صفحات الناس

أطباء الغوطة يحقّقون أحلام الآخرين/ ميساء عموري

 

 

قضت الحرب في سورية على أحلام كثيرين. الطبيبة أماني، التي لم تستطع تحقيق حلمها في أن تصير طبيبة أطفال، أجبرها الواقع المأساوي في غوطة دمشق الشرقية على العمل لإنقاذ الناس.

عجزت أماني عن إنهاء تخصّصها في طب الأطفال، هي التي اضطرت إلى العمل مباشرة بعد دراسة الطب العام. أماني التي عملت في نقطة طبية ميدانية في غوطة دمشق الشرقية، كانت قد تعرّضت للملاحقة والاعتقال. تقول الطبيبة الشابة التي تدير مستشفى الكهف في كفربطنا حالياً لـ “العربي الجديد”: “لم أتخيّل يوماً أن أشهد حرباً أو أعمل في ظروف مماثلة. لكنّ عملي في هذا المجال وضعني أمام واجب إنساني وأخلاقي ووطني”، لافتة إلى أن الجرحى والمرضى والمجازر “تجعل الأطباء يتفانون في العمل”.

قبل أربع سنوات، بدأت العمل في مستشفيات ميدانية مختلفة في منطقة الغوطة، علماً بأنّ الأقاويل تكثر حول مدى تشدّدها حيال النساء. لكنّها تلفت إلى أنّ الوضع على الأرض مختلف بعض الشيء، موضحة أنّ “في بادئ الأمر، واجهت عوائق وصعوبات بسبب طبيعة البيئة المحافظة التي أعيش فيها ومخاوف الأهل على الإناث أكثر من الذكور. لكنّ الإشارة تجدر إلى أنّ المرأة تعمل في الغوطة في مجالات عدّة قبل الثورة وبعدها”. تضيف: “في بداية الثورة، كانت النساء سباقات إلى العمل في المجال الطبي والإنساني، وحتى في مجالَي الإغاثة والإعلام. كان ذلك بمثابة واقع مفروض عليهنّ بسبب فقدان عدد من الرجال في الحرب وظروف الحياة القاسية”.

تتابع أماني أنّ “الغوطة ضمّت عاملات في المجال الطبي. كان العمل تطوعياً آنذاك”. وتوضح أنّ كثيرات هنّ ربّات البيوت والطالبات الجامعيات وغيرهنّ، اللواتي تطوّعن وتدرّبن للعمل في المجال الطبي، وقد بتن عنصراً أساسياً فيه. وتشكّل النساء نحو 30 في المائة من حجم الكوادر الطبية، عدا عن دورهنّ في المؤسّسات التعليمية. لكنّ مشاركتهنّ تُعدّ أقلّ في المؤسسات المدنية الأخرى، إذ إنّ العمل الإغاثي يناسب الرجال أكثر.

وعلى الرغم من أنها بدأت العمل كطبيبة عامة وساهمت في علاج الجرحى، إلا أنها استطاعت في السنوات الأربع الماضية تطوير مهاراتها ومعلوماتها الطبية، خصوصاً في ما يتعلق بطب الأطفال. توضح أنّه “خلال السنوات الأربع الماضية، تحوّلت النقطة الميدانية التي عملت فيها منذ تأسيسها، إلى مستشفى كبير نسبياً، وصارت تقدّم كلّ الخدمات الطبية. في الوقت الحالي، أدير المستشفى بدعم من قبل مجموعة من الزملاء، وقد انتخبت لأتولى هذه المهمة”. وتلفت إلى أنها تعمل كطبيبة أطفال وإن كانت خبرتها متواضعة.

تعاني مناطق الغوطة الشرقية من حصار تفرضه قوات النظام السوري منذ نحو عامَين ونصف العام، مما أدّى إلى تدهور كبير في الوضع المعيشي والصحي للسكان. لكنّ ذلك لم يمنع الناشطين في المنطقة من إنشاء مؤسسات متواضعة للعمل المدني في مجالات مختلفة. في السياق نفسه، يقول مدير صحة الغوطة الشرقية، صخر الدمشقي، إنه بدأ العمل “في المجال الطبي في الغوطة منذ بداية الثورة بهدف علاج المصابين في التظاهرات السلمية، بعيداً عن عيون الأجهزة الأمنية التي كانت تلاحقهم في المستشفيات العامة والخاصة لاعتقالهم”.

تجدر الإشارة إلى أن النقاط الطبية تأسست بإمكانيات متواضعة. يقول: “كنّا نعدّ حقيبة لمستلزمات الإسعاف، وحقيبة أخرى لمستلزمات العمليات، ونتنقل بهما من مكان إلى آخر. بعد استهداف الغوطة، أنشأنا المستشفيات الميدانية الثابتة. ومع فرض الحصار وتعرّض المنطقة للقصف المستمر من قبل النظام، صار الوضع أكثر صعوبة”.

وتؤكّد أماني: “ما زلنا نواجه صعوبات كثيرة على الرغم من الجهود المبذولة بسبب كثافة السكان، والنزوح، وشح الأدوية، وانتشار الأوبئة والأمراض، والحصار، وعدم توفر الكوادر المؤهلة للعمل، ومغادرة معظم الأطباء. هذه العوامل مجتمعة دفعتنا إلى اللجوء إلى وسائل بديلة للاستمرار، كتدريب كوادر لسد النقص والاعتماد على إمكانياتنا في كثير من الأحيان”. تضيف: “نصنع بعض الأدوية وإن كانت ليست بالفعالية المطلوبة”، لافتة إلى أنّ “الصعوبة الأكبر تتمثل في اعتماد المستشفى أو المركز الطبي على الجهات الداعمة من الخارج. مهما كان العمل ناجحاً، إلا أنّه يتوقف مع توقف الجهات الداعمة. ولا تقدّم هذه الجهات، بمعظمها، دعماً ثابتاً ومستمراً لتغطية جميع الاحتياجات الطبية. بالتالي، فإنّ استمرار الحصار من شأنه إنهاء كلّ الخدمات والإمكانيات في جميع القطاعات وليس الطبية فقط”.

كذلك، فإن عدم توفّر الأجهزة الطبية وصعوبة إدخالها إلى الغوطة، يؤديان إلى توقف عدد من الخدمات الطبية. مع ذلك، تقول أماني إنّ “العمل مستمرّ على الرغم من الصعوبات. نحاول تطويره ضمن الإمكانيات المتاحة”. وتضيف أنّ “الفصائل العسكرية لا تتدخل في العمل الطبي. ومراكزنا الطبية تقدّم الخدمات للمدنيين والعسكريين على حدّ سواء”. وتتابع: “في المناطق المحاصرة، لدينا طاقات بشرية وإمكانيات كبيرة. ربّما قدّمت لنا جهات إنسانية وإغاثية وطبية كثيرة الخدمات، لكنّ الحل الجذري لمشكلتنا يكمن في فكّ الحصار لنتمكن من تأمين احتياجاتنا بأنفسنا”.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى