صفحات سوريةعدي الزعبي

أعداء الثورة السورية


عدي الزعبي

 ‘يعيش بيننا قوم يتصورون أنهم العدو الأول للصهيونية العالمية… انظر كيف يرون الصهيونية…يرونها القوة التي شكلت التاريخ البشري متنكرة في كل عصر في القناع الذي يناسبه…هذه هي صورة الصهيونية كما تتمثل في عقول الصناديد من أعدائها، لقد رفعوها إلى منزلة الألوهية …’ نجيب محفوظ

الهجوم الشرس، وبالاسم، على برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السوري، من قبل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، والشاعر سعدي يوسف، الشيوعي، يستحق الوقوف عنده. ما الذي يجمع نصر الله ويوسف، ويفرقهما عن غليون؟

يرى نصر الله ويوسف في الثورة السورية جزءاً من مؤامرة كبرى تحاك ضد المنطقة. نصر الله دعم علناً ثورات الربيع العربي الأخرى، أما الشاعر فقد انتقد الحراك بمجمله: الشباب العربي دجاج تحركه أمريكا، كما عبّر في إحدى قصائده.

يرى هؤلاء أن المهمة الوحيدة التي يجب إنجازها هي التصدّي للغرب. لكي تكون هذه المهمة ممكنة، يجب التغاضي عن كل الأخطاء التي يرتكبها من يتصدى للغرب. تعذيب أطفال درعا، وجز حنجرة القاشوش الشهير وغياث مطر، تدمير منزل الناشط الساروت واغتيال أفراد من عائلته، اقتحام المساجد وإحراقها، حصار المدن السورية، الدوس على رقاب البشر، وما إلى ذلك من ممارسات يومية في سورية الممانعة والصمود، هي أمور ثانوية. من واجبنا ، كعرب نتصدى للمشروع الغربي، التغاضي عنها. من ينتقد هذه الفظائع، عميل للغرب. لا حلول وسط: إما أن تكون في صف الغرب، أو في صف الممانعة. برهان غليون، والمجلس الوطني، وكل ثوار سورية، عملاء للغرب.

تشكل هذا الرؤية جزء من أدبيات أعداء الثورة السورية. نجد بين هؤلاء إسلاميين وقوميين ويساريين. أود هنا مناقشة نقطة أساسية في هذه الرؤية. ليست المشكلة في هذا الطرح أننا نختلف معهم في وجود مشروع للسيطرة على المنطقة بأكملها. المشكلة هي تخوين السوريين وثورتهم، والتعامي عن الفظائع المرتكبة بحقنا. بكل الأحوال، لقد قيل هذا مراراً. النقطة التي أود الإضاءة عليها هي التالية: القوة الأسطورية التي يسبغها أعداء الغرب على الغرب.

يبدو أن نصر الله ويوسف وبعض الممانعين لا يرون أي تحرك أصيل إلا بوجود أياد خارجية. لا يستطيع هؤلاء قراءة التاريخ إلا من منظور العداء للغرب. هكذا يُختزل التاريخ إلى محاولات غربية للسيطرة ومقاومة مشروعة من طرفنا. لا يبدو احتمال أن يتحرك العرب بقرار ذاتي وارداً. تحوّلت ممانعة الغرب عند هؤلاء إلى عملية تأليه للغرب. من هنا كان دعم النظام السوري، أو السكوت عن أخطائه، يعتبر واجباً. كان لانفجار الثورة السورية وقع الكارثة: إما أن ندعم الشعب السوري، أو النظام. هكذا تعرّضت الرؤية التي يتبنونها لامتحان أخير. الجواب كان ملفتاً: صمت البعض، كحماس. في حين أعلن البعض خيارهم: نقف مع النظام السوري في مواجهة الشعب، كنصر الله، وبشكل موارب، يوسف.

في ظل الرؤية الأسطورية لقوة الغرب، كان على نصر الله ويوسف أن يراجعوا منطلقاتهم. إما أن يكون الشباب السوري استفاق من سبات طويل، أو أنهم آلات غبية يحركها الغرب. لم يستطع هؤلاء قبول الخيار الأول. لقد استفاق الشعب السوري. نحن من يصنع التاريخ ويحركه. الرؤية الأسطورية لقوة الغرب، خاطئة. يمتلك العرب قدرة ذاتية على تحريك الأحداث وتوجيهها. نستطيع هنا أن نشير بفخر إلى شباب الثورة المصرية. حتى لو وجدت صفقة بين أمريكا وقيادات الجيش المصري، تقضي بتنحي مبارك لتجنيب البلد الفوضى، فالدور الرئيسي في تنحي مبارك كان لشباب الثورة. نرى الآن الإصرار على إعادة الجيش إلى ثكناته.

أثبت الربيع العربي خطأ النظرية القائلة بغياب العرب عن مسرح الأحداث. هذه فرصة تاريخية لنا كي نغير التاريخ. أكثر من ذلك، يشكل الربيع العربي ملهماً للشباب في الغرب نفسه. يتعلمون قيمة المشاركة في صنع التاريخ. بشكل مباشر، كان الربيع العربي ثورة ثلاثية الأبعاد: ضد الغرب والديكتاتوريات العربية وشكل خاص من الإسلام السياسي الرافض للانتخابات. لم يقرأ أعداء الثورة السورية أبعاد هذه الثورة، بسبب تمسكهم بالرؤية الأسطورية لقوة الغرب.

في الوقت الذي يؤكد الشباب العربي استقلاليتهم عن الغرب، ويقومون بالثورة ضد الديكتاتوريات، ويدعون الإسلاميين للمشاركة بالانتخابات، يرى أعداء الثورة السورية أن الشباب السوري تحديداً مرتبط بالغرب. لذلك، فإن أحد أبعاد الثورة السورية، هي الثورة على هذه الرؤية.

الثورة السورية تشكل نهاية لمفهوم القوة الأسطورية للغرب، ونهاية لدعاتها. سواء أكان هؤلاء متأسلمين أم يساريين أم قوميين. اجتمعت هذه الأطراف الثلاث على مسلّمة عبادة الغرب. ترافق ذلك مع الرهان على أنظمة فاسدة، وعدم ثقة عميق بالشعب، وعدم اكتراث بكرامته ومعاناته.

الثورة السورية قلبت الأولويات. الأولوية الرئيسة هي كرامة المواطن السوري. لا شيء يبرر اعتقال السوريين وتعذيبهم والتنكيل بهم. المسؤول الأول عن هذه الممارسات هو النظام. من يستطيع تغيير النظام هو السوريون أنفسهم. سواء تحالف النظام مع الغرب، أم كان معادياً له، فالشباب السوري مصمم على استرجاع كرامته. الغرب، له قوة ثانوية في هذا الصراع. الكلمة العليا هي للشعب السوري.

يبقى في النهاية الخيار الثاني، لنسلّم جدلاً بأن الشباب السوري مخدوع وتحرّكه القوى الغربية السحرية، هل يستحق هذا الشباب التنكيل اللاإنساني الذي يتعرّض له؟ كنّا نتمنى من منتقدي المعارضة السورية، وهي معارضة مشتتة تستحق النقد، أن يجيبوا على هذا السؤال. بالنسبة لآلاف الشباب السوري، الجواب واضح وقطعي. لا. حتى لو اختلفنا مع المعارضة السورية على الممارسات والتنظيرات والمؤتمرات التي تشي بضعف أصيل، فإننا لن نقبل بما يجري في سورية. من هنا، يبدو لنا أن انتقاد المعارضة السورية بهذه الطريقة، لا أخلاقي. الطرف الذي يجب أن ننتقده هو النظام. الدفاع عن المعارضة السورية في وجه منتقديها واجب أخلاقي، إذا تضمّن هذا الانتقاد تبريراً للفظائع المرتكبة بحق السوريين، كما في حالتي نصر الله ويوسف.

أعداء الثورة السورية أسرى رؤيتهم للغرب كقوة أسطورية تحكم العالم، وبهذا فهم يبخسون قيمة ومقدرة الشعب السوري. من بين الثورات العربية، تشكل الثورة السورية تحديداً نهاية لهذه الرؤية. من يصنع التاريخ هم أبناء وبنات سورية، وليس الغرب. لم يسأل أطفال درعا أو غياث مطر أو القاشوش أو بلال الكن أو ابراهيم عثمان عن موقف الغرب من الثورة. لم يكترثوا. الثورة لها أولوياتها، والغرب بجبروته، مع من يراه قوة أسطورية، ليس بين هذه الأولويات. الأولوية هي كرامة المواطن السوري، فقط لا غير.

‘ كاتب من سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى