صفحات سوريةعبدالله تركماني

أضواء على مسيرة الثورة السورية


عبدالله تركماني

اعتباراً من أننا في دورة عربية تدريبية على كيفيات رصد انتهاكات حقوق الإنسان في ظل ربيع الثورات العربية، أحيطكم علماً بأنّ تقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان قد رصدت في سورية، منذ بداية ثورتها الشعبية في 15 مارس/آذار، أهم الاتجاهات الغالبة على انتهاكات حقوق الإنسان:

–                     القتل خارج نطاق القضاء، والتزايد المنهجي في استخدام القوات الحكومية للعنف.

–                     الاعتقالات الجماعية وعمليات الاختطاف والاختفاء القسري واحتجاز المدنيين تعسفياً.

–                     أعمال التعذيب والمعاملة المهينة وغير الإنسانية.

–                     قمع حرية التجمع وانتهاك حرية المعلومات.

–                     الأعمال العسكرية ضد المدن المحاصرة، بما يصل إلى حد العقاب الجماعي ضد المدنيين.

–                     تحديد ومنع الوصول للمستشفيات.

ولمعلوماتكم أيضاً فإنّ الفتاة زينب الحصني ذات 19 عاماً، كانت قد اختُطفت في 27 يوليو/تموز رهينة بدل أخيها الشاب الناشط في تنسيقية حمص محمد الحصني، إلى أن اعتُقل أخوها في 10 سبتمبر/أيلول. وفي 13 سبتمبر/أيلول أخبرت شعبة الأمن السياسي في حمص الأهل بالمجئ إلى مشرحة المستشفى العسكري لاستلام جثة الشاب محمد، وقد سمعت الأم أنّ فتاة موجودة أيضاً في المشرحة، وكانت صدمتها كبيرة حين وجدت ابنتها زينب مقطوعة الرأس ومسلوخة الجلد.

كما أنّ منظمة العفو الدولية رصدت حتى تاريخ 23 سبتمبر/أيلول وفاة 103 حالات في الاحتجاز. وإزاء هذه الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية يجدر بالمنظمات العربية والإقليمية والدولية مطالبة مجلس الأمن الدولي بإحالة ملف انتهاكات حقوق الإنسان في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية كي لا يفلت المجرمون من العقاب.

أما بالنسبة لمسيرة الثورة السورية، فبعد أكثر من ستة أشهر على اندلاع الثورة، وبعد سيل التضحيات التي قدمها أبناء الشعب السوري وبناته، فإنّ الثورة كغيرها من ثورات الشعوب العربية لم تكن نتيجة مباشرة لعمل تراكمي قامت به أحزاب المعارضة. بل هي جاءت من وعي تشكّل في مكان عميق من العقل والوجدان الشعبيين، وهو مكان لم يعد قادراً على تحمّل أو فهم دواعي استمرار الاستبداد المستفحل منذ أربعة عقود. وهي لا تسير وفق جدول زمني محدد أو طريق أحادي الأبعاد، بل تخضع لمعادلات تبدو معقدة: النظام السوري يعيش حالة إرهاق متنامية يعوض عنها برفع حدة القمع، والشعب السوري، الذي كان حتى الأمس القريب خارج المعادلة السياسية، نجده وقد أصبح اللاعب الأول والأهم في الواقع السوري.

إنّ الطابع العام للثورة ظل مدنياً وتحررياً وإنسانياً، وبقيت قاعدتها الاجتماعية تحظى بدعم من مختلف الأطياف السورية، وأخذ وجهها العام يستعير مفرداته الحداثية. فقد تشكلت قيادات شابة قادرة على استيعاب معطيات التحول العالمي نحو الديمقراطية، وتمسك بزمام الأمور وتتحكم بحركتها حسب المتغيّرات، رغم وجود حالات تشويش فردية. وتكتسب هذه القيادات الخبرة اللازمة في سياق عملها وبالاحتكاك مع المخضرمين من المعارضين، فتنجز أعمالاً مشهودة. وهي تعرف أنّ هذا الليل السوري الطويل لن ينجلي بسرعة، وأنّ أمامها مهمات شاقة وتضحيات كبرى، لكنها تعرف أيضاً أنّ لا عودة إلى الوراء، وأنّ لا خيار أمامها سوى مواجهة ظلام هذا الليل الطويل بالصمود والتحدي والتفاؤل.

ويمكننا اليوم استخلاص عدد من العِبر من يومياتها ومن أشكال تعامل النظام معها: فهي الأكثر تمدداً على الصعيد الأفقي، أو الانتشار الجغرافي، بالمقارنة مع باقي الثورات العربية. وهي الأكثر مثابرة رغم التعرض لسادية الأجهزة الأمنية المدعومة بميليشيات ” الشبيحة ” في مواجهتها. وهي الأكثر قدرة – إلى الآن – على المحافظة على السلمية وتجنّب الانزلاق نحو المواجهات المسلحة وأعمال الثأر الواسعة النطاق، رغم فظاعة ما يتعرض له المشاركون وعائلاتهم، ورغم محاولات النظام المتكررة لجرّ الناس إلى أعمال انتقامية تضاعف التشنج الطائفي وتزيد من خوف المترددين، فيُتاح المجال أمام الأجهزة الأمنية للمزيد من البطش والإجرام ضد المتظاهرين من دون أدنى تمييز. وهي كذلك الأكثر اعتماداً على الذات لتغطية أنشطتها وفعالياتها نتيجة منع النظام لوسائل الإعلام المستقلة من التواجد في سورية. وهي الأكثر إنتاجية وإبداعاً في الشعارات والأغاني الشعبية، والأكثر تعبيراً عن تضامن داخلي تشهره لجانها وتنسيقياتها مداورة في مواجهة استهدافات النظام للمدن والبلدات والقرى والمناطق. وهي الثورة الأكثر حضوراً للنساء في المواقع القيادية لتنسيقيات الثورة.

والسؤال اليوم هو متى سيسقط النظام، وبأية كلفة، وعبر أية مسارات متعرجة، وضمن أي نطاق زمني ؟

قد يأخذ سقوطه شكل اهتراء تدريجي يدوم شهوراً طوالاً، ولا يستبعد أن يتسبب النظام خلالها في تخريب وطني واسع، قد لا تنهض منه سورية إلا بمشقة وبعد سنوات. ولكنّ العودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل 15 مارس/آذار متعذرة، فما تشهده سورية حالياً هو نوع من المأزق: لا السلطة تستطيع وقف الاحتجاجات ولا الاحتجاجات الحالية قادرة على إسقاط السلطة.

والمهم أنّ النظام سيلحق بأقرانه التونسي والمصري والليبي، وكلما تضافرت الجهود وتعاظمت العوامل المنهكة له، كلما كان اللحاق هذا أسرع وبكلفة بشرية واقتصادية أقل وطأة.

وفي هذا السياق، من المهم قيام إطار سياسي وطني شامل يحظى بقدر معقول من الإجماع والثقة، يتولى القيام بمبادرات سياسية، ويحاول التأثير على سير الثورة باتجاهات تتوافق مع السمات المشار إليها أعلاه. ويمكنها أيضا من تقديم مبادرات سياسية تحاصر النظام، فتسهم في إحكام عزلته وفي المزيد من تجريمه إقليمياً وعالمياً، أو في فرض تفاوض من مواقع أقوى عليه. ولعل كل المجالس التي أُعلن عنها هي نقطة ضوء في الطريق الصحيح.

ويبدو أنّ تشكيل المجلس الوطني السوري، الذي تم في 15 سبتمبر/أيلول الجاري في اسطنبول، يمثل خطوة بالاتجاه الصحيح، خاصة بعد أن أعلن اتحاد تنسيقيات الثورة في 22 سبتمبر/أيلول ” نرى في المجلس الوطني المعلن في اسطنبول خطوة إيجابية يمكن البناء عليها خصوصاً إذا تمكن من توحيد كافة أطياف المعارضة السورية بما يتوافق مع متطلبات الشعب السوري “.

وفي الواقع ليس مطلوباً من المعارضة اليوم أن تأتلف في هيئة جامعة مانعة، ولا أن تشكل هيئة تمثيلية فضفاضة، فلا الوقت ولا الظروف يسمحان بمثل ذلك. ثم إن فكرة الإجماع، على استحالتها، تنتمي إلى زمن ولى، لكن من الممكن والملح تشكيل هيئة تحظى بقبول نسبي كبير، ووفق أدائها قد تعزز من حضورها وتأثيرها في الشارع السوري. إنّ المحك في نجاح مثل هيئة كهذه هو قدرتها على التفاعل المرن مع يوميات الثورة، وكفاءتها في اقتراح مخارج سياسية للأهداف العامة لها، فضلاً عن الاتصال بالقوى الدولية المؤثرة بوصفها تمثيلاً مؤقتاً مُعترفاً به.

ويبدو أنّ ثمة قاسماً مشتركاً سياسياً مرحلياً يجمع هذه المعارضة بكل فئاتها: سلمية الاحتجاج، تغيير النظام، إقامة دولة مدنية تعددية وديمقراطية تصون حقوق الإنسان وحرياته وتساوي بين جميع السوريين. أما الاختلاف في التفاصيل فهي مسألة طبيعية وبديهية، لا بل ضرورية لحياة ديمقراطية سليمة وتعددية.

تونس في 24/9/2011 الدكتور عبدالله تركماني

كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

(*) – في الأصل ورقة قُدمت في إطار اليوم الأول من دورة تدريبية للمعهد العربي لحقوق الإنسان بالتعاون مع مؤسسة الحق الفلسطينية، خُصص لاستعراض حالات الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا وسورية والبحرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى