صفحات الناس

أشباح حلب” صورة واقعية ولكن/ بتول خليل

 

 

من الأنفاق السرية في حلب إلى مواقع المواجهة عند الخطوط الأمامية، رافق فريق “فايس نيوز” مقاتلي “الجبهة الإسلامية” في المدينة التي وصفتها المنظمة الإعلامية الدولية بأنها “تحولت إلى مدينة أشباح، يهاجمها النظام من الجو والمتشددون الاسلاميون من الارض”، لتخرج بعدها بوثائقي عنونته: “السيطرة على عاصمة الثورة السورية: أشباح حلب”. حاولت من خلاله توثيق يوميات “الجبهة الإسلامية” خلال أسبوعين من شهر تموز/يوليو الماضي، واصفة الجبهة بانها “تحالف من المتمردين الإسلاميين، ممن يقاتلون قوات الرئيس بشار الأسد من جهة، والدولة الإسلامية من جهة ثانية”.

الوثائقي المؤلف من خمسة أجزاء، والذي استهلت “فايس نيوز” عرض الجزء الاول منه، الإثنين، بدأ بعبارة “من يحكم سيطرته على حلب سيربح الحرب في سوريا” في إشارة إلى أهمية هذه المدينة التي طالما كانت تمثل الاعتدال السنّي في سوريا، والتي كان النظام السوري، قبل ثورتها عليه، يستشهد بها معتبراً أنه “لا وجود للثورة”، كون “حلب السنّية صامتة وهي لا تزال على دعمها المعهود للنظام”. غير أنّ دخول حلب لاحقاً على خط المعارك الدائرة في سوريا، حسم حقيقة المشهد وبرّز الوقائع التي تفيد بأن الثقل السنّي دخل على خط الثورة، ما أعطى عنواناً جديداً للصراع، وتحديداً بعد دخول فصائل ومجموعات قاتلت قوات النظام في المدينة (حلب) التي أطلقت عليها “فايس” لقب “عاصمة الثورة السورية” في الوثائقي الذي يهدف من خلال أجزائه الخمسة إلى التعريف عن قرب بـ”أقوى المجموعات المتمردة في حلب، والتي تعرف باسم الجبهة الاسلامية”.

وإذ تبقي “فايس نيوز”الأولوية للسبق الصحافي وتركز على الوصول إلى قلب الموضوع أو القضية كمبدأ رئيسي من عملها، تكتمل ملامح الطرق والأساليب التي تتبعها المنظمة في صناعة إنتاجاتها الوثائقية، من خلال حقيقة أن دخولها بين مجموعات وجهات عسكرية تقاتل على الأرض، ومرافقتها لهم بالصوت والصورة، لن يتحقق ما لم يوافق صحافيو المنظمة على قائمة من الشروط الموضوعة من قبل هذه الجهات، والتي تحدد حركتهم وسياق توجيه مادتهم الإعلامية وضمان التسويق لأفكارها.

لذلك، قامت “فايس” بتقديم “الجبهة الإسلامية”، وقبلها “داعش”، من خلال منظور الواقع الذي رسمته التنظيمات لها، حيث تظهر”الجبهة الإسلامية” في وثائقي “فايس” في الإطار الذي حددته لها قيادة هذه الجبهة وبالطريقة التي فرضتها لإيصال أفكارها ونظرتها لكافة جوانب الصراع. وعلى الرغم من أهمية المحتوى الذي عرض في الوثائقي، إلا أن ثمن الانصياع للشروط المفروضة انعكس انتقاصاً من قيمته بسبب عدم قدرته البحث في كافة الجوانب والمشكلات، ما منع اكتمال المشهد والصورة.

فهذه القيادات، بطبيعة الحال، لن تسمح بتوجيه النقد أو عرض ما يمس صورتها وما ينسجم مع تقديمها لأفكارها. فيظهر القائد العسكري في “لواء التوحيد”، أبو عمر، كشخصية رئيسية في الجزء الأول من الوثائقي، يتكلم بمرراة عن تهميش الجبهة من الدول التي كان يعول عليها دعم الثورة السورية، عربية كانت أم غربية، معتبراً أن “أميركا والغرب لم يمدوا اليد إلى الجبهة ولم يساهموا في تمويلها كونها صاحبة عقيدة إسلامية”. وأن “الغرب يريد من أشخاص علمانيين أن يحكموا البلد، لكن الشعب لن يرضى بذلك”… “لهذا يجب على الغرب أن يتقبل المسلمين المعتدلين، وإلا فلن نصل إلى أي حل لهذا الصراع”، في رأي أبو عمر.

الدقائق الـ16، التي شكلت مدة الجزء الاول، عجزت “فايس” فيها عن طرح حقائق وإشكاليات جديدة، عدا تلك المعروفة سابقاً. لكن الجديد الذي قدمه فيلم “أشباح حلب” يتمثل في كونه ينقل الصورة الحية من الأرض من دون تدخل القيمين على الفيلم، وينقل الرسائل والمواقف عن ألسنة أصحابها مباشرة. بهذا يمكن القول بأن الجزء الأول يخرج بعناوين عريضة ورسائل مبطنة موجهة إلى أقطاب الصراع، تعكس حال “الجبهة الإسلامية” وتبرّز مطالبها، باعتبارها “عالقة في الوسط بين النظام والدولة الاسلامية”. فتعكس الحوارات الدائرة في الفيلم حقيقة جوهرية تفيد بأن “هؤلاء الأشخاص الذين يقاتلون قوات النظام وداعش في الوقت عينه، لا يريد الغرب دعمهم”، بالتالي هم يقولون أنه “من دون دعم من الغرب لن يكون هناك إسقاط لنظام بشار الأسد”. ما يضع المشاهد أمام احتمالات وفرضيات عديدة ومفتوحة، تعكسها الإشكاليات التي دخلت “فايس” إلى قلب حلب للبحث عنها وتسليط الضوء عليها في هذا الوثائقي، الذي اكتسب بالضرورة طابعاً ترويجياً، كنتيجة بديهية للمسار الذي ترسمه قواعد العمل الصحافي المزروع (embedded). رغم أنه كان من الأجدى لفريق عمل “فايس”، الذي جازف ووصل إلى حيث لم يصل غيره، ان يقوم بنقل آراء السكان في مناطق مختلفة من حلبونقل آرائهم وقصصهم عن ممارسات التنظيمات المتقاتلة على أرض مدينتهم وسؤالهم عن مدى انسجامهم مع فكرها والعيش تحت حكمها.

يتضح من خلال هذا الوثائقي وما عرض قبله عن “داعش”، أن “فايس”، وانسجاماً مع اتفاقها المبرم مع هذه الجماعات، تحرص على الالتزام باتفاقاتها حفاظاً على سمعتها بالإبقاء على وعودها والالتزام بالسياسة المرسومة لكل عمل تباشر بصناعته، إذ لا تحيد عن الشروط المتفق عليها لكي تضمن دخولها في المستقبل القريب أو البعيد الى أماكن تشهد صراعات وحروب، ويكون في امكانها أن تنقل ما يحصل فيها على طريقة تلفزيون الواقع.

ورغم وجود مصالح مشتركة من إنتاج هذا الوثائقي وإطلاقه وعرضه، حيث تحقق “الجبهة الإسلامية”، من جهتها، هدفاً دعائياً في قالب مهني محترف، وتكسب “فايس نيوز” السبق الصحافي في الوقت عينه، إلا أن ما جاء في وثائقي “أشباح حلب” يشكل قيمة تتمثل في القدرة على نقل صورة عن بعض ما يحدث في كواليس المعركة. غير أن الحكم على المحتوى الذي أبرزه الفيلم، تكرسه سابقا ولاحقاً الممارسات الفعلية لـ”الجبهة الاسلامية” وغيرها من التنظيمات والجماعات المسلحة على أرض الواقع. ومهما كان المحتوى الذي تنقله عدسة الكاميرا، لن يزيد أو ينقص من شعبية “الجبهة الاسلامية” او غيرها، إذ ان هذا العمل لا يعدو كونه محاولة للتعريف بواقع هذه الجماعات، كما تريد هي إظهاره.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى