صفحات سوريةعمر قدور

أسد تور/ عمر قدور

 

 

 

ينبغي التنويه بأن العنوان الوارد أعلاه محمي بموجب قوانين الفيدرالية الروسية للملكية الفكرية، بناء على الطلب الذي تقدمت به شركة “ميغا بوليس” لترخيص هذا الاختراع تحت فئة تصنيف نيس الدولي للسلع والخدمات رقم 39. الخبر أورده موقع “روسيا اليوم”، وفي التفاصيل أن الشركة المعنية قامت بمراسلة السفارة الروسية في دمشق والوزارات المعنية، بهدف تنظيم رحلات سياحية من موسكو إلى دمشق، مع إمكانية الذهاب في رحلات إلى خط الجبهة، حيث يجري التفاوض الآن مع الفنادق وشركات النقل السورية. الاقتباس لم ينته بعد، فالشركة المذكورة تبرر اختراعها، على رغم الأزمة في قطاع السياحة الروسي، بوجود أناس على استعداد للجمع بين الأهداف المعرفية وإمكانية مشاهدة “الكوارث الطبيعية”، أو زيارة أماكن قريبة من العمليات العسكرية ومشاهدتها بأم العين.

بصرف النظر مؤقتاً عن الفحوى غير المسبوق لبراءة الاختراع، يلاحظ أن الشركة تستخدم اسم رأس النظام لعلامتها، وكأنها من ناحيتها أيضاً تحفظ له حقوقه “الفكرية”. ومع أنه كان حرياً بها استخدام اسم بوتين الذي أتاح عدوانه على سوريا إمكانية ولادة الفكرة إلا أنه لم يتسبب بعد بقسط مماثل من مشاهد الدمار التي سيستمتع بها السائح الروسي. ثم أن الشركة الروسية لا تتجرأ على استخدام اسم بوتين، بينما يبدو اسم الأسد متاحاً وإن أوحى بالسخرية، أو بالطرافة التي تبتغيها بالفكرة، بل ربما يكون الأسد وموالوه على رأس المعجبين بالتسمية إذ توحي بأنه يتمدد خارجياً، بعد اعتماد النظام خلال عقود تسمية الأسد لغالبية مرافق الدولة.

لا ينتقص من براءة الاختراع أن يكون نظام الأسد نفسه قد حافظ على دمار مدينة القنيطرة، الذي خلّفه الإسرائيليون بعد انسحابهم منها في مفاوضات الهدنة التي تلت حرب 1973، وكان يسوق إليها الوفود الرسمية من أنظمة استبدادية أخرى لترى مدى “الوحشية” الإسرائيلية. مثلما لا يضيره، فيما لو أتيح له البقاء، الحفاظ على الدمار الذي تسبب به منذ بدء الثورة إذا ضمن أن مشاهد الدمار ستدر عليه عائدات سياحية جيدة، ولا شك في أن أنظمة عديدة مشابهة ستشجع رعاياها حينئذ على السياحة في سوريا، ليروا بأم أعينهم كيف تكون عاقبة التمرد على السلطة.

أيضاً، من المنطقي أن تكون مراسلات شركة “ميغا بوليس” قد تضمنت وزارة الدفاع الروسية، من أجل ضمان أوقات سمر ممتعة للسائحين وهم يشاهدون القذائف التي تلقيها طائرات السوخوي على السوريين، ويضمر الخبر موافقة وزارة الدفاع على المشروع. تلك الموافقة يمكن ضمها إلى ما أعلنه بوتين عن انضواء حربه على السوريين في نفقات برنامج التدريب، ونفيه وجود ميزانية خاصة للحرب، فضلاً عما يفصح عنه التصريح من إتاحة الفرصة لقواته كي تمارس تدريباً بالذخيرة الحية وعلى أناس أحياء. الربط بين الخبرين المتزامنين ينزع صفة الغرابة عن المشروع السياحي، إذ لا غرابة شديدة في أن يشهد الروس تدريبات عسكرية لقواتهم، وليس من المستبعد أن يكون إعلان الشركة من ضمن سياق إعلامي روسي أعم يصور الحرب على السوريين كنزهة، ولا تتورع إحدى مذيعاته عن طمأنة الجمهور في كل نشرة للأحوال الجوية بأن طقس سوريا ملائم لتستمر الطائرات الروسية بالقصف.

في حال نجحت الشركة الروسية في مسعاها، ستصبح من الماضي شكوى السوريين من أن العالم يشيح بوجهه عن مأساتهم. فالمشروع يدشن مرحلة جديدة من الانحطاط الأخلاقي بمنح الفرصة لأولئك الذين يريدون رؤية أعمال الإبادة عن كثب. وربما تقام عروض بالقنابل العنقودية والنابالم بأسعار خاصة للمجموعات القادرة على الدفع والراغبة برؤية عروض أكثر إثارة. ثم أن مشروع الشركة يقتضي الانطلاق به خلال عام 2016، أي أن أصحاب الفكرة يمتلكون ضمانات باستمرار العدوان الروسي خلال العام المقبل على الأقل، أو بحسب تعبيرهم استمرار “الجمع بين الأهداف المعرفية ومشاهدة العمليات العسكرية بأم العين”. وربما تُسوّق هذه الرحلات بوصفها بديلاً ثقافياً عن السياحة الروسية السابقة في تركيا، أو تصبح واجباً وطنياً نكايةً بحكم أردوغان، مع التمتع بميزة رخص الأسعار تشجيعاً على القيام بها، إذ تبلغ الكلفة المبدئية لكل سائح 100 دولار يومياً.

نعم، يحدث في روسيا الآن أن يصرّح رئيسها بأن قواته لن تضطر إلى استخدام الأسلحة النووية في سوريا، بما يوحي بلغة السياسة تهديداً بالعكس، ويحدث أن يطالب مسؤول روسي بإزالة قطر والسعودية عن الخارطة، كأن ذلك بسهولة احتلال شبه جزيرة القرم. الداعشية الروسية المعممة تحت شعارات “مجد روسيا” ونهوضها القومي، مشفوعة بالنهج العسكري التوسعي وبالمواصفات الشخصية لبوتين، وأيضاً عطفاً على خروج روسيا مما يعتبر هزيمة مذلة في الحرب الباردة؛ كل هذه العوامل تذكّر بمرحلة ليست بعيدة من التاريخ، هي مرحلة صعود هتلر والنازية في أوروبا. حينها جرّب العالم التعامل بديبلوماسية مع هتلر، بل وقف متفرجاً إزاء مطامعه التوسعية الأولى في أوروبا، ودفع العالم كله الثمن باهظاً. المشكلة الآن أن العالم يبدو مستعداً لتكرار أخطائه، إذ يساور الوهم قادته بأن السوريين فقط سيدفعون الثمن.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى