صفحات الناس

أطفال سوريا اللاجئون: التعليم والأمل!/ جوردون براون

ثمة بريق أمل صغير وسط الدمار في سوريا. فقد أفرز النزاع السوري أكبر أزمة لاجئين في العالم منذ 1945، أزمة تم السعي فيها لجمع 6٫5 مليار دولار من المساعدات الدولية لتأمين الماء والغذاء ومواجهة شلل الأطفال الذي ظهر في أوساط اللاجئين. غير أن ثمة مخططا قيد الإعداد من شأنه التغلب على التعقيدات البيروقراطية وضمان إمكانية عودة 400 ألف طفل سوري منفي إلى المدرسة في غضون أسابيع.

إن الأطفال هم الضحايا غير المرئيين في هذا النزاع؛ فقد قُتلت أعداد منهم قبيل أعياد الميلاد في هجوم شنه النظام على مناطق الثوار في محيط حلب؛ كما تم العثور على جثث يافعين مكدسة بعد مذبحة شهر مايو خارج مدينة بنياس. وبعد الهجوم الكيماوي في أغسطس الماضي، كانت صفوف من جثث الأطفال مسجاة ضمن الضحايا. وإلى ذلك فإن نصف الـ6٫5 مليون سوري الذين أُرغموا على النزوح أطفال. ولئن كانت سوريا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هدف تعميم التعليم قبل أربع سنوات، فإن الآلاف من المدارس تتعرض اليوم للقصف والحرق، وقد تحولت من مؤسسات تعليمية إلى قواعد عسكرية أو أُغلقت كلياً.

بعض العائلات المحظوظة تمكنت من تأمين ملاذ لها؛ فمثلا هناك 15 ألف سوري في السويد. غير أن قرابة المليون سوري الذين غادروا سوريا كلاجئين في لبنان المجاور، منهم 400 ألف طفل في سن التمدرس.

وعلى مدى عقود، كانت إعادة أطفال النزاعات إلى المدرسة لا تتصدر أولويات المجتمع الدولي إذ عادة ما يتم تخصيص نحو 1 في المئة من المساعدات الإنسانية للتعليم؛ ووفق الشبكة الدولية للتعليم في حالات الطوارئ، فإن النسبة بلغت 1٫5 في المئة العام الماضي. ذلك أنه في حالات الطوارئ التي تكون فيها الموارد قليلة، تكون الأولوية لتوفير الغذاء والمأوى والإمدادات الطبية. وفي حالة سوريا، تم توفير دولار واحد من كل ستة دولارات ضرورية لتعليم الأطفال؛ والحال أن النزاع يدوم 10 سنوات كمتوسط؛ ومخيم النازحين يبقى 17 عاماً في المتوسط.

بيد أن كل يوم من دون قسم دراسي يقلص بشكل جذري إمكانية الأطفال لإكمال تمدرسهم؛ والنتيجة هي حرمان مناطق بكاملها من التعليم لتصبح هشة وضعيفة بشكل دائم؛ وهو ما حدا بالبعض إلى وصف أطفال سوريا بالجيل الضائع. ذلك أن طفولتهم اغتُصبت وحيواتهم عُلقت بعد أن أصبح بعضهم أطفالا عمالا، حيث يقومون في الغالب ببيع بضائع وخدمات في الشوارع؛ هذا بينما كان آخرون شهودا على مقتل أقاربهم.

إن الشباب المحاصَرين بالعنف يحتاجون إلى أكثر من الغذاء والدواء: إنهم بحاجة إلى الأمل. وتوفير التعليم يمثل أقوى تعبير ممكن عن أن لدى الشباب مستقبلا يستحق أن يتم الإعداد له وأنه حتى في أحلك الظروف من العقل والحكمة التخطيط لمرحلة ما بعد النزاع والسعي للانتصار على اليأس.

وعند أول وهلة، قد يبدو لبنان مكاناً غير ملائم لتأسيس حق جديد للأطفال في التمدرس. فاللاجؤون السوريون أصبحوا يشكلون ربع سكان لبنان؛ وخمسون ألف سوري يعبرون الحدود كل شهر، علما بأن الانقسامات السياسية في لبنان عميقة، حيث يدعم بعض السكان نظام الأسد بينما يدعم البعض الآخر المعارضة السورية. ونظراً للمعارضة الواسعة لمخيمات اللاجئين، فإنه لا يوجد سوى مخيم واحد رسمي؛ إذ يتوزع اللاجؤون على 1500 موقع، نحو 200 ألف منهم مشردون بينما تتكدس أغلبية الباقين في مساكن مؤقتة يدفعون مقابلها إيجارات باهظة.

وعلى نحو مثير للسخرية، يؤدي غياب المخيمات والتوزيع الواسع للاجئين الأطفال إلى استعمال المدارس الموجودة عبر لبنان. ولهذا، فإن المخطط، الذي أعدته اليونيسيف والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بتعاون مع الحكومة اللبنانية، يقضي بفتح مدارس بنظام من ورديتين خارج الساعات الحالية. ومقابل 196 مليون دولار فقط في العام، سيتاح لكل واحد من الـ400 ألف طفل لاجئ سوري مكان في مدرسة أو كلية.

والواقع أن الحاجة قوية وملحة؛ فالتوتر بين اللاجئين والمجتمعات المستضيفة آخذ في التزايد حول المقاعد الدراسية. كما أن ثمة عراقيل لوجيستية: فالأطفال السوريون يتلقون تعليمهم عادة باللغة العربية، بينما تستعمل المدارس اللبنانية الإنجليزية أو الفرنسية. غير أن هذا المخطط سيتيح الاستقرار ويساعد الأطفال على إعادة بناء حياتهم المحطمة، وذلك لأن التعليم يتيح الأمل في وظائف ينبغي التدرب من أجلها ومستقبل ينبغي التفكير فيه.

قبل مئة وثلاثة وثلاثين عاماً، أُسس مبدأ الرعاية الصحية المنقذة للحياة في مناطق النزاعات من خلال «الصليب الأحمر». وقبل أربعين عاماً، نشرت منظمة «أطباء بلا حدود» فكرة أن ضحايا الأزمات يجب أن يحظوا برعاية صحية. والآن حان دور التعليم: حق الأطفال في التعلم، بغض النظر عن الحدود. وإذا استطاع الأطفال السوريون الذهاب إلى المدرسة في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطراباً، فكذلك الحال بالنسبة للآخرين من الـ22 مليون طفل المحرومين من التعليم في بلدان أخرى تعاني من نزاعات مسلحة وأنظمة ضعيفة. والأكيد أنه عندما يقوم لبنان، مدعوماً من المانحين، بالتأسيس للحق في تعليم يتجاوز الحدود ويسمو عليها، فإن الأطفال من ضحايا النزاعات لن يكونوا مضطرين للعيش في عالم من دون أمل!

جوردون براون

رئيس وزراء بريطانيا السابق والمبعوث الأممي الخاص للتعليم العالمي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس»

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى