صفحات الناسوليد بركسية

أعزاءنا المستمعين.. هنا نشرة أخبار “الدولة الإسلامية”/ وليد بركسية

 

 

لم ينطلق بعد، البث المباشر عبر الإنترنت لإذاعتي “البيان” التابعتين لتنظيم “الدولة الإسلامية” في كل من الموصل والرقة.. لكن يمكن تتبع بعضاً مما تبثه الإذاعتان الدعائيتان، عبر منشورات متفرقة أو منتظمة في “يوتيوب”، وأبرزها نشرات الأخبار اليومية التي يروج لها حساب موالٍ للتنظيم المتشدد باسم مستعار هو “مسدس كاتم”.

نشرة الأخبار الداعشية عبارة عن كمّ هائل من البروباغندا الصرفة. بروباغندا أحادية الاتجاه تحقّر كل ما سواها وتمجد “الدولة الإسلامية التي طال انتظارها”. وتحمل في طياتها كمية كبيرة من الطرافة الآيلة الى إضحاك المستمع الخارجي لسذاجتها وبدائيتها. أما المبكي في الموضوع فيتمثل في أن تلك البروباغندا ليست مزحة على الإطلاق، مثلما قد يظن المرء عند استماعه إلى مذيعَي النشرة اللذين لا يتبدلان بتوالي النشرات.

تبدأ النشرة دائماً بالشارة، وهي هنا ذلك النوع من التنغيم البشري المألوف في الأناشيد الجهادية الكلاسكية. آهات مباحة دينياً في شريعة “داعش” التي تمنع الإستخدام الموسيقي. خيار إجباري يعوض الموسيقى المحرمة في فكر التنظيم المتشدد، لتنطلق الكلمات من فم المذيع (وهو مختلف عن مذيعَي النشرة) بما يشبه الترتيل بإحدى عبارتين: “أعزاءنا المستمعين، تستمعون الآن لأخبار الدولة الإسلامية من إذاعة البيان في ولاية نينوى”، أو: “إذاعة البيان تقدم موجزاً لأهم أخبار الدولة الإسلامية.. الدولة الإسلامية دولة على منهاج النبوة”.

التحية الإسلامية، “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، تفتتح النشرة كل مرة باحترام ووقار.. لتبدأ بعدها الكوميديا! يقول المذيع بجدية مفرطة، خلال نشرة 11 تشرين الأول/أكتوبر: “انطلق ليث من ليوث الدولة الإسلامية بشاحنة مفخخة وسط تجمع للأحزاب الكردية العلمانية في جيوب يتحصنون فيها في مدينة عين العرب كوباني، ووصل الهدف وكبّر وفجّر شاحنته وسطهم، وقتل وجرح الله على يديه عدداً كبيراً منهم”. ويضيف في خبر منفصل: “اقتحام قصر الشامي، الذي تستولي عليه عناصر الصحوة المرتدة في منطقة البوريشة في الرمادي، وقد استخدمت كافة أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وسقط عدد كبير منهم بين قتيل وجريح، وفر الآخرون مولولين”.

والصفات التي تحتويها النشرة الداعشية، فيها من المبالغة ما يتجاوز البروباغندا، إلى الخيال الهستيري الفاقع، الذي قد يصلح للبرامج التلفزيونية الساخرة (وحتى في مثل هذه البرامج، إذا ما تمّت محاكاة نشرة أخبار داعشية، فقد تبدو صياغة تلك الصفات، مباشِرةً في نمطيتها!). وكأن تنظيم “الدولة الإسلمية” يسخر من نفسه.. ولو من دون أن يدري!

ويطلق محررو “داعش” الصفات والتسميات “المبتكرة” على أعدائهم. فالرئيس الأميركي باراك أوباما يصبح “بغل اليهود أوباما”، والجيش العراقي هو “الجيش الرافضي الصفوي”، والأحزاب الكردية هي “الميليشيات العلمانية”، والنظام السوري هو “النظام النصيري”، إضافة الى عشرات الصفات الأخرى التي باتت مألوفة لمتتبعي حسابات داعش في “تويتر” وفيديوهاته الكثيرة.. والجميع طبعاً في إطار الكفار الذين يجب التخلص منهم وإرسالهم إلى جهنم.

“نار جهنم”، مصطلح يتكرر في كل خبر له علاقة بتفجير أو عملية عسكرية يقوم بها التنظيم في العراق أو سوريا. ويُستخدم لوصف النهاية المريرة لـ”الكفار”، بعد موتهم، كنوع من الترهيب الإضافي ورسم هالة من القدسية حول “أبطال التنظيم”، لكن ذلك، وإن كان أقرب إلى إعلام سوريالي، فإن المضحك فيه أن الخبر قد لا يعود مفهوماً، وحتى “الدعاية” لا تعود سهلة الاستيعاب! فعلى سبيل المثال، يقول نبأ عن تفجير انتحاري “بطولي” وسط “تجمع شيعي” في مدينة بعقوبة العراقية: “… وكان من بين القتلى مدير الأمن القومي المزعوم، وأربعة قياديين بارزين من ميليشيات الحشد الشعبي الرافضي، حيث كانوا في تجمع جماهيري موسع في المنطقة، ويخطب فيهم معمّم، قائدهم إلى نار جهنم بإذن الله تعالى”.

والأخبار كلها، من دون استثناء، تتحدث عن إنجازات بطولية “للدولة” هنا أو هناك، ويتم ربطها دائماً بالعناية الإلهية والإيمان.. لتُشرب “قداستها” بالملعقة. ومن المستحيل أن نجد خبراً يتحدث عن إصابات في صفوف مقاتلي التنظيم أو خسارات تعرض لها، ولو كان ذلك في إطار الاستشهاد الذي تفضل المواقع الجهادية عموماً التشدق به كهالة نورانية حولها بسبب أو دون سبب.

وهكذا.. يستمر التمجيد “الإخباري” بتنظيم “الدولة” وانتصاراته، حتى في الشارة النهائية، فبعد “السلام عليكم” و”كانت معكم نشرة أخبار الدولة الإسلامية”، ينبثق نشيد جهادي فجأة بترنيم عاطفي حزين: “الدولة الإسلامية، دولة على منهاج النبوة، النصر توالى والصرح تعالى”!

يذكر أن نشرة أخبار إذاعة “البيان” في “يوتيوب”، تخلف الآن نشرات أخبار سابقة روج لها تنظيم “الدولة الإسلامية” طوال الشهور الماضية، وأبرزها نشرة “بشائر اليوم” المتوقفة، ونشرة “ترجمان الشامي” التي توقفت هي الأخرى قبل أسابيع قليلة، لتصبح نشرة “البيان” المصدر “الرسمي” الجديد لأخبار “الدولة”.. والله أعلم.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى