضى ثلاثون عاماً. إنها مجزرة فعلتها بنفسي، وفهمتُ أنني بطلٌ تراجيكوميدي، في جوف فلسفتي وجد التَخَلُّفُ متكأه في دهاليز العناد والشجاعة. وفي جوف شجاعتي هذه كان جبنٌ خاصّ وغير نمطي هو أنا أسامة محمد الباحث المنتظر. الباحث في جوف الجبن والانتظار عن شجاعةٌ سينمائية وغير نمطية”.

“شو بعملك”.. صرت بطلاً. ولست مسؤولاً عن هذا. من المحزن أن تصبح مشهوراً بسبب المنع، هذا تزوير أيضاً.

لكن شباب سوريا ليسوا أغبياء. ثمة ممنوع وممنوع وممنوع. وهنا أسمح لنفسي انتحال أنني شابّ، فأشهر أمام محكمتكم الموقرة تتمة اللقاء “السفير 3-6-2011”: “الفيلم الممنوع ليس علامة جودة ولا المسموح تهمة. ليس الممنوع بالضرورة أكثر أهميّةَ وجرأةً وسينمائية”.

الفيلم ملك التاريخ. يميته أو يحييه.

لن أعيد سرد القصّة. لأن في القصّة غصّة. الموظفون والمدراء وكل طاقم وزارة الثقافة. كيف قضوا تلك الليلة بعد عرض الفيلم!!!

الهواتف التي تلقوها، والنبرة والأسئلة والأوامر.

وكيف “عضّهُ” نائب الرئيس وطلبه القصر الجمهوري. وكيف منع من العرض الجماهيري. وكيف عرض في المهرجانات.

و… “السفير –  وسيم ابراهيم – 2  حزيران 2006” (أفلام الرؤساء .. السفير الجمعة 2 حزيران 2006 عدد 10407)

“… ما نعرفه في هذا السياق هو ما ذكره مسؤول سابق في مؤسسة السينما السورية أن الرئيس الراحل حافظ الأسد شاهد فيلم نجوم النهار للمخرج السوري أسامة محمد وقد أثار الفيلم جدلاً واسعاً وما زال. المفارقة تكمن بكونه من إنتاج مؤسسةٍ رسميَّة لكنَّهُ ممنوعُ منَ العرضِ تجارياً.وأشار هذا المسؤول إلى أنه بعد إنتاج الفيلم نهايةَ الثمانينات، طلب الرئيسُ مشاهدتَهُ بعد أن سَمِعَ انتقاداتٍ كثيرة حولَه، وجَّهها بعض من كانوا حول الرئيس، وأخبروه أن أسامة محمد يسخر منهم في الفيلم، وقتها تم نقل كل تجهيزات العرض إلى القصر الرئاسيّْ، وقد “ضحك الرئيس كثيراً أثناءَ مُشاهدتِه الفيلم ثم قال لمن كان ينتقده أن حساسيتهم الزائدة جعلتهم يرون أنفسهم في سلوكِ الشخصيات”. سمح للفيلم بعد ذلك بالعرض خلال المهرجانات لكنه منع من العرض التجاري”.

الأمنية الأخيرة: إعادة ما لا يعاد، ربما.. أجمل وأهم لحظات عمري “العرض الجماهيري لنجوم النهار”.

سوريا الغد ستمتلئ بأندية السينما التي أجهضت..

والسعادة أفلام جديدة يصنعها سوريون لا نعرفهم الآن

في كلمة لك في مهرجان “كان” السينمائي أوردت عبارة على أنها اقتباس من كتاب القراءة للصفوف الابتدائية في مدارس سورية تقول: “يقبّل الصبي حذاء الضابط”، وكلنا يعلم أن لا وجود لهذه العبارة في أي كتاب قراءة سوري. ألا تعتقد أن مثل هذا الكلام يسيء للشعب السوري أكثر مما يسيء للنظام؟

شارك في السؤال: Dima Kassis

على الأقل أشكرك على كلمة “ألا تعتقد”…

الجواب: أنا لا أعتقد.

المؤامرة الخامسة:

صورة ضد صورة:

“سافرَ قطارُ درعا. ساعَدَ خالي جَارَنا. في حانوت سامي ساعات”.. ” قَبَّلَ الصبيُّ حِذاءَ الضابِط”

(درس قراءة للمرحلة الابتدائيّة).

“قَبَّلَ الصبيُّ الدَرْعاويُّ المُراهِقُ حِذاءَ الضابطِ أو عُنْصُرِ الأمن أو المساعد أول. لا قدرة لدينا على مَعرفته أو التأكد من هويته. فهو يُعَرِّفُ عَنْ نفسه بالحذاء. ففي الصورة التي يصورها الفاعلُ لا يظهر منه إلا الحذاء. حذاء الأمن. والكاميرا تنظر من علٍ إلى الأسفل لأنَّ المراهق يركعُ هناك.. ليقبِّلَ الحذاءَ فيعود للحياة.

الحياةُ حذاءٌ.

حذاءُ الأمن بوابةُ الحياة”.

ألا ترين معي كيف أن الدرس مستمر؟

كيف فعس رجال الأمن بأحذيتهم المدنيين في الباصات وأجبروهم على تلاوة قرآن جديد. وكيف فعسوا غيرهم وقهقهوا وهم يجبرونهم على النطق بلغة الحيوانات. وكيف تقصف حمص اليوم لأنها لم تحفظ الدرس. هؤلاء مُربّو الأجيال. المبشرون بدرس قراءة للمرحلة الابتدائية.

بدائية ابتدائية همجية تُدَرِّسُ منهجها.

وقبل كلّ هذا وذاك ثمة عنف غريب على اللغة من قبلكم.. فالفارق أبسط من أن يشرح بين “درس قراءة للمرحلة الابتدائيّة” و”درس من كتاب القراءة للمرحلة الابتدائيّة”. وأعتقد أن الطبيعة أنقذت معلمينا المتنبي وامرؤ القيس فرحلوا قبل هذه المرحلة ونجوا من الدولاب… وفيروز أيضاً… (شو هَي ” أنا زهرة بقلبك” كيف هيك؟). والكذّاب الثاني “واستمتطرت لؤلؤاً من نرجسٍ وبكت ورداً وعضَّتْ على العنَّاب بالبَرَدِ”. ومحمود درويش “فأنا لا أريد من بلادي التي سقطت من زجاج القطار.. غير منديل أمي وأسباب موتٍ جديد”، تصّوري أنه يدَّعي أن الصهاينة لم يحتلوا فلسطين.. وأنها… وتصوري الأنانية .. فهو لا يريد إلا منديل أمّه!!!

يا عيب الشوم.

الحذاء هو الذي يسيء للشعب السوري.

كيف تسعى إلى إيصال أفلامك إلى الشباب السوريين الجدد، الذين لا يعرفون عنها الكثير (بسبب منعها)؟

شارك في السؤال: محمود الحاج محمد

بعد سبعة اتهامات .. لم أعد أريد إيصال أفلامي.

في الدول المؤسساتية ينجز المخرج الفيلم وتتولى مؤسسات وشركات توزيعه وإيصاله.

سوريا خراب.. بلا صالات عرض هذا إذا لم تتحول إلى معتقلات يعرضون فيها على المعتقلين أفلاماً رديئة ويجبرونهم على التصفيق.

الشباب السوري ما قبل 15 آذار كان نهماً للمعرفة، باحثاً عنها وناقداً، وعثر على الطريقة. غالباً ما كنت أستعير منهم نسخ “دي في دي” لفيلميَّ ولأفلام بلا حصر. وكان فضولهم مضاعفاً نحو الأفلام السورية الممنوعة، وما يفعلون اليوم في التظاهرات يفسر عمق عطشهم المعرفي. حتى أولئك الذين رمت بهم الحياة في ضواحي البؤس.. كانوا يخلقون تواصلهم بالكون.

الشباب أكثر مُخَيّلةً وإبداعاً.

ربما… ستمتلئ سوريا الغد بأندية السينما التي أجهضت وبالحياة… وبالحياة السينمائية.

في حال سقط النظام، هل ستسعى لتؤسس برفقة بعض من السينمائيين السوريين، معهد (أو كُلية) لتدريس السينما؟

شارك في السؤال: محمود الحاج محمد

منذ سنين تضمنت ورقة عمل السينمائيين السوريين مشروعاً كهذا. وصلت مرّات عدة إلى أعلى وسقطت عن الطاولة. ثم جَمَعَنا حنان وحنين فعملنا مجدداً على مشروع “معهد عالي للسينما”.. عمر أميرالاي وهيثم حقي وأنا ولم…

تفرغنا للأمر وأنجزنا مناهج، تأخذ من روسيا وفرنسا وتتعامل مع خصوصية سوريا. وكما تعلم، ونعلم اليوم أكثر، أن المؤسسات كانت ممراً وهمياً نحو الموافقة الأمنية. وكما توضح الحقيقة الزمنية لم يكن عقل السلطة يتسع لثوانٍ مُرْهِقة للقراءة والموافقة. الممانعة لا تترك وقتاً للثقافة.

أعتقد أن معهد المسرح كان صدفة حَمْلاً بالخطأ. وهو كما نرى منبعاً لشباب مثقفين أحرار. لقد أفلح الشباب بمحاولات ذاتية مستمرة للتعلم، الشباب السوري اليوم بركان موهبة. في الدولة الحلم، سوريا التعددية، دولة القانون والمواطنة، سيستمع المجتمع لحاجاته الداخلية، وستكون الثقافة حاجة عليا بلا لافتة مقدسة. المجتمع السوري القادم سيفعل ذلك. لقد عاش السوريون وقاوموا و… بفضل الصورة.. أيضاً.

سوف نرد لها الجميل.

السعادة أفلام جديدة يصنعها سوريون لا نعرفهم الآن.

بعد الثورة، هل ستعمل على إنجاز فيلم، لن نقول يوثق لها، بل يعبر عنها، وعن ما تعرض له الشعب السوري؟

شارك في السؤال: محمود الحاج محمد

الفن والفيلم ثورة على الذات واللغة.. وحرية.

 الصدق مع الذات هو الفيلم.

كل يوم يوقظني أسى المسافة.

وأنني الآن لست هناك.

لا أشمّ الغبار.

ولا أتنفس نفس الفراغ.

شعور بالدونية.

ثقبٌ أسود في روحي .. لا أعرف كيف سيرمم نفسه.

المخيلة شديدة العطش.

ربما هذا هو فيلمي عن المرحلة.

في غرفة مغلقة.

في الشارع المجاور.. إذا تبقى.

في الإنسان المجاور داخلي.

السوريون صنعوا فيلماً “بيغ برودكشن ميوزيكال”.

دبابات وحطام وملايين وسخرية وغناء.

بين الإجابة على السؤال الأول والسؤال الأخير.

سقط مئات الشهداء في حمص وغيرها.

والطبيب في بابا عمر صار ناطقاً رسمياً.

يستنجد بالمظاهرات لتنقذ الجرحى.

هذا مجاز الحقيقة.

عندما أنجز فيلمي سأتصل بك.

هل هناك إمكانيّة للحديث عن خصوصيّة في السينما السوريّة تختلف بها عن السينما في العالم العربي؟ وإن وجدت، فما هي وإلامَ تُرجعها؟

شارك في السؤال: محمود الحاج محمد

هي خصوصية البحث وسينما المؤلف، وهذا عنوان عام، الخاص داخله متنوع ومهم. البيئة والذات وتعبيراتها.. البحث بالسينما عن الصوت الداخلي. المجتمع من وجهة النظر الشخصية. البيئات ولغتها السينمائية. الداخل لغة الخارج.

وهناك خصوصية التنافس.. المعلن واللاإرادي. جعل جسد السينما سينمائياً وضمُرت مساحة الشرح.

وعمر أميرالاي:

أعتقد أنه اخترع النبضة السينمائية. كان قوياً وفناناً ومستقلاً، لدرجة تصيب بالعدوى عدوى مقدرة السينمائي أن يكون هو وألا يختلس المرجعيات المعيقة عن الاعتراف والكشف. السخرية اللقطة المعارضة، فناً وسياسةً، مخلوق طازج ومبشر.

أنتَ تكتب سيناريوهات أفلامك، لماذا لا تتعامل مع كتاب سوريين؟

شارك في السؤال: محمود الحاج محمد

قد أندم على هذا، ومن المؤكد أن ما تبقى من العمر لن يرفو الندم.

الفيلم رحلة شاقة بالنسبة لي… أبحث عن نفق أبحث في عتمته عن اللقطة والبنية والمخيلة والضوء والحرية.

15 آذار… 300 ليلة وليلة.

أنا لا أتوقف عن الإعجاب بما يكتبه السوريون اليوم رواية وشعر وخواطر وحكايات وصور وأصوات. الذكاء والجدة والإنسانية. ألف ليلة وليلة.

كلما قرأت روّاية أصورها على الفور فأذهب إلى ما يليها.

خاتمة:

المؤامرة عنف.. والعنف سكن بعضاً من لغتي.. للأسف.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى