صفحات الناس

أطفال لحفر الأنفاق؟

متولي أبو ناصر

 هنا لا نتحدث عن أنفاق غزة التي تعتبر شريان الحياة الوحيدة لأبنائها عندما تقفل الحكومة المصرية معبر رفح، ولا عن تلك الأنفاق التي حفرها الفدائيون الفلسطينيون لتنفيذ عمليات ضد العدو الإسرائيلي لصعوبة مهاجمتها بشكلٍ مباشر كما حدث في العملية النوعية التي قامت بها مجموعة من أبطال “عز الدين القسام”، عملية “الوهم المتبدد”، والتي على أثرها تم أسر الجندي جلعاد شاليط.

بل نتحدث عن ابتكار طرق جديدة من طرق التعذيب من قبل رجال الأمن الواقفين عند حاجز بوابة اليرموك. ففي كل يوم يضطر الأهالي الى الخروج من المخيم، والعودة إليه لجلب ما يمكن السماح لهم بالبقاء على قيد الحياة، وطبعا لم يعد يخفى على أحد حجم الإذلال الذي يتعرض له الناس أثناء الوقوف لساعات طويلة على الطابور فقط لتجاوز الحاجز والدخول الى المخيم.

من أساليب الترهيب والاستغلال الممارس ضد أبناء المخيم، اعتقال بعض الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عشرة سنوات الى 18 و سوقهم الى أماكن مجهولة قريبة من بلدية اليرموك التي لا تزال تحت سيطرة النظام الواقعة على شارع فلسطين. يدخل الطفل المعتقل يرافقه رجل أمن أو شبيح الى داخل أحد الأبنية القريبة من البلدية، ويصرخ هذا الرجل بوجه الطفل “بدكم ترجعوا المخيم احفروا”.

يقول أحد الشبان الصغار الذي لم يتجاوز عمره بعد السابعة عشر: “خرجت من المخيم لأجلب ربطة خبز لعائلتي، وعند عودتي من فرن الزاهرة، وأنا أقف داخل الطابور الممتد طويلاً على بوابة المخيم جاء أحد رجال الأمن و سحبني من الطابور أنا و طفلين آخرين بدآ بالبكاء بمجرد إجبارنا على الصعود الى سيارة خاصة تابعة للأمن، دخلت السيارة باتجاه شارع نسرين المحاذي لشارع فلسطين من جهة منطقة التضامن. طبعاً هنا أنا ارتعبت كثيراً من شدة الكلام الذي كنا نسمعه عمن كان يعتقل و يؤخذ الى هذا الشارع، المهم أدخلونا منزلاً قريباً من البلدية، وأعطونا عدة حفر وطلبوا منا أن نبدأ بحفر الأرض التي كان جزء منه محفوراً. بقينا نحفر لأكثر من أربع ساعات. طلبنا أن نشرب الماء فرفضوا. وأثناء استماعي لحديثهم علمت أنها ليست المرة الأولى التي يجلبون فيها شباناً صغار الى هنا لحفر الأرض. عندما أفرجوا عنا، لم أصدق و سريعاً عدت الى المخيم وأنا مقرر أنني لن أعود إلى الخروج من المخيم ولو متّ من الجوع”.

يعاني أطفال مخيم اليرموك، وجميع أطفال المناطق المحاصرة في المنطقة الجنوبية أقسى مما يعانيه أطفال غزة جراء الحصار الإسرائيلي لهم. فمخيم اليرموك منذ أكثر من خمسة أشهر يعاني من نقص حاد في المستلزمات الطبية، والنظام يمنع دخول أي دواء الى المخيم حتّى ولو كان دواء سعال،أو حبة لخفض الحرارة، الى جانب القصف المستمر للمخيم وسقوط عشرات الأطفال بين قتيل و جريح، وكان أبشع هذه الحوادث عندما قصف النظام أحد الأماكن التي هرب إليها الأطفال للدراسة بعد أن تعرضت غالبية المدارس في اليرموك للقصف، فبينما كان الأطفال يهمون بالخروج من المدرسة البديلة التي هي بالأساس عبارة عن ملجأ بجانب جامع فلسطين، حتى تعرضت بوابة الملجأ لسقوط قذيفة أودت بحياة طفلة لم تتجاوز بعد العشر سنوات.

ولعل والمضحك المبكي في الأيام الأخيرة، ورغم انقطاع الكهرباء والاتصالات الدائم عن المخيم، يطلب من أبنائه عند خروجهم من المخيم أن يبرزوا الى جانب هوياتهم، فاتورة الكهرباء، والماء ليقوم الحاجز الأمني من التأكد مما إذا كان أهالي المخيم يتصفون بالمواطنة ويدفعون الضرائب المستحقة عليهم، وربما في الفترة القادمة سيخرج علينا الحاجز بفكرة وجوب حمل كل مواطن لدستور البلد، فتصبح الأوراق الثبوتية الخاصة لكل فرد هي: هوية، وفاتورة كهرباء وماء، ودستور.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى