صفحات مميزة

أغتيال “سمير القنطار” -مقالات وتحليلات-

 

“العداء لإسرائيل” متكأ للدكتاتوريات/ محمد ديبو

أشاح الانقسام الحاصل بين النخبة العربية حول “استشهاد” سمير القنطار، الغطاء عن مدى قدرة الإيديولوجيا على تعطيل العقل، وعن مدى فاعلية “العداء لإسرائيل” في التغطية على جرائم ارتكبها “مقاومون سابقون”، وما زالت تُرتكب.

إذا كان مفهوماً أن الأنظمة العربية لم تتوقف يوماً عن استخدام فلسطين سلعة ناجحة لتخدير الجماهير، كإحدى أدوات السيطرة، فإن المربك اليوم بقاء نخب كثيرة تدور في فلك التبرير، عبر إنتاج الثقافة التي تحتاجها تلك النظم، ما يعطل تقديم شيء حقيقي ومفيد لقضية فلسطين، إذ إن أول فائدة لقضية ما أن تتوقف المتاجرة باسمها، وأن تكف عن كونها أداة تغسل بها جرائم كثيرة، تبدأ من جرائم الاستبدادات العربية، ولا تنتهي عند جرائم قوى طائفية، تريد أن تعمد يديها المغمسة بدماء السوريين بـ”طهر” فلسطين، وقد علمتنا التجارب أن كل طهر وقداسة في السياسة يخفي نجاسة كثيرة، فكلما كثرت مقدسات السياسة كبر المدنس الذي يُراد لهذا المقدس التغطية عليه.

لا تكمن المشكلة في الأحزاب والقوى الطائفية الضدية التي تستخدم فلسطين سلعة، فالأمر مبرّر في ظل دكتاتوريات (سلطوية وحزبية ومجتمعية) لم تزل تمارس السياسة بأحط أشكالها، متكئة على ثقافة شعبوية مشبعة بفلسطين كأيديولوجيا لا كمعرفة، بل تكمن (المشكلة) في “ثقافة” النخب المقتنعة حقيقة أن موقفها هذا داعم لفلسطين، من دون أي إدراك أن العقلية القائمة هنا ضديّة، أول ما تفعل أنها تدمر قضية فلسطين، وتجعل أمر “تحريرها” بعيد المنال، لأنها تفكر بهذه العقلية الضدية، ليس للتحرير فحسب، بل للحرية أيضاً، ما يجعل منها عائقاً أمام “تحرير فلسطين”، وهي التي تظهّر “نضالها” بأنه “الطريق الوحيد إلى القدس” في مفارقة فاجعة.

أول العطب في هذه “الثقافة” هو “المقدس” الذي ترفعه في وجه كل من يقدم رؤية مغايرة للحدث، إذ ترفع يافطاتٍ من نوع “العدو الإسرائيلي” و”المقاومة” و”قتلته إسرائيل لأنه مقاوم”، لتمنع أي نقد لمقدس المقاومة، أو تفكيكه أو تحليله، لأجل أن يبقى قادراً على تمرير ما يُراد تحت شعاري “تحرير فلسطين” و “العداء لإسرائيل”. وعليه، يصبح أي مرتزق يقاتل في سورية “شهيداً ومقدسا” فقط لأن إسرائيل قتلته. ماذا لو قتلت إسرائيل غدا عناصر من داعش، فهل يصبح هؤلاء شهداء؟ وماذا لو قتلت إسرائيل غداً من اقتلع أظافر أطفال في درعا، عاطف نجيب، أو أي جلاد في السجون السورية، هل يصبح شهيداً؟

يأتي العطب الثاني استمراراً للأول، فلمَ يراد للمقاومة أن تبقى خارج النقد هنا؟ لكي تؤتي فعلها

“كل طهر وقداسة في السياسة يخفي نجاسة كثيرة، فكلما كثرت مقدسات السياسة كبر المدنس الذي يُراد لهذا المقدس التغطية عليه” في التخدير والتجيير، إذ يجري العمل على إحلال أولوية المقاومة والإرهاب، بدلاً من أولوية الحرية والديمقراطية. وهذا أمر ممنهج، ويجري العمل له على قدم وساق، على عكس ما يظن كثيرون، فمقتل القنطار (وقبله كان عماد مغنية) سيجري استثماره إعلامياً على أفضل وجه، بهدف توجيه الجمهور نحو “العداء لإسرائيل” الذي يراد منه، هنا، أن يكون تغطية للاستبداد، وإبعادا لأولوية الحرية لا غير، إنقاذاً للنظام السوري، وهو ما ساهمت فيه عملياً (في السابق) المشاهد الاحتفائية بمقتل مغنية التي أريد بها طمس شعارات ثورة الاستقلال اللبنانية، لصالح “العداء لإسرائيل”، أي إبقاء التحرّر ضد الحرية.

يتعلق العطب الثالث بمسار قضية فلسطين، وسط تفكك دول كثيرة في العالم العربي، إذ على الرغم من تفكك العراق وسورية واليمن وليبيا ولبنان، ما زال هذا العقل يفكر بالآلية نفسها، من دون أن يسأل نفسه: لم تفككت هذه الدول؟ وهل تفككت بفعل الاستبداد الذي تدعمه “مقاومات” اليوم، أم بفعل إسرائيل، أم بفعل الطرفين معا؟

لا تزال فلسطين “مقدساً” في ذهن تلك النخبة أكثر من سورية والعراق ولبنان وليبيا واليمن، إذ يغدو الأمر مفارقاً وكارثياً، وكأن هذه البلدان هي درجة ثانية في أذهان هؤلاء الممانعين، إذ يجري التعامل باستخفاف كبير مع تشرد شعوب هذه البلدان التي تقتل كرمى لـ”قضية فلسطين”، فقط لأنها طلبت الحرية ممن يدّعي أنه “يقاتل إسرائيل”، في وقتٍ تنأى فيه فلسطين، يوماً بعد يوم، كلما تفككت هذه الدول. ومن ناحية ثانية، يضمر الأمر نظرة دونية للشعب الفلسطيني نفسه، عبر جعل فلسطين مطلقاً، مقدساً، من دون شعب، فالمفاضلة هنا ليست بين شعوب وشعوب، بل بين وطن فلسطيني بات له صفة الأسطورة (وكل أسطورة تعطل النقد) وأوطان درجة ثانية، في حين أن الشعوب “خارج التغطية” في ذهن هؤلاء، فليتشرد الجميع وتبقى الأوطان التي لا تبقى، بل تتفكك، وتدخل أفق التدمير في مفارقة أخرى، من دون أن يتوقف هؤلاء لإعادة التفكير، وجعل المنطق يمشي على قدميه، بدلا من رأسه. ما يعني أن هؤلاء هم أكثر من يخدم العدو الإسرائيلي في حقيقة الأمر، وأكثر من يجعل “الطريق إلى القدس” طويلاً وبعيداً، فكلما ارتفعت أسوار الاستبداد زاد تفكك البلدان، وزادت فلسطين عرياً وانكشافاً واستباحة.

العربي الجديد

 

 

 

سورية: وداع المقاومة/ حسان القالش

يسجل التاريخ اليوم أن سورية، قلب العروبة النابض، قد تكسّرت على أرضها أوهام تلك العروبة بما تعنيه من إيثار مَرَضيّ وما ارتبط بها من تاريخ طويل لغسيل العقول كرمى للقضايا الكبرى. بيد أن هناك ما هو أكثر صلابة وتجذّراً ما زال يتكسّر يومياً على الأرض السورية ويتمثل بالمقاومة، ليس بمفهومها المبسط الدّال على رغبة الشعوب في دفع الظلم عنها أيّاً كان هذا الظلم ومن أين أتى، بل المقاومة كأيديولوجيا وثقافة معمّمة وتغييب للعقل وإنكار للذات الوطنية وغيرها من المصائب التي ابتكرتها وجذّرتها أنظمة مستبدّة كنظام الأسد ونظام الملالي في إيران.

وإلى جانب ذلك، أدّى تكسّر مفهـــوم المقاومة إلى انكسار صورة السوريين عن أنفسهم وإدراكهم ذواتـــهم بوصفهم الشعب العروبي الأول بامتياز، المنتفخ بــوطنيــة تزاود على أوطان الآخرين وتعمى عن الوطن الأم، وبـــكونهم طليعة المدافعين عن قضايا تـــلك العروبــة بما تــقتضيـه من مقاومة، لتحل مكانها صورة أخرى عن شعب تمت خيانته، وطُعن في ظهره، أو عن شعب يستفيق من كل تلك الأوهام.

هنا، تبرز دلالات وعبر اغتيال سمير القنطار في سورية قبل أيام. فالرجل الذي ضحّى السوريون، راغبين أحياناً ومرغمين أحياناً أكثر، بحقوقهم وكراماتهم ومستوى عيشهم كرمى لقضيّته التي آمن كثيرون منهم بها، واستقبلوا في 2006 جمهورها من دون اعتبار لانتمائهم الطائفيّ ومن دون أن يعاملوهم كلاجئين أو نازحين، قد قضى نحبه على أرض هؤلاء السوريين، لا كصديق بل كقاتل لهم وعدو أشد عنفاً وقـهراً من عـدو العروبة والمقاومة الأول المفترض، فضلاً عن تميّزه، هُو والمقاومة التي يمثل، وقبلهم النظام الذي دعاهم إلى مشاركته في القتال، بمستوى من الكراهية والطائفية رفعت مستوى العنف والقتــل ليلامس مستوى أفظع ما شهده العالم المعاصر من مجازر وإبادات.

والحال أنّ هناك ما يشبه لعنة تتربّص منذ زمن بعيد بالسوريين وبأرضهم، هي لعنة إنكار الذات وإنكار الوطن، أو ربما احتقار الذات والوطن سعياً وطمعاً بذات أوسع وبوطن أكبر. على أن ما يبرر تسمية هذه المصيبة باللّعنة هو استمرار وجودها وظهورها في أكثر من شكل عبر تاريخ سورية الحديث، بدءاً بصدمة السوريين وجيشهم الفتيّ في 1949 وبحكومتهم التي تاجرت بعواطفهم تجاه فلسطين وخيّبت أملهم في تحريرها، مروراً بالوحدة مع عبدالناصر وصولاً إلى حكم البعث وآل الأسد، ومن ثمّ صدمتهم بالمقاومة التي طالما احتفوا بها.

بهذا، تكون الثورة السورية جاءت لتجرف كل تلك الأوهام وتشكل الصدمة الأولى على طريق شفاء سورية من أمراضها، الأمر الذي يحتاج أيضاً إلى دفن قلب العروبة، أو قتله قتلاً رحيماً، كي ينبض قلب بلد طبيعي يعيش فيه السوريون حياة طبيعية خالية من أوهام العروبة والمقاومة.

* كاتب وصحافي سوري

الحياة

 

 

 

 

 

البوصلة المفقودة/ رشا عمران

“أنت متصهينة ومدّعية ثقافة هاربة، وثورتك تشبهك، متصهينة ونذلة”. كانت هذه واحدة من الشتائم التي وصلت إليّ على علبة بريدي في “فيسبوك”، لأنني كتبت عن سمير القنطار أن حياته تصلح لأن تكون رواية عن آليّة تحوّل بطل إلى مرتزق. صفة الصهينة التي ألصقت بكل من لم يسمِّ القنطار شهيداً، لم يطلقها مؤيدو النظام السوري فقط، بل أطلقها أيضاً بعض ممّن كانوا، حتى وقت قريب، يخجلون من شتم الثورة وشبابها وبيئتها الحاضنة، ورأوا في الموقف من مقتل القنطار فرصة مناسبة لذلك، فهو قتل في غارة إسرائيلية استهدفت مقره في جرمانا قرب دمشق، حسب بيان حزب الله، بينما كان الإعلام السوري يبث خبر مقتله نتيجة عملية إرهابية، ولم تُدلِ إسرائيل بأي تصريح عن مسؤوليتها عن العملية، وإنْ اعتبرت مقتله عقابا إلهياً على عملية نهاريا.

يرى مطلقو الاتهامات بالصهينة والنذالة الذين تبنّوا بيان حزب الله أنه يكفي أن تقتله إسرائيل حتى يكون شهيداً، متجاهلين كل الأسئلة عمّا كان يفعله في دمشق، في جرمانا تحديداً، المدينة الصغيرة ذات الأكثرية الدرزية، ومتجاهلين ما صرّح به القنطار في بدايات 2011 عن وقوفه مع بشار الأسد، وأنه سيقطع اليد التي تمتد بالسلاح ضد بشار الأسد (لم يذكر الجيش السوري)، وأنه سيأتي إلى سورية ليدافع عن الأسد. تجاهل هؤلاء أيضاً أن تسريبات كثيرة سابقة تحدثت عن تشكيل فصيل من دروز سورية يتبع حزب الله، وأن القنطار هو من يتولّى ذلك، مثلما تجاهلوا التناقض في التصريحات حول المسؤول عن مقتله، أو تغطية تابوته بعلم حزب الله، لا بالعلم اللبناني ولا الفلسطيني، وتلوين خريطة فلسطين التي كانت خلفية خطاب حسن نصر الله في تأبين القنطار بألوان العلم الإيراني، وكأن فلسطين محافظة إيرانية، لا دولة عربية، دفع ملايين العرب أثماناً باهظة ثمن قضيتها التاريخية.

والمدهش أن معظم الشتّامين ومطلقي الاتهامات بالصهينة، وبالانحراف عن القضية الوطنية، هم من اليساريين والقوميين العرب، والذين من أهم مآخذهم على الثورة السورية أنها تطيّفت ضد وطنيتها، وتحوّلت إلى حركة رجعية ضد تنويريتها. والسؤال هنا، وبغض النظر عن نيات القنطار وما كان يفعله في سورية: هل تشكيل فصيل درزي، لأي هدف كان، يندرج في إطار حركة التحرر الوطني التنويري؟ هل صبغ خريطة فلسطين بألوان العلم الإيراني هدف تحرّري وطني وتنويري؟ طبعاً من دون التطرّق إلى السؤال القديم عن مقاومة حزب الله الشيعية التي حلّت محل المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية التقدمية واليسارية، بعد تصفية قياداتها ومنظريها من حزب الله نفسه، والأنظمة الداعمة له تلك الفترة. أسئلة عديدة يتجاهلها هؤلاء تماماً، وهم ممعنون في شتم الثورة السورية وبيئاتها الحاضنة. هذه البيئات التي دمرت مدنها وتشرّد أهلوها، وتعرضوا لكل أنواع الموت والذل والقهر، عدا عن مئات آلاف الضحايا الذين قتلهم الأسد وحلفاؤه التقدميون التنويريون، وعشرات الآلاف من المغيّبين في السجون والمعتقلات، أو الذين قتلوا تحت التعذيب بطريقة مذهلة، لفرط تقدميتها وتنويريتها!

وبين كل أولئك، ثمة فلسطينيون تعرّضوا لكل ما تعرّض له السوريون الثائرون، أليس هؤلاء من يتبنى القنطار قضيتهم كما يفترض؟ في الوجه الآخر للقضية، ثمة مفارقة مذهلة أيضاً، بعض ممّن يعتبرون القنطار قاتلاً لا مناضلاً، لأنه هشّم رأس طفلة بريئة في عملية نهاريا، يتجاهلون كل الوقائع المرافقة لهذا الحدث، ويرون أن الطفلة وعائلتها مدنيون، لا ذنب لهم بما تفعله حكومة العدو، هؤلاء أنفسهم يهلّلون لمقتل أطفال ومدنيي البيئات المؤيّدة للنظام، بذريعة أن عليهم أن يذوقوا ما ذاقه غيرهم! لماذا إذاً لا يصح هذا على العائلة الإسرائيلية التي قتلها القنطار، وقد ذاق الفلسطينيون من الموت والذل على يد الصهاينة ما لا يخطر في البال؟ هل كل ما سبق يجعلنا نعترف أننا فقدنا البوصلة جميعاً؟ ليست بوصلة قضية التحرر الوطني، كما يحلو لكثر القول، بل بوصلة الموقف الإنساني الأخلاقي الذي يفرض علينا أن نضع أنفسنا مكان الآخر، ونتقمّص حالته النفسية، قبل أن نلقي عليه شتائمنا المعيبة، ونمعن في إلقاء تنظيراتنا الفارغة على مسامعه.

العربي الجديد

 

 

 

 

أبعد من مصرع القنطار/ حازم صاغية

مع مقتل سمير القنطار، نقلت وسائط التواصل الاجتماعيّ أساساً، والصحف جزئيّاً، صوتين باتا مألوفين في مناسبات كهذه. لكنّ صوتاً ثالثاً أقلّ نسقيّة حضر في ساحات الرأي، مستعيراً من الصوت الأوّل بطوليّة القنطار ونضاليّته ضدّ إسرائيل، ومن الصوت الثاني إدانة الجرائم النازلة بالشعب السوريّ التي يمارسها الأسد، لكنْ من دون اعتبار القنطار إحدى أيدي الأسد وأذرعه.

والحال أنّ هذا الصوت الثالث استعان، في مزجه الماء بالنار، بحجج تلفظها أدمغة الدجاج. فالقنطار، تبعاً للرأي هذا، كان ينشئ حركة مقاومة في الجولان ضدّ الدولة العبريّة، علماً أنّه حتّى لو صحّ الخبر، فإنّ أحداً ليس في وارد تفعيل المقاومة لإسرائيل، لا «حزب الله» المستَغرق سوريّاً، ولا عموم الوضع السوريّ المتخم بهمومه. كذلك، وبما أنّ إسرائيل قتلت القنطار، جاز عدّه شهيداً بطوليّاً، في معزل عن وقوفه الصريح والمعلن في صفّ الأسد، قولاً وفعلاً. وحجّة كهذه لا تعدو كونها شهادة بحتة لسيطرة إسرائيل على العقول وردود الأفعال بحيث يتحرّك قائلوها على إيقاع روبوتيّ، لا مكان فيه للسياسة أو العقل، ولا إشارة تدلّ إلى ذات عاقلة وفاعلة. ففي مجرّد أن تقال كلمة إسرائيل نهتاج أو نرقص أو نجنّ.

بيد أنّ المسألة الأهمّ تكمن في الأسباب التي تملي صدور أحكام كهذه، يتجاوز ارتكابُها أصحابَها المباشرين. فالقنطار الذي قاتل إسرائيل، ولو بطريقة يُفترض بالقضايا «المقدّسة» أن تسمو عنها، ثمّ شارك في قتل السوريّين، قدّمت سيرتُه إسهاماً حيويّاً في سجال غالباً ما بقي ضامراً، عنوانه: هل يمكن التوفيق بين تأييد الثورة السوريّة، والثورات العربيّة عموماً، وبين المضيّ على الطريقة إيّاها في محاربة إسرائيل؟

وقد يقول راغب في الالتفاف على السؤال، أو تنظيف الصراع مع إسرائيل من النظام السوريّ، إنّ الأسدين لم يقاتلا إسرائيل. وهذا ليس صحيحاً لأنّهما قاتلاها وأوصلا سلاحاً لمن يقاتلونها ودرّبوهم، يسري هذا على «منظّمة التحرير» وحلفائها اللبنانيين كما يسري على «حزب الله» لاحقاً. لكنّهما كانا دائماً يتهرّبان، بذكاء ومرونة افتقر إليهما الحلفاء والتابعون، من المواجهة المباشرة، لمعرفتهما ما لا يعرفه أولئك الحلفاء عن إسرائيل، ولأنّهما يملكان سلطة يخافان عليها لا يملكونها هم. وأبعد من هذا كلّه أنّ البعث السوريّ هو الذي جرّ عبدالناصر ابتزازاً إلى موقع راديكاليّ في الموضوع الإسرائيليّ، قبل أن يحبط حافظ الأسد جميع المحاولات السلميّة التي ارتبطت بأسماء أنور السادات وياسر عرفات والملك حسين.

وفي المقابل، فحين كان أصحاب الطريق الثالث يعارضون الأسد الأب فإنّهم ما كانوا يعارضونه دفاعاً عن وطنيّة لبنانيّة، أو تضامناً مع قهر يعانيه السوريّون، بل كانوا يعارضونه من داخل الصفّ الواحد الذي لا يريد لجذوة الصراع العربيّ – الإسرائيليّ أن تخمد، بحيث يدور الخلاف معه على الكيفيّة التي تُبقي هذه الجذوة مشتعلة.

والأسد الأب هو، وبالإفادة من التصلّب والعجرفة الإسرائيليّين، صاحب الإسهام الأكبر في تحويل القضية الفلسطينية قضيّة ماهويّة وجوهريّة وثأريّة لا تحلّها السياسة، بالضبط لأنّ سوريّة لا تُحكم أسديّاً وبعثيّاً إلاّ بقضيّة فلسطينيّة تُفهم هكذا وتُخاض هكذا. فهذه الأخيرة «ملح الوجود» للنظام السوريّ الذي سهر على رعاية الطريقة الروبوتيّة في النظر إلى الصراع. فلو ظهرت أصوات قويّة وشجاعة تتصدّى لتلك الروبوتيّة وتعلن، مثلاً، ارتياحها إلى حرمان صدّام حسين سلاحاً نوويّاً، ولو على يد إسرائيل، أو إلى مصرع أيّ من الطغاة، ولو على يد إسرائيل، لكان التصدّع قد أصاب تلك الأنظمة قبل وقت طويل.

ولا تفوت، هنا، الإشارة السياسيّة والتقنيّة في آن، والتي مفادها أنّ الديموقراطيّة، التي طمحت إليها بدايات الثورة، تنطوي على تحكيم المواطنين السوريّين، عبر ممثّليهم المنتخبين، في قرارات الحرب والسلم المصيريّة، وهذا ما عرفه الأسدان أكثر كثيراً ممّن أرادوا لصق الديموقراطيّة ببرنامج صراعيّ قديم وسقيم لا يُستشار في أمره المواطنون.

إنّ هذا القطع الذي ينبغي أن يحصل لم يحصل. أمّا مقتل القنطار فجاء ينبّه إلى هذه المسألة الحسّاسة والقليلة التناول، وإلى ضرورة فضّ الزواج التعيس بين قضيّة تستهدف طاغية وقضيّة أمكن للطاغية نفسه أن يوظّفها بأكفأ الطرق والوسائل.

الحياة

 

 

 

قنطار الشهادة ذهباً/ محمّد علي مقلّد

نقتبس من المتنبي ونقول إن من يدخل في الموت ينام ملء جفونه، فيما يسهر الأحياء جراء ذلك ويختصمون. تلك هي حالة سمير القنطار على نحو خاص. سالت دماء وقيل كلام في مديح الشهادة وتمجيدها، وكلام مضاد في هجاء الموت.

بالمعيار الشخصي كل شهيد بطل أياً تكن القضية التي قضى في سبيلها. وهو وحده المعيار الذي يتحوّل الموت بموجبه إلى شهادة، لأن صاحبه يستبدل “ميتة ربّه” بشجاعة التضحية بالنفس والمصلحة الفردية والهموم الشخصية من أجل الجماعة وقضاياها المقدسة.

تباين الآراء حول الشهادة لا يعود إلى الشهيد، بل إلى القضية التي مات في سبيلها. كل من مات في سبيل قضيته شهيد، إلا إذا حُرمت القضية وكذلك “صاحبها” من الإجماع الوطني. وحدهم الذين عمدوا موتهم بالدم من أجل تحرير الأرض من الاحتلال الاسرائيلي نالوا مرتبة الشرف الوطني لأنهم نالوا إجماع اللبنانيين، ولو بوتائر متفاوتة.

لم يكن يكفي، ليحظوا بلقب الشهادة، أن تكون إسرائيل هي القاتل، بل يلزم قرار شجاع  بالذهاب إلى الموت بإرادة حرة، مع ذلك تعمم اللقب على كل من قضى بنيران العدو، حتى لو لم يكن خياره التضحية بالنفس من أجل الوطن، أي على من قضى من غير قسم عسكري وثياب مرقطة ومن دون أن يحمل بندقية أو ينصب كميناً أو يضع قنبلة موقوتة لعربة مجنزرة.

في غياب الاجماع لا يكون الشهيد شهيدا إلا في نظر أتباعه أو محازبيه أو أهل ملّته. الشهيد الفئوي ليس شهيدا، حتى لو أسبغ عليه فريقه من الصفات ما يجعله في مستوى الأنبياء. تلك حالة من قضى في الحرب الأهلية اللبنانية، من الذين لم تشفع لهم معايير البطولة الشخصية، ولو على جبهات القتال، ليحظوا بإجماع على شهادة كل منهم. فظل شهيد القوات اللبنانية واليمين شهيد فريقه وحده، حتى وإن سقط في مواجهة الاستبداد السوري، وظل الشهيد الشيوعي شهيد اليسار وحده، إلا من سقط في مواجهة جيش الاحتلال الصهيوني وفي سبيل تحرير التراب الوطني. حتى الذين قضوا بالرصاص “الأخوي”، من الفلسطينيين واللبنانيين، لم يستحقوا نعتهم بالشهداء وحرمهتم أسباب موتهم الرخيص وضآلة  القضية من  ذاك اللقب.

مأساة الشهيد، كل شهيد، أنه يمضي إلى مصيره ولا يعرف من سيستخدم اسمه في سوق السياسة أو في تجارة الموت. بعد أن مات بدر شاكر السياب راح كل من الحزبين الشيوعي والبعثي في العراق يتمسح بفنه ويدعي التقرب منه ومهر بطاقته بخاتم الأمين العام، في حين أن الشعراء الكبار لا نسب لهم ولا حزب غير شعرهم وفنهم الذي لا يموت. ماتت كل الأحزاب في التاريخ وظل الشعر خالداً. وفيما كان يتنافس اليمين واليسار اللبناني على توظيف مكانة جبران خليل جبران في حربهم الأهلية داخل حدود ال10452 كلمتراً مربعاً، كانت أعمال المبدع اللبناني تترجم إلى معظم لغات العالم وتتخطى جغرافيات الأوطان والدول.

الاتجار بالشهادة هو صيغة حديثة مبتكرة لصكوك الغفران. إذ ليست الشهادة سوى ورقة اعتماد للحزب في حضرة المؤيدين والمريدين. ولا تكون الاحتفالات في يوم الشهيد، الشيوعي أو القواتي أو الحزباللهي، تكريماً للشهداء، بل تحفيز للأحياء على سلوك طريق التضحية بالنفس من أجل القضية، وحقنهم بشحنة إضافية من الغيرة والحماسة والتحلق حول القائد، من أجل برنامج وخط سياسي غالباً ما يكونان مموّهين بالإيديولوجيات وبوعود أرضية أو سماوية، دينية أو دنيوية.

لم تقصر الأقلام في قول كل ما يمكن قوله في شهادة سمير القنطار. منهم من تباهى وتغنى بالمقاومة والمقاومين ومن بارك ومن شتم اسرائيلٍ. ومنهم من شمت، من غير توزيع حلوى، ومن هجا النظام السوري واستنكر استفراد حزب الله وتورطه في الحرب السورية، ومنهم من تضامن ومن أدان، ومنهم من استفاض في التحليل السياسي وتفصيل المؤامرات التي تحاك على أوطاننا وأمتنا… ومنهم من لم تعجبه ردود الفعل فأطلق قلمه على سجيته من غير رقيب ولا حسيب، متخطياً كل قواعد النقد وآداب الحوار.

على أن أسوأ ما كشفته حادثة الاغتيال يتمثل في أمرين، الأول هو تحويل وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة للمبارزة وإدارة المعارك الكلامية، وتحويل الكتابة من فن جميل له أصحابه ومتقنوه ومبدعوه إلى سلاح حربي، يشهره من لا يحسن استخدامه، فيجرّد فنون التعبير من هالتها الجميلة ويسقطها في لغة سوقية محشوة بعبارات التخوين والتكفير. أما الثاني فهو استسهال الاصطفاف اللبناني على خطي تماس دائمين بين محوري حرب أهلية بدأت في سبعينات القرن الماضي بين جبهة لبنانية وحركة وطنية، ولم تنته بجبهتي آذار، 8 و14، بل حطت رحالها في السنوات الأخيرة في أسوأ أنواع الاصطفافات، بين داعم للنظام السوري ومعارض له.

كأني ببعض اللبنانيين يرددون قول الشاعر جميل بثنية:

خَليلَيَ فيما عشتما هل رأيتما ……….. قتيلا بكى من حب قاتله قبلي؟

المدن

 

 

 

 

 

بشّار وبوتين وبينهما القنطار/ حازم صاغية

يقول أحد التحليلات التي تناولت الفاشيّة الأوروبيّة إنّ المبالغة في رسم الهويّة الجامعة، المسمّاة أمّةً أو قوميّةً أو دولةً، مقصود بها إنشاء لحمة تجمع بين مَن لا لحمة تجمعهم. هكذا يلتقي حول تلك الهويّة أفراد وجماعات تناقضت مصالحهم وتضاربت، بحيث ينتظم ربّ العمل وعامله، والإقطاعيّ وفلاّحه، في سلك حزبيّ وقوميّ واحد، وفي منظومة أفكار ورموز مشتركة.

بشّار الأسد، الذي لم يستوقف القرارَ الأخير لمجلس الأمن، يمثّل نموذجاً آخر في الجمع بين من لا يجمعهم جامع. لكنّ النموذج البشّاري لا يقوم على المبالغة، بل يقوم، بالعكس، على التخفيف والمناقصة.

فبشّار سمسار وليس إيديولوجيّاً. وهو ساعٍ لأن يروّج سلعة يصعب ترويجها بكلام انتقائيّ من صنف رديء، وليس صاحب أسطورة ينوي فرضها بتماسك مزعوم. بيد أنّه إذ يبتذل المعاني، يكشف الكذب الرخيص الذي انتهت إليه الجماعات المتناقضة المؤيّدة له، تجاوباً منها مع واحد من وجوهه الكثيرة وبعمى كامل عن سائر الوجوه.

فهو عدوّ إسرائيل الذي يدير لها الخدّ الأيسر كلّما ضربته على خدّه الأيمن. وهو وريث تركة العروبة والقوميّة العربيّة البعثيّتين، إلاّ أنّ المقرّبين منه يطلقون تعبير «أعاريب» المهين على ملايين العرب. وهو سليل اشتراكيّة أبيه، لكنّه أيضاً ليبراليّ، بل نيو ليبراليّ، يوصف بأنّه يعرف كيف يخاطب الغرب ويستميله. وهو عروبيّ، على شيء من القوميّة السوريّة، يساريّ، كما يوحي يساريّون، ويمينيّ، كما يوحي يمينيّون. وطبعاً، هو علمانيّ وحامٍ للأقلّيّات، بالتحالف مع قوّات دينيّة وطائفيّة تبدأ بإيران ولا تنتهي بشلل لبنانيّة وعراقيّة وأفغانيّة وباكستانيّة.

ومن جيريمي كوربن البريطانيّ إلى مارين لوبن الفرنسيّة، ومن دونالد ترامب الأميركيّ إلى فلاديمير جيرينوفسكي الروسيّ، ثمّة شيء مشترك يجمع المذكورين ببشّار ابن أبيه. وقد جاءته الهديّة السماويّة، التي هي «داعش»، لتزيد عدد الذين يتفهّمونه ويتقاطعون معه في العالم، بعدما مارسوا تحفّظاً متناقصاً على استبداده.

فـ «داعش» جعل اليمين المحترم أضعف حجّة من اليمين غير المحترم، فإذا أكّد الأوّل قيماً «تفصلنا» عن الأسد، نجح الثاني نجاحاً أكبر في التوكيد على قيم «تجمعنا» بالأسد. وقبل «داعش» وبعده، جرت منافسات مشابهة بين اليسار المحترم واليسار غير المحترم فكسبها الثاني من دون عناء كبير.

لكنّ هذا كلّه في كفّة والعلاقة المثلثّة بروسيا وإسرائيل وإيران في كفّة. فبشّار حليف روسيّا الوطيد والتي تحت مظلّتها وشبكتها الصاروخيّة قُتل سمير القنطار، المقاتل في صفوف «حزب الله». والأخيرون إنّما يقاتلون في سوريّة كرمى لبشّار وإيران بعدما قاتلوا الإسرائيليّين كرمى لإيران.

فكأنّ مقتل القنطار، وقد استكمل الروس بناء ما لم يكن مبنيّاً إبّان مقتل عماد مغنيّة، تنبيه إلى أنّ الجمع بين كلّ هؤلاء الحلفاء قد لا يكون جمعاً، وأنّه قد ينشىء من التضارب أكثر ممّا ينشىء من التحالف.

والجمع بين مشروعين كلٌّ منهما ذو نازع إمبراطوريّ، يستعصي على قادة كبار وتاريخيّين. فكيف على بشّار الأسد؟

أمّا سمير القنطار فثمن صغير من الأثمان التي يرتّبها الجمع بين ما لا يجتمع، بقوّة الخفّة وباقتصار القتل وحده على المنهجيّة والتماسك.

الحياة

 

 

 

 

الفشل في حماية القنطار/ وائل نجم

اغتالت إسرائيل الأسير المحرّر من سجونها، سمير القنطار، في غارةٍ نفّذتها طائراتها الحربية على مبنىً في ريف دمشق، وفقاً لرواية حزب الله الذي تعهد أمينه العام، حسن نصرالله بالرد على العملية، في أعقاب تشييع القنطار الذي كان في سورية ضمن مشروع الحزب للدفاع عن النظام السوري، وقد قضى مع مقاتلين في هذه اللجان وعاملين في خدمة مشروع الحزب والنظام.

ليس هذا المهم، على حجم الخسارة التي لحقت بحزب الله والنظام السوري، والمكسب الذي كسبته إسرائيل بمقتل القنطار. المهم في كيفية تمكّن إسرائيل من النيل من الرجل على مقربة من دمشق في ظل الوجود الكثيف والنوعي للطائرات الحربية الروسية، وحتى منظومة الدفاع الجوي المتطورة، صواريخ إس 400 التي نشرتها روسيا في سورية بعد إسقاط تركيا طائرتها الحربية، سوخوي، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقيل إن هذه المنظومة ترصد (وتتعامل مع) أكثر من 30 هدفاً جوياً في وقت واحد، وفي قطر دائرته أكثر من 400 كلم. وقيل أيضاً إن دقة إصابتها عالية، فلا تخطئ هدفها إلا نادراً، وصولاً إلى القول إن روسيا فرضت حظراً جوياً كاملاً فوق الأراضي السورية، من خلال هذه المنظومة، فأي تحليق لأية طائرة في الأجواء السورية بات يحتاج موافقة القيادة الروسية والتنسيق معها، وهو ما جرى الاتفاق عليه بين الروس والأميركيين، وبين الروس والفرنسيين، وحتى البريطانيين، فضلاً عن الإسرائيليين، وكان رئيس الأركان الروسي قد زار قيادة الأركان الإسرائيلية لتنسيق هذا الأمر. فهل فشلت منظومة الدفاع الجوي الروسية في اكتشاف الطائرات الإسرائيلية التي قتلت القنطار؟ أم جاءت العملية في إطار التنسيق التام بينهما في إدارة العمليات في سورية؟

لا يمكن الحديث، هنا، عن فشل منظومة إس 400 في التعامل مع الطائرات الحربية الإسرائيلية التي قتلت القنطار، انطلاقاً من قدرتها التقنية، لأنها أصلاً لم تتعامل معها وتمنعها من ذلك. ولكن، يمكن الحديث عن ذلك انطلاقاً من الاعتبار السياسي، بمعنى القرار. وهنا، يمكن الحديث، بكل أريحية، عن تنسيق كامل بين القيادة الروسية وإسرائيل، لتسهيل إنجاز هذه المهمة، وهو ما حصل، وكان الضحية القنطار، لكن سؤالاً يُطرح عمّا يعنيه التخلّص من القنطار في هذا التوقيت؟

تقود الإجابة إلى الحديث عن الحل السياسي المطروح للأزمة السورية. فقد أصدر مجلس الأمن الدولي، قبل أيام، قراراً بالإجماع لهذا الحل السياسي، ومن المنتظر أن تبدأ المفاوضات بين المعارضة والنظام مطلع الشهر المقبل، وفق جدول زمني يمتد 18 شهراً، ما يعني، في مكان ما، تهيئة الأرضية الصالحة لإنجاح هذا الحلّ، على جبهتي النظام والمعارضة. وهنا، يمكن الحديث أن عملية قتل سمير القنطار قد تكون من قبيل البدء بعملية “تخلّص” من شخصيات ورموز معينة في ضفتي الصراع، يمكن أن تعرقل الحل السياسي، أو تقف حائلاً دون بلوغ خواتيمه السعيدة على الطريقة الروسية التي تنسق بشكل كامل مع الأميركيين، وحتى الإسرائيليين.

صحيح أن القنطار لم يكن خطراً كبيراً على إسرائيل، في الوقت الحالي، فأغلب المعلومات تشير إلى أن تركيزه كان على مساندة النظام السوري في مواجهة الثورة، خصوصاً من خلال رمزيته المعروفة، وبالتالي، لم يكن لهدف التخلّص منه بالنسبة لإسرائيل أولوية. وصحيح أيضاً أنه لم يكن بالنسبة لحزب الله قائداً ميدانياً فذّاً، وإنما كان له رمزيته التي اكتسبها من وجوده في سجون الاحتلال 29 عاماً، وبالتالي، ليست خسارته كبيرة للحزب أيضاً بالمعنى الميداني، لكن الصحيح أيضاً أن قتله جاء في سياق رسالة دموية واضحة لكل من يعنيهم الأمر، مفادها أن المضي في الحل السياسي على الطريقة الروسية يحتاج إلى إقصاء عدد من القيادات، بخضوعها لمنطق هذا الحل والانسحاب من المواجهة، أو عبر القتل بالتخلّص من أعداء إسرائيل. وهنا، كان سمير القنطار ضحية هذه الرسالة، وهذا يجعلنا نعتقد أن شخصيات أخرى في النظام أو المعارضة قد يتم تصفيتها في المرحلة المقبلة لتسوية الطريق وتعبيدها أمام الحل المنشود، وأن منظومة صواريخ إس 400 لم تعترض الطائرات الإسرائيلية في طريقها إلى هدفها بقرارٍ سياسي، وليس عجزاً تقنياً.

القدس العربي

 

 

الماضي أداة للهيمنة/ حسام عيتاني

أطلق مقتل سمير القنطار في غارة إسرائيلية قرب دمشق، موجة عاتية من الاتهام والتهديد والتخوين بحق كل من قرأ في الحدث وفي الرجل ما يختلف عمّا صورته الآلة الحزبية التي انتسب إليها قبل مصرعه.

موجة الاتهامات على مواقع التواصل الاجتماعي طاولت أشخاصاً عاشوا مع القنطار في سجنه الإسرائيلي أعواماً طوالاً (مثل الأسير السابق أحمد إسماعيل) وقدموا شهادتهم في زميلهم، وذكروا أنه وجه رسائل إلى الرئيس الإسرائيلي عيزر وايزمن يطلب فيها الإفراج عنه وأنه أيد اتفاق أوسلو وقدم العزاء برئيس الوزراء المقتول اسحق رابين. تختلف هذه الصورة، رغم صدورها عمّن تفهّم ظروف السجن، عن تلك التي تريدها الدعاية الحزبية للقنطار كبطل استقى ثبات مواقفه من ثبات القوى التي التحق بها بعد الإفراج عنه.

الإدانة العنيفة لأي شهادة لا تلتزم بالنص الذي حددته الجماعة، تعيد الانتباه إلى حالة الإنكار العميق الذي ما زال المتحدثون الرسميون والمتطوعون باسم «أولياء الدم» يعانون منه. إنكار للطبيعة البشرية في المقام الأول، المتمثلة في أن سمير القنطار قام بخيارات سياسية ثم عاد عنها وأن مشاعر ومصالح عادية حركته وقادته مثلما يتحرك ويُقاد كل بني البشر. يتصاعد الإنكار هذا لينفي عن قادة الجماعة أي شطط أو خطأ قد يقعون فيه مضيفة صفات فوق طبيعية على كل ما يصدر عنهم. فالحروب التي تخوضها الجماعة المعصومة تنتهي بانتصارات إلهية، والمهمات التي تنشغل بها تُمهد لأحداث كبرى لا تقل خطراً عن نهاية الزمان وظهور المهدي المنتظر وفي هذا تجاوز للاعتقاد الديني وتماس مع عُصاب جماعي.

بيد أن إخراج قيادة الحزب أو الطائفة من حيز الفعل البشري وإدغام إرادتها بإرادة إلهية غيبية على نحو يحول دون مساءلتها عن أعمالها مثلما يُسأل البشر الفانون، يعكس رفض الجماعة الاندراج في أي بنية تتشارك فيها بموقع مساو لبقية الجماعات.

ولا يقف الأمر هنا. ذلك أن كل غلو يترافق مع شعور بنقص ما. الحملة الشرسة على أحمد إسماعيل، على سبيل المثال، لا تعلن البرم برأي مختلف فحسب، بل تنطوي على نية بتحطيم إرث الرجل وشرعية «مقاومته» المختلفة عن الوصفة التي يريد «حزب الله» تعميمها باعتبارها الوصفة الوحيدة السليمة للمقاومة. وعدم التحاق إسماعيل بالقوى التي وجدها وقد هيمنت على البلاد بعد عودته من الأسر الإسرائيلي، ذنب لا تغفره مشاركته في مقاومة الاحتلال ولا الأسر الذي وقع فيه.

لكن الأهم أن الغلو في التعرض اللفظي (القابل للتحول إلى تعرض جسدي)، يخفي سعياً إلى محو تاريخ الذات قبل محو تاريخ الآخر. تاريخ لم يُكتب لعائلات المقاومين الحاليين الآتي أكثرهم إلى موقعه الراهن من ولاءات للزعامات الإقطاعية القديمة (آل الأسعد وآل الخليل وآل العبدالله من بين آخرين) التي وقفت طوال عقود في صف السلطة الحاكمة في بيروت وانضوت في حلف يميني – طائفي مناهض لكل ما كان يرمز منذ استقلال لبنان إلى الالتزام بالقضايا العربية وبالتحرر. والحال أن إغفال تاريخ التعامل يتطلب أيضاً إغفال التاريخ الآخر لمقاومته التي هُزمت ومنعت بقرار من النظام السوري، الحليف الحالي للمقاومين الجدد.

لا يرغب المهيمنون على السلطة في جنوب لبنان اليوم بالحديث عن الأصول والخلفيات السياسية والاجتماعية التي جاؤوا منها. وبدلاً من تقبل التبدل الذي مرّ القنطار به – بغض النظر عن وجهته – يسعون إلى إسباغ الجمود على كل ما يصل إليه تصورهم عن عالم لا يدور إلا كما داروا.

الحياة

 

 

 

 

الأمر الذي لا يريده نصر الله الآن هو فتح مواجهة مع إسرائيل/ ايال زيسر

بعد يوم من قتل سمير قنطار سارع حسن نصر الله للجلوس أمام الكاميرات وتحدث إلى نشطائه ومؤيديه في محاولة لاصلاح صورته المصابة. نصر الله وجه كما هو متوقع اقواله لإسرائيل بعد أن تم نسب العملية لها من قبله ومن قبل جهات اجنبية.

لم يكن قنطار من حزب الله بل درزي تابع للتنظيم ويعمل باسمه. وقد تمت تصفيته في الاراضي السورية وليس على الارض اللبنانية. مع ذلك حوله نصر الله إلى رمز حينما جر المنطقة كلها قبل عقد إلى حرب لبنان الثانية من اجل تحريره من السجن الإسرائيلي. وتبين الآن أن نصر الله لا يقدر على الدفاع عن «إبنه الغالي».

جاءت التصفية في أصعب لحظات نصر الله حيث تنظيمه غارق في الحرب الاهلية السورية وينزف هناك الدماء ويدفع الثمن بحياة مئات مقاتليه من اجل ضمان استمرار نظام بشار الاسد. وتدخل حزب الله في سوريا له ثمن اقتصادي كبير في الوقت الذي تحول فيه استعداد ايران لمساعدة التنظيم بمليارات الدولارات مثلما في الماضي إلى أمر مشكوك فيه. وفوق كل شيء فقد وصلت الحرب منذ وقت إلى لبنان، إلى معقل حزب الله، كما شاهدنا في العملية الانتحارية التي نفذها داعش قبل شهر في قلب الضاحية في جنوب بيروت، حيث قتل فيها العشرات من الشيعة وأصيب المئات.

قدرة حزب الله على اطلاق الصواريخ إلى إسرائيل لم تتضرر كما يبدو، هذا رغم جهود إسرائيل (حسب مصادر اجنبية) لالحاق الضرر بنقل السلاح المتقدم من سوريا إلى حزب الله. فعشرات آلاف الصواريخ التي بحوزته حصل عليها بعد حرب لبنان الثانية فورا. لكن قدرة حزب الله على الصمود ودفع ثمن الحرب التي قد تندلع في اعقاب اطلاق الصواريخ على إسرائيل قد تضررت بدون شك بسبب تدخل التنظيم في ما يحدث في سوريا.

نصر الله يعرف كل ذلك، من هنا جاءت اقواله في الخطاب أول أمس في اعقاب قتل قنطار. في خطابه الذي خصص بمعظمه لمشاكل التنظيم في لبنان وخارجه، وجزء قليل منه فقط تطرق لسمير قنطار. لقد تحدث بمفاهيم عامة وغير ملزمة أنه في يوم من الايام سينتقم على القتل. ففي النهاية يعرف نصر الله أن الجمهور في لبنان ومؤيديه ايضا لن يقبلوا بفتح جبهة ضد إسرائيل في جنوب لبنان في الوقت الذي تمت فيه تصفية قنطار الذي ليس من حزب الله، على الاراضي السورية.

عمل قنطار في السنوات الاخيرة بتوجيه غير مباشر من حزب الله وايران من اجل تجنيد نشطاء دروز في الجانب السوري من هضبة الجولان للعمل ضد إسرائيل. وفي السنوات الاخيرة قتل عدد من هؤلاء النشطاء ولم يكن هناك أي رد على قتلهم. ومشكوك في أن بشار الاسد يعرف أصلا عن نشاطهم أو أنه مستعد للسيطرة عليه. أما ايران وحزب الله فلم يعتبرا هذا جزءا منهما بل استخدماه من اجل مصالحهما. لم يكن الامر مثل جهاد مغنية، القائد في حزب الله، الذي قتل على ايدي إسرائيل قبل عام، وردا على ذلك نفذ التنظيم عملية ارهابية في هار دوف في مثلث الحدود الإسرائيلي السوري اللبناني.

إن نصر الله مع ذلك يخاف من أنه اذا تجاهل ما فعلته إسرائيل فان ذلك سيشجعها على تصعيد اعمالها ضد حزب الله، لذلك وجه لها التهديدات. لكن الامر الاخير الذي يريده نصر الله في هذه الاثناء هو المواجهة مع إسرائيل. لأن مواجهة كهذه ستحرفه عن هدفه الاساسي الحالي وهو ضمان سيطرة بشار الاسد. في نهاية المطاف ليس هناك منطق في فقدان مئات المقاتلين من حزب الله من اجل الدفاع عن كرسي بشار وتعريض هذا الكرسي للخطر بسبب تدهور غير محسوب ومواجهة مع إسرائيل.

لكن قتل قنطار الذي ينسبه حزب الله لإسرائيل يؤدي إلى انتهاء فصل في قصة طويلة لم تنته بعد. نصر الله وحلفاؤه الايرانيون سيستمرون في العمل من اجل السيطرة على هضبة الجولان السورية وسيستمرون في محاولة تحويل هذه المنطقة إلى منطقة نشاط ضد إسرائيل. لذلك فان حدوث الحادثة القادمة في الحدود الشمالية هي مسألة وقت.

إسرائيل اليوم 23/12/2015

صحف عبرية

 

 

 

جدلية القنطار ما بين المقاومة و”التشبيح”/ أسامة أبو ارشيد

من الطبيعي أن يثير اغتيال اللبناني، سمير القنطار، قبل أيام، في غارة إسرائيلية، على الأرجح، على مبنى في بلدة جرمانا، جنوب دمشق، كل هذا التوتر بين محبي الرجل ومبغضيه. فالقنطار، كانت له رمزية خاصة في الوعي العربي الجمعيِّ، مقاوماً قضى في سجون إسرائيل 29 سنة، بعد أن اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1979، إثر عملية عسكرية نفذها في مدينة نهاريا الساحلية، شمال فلسطين المحتلة عام 1948، والتي تسلل إليها في زورق مطاطي من لبنان برفقة اثنين من أعضاء جبهة التحرير الفلسطينية. وفي 1980، حكمت محكمة إسرائيلية على القنطار الذي لم يتجاوز حينها الستة عشر ربيعاً ونصف، خمس مؤبدات، مضافاً إليها سبعة وأربعين سنة، واستحق بعد ذلك لقب عميد الأسرى العرب. وبقي القنطار في السجن إلى أن خرج في صفقة تبادل أسرى عام 2008 بين حزب الله وإسرائيل، وتولى، منذ ذلك الحين، مهام قيادية في حزب الله تتعلق بالمناطق الدرزية في فلسطين المحتلة عام 1948، فهو ينتمي إلى الطائفة الدرزية.

ذلك كان القنطار المقاوم، غير أن القنطار لم يستشهد على أرض فلسطين، ولا حتى في ساحة الصراع مع الدولة العبرية، بل قتل على أرض سورية، وإنْ بأيدٍ إسرائيلية كما يبدو. يقول حزب الله إن القنطار كان في سورية في مهمة لتشكيل خلايا مقاومة لتحرير الجولان السوري المحتل، غير أن تصريحات الرجل التلفزيونية المتكررة تؤكد أنه، كما عناصر حزب الله الآخرين في سورية، قد يكون شارك في حرب النظام السوري على شعبه، ومن ذلك أن القنطار كان قد وصف، في مقابلة سابقة له مع التلفزيون السوري الرسمي عام 2013، الثوار في سورية بأنهم “الوجه الأقبح لإسرائيل”. بل يؤكد، في المقابلة نفسها، أن من يُقاتِلُ من يصفهم بـ”المسلحين” في سورية، إنما يقاتل إسرائيل، وإن هزيمتهم هزيمة لإسرائيل نفسها! وموقف القنطار هنا لا يختلف كثيراً عن موقف الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عندما أطلق صرخته، معلناً أن “طريق القدس يمر بالقلمون والزبداني وحمص وحلب والسويداء والحسكة”!

إذن، تشرح الجدلية السابقة لنا لماذا نجد هذا التوتر الحاد في مقاربة مقتل الرجل، بين من نعاه “مقاوماً”، وبين من شمت بمقتله “شبيحاً”، فالذي عدّه “مقاوماً” نظر فقط إلى ماضيه المقاوم في فلسطين، وإلى الأمر شبه المؤكد أن إسرائيل هي من اغتالته، في حين أن من يصر على أنه قضى “شبيحاً”، فإنه نظر إليه من زاوية موقفه من الصراع في سورية، وتأييده نظام بشار الأسد، والعمل معه عبر انتمائه لحزب الله المتورط في سورية والوالغ في دماء شعبها.

أعيت تلك الجدلية كثيرين في التعاطي معها، ووجدت حركة حماس، وفصائل فلسطينية أخرى، نفسها غارقة في معمعة القضية. فالمتحدث باسم حماس، في قطاع غزة، سامي أبو زهري، دان عملية الاغتيال، وقال في بيان إن “حماس تدين جريمة اغتيال المناضل سمير القنطار”. وكذلك فعل الجناح العسكري للحركة، كتائب الشهيد عز الدين القسام، إذ أصدرت بياناً جاء فيه “كتائب القسام تنعى عميد الأسرى العرب في سجون الاحتلال سابقاً، المناضل سمير القنطار، الذي اغتاله العدو الصهيوني”. ولكن، ولأن الموضوع فيه تعقيدات، كما أشرنا سابقا، وجدت حماس نفسها في وضع لا تحسد عليه. فالمدافعون عن موقفها قالوا إن حماس نعت “القنطار المقاوم”، استناداً إلى سابقته، ولأن إسرائيل من اغتالته، كما أن موقف حماس انطلق، في ما يبدو، من تقديرها ظروفها وعلاقاتها الحساسة جداً مع حزب الله وإيران. في حين أن الناقمين عليها نظروا إلى خواتيم حياة القنطار، وما يبدو أنه كان على أرض سورية لمساندة نظام الأسد ضد شعبه.

ضمن السياق السابق، يغدو من المفيد تسجيل نقاط هامة هنا:

أولاً، أنهى سمير القنطار حياته على غير ما بدأها، ولا يمكن أن تكون مقاومته في فلسطين في

“أنهى سمير القنطار حياته على غير ما بدأها، ولا يمكن أن تكون مقاومته في فلسطين في الماضي مسوّغاً لتطهير سيرته في سورية” الماضي مسوّغاً لتطهير سيرته في سورية التي قضى نحبه على أرضها، لا على أرض فلسطين. وغني عن التأكيد أن الدم السوري لا يقل حرمة عن دم الفلسطيني.

ثانياً، لا ينبغي لأحد أن يشكر إسرائيل المجرمة، أبداً، أنها قتلته، أو أن يَتَوَقّعَ ممن لديه ذرة من وطنية وعروبة وانتماء للذات أن يفعل ذلك. فإسرائيل مجرمة، محتلة، معتدية، لمن نسي ذلك، أو يحاول أن يتناساه اليوم. وشخصياً، لو قتله ثوار سورية في أرض معركة، لما لُمْتُهُمْ أبدا، فمن حقهم الدفاع عن أنفسهم أمام العدوان والمعتدين عليهم. ولكن، للأسف، فإن القنطار معتدٍ ضلّت بوصلة بندقيته، كما ضلّت بوصلة بندقية حزب الله. ولا يشفع لحزب الله، هنا، محاولته تغليف خريطة فلسطين بألوان العلم الإيراني في تشييعه القنطار، فنحن أوعى من أن نؤخذ بالتسويق بعيداً عن الحقائق على الأرض.

ثالثا، لا تعبّر بعض الفصائل الفلسطينية، كحماس التي نعت القنطار “مناضلا”، عن نبض الأحرار في الشعب الفلسطيني، لكننا أيضا، نتفهّم حساباتهم جرّاء تنكّر القريب لهم، إن لم يكن تآمر بعضهم عليهم، واستهداف العدو لهم، واضطرارهم إلى اللجوء إلى “فقه الموازنات”. ولمن نسي، حَرِيٌّ به أن يتذكّر أن ثمة شعباً فلسطينياً يرزح تحت الاحتلال وعدوانه منذ أكثر من سبعة وستين سنة، ويتعرّض للمؤامرات والاستئصال والتشريد منذ قرابة قرن. أيضا، ينبغي أن يتذكّر هؤلاء أن قرابة المليوني إنسان محاصرون في قطاع غزة منذ أكثر من ثماني سنين، ومن يحاصرهم ليس عدواً فحسب، بل و”شقيق” عربي كذلك، وبالتالي، يكون من اللامسؤولية أن توسّع حماس، المسؤولة عن القطاع اليوم، دائرة خصومها وأعدائها.

في عام 2012 قال لنا إسلامي سوري، وكان عضواً في قيادة المجلس الوطني السوري، حينها، إن إسرائيل هي أحد مفاتيح الحل بالنسبة لهم، وهناك ثمن قد يضطرون لتقديمه لها. كان ذلك في جلسة حضرها كثيرون، في ولاية نيوجيرسي الأميركية. وقبل ذلك، في 2011، كان مسؤول آخر في المجلس الوطني السوري، وهو علماني، يخاطب منظمة صهيونية يهودية أميركية، هي اللجنة اليهودية الأميركية، وبرر ذلك، حينها، بأنهم كسوريين مضطرون إلى ذلك. وكان المجلس الوطني السوري، حينئذ، الممثل الشرعي الوحيد للمعارضة والثورة.

ما أريد قوله، هنا، إنه وعلى الرغم من معارضة كثيرين منطقهم حينها، غير أنه كان هنالك تفهّم لظروفهم، وبأنهم كانوا لا يمثلون روح الثورة السورية، بل حسابات بعضها. واليوم، يعارض كثيرون موقف فصائل فلسطينية، كحماس، في هذه المسألة. ولكن، ينبغي كذلك تفهّم ظروفهم، وبأن موقفهم هذا لا يمثل روح الثورة الفلسطينية، بل حساباتها. من دون أن يعني ذلك أبداً أن مثل هذا المنطق ينسحب على فصائل فلسطينية مشتركة في سفك دماء السوريين والفلسطينيين، على السواء، في سورية، كالجبهة الشعبية – القيادة العامة.

باختصار، سورية كفلسطين والعراق واليمن وليبيا، هي هموم وجروح واحدة، وكلها محكومة بتعقيدات كبيرة وتحديات ضخمة، تستلزم بعض المرونة المُرَّةِ في سياقات خاصة أحياناً. أيضا، اختارت إيران، هي وروسيا، ومن شاركهم سفك دماء السوريين، أن يكونوا في خانة الأعداء لنا نحن الشعوب العربية، فالعدوان مؤسس على الاعتداء. ولكن، في غمرة ذلك كله، لا ينبغي أبدا أن ننسى أن إسرائيل هي العدو الأول إلى أن ينتهي مشروع عدوانها. وبسبب هذه الموضوعة الثابتة في حق إسرائيل، ثار كل ذلك اللغط بحق سمير القنطار الذي رفعته فلسطين كمقاوم يوماً، وأنزلته سورية، اليوم، شريكاً في الجريمة بحق شعبها.

العربي الجديد

 

 

 

 

عن روسيا و(إسرائيل) وسمير القنطار/ عريب الرنتاوي

أثارت حادثة اغتيال الأسير المحرر «سمير القنطار»، جدلاً لم ينقطع حتى الآن، وتحديداً حول الدور الروسي في سوريا، وما إذا كان لموسكو «ضلع» في هذه الجريمة؟

هل تواطأت روسيا مع (إسرائيل) على خلفية ما يُزعم أنه «مصلحة مشتركة» في تقليص الدور الإيراني في سوريا؟…

هل أغمضت الردارات الروسية أعينها عن الطائرات الإسرائيلية، على قاعدة أن موسكو لا تريد فتح جبهة اشتباك سياسي ودبلوماسي مع الدولة العبرية، في الوقت الذي لم تضع جبهتها المفتوحة مع أنقرة، أوزارها بعد؟

كيف قرأت الأطراف هذه المسألة؟ … وكيف يمكن فهم الموقف الروسي في سوريا عموماً، وبالتحديد ما خص منه الموقف من (إسرائيل) وحساباتها و«مصالحها» في سوريا؟

بعيداً عن مشاعر «الصدمة» التي اجتاحت أصدقاء وحلفاء النظام السوري، وتحديداً الصحف ووسائل الإعلام المحسوبة على هذا المحور، والتي أسبغت على الدور الروسي في سوريا ما لا يحتمله من وظائف وأدوار ودلالات وانحيازات.. وبعيداً عن مظاهر «الشماتة» التي رافقت العملية الإسرائيلية على جرمانا، والتي «كشفت المستور» في مواقف بعض القوى والتيارات السياسية الإسلامية العربية… بعيداً عن هذه وتلك، يمكن التوقف أمام بعض محددات الموقف والدور الروسيين في سوريا، من هذا الزاوية بالذات:

أولى هذه المحددات، والتي سبق أن أشرنا إليها قبل التدخل الروسي في سوريا وبعده، أن موسكو لم تحسب نفسها يوماً على ما يُعرف بـ«محور المقاومة والممانعة»، ولم يتلفظ أي من مسؤوليها ووسائل إعلامها بهذا التعبير، وحدها مكونات هذا المحور، سعت في إكساب الموقف الروسي ما لا يحتمله … حتى أن موسكو حرصت في غير مناسبة، على نفي صفة «التحالف الاستراتيجي» على علاقاتها بإيران وسوريا وأصدقائهما، مثلما حرصت أتم الحرص، على إقامة علاقات «متوازنة» مع خصوم النظام بمن في ذلك دول الخليج المعروفة بعدائها لإيران وسوريا على حد سواء.

ثانية هذه المحددات، وتتعلق بالموقف الروسي من (إسرائيل)، فموسكو كما أوضحنا من قبل، ليست في خندق العداء لإسرائيل، صحيح أن لها مواقف مؤيدة للشعب الفلسطيني وكفاحه من أجل الحرية والاستقلال، لكنها لم تصل، حتى في زمن الحرب الباردة والاتحاد السوفياتي القديم، إلى مستوى العداء لإسرائيل، بل على العكس من ذلك تماماً، فقد كانت موسكو من أوائل العواصم الدولية التي اعترفت بها… وعشية وأثناء وبعد تفسخ الاتحاد السوفياتي القديم، هاجرت مئات ألوف العائلات اليهودية من روسيا وجمهوريات الاتحاد المنحل لإسرائيل، لتشكل واحدة من أكبر مكونات هذا المجتمع، التي لا زالت تحتفظ بروابط مع وطنها الأم، ولا زالت موسكو تنظر لأكثر من مليون إسرائيلي من أصول روسية / سوفيتية، بوصفهم «مواطنين مع وقف التنفيذ».

ثالثة هذه المحددات: إن (إسرائيل) كانت من أوائل الدول، إن لم تكن الدولة الأولى التي حرصت روسيا على «التنسيق الأمني» معها، مع بدء عملياتها الحربية في سماء سوريا … تدرك موسكو أن الاشتباك مع (إسرائيل)، ليس أمراً يمكن احتماله في هذه المرحلة، خصوصاً لجهة الانعكاسات المترتبة على علاقاتها مع الغرب عموماً والولايات المتحدة على نحو خاص، ولهذا جاءت تفاهمات بوتين – نتنياهو، التي لم نعرف الكثير عنها حتى الآن، لكن تجربة أربع ضربات جوية إسرائيلية ضد أهداف لسوريا وحزب الله في سوريا منذ التدخل الروسي في الثلاثين من أيلول/ سبتمبر، كفيلة بإلقاء أضواء كاشفة على هذه التفاهمات، التي أبقت لإسرائيل يداً طليقة في سوريا، أو في معظم مناطقها، وبما يخص حربها مع حزب الله، مقابل، أن تصرف تل أبيب النظر عن التدخل الروسي، أو أن تبادر إلى دعمه وتأييده سياسياً ودبلوماسياً.

في ضوء هذه المحددات وأخرى غيرها، يمكن فهم ما حصل في جرمانا … ويمكن إدراك لماذا لم تتأزم العلاقات الروسية – الإسرائيلية  بنتيجتها، حيث كانت مكالمة هاتفية واحدة بين بوتين ونتنياهو أعقبت العملية، كفيلة باحتواء أي سوء فهم محتمل، واحتواء أية نتائج كان يمكن ان تترتب على الغارة الإسرائيلية في إحدى ضواحي دمشق.

(إسرائيل) اختارت ما تعتقده هدفاً يستحق المجازفة واللعب على «الوتر المشدود» في الأزمة السورية… ذلك أن «سمير قنطار» بما يمثل ومن يمثل، استحق من المنظور السياسي والأمني الإسرائيلي مثل هذه المجازفة.

فهي تريد أولاً ضرب «الرمز» الذي يمثل، كعميد للأسرى العرب، المحرر رغم أنفها من سجونها بعد ثلاثة عقود من الاحتجاز … والقنطار بصفته الدرزية، يشكل تحدياً كبيراً للعلاقة الخاصة التي تسعى (إسرائيل) في نسجها مع دروز فلسطين والجولان المحتل والمنطقة عموماً، فهو صاحب مشروع نقل الدروز من موقع «الحياد» الذي تحاول إسرائيل وضعهم فيه، إلى موقع «المقاومة» للاحتلال…

و(إسرائيل) من قبل ومن بعد، تتبع استراتيجية «العقاب المؤجل» مع كل من قام بقتل إسرائيليين، حتى وإن أفلت من قبضتها بصفقة أو تسوية معينة، فكيف إذا كان «الهدف» متورطاً بمشروع إطلاق «مقاومة وطنية سورية» في الجولان المحتل.

روسيا في المقابل، ليست معنية بكل هذه التفاصيل، فهي منشغلة في حرب على الإرهاب الذي يتهدد أمنها الوطني، ودعم حليفها السوري حتى الرمق الأخير.

لكنها في المقابل، ليست من أنصار «مقاومة وطنية سورية ضد الاحتلال»، خصوصاً في هذه المرحلة بالذات، وهي تدعم حلولاً سياسية وتفاوضية لأزمات المنطقة عموماً… وروسيا، تسعى في إسباغ «الشرعية والقانون الدولي» على جميع خطواتها في سوريا.

بهذا المعنى، لا يمكن لموسكو أن تكون في وضع «الحامي» لأية ميليشيات قديمة أو ناشئة، تحت أي مسمى اتخذت، وفي هذا السياق ثمة معلومات عديدة متوفرة عن تباين روسي إيراني حول دور بعض المليشيات الشيعية في سوريا، بل وحول دور «الحرس الثوري» الإيراني فيها، وفي هذا السياق أيضاً يجري تداول معلومات عن طلب روسي لحصر نشاط حزب الله في منطقة القلمون فقط، بوصفها خاصرته الضعيفة، ومصدر التهديد لأمنه وأمن بيئته الحاضنة في البقاع والهرمل.

إن صح هذا التحليل، والأرجح أنه صحيح، يصبح فهم الموقف الروسي أكثر سهولة ويسراً، ودونما حاجة لـ«نظرية المؤامرة» من جهة ولا لـ«صيحات الشماتة» من جهة ثانية.

الدستور الأردنية

 

 

 

 

فواز طرابلسي/ حـازم الأميـن

إعتبر فواز طرابلسي أنّ مقتل سمير القنطار في “صلية صواريخ إسرائيلية” على منزلٍ كان يقيم فيه في جرمانا، كان كافياً للقول إنّ الرجل قُتِل في سياقٍ مختلف عن سياق النزاع السوري، وهو بهذا المعنى “شهيد للمقاومة الوطنية اللبنانية”.

فواز كتب ذلك على صفحته على “فايسبوك”، وهو ما أثار جملة ردود، حمل بعضها عتباً سورياً على “صديق للثورة” لم يُبدِ حساسيةً حيال حقيقة وجود القنطار في سوريا إلى جانب نظامها ومن دون رغبة أهلها. وحتى قتاله اسرائيل، إذا صحّ ذلك، فهو كان جزءاً من حسابات النظام وحلفائه الإيرانيين في سياق سعيهم لإخضاع السوريين، وكجزءٍ من حرب أهلية وظيفة قتال إسرائيل فيها تعزيز الموقع الداخلي للنظام. علماً أن هذا الافتراض (قتال اسرائيل) يبقى ضعيفاً في الحالة السورية، إذ لا يبدو أن هناك جبهة مشتعلة في الجولان.

والحال أنّ النقاش حول توظيف “المقاومة” في الحروب الأهلية يبدو متأخراً هنا، وتغريدة طرابلسي تكشف عن أن شريحة واسعة ممن خاضوا التجربة، ومن المفترض أنهم راجعوها، لا تثيرهم حقيقة أن المقاومة كانت باباً لغلبة أهلية، وفواز كان على رأس تنظيم مُنِع من قتال إسرائيل لأن المهمة الأهلية لهذا القتال اقتضت أن تقاتلها قوى أخرى.

والغريب أن هذه الحقيقة لم تكن درساً في سياق تحديد ماهية وجود القنطار في سوريا، إلا إذا اعتبرنا أن الموت على يد إسرائيل هو موت جوهراني يعفي صاحبه من المساءلة، ويحيل أي محاولة تفسير له في غير السياق الممانعاتي إلى فعل خيانة. علماً أن كثيرين، ليس من بينهم فواز طبعاً، لم يترددوا في تنصيب أنفسهم قضاة وفي شحذ سيوف التخوين.

“فتح لاند” كانت مدخلاً لدولة فتح في لبنان، وكانت مقدمة لحرب أهلية لبنانية دامت خمسة عشر عاماً. وسلاح المقاومة، كان بدوره أداةً في نزاع أهلي ما زال لبنان يتخبّط في فصوله، وإذا كانت واقعة السابع من أيار 2008 كافية لشرح وظيفة هذا السلاح، فقد جاءت واقعة القمصان السود لتضيف إلى الشرح شرحاً وإلى الوضوح وضوحاً. وها هو سلاح المقاومة يُلغي الحدود، ويتوجّه للقتال في سوريا.

ولم يقتصر ابتعاده هناك عن المهمة التي يدّعيها، فهو الآن في موقع ملتبس وليس بعيداً من الموقع الإسرائيلي، ذاك أن الطيران الروسي يتولّى وصل المصالح بين حماية النظام، الذي تحميه المقاومة، وبين تلبية مصالح تل أبيب في سوريا.

وعلينا هنا أن لا ننكر البعد التراجيدي لموقع “حزب الله” في هذه المعادلة، إذ على الحزب أن يُنسّق جهوده في سوريا مع الجهد الروسي، الذي يُنسّق بدوره جهوده مع الجهود الإسرائيلية في استهداف “حزب الله”. يجري كل ذلك أمام أعيننا ومن دون مداراة، وعلينا في الوقت نفسه أن نستمر مؤمنين بأن غارة إسرائيلية تكفي لتطهرنا مما نحن فيه.

والحال أن فواز في تغريدته تجاوز حقائق سبق له أن اختبرها بنفسه، هذا قبل أن نقول إنّه من المفترض أن يكون قد اقترب من صياغتها في سياق انتقاله من موقعه الحزبي إلى موقعه في الكتابة والتأريخ والمراقبة. وهذا تحديداً ما دفع كثيرين إلى الاستغراب، وإلى البحث عن تفسير.

الجواب التوضيحي على صفحة طرابلسي على “فايسبوك” جاء ليؤكد ما كتبه في البوست الأول. أما إلغاؤه لاحقاً تعليقيه عن صفحته فيفرض عليه، كمثقف، إزالة الغموض عن فعلتي الكتابة والإلغاء.

موقع لبنان ناو

 

 

 

سمير القنطار: هويات متحولة/ مازن عزي

تنطلق السيرة الذاتية “هذه قصتي” لسمير القنطار، من ليلة 12-13 تموز/مايو 2006، خلال عامه الـ28 في السجن الإسرائيلي. ليلة أصبحت مركزية في وعي القنطار، عندما شنت إسرائيل عدواناً على لبنان، رداً على اختطاف “حزب الله” لجنديين إسرائيليين.

الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، كان قد وعد مراراً قبل حرب 2006، بإطلاق القنطار، الذي كان ينتظر بفارغ الصبر حدوث ذلك. القنطار، كما ورد في سيرته، كان في انتظار يومي، لخطف “المقاومة الإسلامية” لجنود إسرائيليين، لإنجاز عملية التبادل. بل إن اتصاله غير المباشر بنصرالله، لطالما غذاه بذلك الأمل. عملية خطف الجنديين الإسرائيليين، عنونها “حزب الله” بـ”إطلاق سراح سمير القنطار ورفاقه من السجون الإسرائيلية”، أو ما أختصره لاحقاً نصرالله بـ”الوعد الصادق”.

في تلك الليلة، أمضى القنطار ليلته، يقرأ القرآن، ويستمع إلى الأناشيد الدينية عبر إذاعة “النور” التابعة للحزب. في تلك الليلة، مثقلاً بحرب تخاض باسمه، وكما تشي سيرته، أتم القنطار طقوس التحول، من السجن إلى الحرية، من اليسار إلى الإسلام، من المقاومة الفلسطينية إلى “الممانعة”، من الدرزي إلى الشيعي.

في أيام حرب تموز الأولى، حاول القنطار الإتصال بأصدقاء له في لبنان، من خارج بيئة المقاومة، واستنتج من ردودهم، تحميلهم مسؤولية الحرب للحزب؛ حينها أدرك القنطار أنه أصبح “مثل داعية لا عمل له”. كما أن رفاقه في السجن، الفلسطينيين، مالوا إلى رفض حرب غير متكافئة مع إسرائيل، مبنية على حسابات مستعجلة. حينها بدا بأن القنطار “الفدائي العربي من أجل تحرير فلسطين” صار في موقع متمايز عن “الفدائي الفلسطيني”، يختلف معه في الأساليب والأدوات، وطرق “تحرير فلسطين”. موقع دُفع إليه القنطار، يحتمل مزاودة على الفلسطيني باسم القضية الفلسطينية.

فالقنطار ابن الـ16 عاماً، سجن للمرة الأولى في العام 1978، لأقل من سنة، من قبل المخابرات الأردنية، عندما كان عضواً في “جبهة التحرير الفلسطينية”، بعدما حاول عبور الحدود الأردنية-الإسرائيلية في مرج بيسان. و”جبهة التحرير الفلسطينية” الممولة من “بعث العراق”، هي تنظيم أعيد إحياؤه بعد انشقاق محمد عباس “أبو العباس” وطلعت يعقوب، عن “الجبهة الشعبية-القيادة العامة” أحمد جبريل، بعدما شنّت “القيادة العامة” التابعة لسوريا، حرباً ضد “منظمة التحرير الفلسطينية” في العام 1976 بالتزامن مع دخول القوات السورية إلى لبنان وضربها لـ”الحركة الوطنية”.

القنطار، بحسب مذكراته، انتمى في البداية إلى “القيادة العامة”، وخرج مع جماعة يعقوب وأبو العباس التي انشقت عنها، وشكلت “جبهة التحرير”. انتقال من فصيل فلسطيني تابع للبعث السوري، إلى آخر تابع للبعث العراقي.

في المرة الثانية، أسر القنطار بعدما قاد في العام 1979 عملية نفذتها مجموعته من “جبهة التحرير الفلسطينية”، بعدما انطلقت بحراً بزورق مطاطي من جنوب لبنان إلى مدينة نهاريا الساحلية شمالي فلسطين. وهدفت عملية “جمال عبدالناصر”، ‏إلى اختطاف رهائن من الجيش الإسرائيلي، لمبادلتهم بمعتقلين في ‏السجون الاسرائيلية. عملية “عبدالناصر” كانت بحسب أبو العباس: “رداً على اتفاق الذل الإسرائيلي المصري المنفرد المسمى كامب ديفيد..”.

ونتج عن عملية نهاريا، مقتل مدنيين وعسكريين إسرائيليين، وحُمّل القنطار دم طفلة إسرائيلية، قيل بإنه قتلها بأخمص مسدسه. القنطار نفى تلك التهمة، لكن ذلك لا ينفي بأن العملية عكست فشلاً لـ”جبهة التحرير الفلسطينية” في التخطيط والتنفيذ. فشل الجبهة، لا يمر من دون التوقف عند وظيفتها في تحصيل مكاسب سياسية، في ضوء الصراع بين بعثي العراق وسوريا. فشل يعكس تسييس و”مصلحة” كل “بعث” منهما، في اثبات وصايته على فلسطين. فأبو العباس، زعيم “جبهة التحرير” أضلّ بوصلته مراراً، بتأثير القطب العراقي، وظل في بغداد، بعدما لفظته اتفاقيات السلام اللاحقة بين “منظمة التحرير” والإسرائيليين، حتى ألقى الأميركيون القبض عليه في بغداد، حيث مات في أحد السجون الأميركية. سيرة تقارب تلك التي لرفيقه أحمد جبريل، زعيم “القيادة العامة” الذي ما زال في سوريا، مقاتلاً “الجماعات التكفيرية”، تقوده بوصلة فقدت “بعثيتها” إلى القدس.

وكما يتضح من سيرة القنطار التي صاغها حسان الزين، أنه كان دائم المقارنة بين المقاومة الفلسطينية وتلك اللبنانية “الإسلامية”. وترتسم الفروق بينهما، بحسب القنطار، في خطوط الفوضى والتفرق مقابل المركزية والانضباط؛ في الاستعداد والتدريب والتجهز مقابل الضعف والركاكة. صفحات سيرته، مليئة، بأسئلة وشكوك، تعزز قناعاته المستجدة.

من “بعث العراق” إلى “المقاومة الإسلامية”، مرّ القنطار، بينهما بعربة الماركسية والقومية. مسيرة نقّلت بندقية القنطار الفلسطينية، شديدة الصدق والولاء لقضيتها، على أكتاف متعددة.

القنطار الذي ولد في العام 1962، في بلدة عبية قضاء عالية في محافظة جبل لبنان، من والدين درزيين، تخارج مع هويته الإثنية الأولى. رفضُ القنطار لدرزيته، تمثّل في تبنّي وعي عروبي، أشد اتساعاً مما تفرضه الطائفة المغلقة. رفضٌ امتد إلى أن “يهمل فتى لبناني مثلي الأحزاب المحلية يعني أن اهتماماته خارج مشاريع تلك الأحزاب وسياساتها” بحسب قوله، فـ”سلوكي في الجبهة يفصح أن لا هدف لي إلا مقاتلة العدو في فلسطين”. تبني القضية الفلسطينية، والقتال من أجلها، وتقديم الذات على مذبح “جبهة التحرير الفلسطينية” ذات الوعي العلماني البعثي العراقي، جعله متفارقاً عن هويته الوراثية.

اختيار القنطار لقيادة عملية “عبدالناصر”، قد ينطوي بدوره على استخدام “جبهة التحرير” انتماءه للطائفة الدرزية؛ أمر ليس مستغرباً في حسابات البعثين العراقي والسوري، اللذين لطالما عملا على الهندسة الطائفية للمجتمعات. انتماء إثني خاص، وحماسة شاب، تم توظيفهما لإنجاز عملية فدائية، تُظهر لُحمة الشعب العربي في كفاحه ضد الصهيونية، وتخفي قدرة التنظيمات الفلسطينية الهامشية، على الحشد بين مختلف الطوائف.

الأمر ذاته، ظهر بعد تحرير القنطار في صفقة تبادل الأسرى، في العام 2008. وإذا كانت “جبهة التحرير” أوكلت إليه قيادة عملية نهاريا، فـ”حزب الله” ادعى بأن الحرب كانت لإطلاق سراحه. القنطار سرعان ما انتقل إلى عضوية الحزب، وتحوّل من المذهب الدرزي إلى الشيعي الذي تتطلبه مصاهرة آل البرجاوي المقربة من دوائر الحزب العليا.

القنطار كان قد أعلن بعد تحريره “أنه لم يغادر فلسطين إلا ليعود إليها”، لكنه قتل في جرمانا في ريف دمشق، في قصف على بناء كان يجتمع فيه مع قياديين في “الدفاع الوطني” في جرمانا، و”الجبهة الشعبية لتحرير الجولان” التي أسسها القنطار نفسه.

القنطار كان قد قال سابقاً: “الجولان أرض خصبة للعمل، وجغرافيا صعبة أيضاً، لكننا سنبني جسماً للمقاومة، يؤلم إسرائيل كثيراً”. لكن لم يُعرف عن “الجبهة الشعبية” تنفيذها لأي عمل عسكري مهم ضد إسرائيل، رغم محاولة فاشلة، نتج عنها مقتل 4 مقاتلين من الجبهة نجح القنطار في تجنيدهم، من قرى جبل الشيخ الدرزية.

ولم يُعرف عن “الجبهة الشعبية” أي حضور خارج مناطق الدروز في جبل الشيخ، ومحاولات فاشلة للتجنيد في السويداء. فالتنظيم المدعوم من “حزب الله” و”فيلق القدس” الإيراني، توجه عبر القنطار، لمخاطبة دروز سوريا، والسعي لضمّهم إلى ما يشبه “سرايا المقاومة”. الأمر لم يكن بالسهولة المتوقعة، فلم يكن للقنطار رصيد بين دروز السويداء، رغم نجاحه النسبي بين دروز الجولان السوري.

ولم يعرف عن جماعة القنطار في سوريا قيامهم بأعمال ضد المعارضة السورية السنية، سوى عملية واحدة في عرنة، في نهاية العام 2014، وراح ضحيتها 22 من أتباعه، كلهم من دروز جبل الشيخ وصحنايا وجرمانا في ريف دمشق.

الإجتماع الأخير، الذي قضى فيه القنطار، كان مخصصاً لبحث انضمام “الدفاع الوطني” في جرمانا الدرزية، إلى “الجبهة الشعبية لتحرير الجولان”، وتنفيذها لعمليات ضد المعارضة خارج مناطقها، وربما تنفيذ عمليات ضد مواقع إسرائيلية. عملية الاندماج التي سعى خلفها القنطار، كانت ترصد صعوبات التمويل لدى “الدفاع الوطني” وتعرض حلاً له، يستند إلى التمويل الإيراني. الاجتماع، قضى فيه إلى جانب القنطار، قادة في “الدفاع الوطني” ومسؤولون إيرانيون.

سئل القنطار مرة، عن اختياره لجرمانا في ريف دمشق، كمنطلق لأعماله، فقال: “لأنها قريبة وبعيدة عن الجولان. مكتظة وهادئة في نفس الوقت، وأستطيع فيها أن أبني عصباً للمقاومة، لا أعلم… لكنني أشعر بالأمان هنا”. أمان يتعلق بوجوده، بين أبناء طائفته الأصلية، وهو المنشق عنهم، وهُم يتعرضون لتهديد “وجودي” من قبل تنظيمات إسلامية متطرفة يحاربها القنطار، ولتهديد “عقائدي” يطلب تحويلهم عن مذهبهم، من قبل تنظيمات شيعية متطرفة يمثلها القنطار.

مرة أخرى، أصبح القنطار وسيلة لتنفيذ مشاريع بأجندات خارجية. فهو الدرزي-الشيعي، يُرسل من قبل “حزب الله” لتجنيد الدروز، في مشروع يخدم “القضية الفلسطينية” من منظور إيراني.

درزي-شيعي، يسعى خلف أبناء جلدته في الإثنية، لهدايتهم إلى “المقاومة الإسلامية” الشيعية، لتنفيذ أعمال ضد “المعارضة السنية التكفيرية” تصب في مصلحة التوازن بين إيران وإسرائيل.

المدن

 

 

 

 

لكنْ ماذا يفعل القنطار في سورية!…/ موسى برهومة

المصير الغريب الذي لقيه سمير القنطار في دمشق يرسم علامات استفهام كبيرة حول دور الرجل في سورية، والمهام التي كان يتولاها هناك، والنهاية المأسويّة التي لا تليق برجل كان ذات يوم مناضلاً مقداماً وشريفاً فنال، بفضل ذلك وعن جدارة، لقب «عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية». أما وأنّ «العميد» الرمزي صدّق نفسه، وصار عميداً عسكريّاً يقاتل، عوضاً عن إسرائيل التي اعتُقل في سجونها زهاء ثلاثين عاماً، شعباً أعزل تكالب عليه الطّغاة والمجرمون وسماسرة الأحلاف والسلاح، فهذا ما يلقي بتاريخ الرجل، الذي قتل أربعة إسرائيليين في 1979، في مهبّ النسيان، بل يعطف على ذلك أسفاً وندماً وحيرة من كيفية قبول «قامة» مثل القنطار هذا المصير المجانيّ الذي يُحيل الأعوام الثلاثين في سجون الاحتلال الصهيونيّ هباءً منثوراً، فالأشياء بخواتيمها، والنهايات إمّا أن تنتسب الى روح التّاريخ، أو تسيل على حوافّه، وتجفّ مع أوّل طلعة شمس!

سيقول يساريّون متقاعدون، أصابتهم الشيخوخة الروحيّة، والعطب الوجدانيّ، إنّ القنطار سقط «كما أبطال الجيش العربيّ السوريّ الذين يتعرضون، منذ خمس سنوات، لتآمر صهاينة الداخل والخارج معاً»، مؤكدين، في بيان سقيم لم يأبه به أحد، أنّه «المناضل المقاوم الذي ما تاهت بوصلته يوماً، من فلسطين إلى لبنان إلى سورية، مؤسّس المقاومة السورية الشعبية لتحرير الجولان، وبدمائه الآن، عمّدها»، ثم محمّلين المسؤوليّة في مصرعه، كما جرت العادة، لـ «عملاء جبناء»، أعطوا المعلومات لصواريخ إسرائيلية مجنّحة دمّرت البناية التي يقطنها القنطار في جرمانا قرب دمشق، في «مشهد مكثّف للتحالف الرجعيّ – الصهيونيّ، عاشتْه وتعيشه سورية التي آمن المقاوم الأسير الشهيد بأنّها الحصن والجدار والمستقبل، فمن دونها سنسقط جميعنا».

هؤلاء اليساريّون و «المقاومون الممانعون» أنفسهم، هلّلوا للتدخل الروسيّ المباشر في الحرب على الشعب السوري، كما كانوا هلّلوا وطبّلوا لولاية الفقيه، وهم الشيوعيّون الثوريّون الذين يعارضون على نحو حتميّ الدول الثيوقراطيّة التي تحكمها العمائمُ والميتافيريقا. لكن لا بأس من تذكيرهم بالاتّفاق الذي أبرم بين الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، في 21 أيلول (سبتمبر) الماضي في موسكو، حيث اتفقا، كما نقلت وكالة فرانس برس، على «آليّة لتنسيق الأعمال العسكريّة بين البلدين بهدف تجنّب أيّ احتكاك في سورية وسط تعزيزات عسكريّة واضحة لموسكو دعماً لنظام الرّئيس السوريّ بشّار الأسد (…) فيما أشارت وسائل إعلام إسرائيليّة، إلى أنّ المحادثات شملت تجنّب احتكاك بين طائرات الجيشين فوق سورية».

وفي هذا السياق، غضّت روسيا النظر عن الطائرات التي قصفت البناية في جرمانا بدمشق، ولا بأس أن نضيف أنّ النظام السوريّ الذي قاتل القنطار من أجله، قد باعه بثمن بخس، فطمأنينة إسرائيل بالنسبة الى نظام الأسد، وبالتالي تعزيز فرص بقائه واستمراره في قتل السوريين، أهمّ من «عميد الأسرى» ومن حامل لواء المقاومة، ومن «السيّد» نفسه. فما يزال الشّعار «الخالد» نفسه يتردّد منذ خمس سنوات: «الأسد أو نحرق البلد»!

قيل كثيراً عن دور القنطار في تأسّيس «المقاومة الوطنيّة السوريّة في الجولان»، وأنّه نذر نفسه من أجل هذا الهدف، لكنّ الوقائع أثبتت خلاف ذلك، فالرجل الذي فيه الكثير من مواصفات قاسم سليماني، ربما استهواه الدّور، وربما صدّق أكذوبة أنّ «سوريّة الأسد» هي الحصن والجدار والمستقبل، فاندفع «العميد» ينسّق ويخطّط العمليات لقتل مزيد من السوريين، ثم «الاحتفاظ بحقّ الرد» على إسرائيل، كما كان يفعل الأسد الأب، وشبله الصغير.

وعلى النّقيض مما قاله «اليساريّون المتثائبون» في بيانهم، تاهت بوصلة القنطار، وأصابت الغشاوة بصيرته «الثوريّة» وقضى على نحو مؤسف ومريب لا يليق بـ «رجل شجاع»!

 

 

* كاتب وأكاديمي أردني

الحياة

 

 

 

ماذا تعني ضربة إسقاط القنطار لـ”حزب الله” وما علاقتها بالاجراءات العربية والغربية ضده؟/ ابراهيم بيرم

بصرف النظر عن نوعية الرد الحتمي لـ”حزب الله” على اغتيال اسرائيل للمناضل التاريخي سمير القنطار ابان اقامته في الداخل السوري وعلى مقربة من دمشق، وبعيدا من التكهن بموعد هذا الرد وهل هو قريب ام انه سيوضع في خانة “الحساب المؤجل الطويل”، فالثابت ان الحزب اختار منذ فترة ليست بالقصيرة تجربة مواجهة عسكرية – استخبارية جديدة في سوريا مع العقل العسكري الصهيوني عنوانها العريض تثبيت قواعد وبؤر مقاومة تراكم مع مرور الزمن تجارب المقاومة التي قادها بجدارة وبراعة وفرادة منذ مطالع عقد الثمانينات من القرن الماضي وحتى اليوم في الجنوب اللبناني، وهو مضطر لان يتحمل النتائج والتداعيات والخسائر المتوقعة.

ثمة هدفان مباشران لهذه التجربة التي ستكون شاقة جدا:

الاول: افهام العدو الاسرائيلي ان عليه الا يبادر الى المضي قدما في سياسة “الجدر الطيبة” مع الداخل السوري والتي ترمز عمليا الى الحضور في صلب معادلة هذا الداخل سلبا وايجابا مستغلا التطورات الميدانية المتدحرجة التي اضعفت قبضة النظام الامنية، وتبيح لها مد رؤوس جسور في العمق السوري الذي انوجدت فيه مجموعات وثقافات تبرر ملاقاة اليد الاسرائيلية تحت عناوين شتى في مقدمها معاداة النظام والسعي العلني الى شطبه من المعادلة.

الثاني: توسيع ميدان المواجهة مع اسرائيل على نحو يتخطى الجغرافيا اللبنانية الضيقة مما يجعل للحزب هامش مناورة وتحرك عسكري واسع يعزز اوراق القوة لديه ويكسبه خبرات جديدة.

المؤكد ان فرضية تشظي الساحة السورية واضطرار الحزب للدخول بقوة في عمق اللهب السوري هو ما فرض عليه اتباع هذه الاستراتيجية العسكرية المختلفة لكي لا يأتي حين من الدهر ويجد نفسه في موقع المحاصر بين جدر اربعة لا يستطيع خروجا او حراكا. ولكن اجواء المقربين من الحزب تتحدث عن ان لبلوغه هذه القناعة وركوبه هذا المركب الخشن جذورا عميقة في العقل السوري الحاكم تعود تحديدا الى غداة حرب تموز عام 2006. فنتائج تجربة المواجهة الشرسة التي خاضها الحزب مدى نحو شهر عامذاك فتحت اعين القيادة السورية على زوايا وتجارب جديدة، فقررت في ضوء ذلك اعادة هيكلة الوية وفرق عسكرية سورية لتصير على غرار وحدات المقاومة، اي تكون في منزلة بين منزلتين، فلا هي جيش نظامي كلاسيكي ولا هي مجموعات مقاومة على غرار مجموعات حرب “الاغوار”، بل هي دون الجيش وفوق تجارب المقاومة المعروفة.

وثمة في دوائر الحزب من يقول إن العميد ماهر الاسد هو من تولى هذه المهمة بتوجيه من شقيقه الرئيس بشار الاسد الذي تماهى الى اقصى الحدود مع فكرة المقاومة ودورها. وقد سار الاسد الشقيق خطوات في هذه التجربة التي ما توقفت الا بعد اشتعال شرارة الاحداث في سوريا قبل نحو ستة اعوام مما استدعى تجميدا موقتا لهذا المشروع الضخم.

ولا ريب في ان الاعتبار اعيد مجددا الى هذا المشروع وان باشكال وصور اخرى عقب كشف اسرائيل نيتها ولوج الميدان السوري المضطرب فاعلا ومؤثرا وشريكا وذلك بناء على الاتي :

– غارات متكررة استهدفت مراكز وقواعد للجيش السوري وتحديدا في محيط دمشق تحت ذرائع شتى.

– فتح قنوات اتصال مع مجموعات سورية معارضة والسماح لها بادخال جرحاها الى المستشفيات الاسرائيلية.

– التسهيل لمجموعات عسكرية معارضة بسط سيطرتها على بلدات ومساحات في محافظة الجولان متاخمة مباشرة للحدود الاسرائيلية.

– شروع اسرائيل في حديث متكرر عن خشية تتملكها من وصول اسلحة استراتيجية كاسرة للتوازن من الترسانة السورية الى ايدي مقاتلي “حزب الله “واتخاذ ذلك ذريعة لتوجيه ضربات.

وهكذا وجد الحزب والنظام في سوريا ومعهما بطبيعة الحال طهران في صدد البحث الجدي والملح عن سبل لتكريس استراتيجية عسكرية جديدة في مناطق سورية حدودية بعينها تفهم اسرائيل من خلالها ان مد يدها الى الملعب السوري والعبث بمعادلاته وتأجيج تناقضاته امر لن يمر من دون عقاب، فكانت استهلالا عمليات قنص وقصف وتفجير عبوات وعمليات استطلاع واتصال برموز ومجموعات في الجولان المحتل واعادة تجميع لكوادر وقيادات لها خبرة في مجال مقارعة الالة العسكرية الاسرائيلية، وكان في مقدمها الاسير المحرر سمير القنطار الذي نقل مجال نشاطه الى الداخل السوري مبتدئا عصر مواجهة جديدا استفز اسرائيل وجعلها تقرر الرد.

وتجلت بواكير الردود واكثرها ايلاما باستهداف اسرائيل للمجموعة اللبنانية _ الايرانية التي كانت تستطلع الارض في مزارع قريبة من الحدود السورية مع الجولان المحتل ومن بين افرادها جهاد عماد مغنية. وبعد اقل من اسبوع رد الحزب بهجوم استهدف دورية اسرائيلية في مزارع شبعا ادى الى سقوط عدد مماثل من شهداء الحزب. وعلى الاثر اطل السيد حسن نصرالله بخطاب اعلن فيه ان هذه دفعة اولى على الحساب المفتوح لا سيما ان اسرائيل امتنعت عن الرد.

الا ان الضربة الاخيرة التي اسقطت القنطار شهيدا بعد نحو 7 سنوات على تحرره من الاسر الاسرائيلي اظهرت للحزب ان تل ابيب ليست في وارد الرضوخ لمعادلة: مقاومة تتنامى وتترسخ على حدودها مع سوريا وانها ما برحت مستعدة للمواجهة.

وبالطبع لدى الحزب قراءة لجوانب اخرى من مشهد الاعتداء، فهو يعي اولا ان الضربة اتت متزامنة مع جملة اجراءات وضربات غربية – عربية اتخذت بحقه اخيرا وتندرج في خانة إحكام الحصارات الاعلامية والمالية والقانونية على الحزب، وهي في مجملها حصارات مؤذية غير مسبوقة إن في تفاصيلها او في مؤداها البعيد.

وعليه فان الحزب يدرك ان المطلوب امر اساسي وهو الا يكون شريكا في اي مكسب يحققه النظام في سوريا لكي لا يترجم ذلك في الساحة اللبنانية.

وبمعنى آخر، المطلوب ان يكون الحزب شريكا في الغرم وليس في الغنم، خصوصا ان كل المؤشرات تدل على ان مسألة تعويم النظام في سوريا صارت امرا واقعا.

باختصار، الحزب محكوم بالرد لاعتبارين اساسيين: الاول ان يبلّغ من يعنيهم الامر انه ليس في وارد الرضوخ، والثاني انه يستكمل ما بدأه في الساحة السورية.

النهار

 

 

 

بوتين وقّع على تصفية القنطار؟/ راجح الخوري

يصعب التصديق ان عملية اغتيال سمير القنطار التي نفّذها العدو الاسرائيلي ليست موقّعة من فلاديمير بوتين شخصياً، ليس لأنه لم يتردد في السابق، في اعلان احترامه الصريح “لمصالح اسرائيل الحيوية في سوريا” [هكذا بالحرف] بل لأنه مع وجود منظومة صواريخ “اس ٣٠٠” هناك، سيكون من المهين جداً ان تتم عملية من هذا النوع ولا تكون موسكو على علم بها.

هذه واحدة. أما الثانية، فهي ان المقاتلات الاسرائيلية لا يمكن ان تدخل الأجواء السورية دون اطلاع الرفيق الروسي على “الخط الساخن” المفتوح دائماً، والذي كان على علم مثلاً بالغارات التي شنتها اسرائيل الشهر الماضي، ودمّرت أهدافاً عسكرية في وسط دمشق قرب المطار الدولي وكانت عبارة عن صواريخ ايرانية موجهة الى “حزب الله”، وعندما تحدث بوتين عن احترام المصالح الحيوية في سوريا لم يكن يتحدث عن السياحة أو المبادلات التجارية بل عن هذا النوع من السلاح الايراني الذي لا يريد العدو ان يصل الى الجنوب اللبناني.

وحتى لو كانت عملية القصف تمت من خارج الفضاء السوري، كما يحاول البعض ان يقول تخفيفاً للحرج من الغرام بين العدو الصهيوني والحليف الروسي، فان ما تنقله الأنباء الروسية تحديداً عن الجنرال الروسي أندريه كارتابولوف من ان الروس والاسرائيليين يسهرون على مدار الساعة على تبادل كل تفصيل يتصل بالوضع الجوي في سوريا، يعني عملياً ان عملية القصف التي اغتالت القنطار ورفاقه كانت تحظى بتوقيع الروس!

وبغض النظر عن المستوى الدقيق للتنسيق العسكري بين موسكو وتل ابيب في سوريا ليس من الغريب ان تكون الحسابات السياسية المعقدة وافقت ضمناً على هذه العملية، على الأقل من منطلق تكرار موسكو دائماً ان بقاء الأسد في السلطة يتلاقى مع المصالح الاسرائيلية وهو ما حفلت به التصريحات الاسرائيلية، وعلى هذا ولأن القنطار كان مكلفاً من الايرانيين، تأليب دروز المنطقة بما يساعد على فتح جبهة الجولان، لكي تمثل امتداداً لجبهة لبنان الجنوبي التي يتولاها “حزب الله”، فان عملية الخلاص منه لا تمثل رغبة اسرائيلية قديمة في الانتقام منه وهو ما دفع صحيفة “يديعوت أحرونوت” الى القول “لقد أُقفل الحساب مع القنطار” بما يمثل رسالة تهديد الى الآخرين، بل تمثل أيضاً تمهيداً ضرورياً وضماناً لمستلزمات سياسية تلتقي مع تكرار الروس والنظام السوري القول ان بقاء الأسد مصلحة اسرائيلية وهو ما لم ينكره العدو الاسرائيلي يوماً، بما يعني ان ما كان يفعله القنطار بتكليف من ايران يمكن ان يخربط هذه الحسابات الروسية السورية الاسرائيلية!

ما يرجّح كل هذا ان الكرملين يرفض التعليق مكتفياً بالقول راجعوا الجيش الذي يتولى التنسيق مع الاسرائيليين!

النهار

 

 

جدليات اغتيال سمير القنطار/ عبد الوهاب بدرخان

أشعل اغتيال القيادي في “حزب الله” سمير القنطار أكثر من جدل. ودار الأول حول السؤال “ماذا يفعل في سوريا؟”، اذ كان السائلون، من غير اللبنانيين، يعتقدونه غارقاً في أنشطة “المقاومة” في الجنوب، وكان كثيرون منهم عبّروا عن اعجاب كبير به وتعاطف عميق معه بعدما قرأوا سيرته عن أعوام أسره في سجون العدو الاسرائيلي. لكن قلائل بينهم مَن تابعوا سيرته بعد تحريره، وهؤلاء صُدموا بآرائه في الشأن السوري، ثم بدوره في سوريا، اذ يصعب أن يستقيم في المنطق الانساني السليم أن يكون المرء عرف الى هذا الحدّ معنى الحرية وأن ينحاز الى هذا الحدّ ضد شعب كامل يريد التحرّر من الاستبداد.

كانت المقاومة الفلسطينية أرسلته في عملية فدائية، قبل 36 عاماً، وكانت المقاومة اللبنانية أخرجته من الأسر قبل 7 أعوام، لكنه عاد الى لبنان ليعود الى فلسطين، كما قال، ولذلك كان من الطبيعي أن يوجد في سوريا بحثاً عن طريق الى فلسطين، بعدما تعدّدت الطرق اليها، استناداً الى خطب السيد حسن نصرالله. لعله لم يعلم أن “المقاومة” غزت بيروت، قبل اسابيع من تحريره، وكفّت عن أن تكون مقاومة للعدو، لكنه كان حاضراً وسامعاً ومبصراً كيف أنها بانخراطها في قتل السوريين نأت بعيداً جداً عن روح المقاومة.

الجدل الآخر تركّز على “رسائل اسرائيل” و”رسائل روسيا”. فجأةً، أصبح “المقاومون” محللين موضوعيين باردي العقول رغم أن المناسبة فيها موت ودمار وتحدٍّ اسرائيلي صلف. تحدثوا جميعاً كما لو أن الحدث في مكان بعيد: اسرائيل استغلّت انشغال “المقاومة” بمحاربة “التكفيريين”، أرادت حرف الأنظار عن “انتصارات” نظام بشار الاسد في ريف حلب، استهدفت سمير القنطار لأنه يعمل على مشروع مقاومة لتحرير الجولان… وهذا مشروع “استراتيجي” هيّأت له ايران ميليشيا سورية خاصة أجرت معظم تدريباتها ميدانياً في مقاتلة سوريين آخرين، لكنه تأخّر على الأرجح في ابراز هدفه المفترض، وهو انهاء الهدنة المديدة بين النظام السوري واسرائيل.

يشير المحللون اياهم ضمناً الى أن نظام الاسد أعطى الضوء الأخضر لهذا المشروع، لكنهم يتفادون القول ان الروس منحوا اسرائيل ضوءاً أخضر كي تضربه. وبالنسبة اليهم فان النظام معذور اذ عجز عن حماية سمير القنطار، فهو منشغل بمواجهة “المؤامرة” والارهاب، وهو لم يحمِ سواه أيام كان في ذروة “مقاومته”. لكن ماذا عن الروس؟ كانت لافتة استفاضة محللي المقاومة في شرح العلاقة بين روسيا واسرائيل، مبدين كل التفهم لـ”تحييد” الروس أنفسهم عن الصراع بين اسرائيل والمقاومة، ما يعني استطراداً “تحييد” نظام الاسد أيضاً. فالنظام معني بقتل كل سوري معارض دفاعاً عن “سيادة سوريا”، وروسيا معنية بقتل كل سوري معارض دفاعاً عن النظام، لكنهما غير معنيين باطلاق رصاصة واحدة على أي طائرة اسرائيلية دفاعاً عن المقاومة…

النهار

 

 

 

السّمُّ السوري/ جهاد الزين

كان رأيي دائماً منذ حصل الانفجار السوري أنه لا شيء في المنطقة بعد هذا الانهيار مثل قبله. لقد غيّرت النكبة السورية كل شيء في هذه المنطقة بما فيها القضية الفلسطينية. غيّرت الوقائع والمشاعر وأكاد أقول القِيَم. لا أدَلّ على ذلك مرةً جديدة بين الأدلة سوى ردود الفعل على اغتيال عميد الأسرى العرب وليس فقط اللبنانيين في السجون الإسرائيلية سمير القنطار.

ما يحز في النفس أن السمّ السوري أفسد مناخَ تلقّي هذا الحدث الشديد الرمزية. فعلى وسائل التواصل الاجتماعي انفجرت حربّ أهلية تضم في جبهتَيْها بعض السوريين واللبنانيين وعرب المشرق (دائما تنقذنا لغويّاً كلمة “بعض” ولا تنقذنا سياسياً) حول جثمان سمير القنطار بين حزين مستنكِر وشامتٍ فرِح. إنه الرجل الآتي من جبلٍ إشكاليٍّ من بلاد الشام والراحل في قرية هي آخر امتدادٍ لجبل آخر من بلاد الشام. الأول أقرب إلى البحر والثاني أقرب إلى الصحراء.

هذه الحرب الأهلية حول جثمان سجين شهير ما كانت لتحصل قبل انفجار قلب بلاد الشام التي فلسطين، للتذكير، هي جنوبها التاريخي الجغرافي.

حتى النقاشات تغيّرت:

كان يمكن قبل الانفجار السوري أن يحصل نقاش على إرث العمليات المسلّحة الذي انتمى إليه سمير القنطار وسُجِن بسببه أكثر من ثلاثين عاما، أي بما يتجاوز فترة نلسون مانديللا المستحيلة وهي 27 عاماً. نقاش كان سيكون من موقع أي مساهمة أكثر فائدة للفلسطينيين في الصراع العربي الإسرائيلي. وهو نقاش سبق للنخب العربية أن انخرطت فيه حول جدوى أو عدم جدوى العمليات التي تشمل مدنيين في الصراع مع العدو الإسرائيلي. ولكنْ اغتيل القنطار، والأرجح بيد أو قذيفة إسرائيلية أو كلتيهما معاً، داخل الحرب الأهلية السورية التي صارت على أكثر من مستوى، ومبكِراً، صارت قلب العالم.

يجب أن نحصي من الآن فصاعداً، كتأكيد على ما غيّره الانهيار السوري بما لاسابق له منذ مائة عام، أن نحصي شهداء القضية الفلسطينية خلال سايكس بيكو وشهداءها ما بعد سايكس بيكو. فلسطين هي ضحية سايكس بيكو. سوريا هي ضحية انهيار سايكس بيكو. عاش سمير القنطار وسُجِن خلال أكثر من الربع الأخير من عمر منظومة سايكس بيكو وسقط في السنوات الأولى من ما بعد سايكس بيكو.

سوريا أصبحت نكبةً أكبر بكثير من النكبة الفلسطينية. حجما ومتغيِّراتٍ بنيوية وقِيميّة.

سُجِن سمير القنطار قبل ثورة المعلوماتية وخرج من السجن بعد انطلاقها. وجود وسائل التواصل الاجتماعي في قلب حيواتنا ليس شكليا هنا. فنوع التعبيرات عن المشاعر والمواقف صار أقل انضباطاً وأكثر كسرا للمحرّمات. على أي حال في الحروب الأهلية، بديجيتال ومن دون ديجيتال، يخرج الكثير من الكلام عن الضوابط العامة، مواقفَ أو مشاعر.

ذهب الغضب العربي بسمير القنطار إلى السجون الإسرائيلية. وأودى السمُّ السوري بحياته. في الحالتين القاتل إسرائيلي هويةً أو تبعيةً أو غدرا. لكن الفارق أن مسؤولية الانحطاط العربي أقوى وأشمل بكثير في حالة تغييبه. ولذلك هو بمعنى ما بل بأكثر من معنى ضحية الاختلال العميق للتاريخ العربي المعاصر. إحدى روايات هذا الاختلال الأكثر دلالة في الخصوصيات والعموميات.

وأسمح لنفسي هنا أن أقول إن سمير القنطار الذي كان شهيداً حياً قبل اغتياله يرحل مرغما ومقاتلا في حرب أهلية ضارية في زمن ما بعد الصراع العربي الإسرائيلي، الصراع الذي، على أهميته وقدرته على تجديد نفسه ولو بقوة اليأس وأساليبه التي لا يزال يبتكرها الشعب الفلسطيني، لم يعد محور “شخصية” المنطقة. ولنلاحظ أن موجة السكاكين الفلسطينية الجديدة لا تخضع على جهة النخب العربية والفلسطينية لأي نقد بسبب هذا الانسداد في الأفق الفلسطيني. انسداد يجعل مثقفا وصحافيا نقديّاً إسرائيليا بارزاً مثل جدعون ليفي يعلن في واشنطن قبل أشهر وفي اجتماع يضم مناصرين لإسرائيل يأسه من أي رهان على المجتمع الإسرائيلي لدعم موقف ينهي المأساة الفلسطينية.

زمن ما بعد الصراع العربي الإسرائيلي بدأ. وإسرائيل هي القوة الأكثر شعورا برحابة الوضع لصالحها على المستوى الاستراتيجي. فهذا زمن الانسحاب من الصراع والدخول في الحرب الأهلية. انسحاب دول ومجتمعات.

رحم الله سمير القنطار ورحم الله سايكس بيكو.

النهار

 

 

قرار الرد على اغتيال سمير القنطار يعود لإيران/ عاموس هرئيل

انتظروا في الاجهزة الامنية الإسرائيلية أمس خطاب الامين العام لحزب الله، حسن نصر الله. منذ القصف الجوي الذي نسب لإسرائيل والذي قتل فيه المخرب سمير القنطار بالقرب من دمشق، نشرت وسائل الاعلام المقربة من حزب الله اعلانات الحداد والتضامن.

نصر الله اكتفى بأقوال عامة مثل، المخرب الدرزي كان «واحدا منا»، ووعد بالانتقام لموته في الزمان والمكان المناسبين.

زعيم حزب الله لم يقدم أي تفاصيل اخرى ولم يحدد الخطوط التي توجه العمل الذي ينوي القيام به. هل سيكون انتقاما في مستوى اشعال الحرب من جديد مع إسرائيل؟ أغلب الظن لا. يبدو أن هناك اشارة إلى ذلك في وصية سمير القنطار التي نشرها التنظيم حيث طلب فيها الانتقام لدمه بحكمة من دون الانجرار إلى حرب لا يستطيع حزب الله السيطرة عليها. لكن يجب التعامل مع اقوال نصر الله بجدية: في أغلب المرات التي هدد فيها إسرائيل، كان هناك رد من قبل تنظيمه حتى ولو كان الامر بقوة محدودة.

هذه هي المرة الثانية التي يسود فيها التوتر في هذه السنة على الحدود الشمالية على خلفية تصفيات منسوبة لإسرائيل. في المرة السابقة حدث هذا عندما قتل جهاد مغنية وجنرال ايراني وخمسة مقاتلين في قصف الجولان السوري في كانون الثاني. وقد امتنع نصر الله في حينه عن الظهور العلني الفوري، لكن تنظيمه هدد بأنه سيصفي الحساب مع إسرائيل. وقد نفذ تهديده بعد عشرة ايام في كمين صواريخ ضد المدرعات في هار دوف حيث قتل ضابط وجندي من كتيبة جفعاتي.

سمير القنطار ليس جهاد مغنية، رغم كل المديح الذي يكيله حزب الله في هذه الاثناء. ويبدو أن القنطار لم يعمل في السنة الاخيرة تحت مظلة حزب الله. فحسب مصادر مختلفة، التنظيم الشيعي كان يفضل تقليص علاقته مع المخرب الدرزي منذ عام بعد فشل الخلية التي ترأسها في الجولان. منذ ذلك الوقت عمل القنطار بشكل مباشر تحت إمرة حرس الثورة الايراني في سوريا ولبنان من خلال ضابط ايراني برتبة كولونيل. وقد قالوا في إسرائيل مؤخرا إنه على خلفية الخلية التي ترأسها، شكل القنطار «قنبلة موقوتة». واذا كان قتل على أيدي إسرائيل فيبدو أن هذه هي الخلفية لقتله.

في المقابل، حزب الله لا يتملص من صلته مع القنطار. اطلاق سراحه من السجن الإسرائيلي بعد 29 سنة في صفقة لتبادل جثث جنود من الجيش الإسرائيلي في أعقاب حرب لبنان الثانية، كان انجازا كبيرا للتنظيم وقد احتفل به في بيروت. تجربة الماضي تشير إلى أن حزب الله يتعامل بجدية كبيرة مع مسائل الاحترام والصورة في ميزان الردع الإسرائيلي. لذلك يصعب القول إن حزب الله سيمتنع تماما عن الرد العسكري. حتى لو بدا نصر الله مثل اسحق شمير لبناني في تصريحاته حول «الزمان والمكان».

بعد مقتل القنطار ببضع ساعات تم اطلاق ثلاثة صواريخ كاتيوشا على الجليل الغربي من الجبهة الشعبية/القيادة العامة، وهو تنظيم مقرب من سوريا وأسسه احمد جبريل. ويصعب القول إن هذا هو الانتقام الذي يدور الحديث عنه. لقد نفذ القنطار عمليته الاولى حيث قتل أبناء عائلة هران وشرطي في نهاريا في سنة 1979 من قبل جبهة التحرير الفلسطينية التي انشقت عن تنظيم احمد جبريل. يبدو أن اطلاق صواريخ الكاتيوشا كان من اجل التضامن مع المخرب القديم، ومن غير الواضح اذا تم التنسيق أصلا مع حزب الله.

إن الرد في لبنان وسوريا يرتبط كما يبدو، أولا وقبل كل شيء، بايران، سواء نفذ الانتقام حزب الله أو بقايا تنظيم القنطار في شمال هضبة الجولان، فان القرار النهائي على الاغلب سيتم اتخاذه في ايران. اولا لأن سمير القنطار كان تابعا لايران في الاشهر الاخيرة. ثانيا لأنه توجد للايرانيين مصالح معقدة في المنطقة منها العلاقة مع القوى العظمى على خلفية الاتفاق النووي، الجهود لابقاء نظام الاسد في سوريا، الاتصالات لانتخاب رئيس جديد في لبنان. كل ذلك له أهمية أكبر من موضوع قتل سمير القنطار. في هذا السياق الانطباع في إسرائيل هو أنه لم يكن أحد من حرس الثورة في المبنى، والمصابون هم القنطار ونائبه والمتحدث بلسانه شعلان وحارسه الشخصي.

في جميع الحالات فان الجاهزية الإسرائيلية تستند إلى فرضية خطيرة تقول إن الرد يمكن أن يكون أخطر مما هو متوقع. ففي جولة صغيرة على طول الحدود اللبنانية أمس برز التواجد الضئيل لقوات الجيش الإسرائيلي هناك، الامر الذي لا يشير إلى جاهزية الوحدات. يمكن أن يكون العدد القليل للمدرعات العسكرية قرب الحدود يهدف إلى منع حزب الله من الوصول إلى أهداف. في الماضي تصرف الجيش الإسرائيلي خلافا لذلك الامر الذي كلفه الخسائر.

في عام 2014 قتل برصاص القناصة اثنين من فنيي الاتصال تم ارسالهما لاصلاح أحد الهوائيات على سطح موقع نوريت العسكري على الحدود، رغم التوتر الذي ساد في أعقاب قتل أحد قادة الجهاد الاسلامي الفلسطيني في لبنان والذي نسب إلى إسرائيل. وبعد الكمين في بداية العام تساءل الجيش اذا كان من الضروري اجراء جولة لضباط جفعاتي خصوصا في ظل التوتر الذي كان سائدا.

هآرتس 22/12/2015

 

 

 

تساؤلات في إسرائيل أيضا: لماذا سكت الدب الروسي على قتل القنطار؟/ وديع عواودة

الناصرة ـ «القدس العربي»: تواصل أوساط اليمين واليسار في إسرائيل الترحيب باغتيال القيادي في حزب الله سمير القنطار. ويرجح محللون في إسرائيل أنها علمت مسبقا بأن عمليتها في دمشق لن تثير جنون الدب الروسي. وقال رئيس المعارضة النائب يتسحاق هرتسوغ (المعسكر الصهيوني) إن اغتيال قنطار هو عدالة تاريخية لكونه إرهابيا لم يترك طريق الإرهاب والقتل بتاتا، معتبرا المنطقة «آمنة أكثر من دونه».

وقال النائب موطي يوغيف (البيت اليهودي ( انه يشكر ويقدر «من عمل على اغتيال سمير قنطار وقادة « المخربين الآخرين» لقاء تصفية الحساب على عملية نهاريا في عام 1979، ومنع عمليات مستقبلية.»

الى ذلك، توجه سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، إلى الأمين العام بان كي مون وطالبه بشجب إطلاق الكاتيوشا على شمال إسرائيل. وقال ان إسرائيل لن توافق على التعرض لسيادتها ومواطنيها، وينوه أنها ستدافع عن مواطنيها وأراضيها في مواجهة كل الهجمات الإرهابية أينما كانت».

وفيما امتنعت إسرائيل الرسمية عن التعليق على جريمة قتل القنطار يعتبر محللون إسرائيليون كثر أن قرار الثأر من إسرائيل على عملية الاغتيال هذه بأيدي إيران. ويتبنى المحللون مزاعم الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية عاموس يادلين بأن الاغتيال ليس انتقاما وغير مرتبط بحسابات الماضي بل هو خطوة استباقية لقطع الطريق على عمليات وشيكة ضد إسرائيل في الجولان.

وبنفيهم حسابات الانتقام يتجاهل هؤلاء تجارب الماضي لإسرائيل مع الثورة الفلسطينية التي تفيد بأنها تنفذ عمليات اغتيال سرية من باب الانتقام ولو بعد حين، كما فعلت مع محمود المبحوح في دبي.

ويعتبر المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» ألكس فيشمان المقرب من الدوائر الأمنية أن حزب الله رفع رعايته عن القنطار منذ عام، وأن ‘النظام في دمشق نظر إلى استمرار نشاط القنطار في سوريا على أنه خطر على مصالحه، لأنه كان يمكن أن يجر إسرائيل إلى مواجهة مباشرة ضد سوريا. ويذهب فيشمان للتقليل من أهمية القنطار بالنسبة لسوريا وحزب الله، وقال إنه استمر بنشاطه في الجولان بصورة مستقلة بتوجيه من ضباط حرس الثورة الإيراني في دمشق. ويعتبر فيشمان أن السبب الوحيد الذي يمكن أن يبرر تصفية القنطار في العاصمة السورية، المحمية بمظلة دفاع جوي روسية وفي مركزها صواريخ أس400، ورادارها الذي يغطي مساحات واسعة من إسرائيل، هو معلومة استخبارية متينة حول هجوم على وشك التنفيذ بصورة فورية. لكن فيشمان يزعم أن الانتقام في السياسة الأمنية العاقلة ليس سببا مقبولا لاغتيال القنطار. ويتابع «لو كانت إسرائيل تريد اغتيال القنطار من أجل الانتقام منه، وكي تلمح للإيرانيين وحزب الله أو للأسرى الأمنيين أن العودة إلى الإرهاب بعد تحريرهم في إطار صفقة تبادل، فقد كانت لديها عشرات الفرص للقيام بذلك منذ إطلاق سراحه في عام .2008 واتفق معه المحلل هارئيل على أن اغتيال القنطار لا علاقة له برغبة إسرائيل بالانتقام منه على العملية التي نفذها في نهريا في عام 1979رغم أهمية هذا الاعتبار. «ويرى هارئيل إن هذه العملية جاءت على خلفية آنية، بادعاء أن القنطار كان يُعدّ لهجوم ضد أهداف إسرائيلية. ويرى أنه إلى جانب إطلاق صواريخ من لبنان باتجاه الجليل فإن تدحرج الأمور من الآن فصاعدا مرتبط بالأساس بموقف إيران. كما استمرت الترجيحات في إسرائيل أيضا حول دور وموقف روسيا من هذا الاغتيال وفيشمان أحد المحللين الذين ينحاز للاعتقاد المنطقي بأن الروس علموا بعملية الاغتيال في الوقت الصحيح، لكن موسكو التزمت الصمت. وأشار هرئيل إلى أنه سبق اغتيال القنطار ثلاث غارات إسرائيلية في الأراضي السورية خلال الشهور الماضية، واستهدفت شحنات أسلحة قرب دمشق. واستنتج المحلل من ذلك أنه رغم الوجود الروسي في شمال غرب سوريا المقيد لحرية العمل الإسرائيلي في المنطقة، إلا أنه ليس عائقا لشن غارات إلى الجنوب من هناك، وحتى قرب دمشق. واضاف «هذه رسالة ليست سهلة الاستيعاب بالنسبة للرئيس السوري وشركائه». ويرجح زميلهما رون بن يشاي أن روسيا لن ترضى على الأقل بقيام إيران أو حزب الله بما من شأنه أن يفضي إلى تدهور الوضع الأمني بالمنطقة. ويقول إن روسيا غير معنية بتوسيع النزاع في سوريا لأن بوادر تسويته تلوح بالأفق وتتواءم مع توجهاتها حيال حليفتها النازفة سوريا. لكنه يتفق معهما حول ترجيح كفة حسابات المستقبل وإحباط عمليات محتملة على كفة حسابات الانتقام والماضي.

ورغم عدم معرفة وسيلة القتل بالصاروخ عن بعد أو بالقصف الجوي فوق سماء سوريا، المرجح أكثر أن لا تقدم إسرائيل على استهداف كهذا في حي جرمانا بدمشق دون معرفة مسبقة بأن روسيا لن تخرج عن طورها لهذا الاغتيال في قلب دمشق لا سيما أن الأزمة الراهنة مع تركيا تدفعها للاهتمام أكثر بعلاقاتها وتنسيقها العسكري المعلن مع إسرائيل منذ نحو شهرين.

 

 

 

 

أبو علي بوتين أم بنيامين بوتين؟/ منير الربيع

أكثر ما يدعو للإستغراب في الفترة الماضية، هو نظرة البعض إلى التنسيق الروسي الإسرائيلي الإستراتيجي في سوريا وما ينتج عنه. المستغربون هم حلفاء “أبو علي بوتين” الذين هلّلوا للتدخل الروسي في سوريا، وراهنوا عليه لتغيير الوقائع على الأرض، لكن حتى الآن فإن الرياح “البوتينية” جرت بما لا تشتهيه سفن الممانعة.

منذ إطلاق “عاصفة السوخوي”، وفق ما يطلق البعض على العمليات الروسية في سوريا، كان ثمة أمر ينغّص متعتهم على الأرض السورية وفي الفضاء الإعلامي الدائر في فلكها. الصفعة الأولى كانت عند التزام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأمن إسرائيل القومي والإستراتيجي، لتتوالى الصفعات في ما بعد، إن عبر زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى روسيا للتنسيق حول التدخل الروسي وتوفير حماية إسرائيل، أو عبر الإعلان عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة في مطار حميميم العسكري السوري.

منذ بداية التدخل، كانت وجهة الروس واضحة، الحفاظ على مصالحهم الإستراتيجية، وهذا بالتأكيد من شأنه أن يثير بعض الإختلافات مع طهران. هناك الكثير ما يجمع القيادات الكبرى من الجيش السوري وهم أبناء الطائفة العلوية مع الروس فيما يفرّقهم عن ولاية الفقيه، ومن بين هذه الإختلافات، يبرز بعد الدخول الروسي ارتفاع قتلى الحرس الثوري الإيراني بشكل فاضح. إذ هناك من يعتبر أن الضباط السوريين هم من ينتقمون من الإيرانيين أولاً بسبب معاملتهم لهم بتشدد واحتقار أحياناً، وثانياً بسبب البعد الإجتماعي والنمط الفكري.

وما أتى لكسر الجرّة بين الطرفين، وإن من دون ضجيج، كانت الغارة الإسرائيلية التي استهدفت أحد المباني في جرمانا بريف دمشق، وأدت إلى مقتل سمير القنطار وعدد من القيادات السورية التي أنشأها ودرّبها “حزب الله” بإشراف إيراني، بالإضافة إلى المعلومات التي تشير إلى مقتل احدى الشخصيات الإيرانية المهمة.

ُحشر حزب الله ومن خلفه الإيرانيون بعد ما حصل، خصوصاً بعد أيام على التهليل لصواريخ “اس 400″، والتي صورتها المنظومة الإعلامية لـ”حزب الله” على أنها صواريخ الخلاص من التهديد الإسرائيلي. لكن أيضاً جرت الرياح البوتينية بما لا تشتهيه السفن الإيرانية.

في الكواليس، ثارت ثائرة “حزب الله” والإيرانيين، إزاء ما جرى، اتهم البعض الروس بالتخاذل والخيانة والغدر، ومنهم من ذهب أكثر معتبراً أن الروس بالتأكيد على علم بالموضوع، خصوصاً أن الصحافة الإسرائيلية والعديد من المحللين العسكريين، بالإضافة إلى لبعض المسؤولين تفيد بأن التنسيق مع روسيا هو الذي سمح لإسرائيل بتنفيذ الغارة، وعند سؤال الروس عن الأمر يرفض الكرملين الإجابة عن أي سؤال، بل يقول إن هذه المعطيات متوافرة فقط لدى الجيش الروسي.

بلغ السيل الزبى، مع الإتصال الذي أجرى بوتين بنتنياهو بعد الغارة بيومين للبحث بالوضع السوري، وهذا ما أثار المزيد من الحرج لدى الممانعين، في ظل عجزهم عن الرد أو حتى اتهام روسيا، حرصاً على تقاطع المصالح بين إيران وروسيا في هذه المرحلة تحديداً.

بالتأكيد لم يكن “حزب الله” ولا إيران، يتوقعان خروج الروس عن حمايتهم المطلقة لإسرائيل. إنما الغرابة، هي في الصورة التي رسمها الإيرانيون وحلفاؤهم عن بوتين، وهذا أحد أبرز مسببات الصدمة لدى جمهور وبيئة هذا الطرف.

والثابت أن بوتين، هو أكثر المتمسكين بالتزام أمن إسرائيل، وهو يعتبر وقد أعلن ذلك في مجلس الأمن صراحة، أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، وبالتالي اصطياد الهدف الذي تراه مناسباً في سوريا، وهذا لا يشكل إحراجاً للرئيس الروسي، لا بل يدخل ضمن سياق تفكيره ورؤيته للأمور، خصوصاً أن الأمر يتعلّق بمحاربة الإرهاب، وحين يكون الشعب السوري كله إرهابياً، فهو يبرّر لإسرائيل النظر لـ”حزب الله” كتنظيم إرهابي، وبما أن عنوان بوتين الأساس هو محاربة التطرف الإسلامي، فأيضاً “حزب الله” بالنسبة إليه هو جزء من هذا التطرف بغض النظر عن الإختلاف المذهبي، بل إن بوتين بعقليته هو ضد كل التنظيمات الإرهابية، وإن كان هو قادراً على محاربة الشق السنّي منها، فهو يغضّ الطرف عن غيره لمحاربة الشق الشيعي.

بالنسبة إلى بوتين، هناك ضرورة لتحجيم التنظيمات المتطرفة بشقيها السني والشيعي، وهو يلتقي مع الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى على هذا الامر، وبالتالي فهو لا يعارض إضعاف قدرة هذه التنظيمات وليس فقط قتل قيادييها، والدليل هو الغارات الإسرائيلية التي شنّت بحماية الروس على مواقع وقوافل أسلحة لحزب الله في سوريا.

ليس الخطأ في بوتين، بل في من عوّل عليه ووصفه بـ”أبو علي”، علماً أنه رئيس دولة لها مصالحها التي لا تعرقلها صداقات أو حسابات أطراف أخرى.

المدن

 

 

 

سمير القنطار.. عصا سليماني للشجار مع إسرائيل/ فادي الداهوك

قبل عام تماماً، بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية تتحدث كثيراً عن سمير القنطار. ذلك الحديث استند إلى تسريبات استخباراتية نشرت في الإعلام تقول إن إيران تتطلع بشغف إلى تنشيط الجبهة الشمالية، وإحداث بؤر متوترة مع إسرائيل من خلال “شبكتين إرهابيتين”. كان اللافت في الأمر آنذاك أن التسريبات أشارت بوضوح، وسمّت، المسؤولين عن تشغيل الشبكتين: جهاد مغنية، وسمير القنطار.

بالشراكة مع “حزب الله” أقامت قوة “قدس” التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني في قرية عين الشعرة في جبل الشيخ، قرب بلدة حضر الدرزية، مقرين عسكريين؛ الأول لقوات “الدفاع الوطني”، والثاني “سرية المهام الخاصة”، التي كان يديرها جهاد مغينة، معنوياً، بإشراف سمير القنطار. في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، فُضح أمر المقرين على خلفية مقتل 22 درزياً من “الدفاع الوطني” ورّطهم القنطار بهجوم خاسر على قرى مجاورة تسيطر عليها المعارضة. حينها أصبح التداول باسم القنطار ومغنية، والمقرّين، علنياً من قبل سكان التجمعات الدرزية في منطقة جبل الشيخ، ما أدى إلى حصول توتر في العلاقة معهم، فانسحب القنطار ومغنية من المشهد.

في حقيقة الأمر، لم تكن عين الشعرة أكثر من محطة للاسترخاء والتخطيط في قلب طبيعة خلابة. فالقرية تقع في مركز دائرة تحميه 6 بلدات لا تسيطر عليها المعارضة، وموقعها لا يمكن أن يشكل تهديداً لإسرائيل بأي حال من الأحوال، إلا إذا تمكّن مقاتلو القنطار ومغنية من السيطرة على قرى المعارضة، وذلك شبه مستحيل ضمن إمكانات الخليتين، كما أنه آخر ما يمكن أن يسمح به حزب الله لاعتبارات داخلية، تجنّباً لتوسّع المواجهة من عين الشعرة إلى راشيا على الحدود اللبنانية-السورية.

تلك الوقائع سرّعت الانتقال إلى مرحلة جديدة من الخطة، تمثّلت باستطلاع مناطق أقرب من عين الشعرة إلى الجبهة الشمالية، الهادئة، مع إسرائيل. وتطبيقاً لقواعد أمان الخليتين كانت بلدة مزرعة الأمل في القنيطرة، الواقعة في المنطقة محددة التسليح بإشراف قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك “اندوف” جنوب شرقي بلدة حضر، مكاناً أمثل للقنطار ومغنية. بيد أنها كانت أمثل للجميع فعلياً، حيث قتلت إسرائيل في يناير/كانون الثاني 2015 جهاد مغنية مع 5 آخرين من حزب الله، أهمهم محمد أحمد عيسى الملقب بـ”أبو عيسى”، وهو المسؤول الأبرز لحزب الله والنظام السوري في المنطقة منذ حرب يوليو/تموز 2006.

آنذاك، حظي مغنية بتشييع لافت، وردٍ من حزب الله تمثل باستهداف قافلة عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا، قتل على إثرها جنديان إسرائيليان. توقف الموضوع عند هذا الحد، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون إن اليونيفل نقل رسالة من حزب الله لإسرائيل: “من وجهة نظرهم فإن الحادث انتهى”.

والآن، الرد على مقتل القنطار لن يكون أكثر مما فعل حزب الله من أجل مغنية، فهو ليس معنياً بذلك إلى حد كبير. القنطار مجرّد ناشط في حزب الله يفتقد للخبرة العسكرية، لكنّه يتمتع بالمواصفات التي يفضّلها قائد قوة “قدس” قاسم سليماني.

من ذلك، كان خطاب نصرالله متواضعاً، ومتصالحاً مع تاريخ القنطار الفارغ، ومع حجم الخسارة التي تساوي صفر بالنسبة له. فمعركة الحزب حتى الآن لم تخرج من القلمون، ولم يسجّل أن وقع أسرى له أو قتلى خارج تلك المنطقة، إلا في حالات نادرة، على عكس من اشتغلوا مع سليماني.

حين تحدّث الإعلام الإسرائيلي عن القنطار ومغنية، وصفهما بالمشغلين لخلايا إيرانية على الحدود الشمالية، ولم يقل إنهما من حزب الله. كان من السهل التنبؤ أن ذلك الحديث رسالة تحذيرية لسليماني، الزائر الجديد لـ”الحي السوري” على الحدود المكشوفة لإسرائيل. لذا، فإن الرد على مقتل القنطار هو بعهدة إيران الآن، وربما كان وضع صورة القنطار في علم إيران على شكل خريطة فلسطين خلال خطاب نصرالله إشارة واضحة على ذلك؛ القنطار كان العصا التي حملها سليماني في الشجار مع إسرائيل.

المدن

 

 

 

هل ينوي «حزب الله» الرد على (إسرائيل) بعد اغتيال «سمير القنطار»؟

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

تم اغتيال الناشط البارز في حزب الله «سمير القنطار» في سوريا في 21 ديسمبر/كانون الأول الحالي في غارة جوية إسرائيلية مزعومة ضد منزله في ضواحي دمشق. وامتنع الجيش الإسرائيلي عن تأكيد مسؤوليته عن الضربة بينما تعهد حزب الله بالرد. كل من (إسرائيل) وحزب الله يسعيان إلى تجنب حرب شاملة ومن المرجح أن يكونا قادرين على القيام بذلك. ومع ذلك، فإن عملية الاغتيال تسلط الضوء على النزاع الدائر منذ فترة طويلة بين الجانبين ومخاطر التصعيد المحتمل.

على الرغم من (إسرائيل) لم تؤكد مزاعم حزب الله حول مسؤوليتها عن الهجوم الجوي، فقد كانت القوات الإسرائيلية هي المسؤولة على الأرجح عن عملية القتل. زعمت جماعة متمردة سورية تابعة للجيش السوري الحر مسؤوليتها عن تنفيذ الهجوم، ولكن الضربة التي شملت مشاركة 4 صواريخ بعيدة المدى استهدفت مبنى سكني وأسفرت عن الحد الأدنى من الأضرار الجانبية، تتجاوز بشكل كبير قدرة المتمردين. كما إن (إسرائيل) لديها الدوافع لاغتيال القنطار أيضا. وفقا لمصادر استخباراتية غربية فإنه كان يخطط لهجوم «إرهابي» كبير ضد (إسرائيل) في مرتفعات الجولان.

و«القنطار» هو ناشط درزي لبناني، والذي قضى 30 عاما في السجون الإسرائيلية لدوره في تنفيذ عملية خطف وقتل في بلدة قريبة من لبنان خلال هجوم لجبهة التحرير الفلسطينية في عام 1979. وقد تم إطلاق سراحه في عملية تبادل للأسرى عام 2008، وانضم إلى حزب الله بعد فترة وجيزة. أصبح «القنطار» أحد أبرز أعضاء حزب الله الذين يقاتلون نيابة عن حكومة الرئيس السوري «بشار الأسد» في سوريا، وكذا المسؤول عن البنية التحتية للهجوم على (إسرائيل) في مرتفعات الجولان. في الآونة الأخيرة، أصبح القنطار مسؤولا عن التعامل مع قوات الدفاع الوطني، وهي قوات الخدمة العسكرية التطوعية التي تنظمها الحكومة السورية ويشرف الحرس الثوري الإيراني على تدريبها. كما يتم الإشراف عليها من قبل قائد فيلق القدس اللواء «قاسم سليماني». الهدف الآخر للضربات الإسرائيلية، «فرحان الشعلان»، يرتبط أيضا مع قوات الدفاع الوطني السورية.

وأدان زعيم حزب الله «حسن نصر الله» وموالين للحكومة السورية (إسرائيل) بسبب الهجوم، ووعد «نصر الله» بالرد على الأمر في الوقت المناسب. قامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة)، وهي فرع سوري منشق عن جماعة فلسطينية تحمل نفس الاسم، بإطلاق ثلاثة صواريخ كاتيوشا. رد الجيش الإسرائيلي على الفور بإطلاق قذائف مدفعية على جنوب لبنان. تدعم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) الحكومة السورية إلى جانب حزب الله، ولكن أهدافها الرئيسية تتمحور حول مهاجمة (إسرائيل). وبالتالي فإنه من المحتمل أنها كانت تدعم الاستعدادات التي يشرف عليها القنطار في مرتفعات الجولان. وكانت هذه الخطط هي الدافع الأساسي لإسرائيل في استهداف القنطار، رغم عضويته في حزب الله وارتباطه بقوات الدفاع الوطني السورية.

اغتيال «القنطار» قد يحفز رد فعل من الجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى، ولكن حزب الله حريص على تجنب فتح جبهة ثانية مع (إسرائيل) جنبا إلى جنب مع التزامه الثقيل في سوريا. كان هدف حزب الله منذ فترة طويلة هو حرمان (إسرائيل) من قدرتها على ضرب المجموعة. في الواقع، سعى حزب الله لتحديد مستوى الردع الذي يدفع (إسرائيل) إلى التفكير مليا في تكاليف أي الانتقام المحتمل. هناك دلائل على أن حزب الله نجح جزئيا في تحقيق هذا الهدف. على الرغم من أن (إسرائيل) قد واصلت غاراتها في سوريا، فقد تجنبت في معظمها استهداف مخزونات حزب الله في لبنان أو زيادة معدل هجماتها ضد التنظيم في سوريا.

مع هذا الهجوم الحديث، فقد تعهد حزب الله بالانتقام، وهناك احتمال على أن التنظيم سوف يسعى إلى الرد من أجل الحفاظ على توازن الردع. على الرغم من تعهده بالانتقام، فإن التنظيم سوف يعاير بدقة خطوته القادمة لتجنب التسبب في صراع أوسع نطاقا مع (إسرائيل). بدلا من المخاطرة بهجوم مضاد شامل ضد (إسرائيل)، فإنه من المرجح أن يلجأ التنظيم إلى تبني عملية محدودة. هذا يمكن أن يكون مماثلا لحادثة مزارع شبعا في يناير/كانون الثاني، حين حاول مسلحون دورية إسرائيلية بالصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، مما أسفر عن مقتل اثنين منهم في هذه العملية. كان هذا الهجوم ردا على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف أعضاء من حزب الله وضباط إيرانيين في القنيطرة قبل ذلك بعشرة أيام.

من جانبها، يبدو أن (إسرائيل) أيضا تريد تجنب التصعيد. والدليل على ذلك أن (إسرائيل) لم تتعمد توجيه ضربات إلى حزب الله بينما كان يتقدم ببطء في سوريا. وحتى مع ذلك، فإن (إسرائيل) تبدو على استعداد للانتقام عن طريق تحريك بطارية إضافية من القبة الحديدية إلى الشمال وشن هجمات مضادة ضد أهداف للمتشددين بالتزامن مع ضربات مدفعية وغارات جوية. في خضم كل هذه الحركات والعمليات الحسابية، يظل خطر وقوع هجمات تخرج عن نطاق السيطرة وتؤدي إلى صراع أوسع، حتى لو كان كلا الجانبين يعمل على تجنبه.

ستراتفور

 

 

 

اغتيال القنطار: تصدع النفوذ الإيراني وانكشافه/ علي الأمين

لقد انتقل سمير القنطار فعلا من لبنان إلى سوريا، لأن المعركة في قناعته وفي رؤية حزب الله الذي ينتمي إليه القنطار، سياسة وعقيدة وتنظيما، تقوم على أن قتال المعارضين للنظام السوري لا ينفصل عن مسار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

فقبل أربع سنوات قال سمير القنطار “يظهر جليا أن أغلبية الشعب السوري تدعم بشار الأسد”، وفي سياق رده على تعليقات المعارضين السوريين قال إن “من يحمل السلاح ضد سوريا يجب أن تقطع يده، وأنا مستعد للذهاب إليها لقطع أيادي من يحملون السلاح ضدها”.

وربما أكثر من ذلك استنادا إلى ما قال عضو مجلس خبراء القيادة الإيراني، رجل الدين، عباس كعبي، (خلال مراسم الدفن التي أقيمت في مدينة العميدية في إقليم الأحواز قبل أيام لأحد قتلى الحرس الثوري في سوريا) إن “المشاركة في قتال المعارضة السورية أوجب من قتال الصهاينة في فلسطين”.

لذا ليس انتقاصا (في نظر الممانعة) من قيمة القنطار الذي قضى نتيجة استهداف على ما يبدو من قبل إسرائيل مساء السبت الماضى، أن يُدرج نشاطه الأمني والعسكري داخل سوريا في سياق التحالف مع النظام السوري، دفاعا عنه ودفاعا عن المنظومة التي تقودها إيران في هذا البلد. وليس خافيا أن تكليف القنطار في مهمة تنظيم أطر مقاومة ضمن سوريا، من أجل تحرير الجولان، جاء بسبب تاريخ نضالي لأسره نحو ثلاثة عقود في إسرائيل. فهو أيضا ينتمي تقليديا إلى الطائفة الدرزية التي تشكل العنصر الديمغرافي الأبرز في خارطة الجنوب السوري المتصل بالجولان ذي الغالبية الدرزية أيضا.

حتى منطقة جرمانا حيث قتل القنطار ليل السبت الماضي بقذيفة إسرائيلية، هي منطقة تضم مركز الوجود الدرزي في دمشق وضواحيها. وليس خافيا أن تقدم نفوذ القنطار المنتسب لحزب الله في البيئة الدرزية، وتحديدا في البيئة المؤيدة للنظام السوري ولحزب الله، ترافق مع تراجع دور كان مفترضا أن يلعبه النائب السابق وئام وهاب الموالي للنظام السوري وحزب الله، حيث تمّ بقرار من النظام السوري سحب وهاب، بإغلاق مكاتب تيار التوحيد التي كانت أقيمت بقرار من النظام السوري أيضا.

على أن ما يجب الإشارة إليه أنه بعد التدخل الروسي ونشر صواريخه في سوريا قامت إسرائيل بعدة غارات استهدفت، كما العادة، مخازن صواريخ وذخيرة وتم التكتم عنها بشكل كبير، أولا لعدم إمكانية الرد، وبالتالي ما قد يشكل الكشف عنها من حرج لحزب الله، وثانيا لتفادي الإحراج أمام جمهور الحزب عبر كشف التنسيق الكبير بين الممانع “أبو علي بوتين” والعدو الإسرائيلي، فهل الإعلان الآن وبهذا الوضوح يشكل تحولا في العلاقة بين روسيا وإيران في الميدان السوري؟

لا شك أن القنطار، بدعم من حزب الله والنظام السوري، أغلق الأبواب، بشكل شبه كامل، في وجه كل القيادات الدرزية اللبنانية على تنوعها واختلافها. تلك التي كانت تطمح إلى لعب دور في البيئة الدرزية السورية، في لحظة احتدام الصراع في الجنوب السوري، ومع تنامي المخاوف من أن تكون سيطرة المعارضة السورية على السويداء مدخلا للسيطرة على دمشق. ويأتي الاغتيال ليصبّ في مشروع تصفية النفوذ الإيراني في البيئة الاجتماعية الدرزية، التي يشكل انتشارها الديمغرافي بين دمشق وجنوب سوريا، وصولا إلى الجولان المحتل مجالا لصراع نفوذ بين إسرائيل وإيران، وضمنا بين موسكو وطهران، في سياق تنافس الحلفاء على التحكم بأوراق النظام السوري.

ليس خافيا أيضا أن إسرائيل عمدت في أكثر من مرة إلى محاولة اغتيال القنطار. تردد أنه استهدف بغارة جوية قبل أسابيع ونجا منها، وقيل إنه كان من الممكن أن يكون بين القيادات الإيرانية وقيادات من حزب الله، التي استهدفت بصاروخ إسرائيلي قبل أكثر من عام وأدت إلى سقوط نجل عماد مغنية جهاد وضابط وقياديين في الحرس الثوري وحزب الله. هو موضوع على لائحة الاغتيال الإسرائيلي منذ مدة، ولم يكن اغتياله مفاجئا.

المفاجئ أن النظام السوري أدرج العملية في سياق العمل الإرهابي، ولم يتهم إسرائيل. فيما سمح حزب الله، على ما يبدو، بإطلاق ثلاثة صواريخ كاتيوشا من الجنوب اللبناني باتجاه شمال إسرائيل. الصواريخ لم تستهدف مناطق مأهولة لذا هي على الأرجح تندرج في سياق الردّ المعنوي حتى الآن. والأهم أن الردّ لم ينطلق من الأراضي السورية، بمعنى أن فصائل المقاومة، التي يقودها القنطار في الجنوب السوري، لم تقم بأي رد فعل حتى الآن. وهذا ما يطرح تساؤلات حول إمكانية حصول نشاط عسكري ضد إسرائيل من داخل الأراضي السورية. التساؤل حول هذه الإمكانية يفرضها الوجود الروسي في هذا البلد.

ويبرز سؤال ما هو الدور الميداني الذي كان يلعبه القنطار، وما سبب وجوده في جرمايا إذا كانت، كما يقال، وظيفته هي حصرا في الجولان كما يروج إعلام الممانعة؟ مع العلم أنه معروف عن حزب الله عدم وثوقه الكامل بالقنطار خلافا لما يروجه حزب الله أنه قائد حزب الله السوري، وهو الذي أمضى ثلاثين عاما في السجون الإسرائيلية وكانت له هناك حياة شبه طبيعية من زواج وتعلّم وغيرهما، وهذا حتما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة دوره، ولهذا كان يعتبر القنطار محل تشكيك عند الأجهزة العسكرية للحزب خلافا لما يشاع بالإعلام.

روسيا وإسرائيل متفقتان على أن مترتبات الأمن الإسرائيلي في سوريا مسؤولية إسرائيلية. وهذا ما أثبتته الوقائع الميدانية منذ التدخل الروسي الأخير في سوريا. إذ شهدت الأراضي السورية عمليات إسرائيلية عبر الجو استهدفت مواقع لحزب الله في ضواحي دمشق ومنطقة القلمون السورية. ويأتي اغتيال القنطار ليثبت قواعد الاشتباك الإسرائيلية في سوريا برضى روسي. قواعد ترى في الجولان “أمنا قوميا إسرائيليا” لا مكان فيه لمغامرات القنطار ونفوذ حزب الله. من هنا يأتي اغتيال القنطار في سياق تثبيت ما تعتبره إسرائيل حقا في الدفاع عن أمنها في الداخل السوري، بغطاء حليف إيران في سوريا أي روسيا.

وفي ظل التغيرات الإقليمية غداة صدور قرار مجلس الأمن بشأن المرحلة الانتقالية في سوريا، ومع ترحيب إيران بالوجهة الدولية في محاربة الإرهاب، ومع التناغم الأميركي مع الموقفيْن الروسي والإيراني في مواجهة تركيا، كل ذلك يدفع السياسة الإيرانية إلى عدم الذهاب بعيدا في التصدي للضربات الإسرائيلية الدموية. الأولوية الإيرانية اليوم لمواجهة الإرهاب والحلف الإسلامي الذي شكلته السعودية ضد الإرهاب. اشتعال المواجهة مع إسرائيل كفيل بتدمير ما بنته إيران مع أميركا في لحظات. وإيران ليست في وارد الانزلاق نحو مواجهة لا أفق لمكسب فيها بل خسائر فقط.

يبقى السؤال الأكبر كيف سيتصرف حزب الله بعد هذا الاغتيال؟ وهل له تبعات ما بعده أم سيكتفي بالاستفادة الإعلامية منه فقط عبر ربط المعارك في سوريا بالصراع مع العدو الإسرائيلي لإضفاء المزيد من الشرعية عليها فقط، فيكون الردّ هنا أيضا كالرد على اغتيال عماد مغنية؟

* نقلاً “العرب”

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى