صفحات الناس

أطفال الرقة ودير الزور ما بعد “داعش”/ عدنان عبد الرزاق

 

 

أمام السوريين بالمناطق المحررة من “داعش” أخطر مهمة، لكنّها ليست عسكرية أو اقتصادية، بل تربوية غايتها إعادة غرس القيم في أجيال خضعت لمناهج التنظيم

ثمة كوارث لم يسلط الضوء عليها في المناطق التي احتلها “داعش” في مدن وأرياف شمال شرق سورية، وعاصمة دولته المزعومة الرقة. المناطق التي تحررت شهدت إبعاداً للأطفال عن سكة طفولتهم، خصوصاً من خلال تكريس نهج القتل والثأرية، عبر ما سميّ بـ”معهد الفاروق للأشبال” الذي استقبل أطفالاً دون العاشرة طوال عامين، لتأهيلهم جسدياً ونفسياً وتشريبهم عقيدة “الجهاد” من قتل الأسرى وتكفير الآخرين، بل وتعويدهم على القتل كطريقة وحيدة لدحر “المرتدين والكفار” الذين يقفون عائقاً أمام “دولة الخلافة” بالوصول إلى القدس وربما روما.

بحسب مصادر خاصة من المنطقة لم يكن أمام الأسر الواقعة تحت سيطرة التنظيم يومها من خيار، فإما إخفاء أولادهم وعدم إرسالهم إلى المدارس، أو إرسالهم مرغمين إلى مدارس “الجهاد” أو المدارس الداعشية المدنية ذات المنهج الخاص، بعد تغيير المناهج الدراسية، بل واسم وزارة التربية والتعليم وتسميتها “ديوان التعليم”. وهي المدارس التي أدارها وفق الذهنية الداعشية عناصر من التنظيم أو معلمون سابقون جرى إخضاعهم لدورات شرعية، وشملهم العفو بعد الاستتابة وتطهير فكرهم ونهجهم من الأفكار العلمانية.

تؤكد المصادر أنّه منذ عام 2013، أسست اللجان الشرعية الداعشية “منهج التعليم” للمرحلة الابتدائية، وتركز على تعليم “التربية الإسلامية واللغة العربية” لكن من وجهة نظر التنظيم، ليجري إبعاد بقية العلوم “غير الشرعية” والاختلاط بين الجنسين حتى في المرحلة الابتدائية، وتخصيص معلمات للإناث ومعلمين للذكور.

ما بعد الابتدائي جرى التركيز على العلوم الشرعية واللغة العربية، ومنع الرياضيات والعلوم والأهم الموسيقى، مع إدخال مناهج تتعلق بالفقه والعقيدة والتفسير وسير لأصحاب دعوات تكفيرية وإلغائية.

قبل أشهر، تقهقر التنظيم ومني بالهزيمة وخرج من مدينتي الرقة ودير الزور، لكن ما هي مخلفاته على صعيد الحياة اليومية للأهالي وأثره على مستوى تربية وتعليم الأطفال؟

تلفت المصادر الخاصة بـ”العربي الجديد” أولاً إلى مسألة النزوح، إذ تشهد بلدات ومدن محافظة دير الزور موجة نزوح هي الكبرى منذ سبع سنوات، وتتجه موجات النزوح الهائلة إلى مناطق قوات سورية الديمقراطية “قسد” في الجزء الشرقي من نهر الفرات جهة دير الزور، ما يشكل عبئاً كبيراً على السكان المضيفين ومجلس دير الزور المدني. تضيف المصادر أنّ أغلب النازحين هم من مدينة البوكمال، ومدينة الميادين، وبلدة العشارة، وبلدة موحسن، وقرى المريعية والبوليل ومحكان وصبيخان والقورية، ومن داخل أحياء مدينة دير الزور بالذات، وجميع هذه المناطق تقع في جنوب النهر.

وبسبب عدم وجود منازل كافية لدى المجتمع المضيف، في شرق نهر الفرات وعدم قدرة الأهالي على استيعاب المزيد من الوافدين من جنوب النهر حيث تتواجد على الأقل في كلّ منزل في شرق نهر الفرات عائلتان أو أكثر من الأهالي الآتين من جنوب النهر، سارع مجلس دير الزور المدني إلى بناء مخيم لاستيعاب موجات النزوح الهائلة الوافدة إلى شرق نهر الفرات.

أمام هذا الواقع، ومع ضرورة تعليم الأطفال وتهذيب سلوكهم، فإنّ الأهم كان بحسب المصادر إنشاء مدرستين؛ الأولى في مخيم عين عيسى تستوعب 522 تلميذاً من سن 6 أعوام حتى 12 وزعوا على 3 مراحل، والثانية في مخيم منبج تتسع لـ830 تلميذاً وتستهدف استيعاب 1700 تلميذ، بالإضافة إلى تأمين مدارس وإن بشكل بسيط، ضمن المخيمات، كما في مخيم دير الزور بناحية أبو خشب في منطقة المهباش الذي يضمّ 405 خيم، وهو على بعد أكثر من 105 كيلومترات عن مركز مدينة دير الزور، وعن مركز مدينة الحسكة.

حول تمويل المدارس ومناهجها وكوادرها، تقول المصادر إنّ إنشاء المدارس جرى في الغالب بجهود ذاتية وتبرعات من الأهالي ومكتب مجلس دير الزور المدني “مكتب المنظمات والشؤون الإنسانية” مشيرة إلى أنّ أيّ دعم من النظام السوري يشترط رفع العلم الرسمي السوري ونشر منهجه الدراسي، وهو ما ترفضه القوى المسيطرة، كما أنّ دعم وتمويل المنظمات الدولية مشروط بموافقة النظام.

أما في ما يتعلق بالمناهج الدراسية، فهي كلّ ما كان الأطفال محرومون منه، بما فيها الموسيقى والمسرح، علّهم في ذلك يستعيدون طفولتهم التي استولى عليها التنظيم طوال ثلاث سنوات. أما الكادر التعليمي فهو من المتطوعين الجامعيين ممن يقدمون للأطفال الحاجة العلمية والتأهيل التربوي والنفسي، بعيداً عن الأجندات السياسية.

بالنسبة لوضع مدارس المنطقة التي كانت قائمة منذ الأساس في المناطق التي تحررت من تنظيم “داعش” فهي في حاجة إلى إعادة تأهيل، فضلاً عن إيواء معظمها نازحين ضاقت بهم الأماكن.

تختم المصادر حديثها إلى “العربي الجديد” أنّه ليس ثمة اهتمام محلي وإقليمي ودولي بالسوريين عامة والأطفال وتعليمهم خصوصاً في المناطق التي كان يسيطر عليها “داعش” كما الاهتمام بالثروات النفطية والاصطفافات. وتحذر من إبعاد جيل بأكمله عن التربية القويمة لأنّ المبادرات الفردية وحتى المنظمة المحدودة، لا يمكن أن تصوّب أداء عدد هائل من التلاميذ أو تعيدهم إلى صفوف التعليم، ليتمكنوا من مجاراة أقرانهم في مناطق النظام.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى