مراجعات كتب

أعراض الربيع العربي/ محمد حجيري

 

 

يرى جلبير أشقر في كتابه إن مفتاح تحويل ربيع عربي جديد إلى ربيع دائم هو بناء القيادات التقدمية الحازمة

منذ بروز ظاهرة “الدواعش” كثرت التوصيفات السلبية من الكتاب والمفكرين والصحافيين لـ”الربيع العربي”، من اعتباره “الحلم الكابوس” إلى نعته بـ”الشتاء” و”المؤامرة” و”المخطط الجهنمي” و”ربيع الفوضى” وغايته “تفتيت العالم العربي”.. وفي هذا السياق يشير الباحث والجامعي اللبناني المقيم في لندن، جلبير أشقر في مقدم كتابه “انتكاسة الانتفاضة العربية/ أعراض مرضية”(*) الى أن أغلب من استخدموا تعبير “الربيع العربي” خلال العام الخامس منذ بدء الانتفاضة العربية إنما اسخدموه على نحو تهكمي”…

وواقع الامر أن تعبير الربيع العربي، في ذهن أغلب مستخدميه في المرحلة المبكرة من الانتفاضة، لم يكن مقصودا به مرحلة أولى في سلسلة مفتوحة من النهاية من المواسم الثورية، حيث يعقب الخريف والشتاء والربيع والصيف، بل قُصد به تحول سياسي يحدث لمرة واحدة… وبكلمة تتصل بالمجاز ذاته، تم النظر إليه كأنه موسم “ازدهار” للديموقراطية طال انتظاره في المنقطة العربية، بحسب هذه الرأي فإن البلدان الناطقة بالعربية كانت أخيرا، وإن متأخرة، بصدد الانضمام الى ما وصفه صامويل هنتنغتون بـ”الموجة الثالثة للتحول الديموقراطي”_ وهي سلسلة من التحولات التي بدأت في سبعينات القرن العشرين. وكان فوكوياما، تلميذ هنتنغتون، قد أطلق مقولات فجة عن الإسلام في طابعها الاستشراقي، الجوهراني، وقد أدت الانتفاضات العربية الى تراجع فوكوياما، مثل الكثيرين غيره، عن ذلك الرأي الجوهراني والتحقيري للمسلمين. فبدا كأنه يتنصل مما كتبه هو ذاته على مر السنين…

والاطار النظري والفكري للتحول الديموقراطي في العالم، والذي يتحدث عنه الأشقر في تقديم الكتاب، ربما يكون الأكثر أهمية بالنسبة للقارئ العربي على عكس الفصول الأخرى التي تأتي كسرديات والأرجح أنها موجهة الى القارئ الغربي. فهي من صلب الحدث اليومي ويعيشها المواطن العربي أو عاشها لحظة بلحظة في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي… وحلت محل نشوة الربيع العربي كآبة الانتكاسة العنيفة والهبوط الى جحيم الحرب، وأخلت الثورة السبيل أمام الصدام بين قطبي الثورة المضادة المتنافسين: النظام القديم من جهة، ومنازعوه الاصوليين من جهة أخرى.

يحلل الأشقر العوامل الكامنة وراء الانتكاسة الإقليمية: قدرة بنى النظام القديم على الصمود في وجه العاصفة الثورية، وطاقة قوى الرجعية الدينية المتراكمة طول عقود سابقة، والعدد الاستثنائي من الأطراف الداعمة لكلا المعسكرين الرجعيين المتنافسين سواء كانت إقليمية أو دولية، وأخيرا وليس آخراً قصور القوى التقدمية. مع التذكير بأن الانتفاضة العربية لم تكن، أو لم تكن فقط، او حتى بالأساس، انتقالاً ديموقراطياً، كما حصل في اورويا الشرقية، ذلك أن ثمة فارقاً نوعياً بالفعل بين سيرورات يتكيف فيها النظام السياسي مع تنمية رأسمالية اجتماعية-اقتصادية متواصلة تقتضي وتولد في نهاية المطاف نظاما برجوازية ليبراليا مثل السيرورات التي جرت في اوروبا الشرقية واميركا اللاتينية. غير ان المفاجأة السعيدة التي أحدثتها السلاسة النسبية العام 1989، لم تتكرر في 2011 في العالم العربي.

إن جوهر المسألة أن النظام الدولاني الذي حكم أوروبا الشرقية كان استثنائياً للغاية في المنظور التاريخي، من حيث خضوعه لا لسيطرة طبقات مالكة، بل لسيطرة بيروقراطيين حزبيين وحكوميين، اي موظفي حزب ودولة. فقد أمكن لهؤلاء البيروقراطيين بغالبيتهم العظمى، ان يتوقعوا الاحتفاظ بوظائفهم أو الاحتفاظ بوظائف جديدة في ظل نظام السوق والرأسمالية، ومن هنا جاءت السلاسة المدهشة في الانتقال السياسي، على نقيض ذلك اتسمت المنطقة العربية قبل سنة 2011 بغلبة الدول الميراثية، اي أن العائلات الحكمة تمتلك الدولة، وتحارب حتى اخر جندي من اجلها، ومن هنا كانت صعوبة التغيير.

كتاب الأشقر هو الجزء الثاني من قراءة بدأها في كتابه الصادر العام 2013 تحت عنوان “الشعب يريد”، ويركز في كتابه على الاوضاع فى مصر وسوريا، بعدما كان كتابه السابق قد استعرض الاوضاع فى هذين البلدين مع البلدان الاربعة الاخرى التى شهدت دفقات للربيع العربي: تونس وليبيا واليمن والبحرين. فيما يخص مصر يحاول أن يعود إلى بداية الدينامية السياسية لفهم حقيقة ما جرى في 2013. أما في سوريا فيحاول قراءة وملاحقة التطورات التي حولت الامر في هذا البلد من مطالبة بالديموقراطية مثل غيره من بلدان الربيع العربي في حينه إلى حرب اهلية تكاد تغيب عنها القوى الديموقراطية.

يعتبر الأشقر “إن الهجوم الناجح الذي شنة النظام السوري بمساندة إيران في ربيع 2013، ثم انقلاب 3 يوليو الذي تلاه في مصر وعواقبه الدموية، تطوران أشارا الى الدخول في مرحلة مضادة للثورة على صعيد المنطقة”. ويشكل احباط الآمال التي تخلقها الثورات مصدر كلاسيكيا لتطور الإرهاب، كتعبير هامشي عن ذلك الإحباط. فإحباط الآمال التي خلقتها الحالة الثورية الفرنسية في مايو، حزيران 1968، وموجة ثورة الشباب التي اكتسحت اوروبا في تلك السنة أدى الى ظهور إرهاب يساري(…) وكذلك فإحباط الآمال التي خلقها الربيع العربي في العام 2011 هو المصدر الرئيسي لتجنيد الإرهاب الاصولي الإسلامي…

ويستنتج الأشقر “إن مفتاح تحويل ربيع عربي جديد في المستقبل إلى ربيع دائم_ بما يحقق الانتقال الى عصر جديد من التنمية الإنسانية والتحرر لمجمل المنطقة الناطقة بالعربية ولأبعد منها_ هو بناء القيادات التقدمية الحازمة….”. ويرى ان المنطقة العربية لن تبلغ الاستقرار ما دامت “لم تشهد تغييراً جذرياً على الصعيدين الاجتماعي والسياسي”…

(*) صدر عن دار الساقي 2016، ترجمة عمر الشافعي

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى