صفحات العالم

أصدقاء “سوريا ديمقراطية”


عبدالله عبيد حسن

للمرة الثانية خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، فشل مجلس الأمن في إصدار قرار حاسم بشأن الأزمة السورية المتصاعدة، وكان ذلك بسبب الموقف الروسي الصيني. وحسب رأي المندوب الروسي فإن مشروع القرار الأخير كتب بلغة غير متوازنة، بل تعبر عن تحامل واضح ضد الحكومة السورية وانحياز للطرف الآخر (المعارضة). وكان مشروع القرار المذكور يدعو الأسد إلى إيقاف قتل شعبه، وسحب قواته العسكرية من الشوارع وإعادتها إلى ثكناتها، والتنحي عن الرئاسة، وتعيين نائبه رئيساً خلال فترة انتقالية تشكل فيها حكومة وحدة وطنية تجري انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة، وقبل ذلك إطلاق سراح المعتقلين السياسيين. إنه في جوهره مشروع وفاقي أشبه بالوساطة العربية التي قادتها السعودية بدعم عربي لحل الأزمة اليمنية، والتي أدت في نهاية الأمر إلى تنحي “صالح” من الرئاسة وتعيين نائبه رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة مصالحة وطنية بمشاركة المعارضة.

لكن الموقف الروسي الصيني من الأزمة السورية له أسبابه الموضوعية، فروسيا تعتبر نظام الحكم السوري حليفها الأول في العالم العربي، والديون الروسية على سوريا تبلغ مئات الملايين من الدولارات، هذا إلى جانب المصالح الاستراتيجية الروسية. وقد أثار الموقف الروسي الصيني استياء واشنطن ودفع ممثلتها في مجلس الأمن إلى الحديث بلغة قوية غير معهودة، حيث قالت إن المجلس ظل لأشهر عديدة “رهينة” لدى عضوين من أعضائه، وكانا وراء المناقشات الفارغة وسبباً في تعطيل المجلس عن القيام بدوره. واتهمت المندوبة الأميركية “أحد العضوين” (روسيا) بأنه “ما زال يواصل إمداد الأسد بالسلاح الذي قتل به أكثر من خمسة آلاف من مواطنيه”.

ولعل الجديد في الأمر هو ما أعلنته وزيرة الخارجية الأميركية من أن بلادها اقترحت تكوين تحالف دولي لدعم المعارضة السورية بعد أن قفلت روسيا والصين الطريق أمام محاولات الأمم المتحدة لإيقاف سفك دماء السوريين طوال أحد عشر شهراً. وقالت كلينتون: “نحن ندعو أصدقاء (سوريا ديمقراطية) لدعم الشعب السوري في سعيه لمستقبل أفضل لبلده”. وفي تطوير لهذا الموقف، قال موظفو الخارجية الأميركية إن التحالف الدولي المقترح سيشكل مجموعة رسمية من دوله الأعضاء لتنسيق مساعدة المعارضة السورية شبيهة بمجموعة الاتصال مع المعارضة الليبية، لكن مجموعة أصدقاء “سوريا الديمقراطية” ستعمل على تضييق الخناق على نظام الأسد عبر تشديد العقوبات الدولية، وتوحيد مجموعات المعارضة في الداخل والخارج، وتقديم المساعدات الإنسانية للمناطق السورية المتأثرة بالحرب، ومراقبة بيع السلاح للنظام السوري.

والملاحظ أن الأميركيين يحاولون تفادي الحديث العلني عن التدخل العسكري في سوريا مستجيبين لنصائح أصدقائهم العرب بأن التدخل العسكري سيمنح الأسد فرصة ذهبية لإلهاب المشاعر الوطنية السورية، ولاستثمار الشك المترتب عند العرب جميعاً من عملية العراق البائسة.

لكن من الملاحظ أيضاً ارتفاع نغمة الحرب الأهلية في سوريا إذا استمر نظام الأسد في تصعيد ممارساته، فالحرب الأهلية ستهدد الاستقرار الهش في المنطقة وتهدد المصالح الدولية وتشجع إسرائيل على العدوان.

والمؤسف حقاً أنه في ظل نظام كهذا، يصبح التدخل الأجنبي أملاً بالنسبة لشعبه، فالحكم المستبد عندما يغلق أمام شعبه كل أبواب الحوار الوطني والوحدة والمشاركة، يدفع بعض شعبه للمطالبة بالتدخل الأجنبي لإيقاف النزيف وإنقاذ الأرواح!

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى