حواس محمودمراجعات كتب

أغلبيات وأقليات على ضوء تطور القانون الدولي

مراجعة: حواس محمود

[ الكتاب: أوديسا التعددية الثقافية – سبر السياسات الدولية الجديدة

[ الكاتب: ويل كيميلكا

[ الناشر: عالم المعرفة ـ الكويت, 2011

موضوع الأقليات بات موضوعا ساخنا ومهماً وملفتاً ومعرضاً للمتاجرة من قبل العديد من القوى وبخاصة الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي، وهو موضوع إشكالي لكنه ملح ومهم لبناء شكل الدولة الحديثة وصون حقوقها بما لا يشتت كيان الدولة ويضمن في الوقت نفسه حقوقها في التعايش مع المكونات الأخرى في الدولة.

ويأتي هذا الكتاب وهو من الكتب المهمة والقليلة، ليلبي فضول القارئ العربي لمعرفة حيثيات هذا الموضوع الإشكالي، وذلك لندرة ما يكتب حول هذا الموضوع باللغة العربية من ناحية، ولأنه يناقش من ناحية أخرى “حقوق الأقليات” على اختلاف أنواعها، أقليات لم نهتم بها، ربما لأننا لم نفرغ بعد من السعي وراء حقوق الأغلبية.

يرى المؤلف أن التماسك القوي للآليات الشرعية لحماية حقوق الإنسان، والتنمية العامة أكثر لثقافة حقوق الإنسان وفرا ضمانات بأن التكيف مع قضايا الأقلية للحكم الذاتي لن يؤدي إلى جزر من الطغيان، حيث تكون الحقوق الأساسية للأمن والمواطنة معرضة للخطر، ولقد قللت تلك الضمانات بشكل قوي – المخاطر التي تحتوي عليها المناظرات حول حقوق الأقلية، ومع ذلك ففي أوروبا ما بعد الشيوعية في أوائل تسعينات القرن الماضي، لم تكن هذه الضمانات موجودة، فقد كانت الجماعات المسيطرة تفتقر إلى الثقة بأنها سوف تعامل بعدل وإنصاف في داخل مناطق الحكم الذاتي للأقلية، والواقع أنه في تلك الحالات التي سيطرت فيها الأقليات على إقليم وأقامت لنفسها حكماً ذاتياً، فإنه كثيراً ما كانت النتائج أشكالاً مختلفة من التفرقة العنصرية وألواناً من المضايقات ضد أي فرد لا ينتمي إلى تلك الأقلية.

ويشير إلى أن التشكيل الحالي في وسط وشرق أوروبا هو نتيجة لانهيار ثلاث إمبراطوريات بعد الحرب العالمية الأولى إمبراطورية رومانوف الروسية، والامبراطورية العثمانية التركية وإمبراطورية آل هايسبورغ النمساوية الهنغارية وأكثرها حداثة انهيار الإمبراطورية السوفياتية في العام 1989.

كما أنه في كثير من الحالات كانت الجماعات القومية التي حصلت على الاستقلال بعد انهيار الإمبراطوريات تنظر إلى نفسها على أنها أحزاب ضعيفة تاريخياً تواجه أقليات ودولاً قريبة كانت مسيطرة تاريخياً، وكانت النتيجة ظاهرة معروفة هي “جعل الأغلبية أقلية”, أي الأغلبيات التي تستمر في التفكير والتصرف كأنها ضعيفة أو أقلية مستضعفة وتستمر لهذا السبب في أن تعيش في خوف وجودي على وجودها.

وهذه الظاهرة موجودة في عالم ما بعد الشيوعية، لكنها إجمالاً غير معروفة في الغرب.

ويرتبط بحسب المؤلف – نجاح النظام الفدرالي متعدد القوميات في الغرب بإجماع الأحزاب على عدم اللعب بـ”ورقة الأمن” عند التعامل مع قضايا الأقلية القومية، وتعتمد الديموقراطية على انضباط القادة السياسيين الذاتي في اللعب بها.

ويشير المؤلف إلى أنه منذ العام 1991 ابتكر العديد من الهيئات الدولية التي كلفت بمراقبة معاملة الأقليات والتوصية بالتغيرات اللازمة، للارتقاء إلى المعابر الأوروبية لحقوق الأقليات، وكانت الخطوة الحاسمة هنا هي تشكيل مكتب اللجنة العليا للأقليات القومية التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا العام 1993, والمرتبط بمكاتب البعثات التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في العديد من بلدان ما بعد الشيوعية، وخطوة أخرى مهمة جاءت من قبل المجلس الأوروبي الذي وضع عدداً من الهيئات الاستشارية والآليات الإخبارية كجزء من الاتفاقية الإطارية لحماية الأقليات القومية العام 1995.

ويستند المؤلف إلى علم الاجتماع ليشير إلى وجود وعي بأن جماعات أرض الوطن قد ولدت أشكالاً من الحراك العرقي السياسي، يضرب بجذوره في مطالب الأرض والتاريخ، لكن هناك شكاً قوياً بشأن كيفية اعتراف القانون الدولي بالشرعية القانونية والأخلاقية لتلك المطالب، وهكذا فإن كل منظور للمعايير القانونية يبقى معلقاً في الهواء، غير مؤثر سياسياً وغير مستقر مفاهيمياً، ولكن من الناحية الصورية فهو يبقى موجهاً لكن بطريقة لا تتبع منطق الصراع العرقي في بلاد ما بعد الشيوعية، ولا منطق التعددية الثقافية الليبرالية في الغرب، ومن ثم فإنه يواجه ضغطاً ليتحول مرة أخرى إلى منظور أكثر عمومية.

ويرى المؤلف أن منظور التدخل في الحالات الخاصة يقدم مجموعة أخرى من الرسائل، من المحتوم في الأغلب الأعم أن تتضمن هذه التدخلات دفع الدول إلى تجاوز الحد الأدنى من المتطلبات القائمة في منظور المعايير القانونية، وكثيراً ما تدعم بشكل عادل أشكالاً قوية من الحكم الذاتي الإقليمي، وضع اللغة الرسمية، أو مشاركة توافقية في السلطة.

يذكِّر المؤلف (بتشديد الكاف وكسرها) بما قاله عن “مشكلة الأقليات” التي قفزت إلى قمة الأجندة السياسية عام 1989 1990 في كل من أوروبا والأمم المتحدة حيث حل النزاع العرقي بين الدول محل تنافس القوى العظمى كتهديد أساسي للسلام والاستقرار والتنمية وحقوق الإنسان، ولقد قامت الأمم المتحدة كرد فعل لذلك، بجهود مكثفة للتعرف على أفضل الممارسات وتعميمها، ففي العام 1990 على سبيل المثال ـ شرّع معهد الأمم المتحدة لأبحاث التنمية الاجتماعية في إعداد مشروع لمدة ثلاث سنوات حول الأمم المتحدة لأبحاث التنمية الاجتماعية في إعداد مشروع لمدة ثلاث سنوات حول “النزاع العرقي والتنمية” ثم تبعه مشروع آخر في العام 1993 عن “التعددية العرقية والسياسية والعامة”, وإنشاء “مبادرة حل الصراع والعرقية” في جمعية الأمم المتحدة، ولقد كان الهدف في كل حالة من هذه الحالات في جانب كبير منه، هو إعداد قائمة لأفضل الممارسات تم في ما بعد تعميمها من خلال إصدارات أكاديمية وتقارير عامة بالإضافة إلى ورش عمل مشتركة وجلسات تدريبية.

هذه الجهود أسفرت عن شبكة عالمية من الناشطين والأكاديميين والمثقفين وصناع السياسة الذين كانوا على معرفة وثيقة باتجاهات وممارسات التعددية الثقافية الليبرالية.

إن نسجاً كثيفاً من المشروعات البحثية وأنشطة التدريب والدفاع تربط بين مسؤولي الأمم المتحدة وشركات متعاطفين من المنظمات غير الحكومية (وذلك مثل جماعة حقوق الأقليات) والمنظمات الخيرية (مثل مؤسسة “روكفلر” أو معهد “المجتمع المفتوح” لجورج سورس), والمؤسسات شبه الأكاديمية مثل (المركز العالمي للدراسات العرقية وأكاديمية السلام الدولي) مع تمويل من الدول الأعضاء المؤيدة المتشابهة في الفكر (مثل النرويج وكندا).

ويشير المؤلف إلى أن العديد من دول أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط يتمسك بمشروع بناء دول قومية ومركزية ومتجانسة، بحيث تبقى مطالب الحكم الذاتي للأقليات غير مسموح بها، أما أشكال الحكم الذاتي للأقلية التي سبقت الاستقلال قد تم القضاء عليها، وأي وعود قطعت بقيام حكومات ذاتية في أثناء تحقيق الاستقلال كثيراً ما تم الحنث بها، أما تلك الدول القليلة التي يوجد فيها شكل من أشكال الحكم الذاتي الإقليمي (أو أنها لا تزال المفاوضات دائرة بصدده), فإن ذلك على نحو نموذجي هو محصلة الصراع العنيف والحرب الأهلية، وكثيراً ما تم تبنيه تحت ضغط دولي (كما هي الحال في السودان وإندونيسيا وسريلانكا وبورما والفيليبين وأثيوبيا والعراق… إلخ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى