صفحات الرأي

أفكار ميثاقية لأي ثورة عربية ديمقراطية

 


عزمي بشارة

تلح ضرورة توفر أفكار ومبادئ ميثاقية لأي ديمقراطية عربية قادمة يقوم على أساسها عهد بالالتزام بقيم الثورة بين قوى الثورة وجمهورها وبين القوى السياسية المتنافسة المؤهلة للحكم. وليس المقصود هو مبادئ دستورية أو فوق دستورية، بل ترويج أفكار ومبادئ وقيم تستند إليها عملية صياغة مبادئ الدولة الديمقراطية العربية. بعضها يصلح أن يكون في الدستور، وبعضها قيم ثاوية في أساسه، وأخرى لا يمكن أن يشملها دستور، ولكنها توجه السياسات إذا ما تحولت إلى شبه مسلمات يمكن أن تكنى بـ “قيم الثورات العربية الديمقراطية ومقاصدها”.

ونحن نستخدم هذه العبارة مع درايتنا بالنقاش الدائر بعد كل ثورة حول تغير مصادر الشرعية. ما هو المصدر الجديد للشرعية؟ هل هي مبادئ فوق دستورية، أم هي إرادة الأغلبية؟ فالمبادئ فوق الدستورية تحتاج لمن يضعها، وإرادة الأغلبية تصلح لتغيير الحكومات مرة كل بضعة أعوام وليس لوضع الدستور.

فلا يجوز تغيير الدستور بشكل متواتر، وذلك ليس فقط لأن الأغلبية متقلبة، بل أيضا لأنه يجب أن يستند إلى مبادئ راسخة. ومهما قلبنا بسؤال الدجاجة والبيضة هذا وبحثنا عن مصادر مطلقة فوق الآني والراهن، فإنه لا بديل عن ترسخ مبادئ وقيم متفق عليها تحكم الحياة السياسية. ولا بديل عن محاولة صياغتها والتناقش حولها.

مصادر للقلق وعدم اليقين توجب أفكارا ميثاقية:

هنالك مصادر عديدة للقلق بشأن قدرة مرحلة ما بعد الثورة على تطبيق أهدافها، من دون نشوء تفاهم عام بين الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية الفاعلة حول الأهداف غير المصاغة للثورات. ونعدد هنا بعض مصادر القلق التي تدعو إلى اقتراح صياغة مثل هذه الأفكار:

1- ليس للثورات العربية حزب سياسي, تفجرت الثورات على أساس برنامجه المفترض أن يطبقه حينما يستلم الحكم بعد الثورة. فالقوى التي قادت الثورات هي قوى تراوح نشاطها بين التنظيم والعفوية. وهي خططت لأعمال احتجاج أو خرجت مستمدة شجاعتها من نجاح ثورات أخرى في إسقاط الحكم، وذلك قبل أن يشكل أي منها نموذجا في الحكم أو في إدارة البلاد.

ومن هنا منبع القلق أن تقوم قوى سياسية قديمة، سواء أكانت في الماضي في الحكم ؟ أم في المعارضة؟ بتنفيذ برامج لم تصنع الثورة ولم تقم الثورة عليها. وإن قوة الإلزام الوحيدة المتوفرة هي تبني مبادئ الثورة في دستورين: دستور القلوب والضمائر التي رنت للتخلص من حكم جائر، والدستور الذي ينظم أسس إدارة الدولة من جهة، والذي تقوم عليه التشريعات المقبلة بوصفه”أبو القوانين” كما يقال من جهة أخرى.

وتضغط المبادئ القائمة في دستور الضمائر والقلوب على القوى السياسية، بما في ذلك القديمة منها، لكي تعدّل نفسها وسلوكها بموجبها وتتكيّف معها. ويأتي الضغط من الرأي العام، ومن جمهور مؤيديها، وحتى من قواعدها الحزبية. ومن هنا أهمية تعميمه.

2- الاحتمال قائم بأن تكيّف الطبقات القديمة الحاكمة نفسها للتعاون مع قيادات سياسية جديدة، لأهداف وغايات مختلفة تتصل بمحاولة تعويم نفسها في الفضاء الجديد الذي خلقته الثورات وحتى لاحتواء هذه الثورات، من دون تبني مبادئ الثورة، وخاصة فيما يتعلق بمبادئ العدالة الاجتماعية وحقوق المواطن.

3- ليس بالضرورة أن تشكل الأغلبية التي دعمت مبادئ الثورة الأساسية التي شكلت روحها أغلبيةً انتخابية في كل لحظة زمنية معطاة. لقد قادت الثورات العربية ومازالت تقودها قوى شبابية ونشطاء دعمتهم لاحقا قوى سياسية مختلفة متفاوتة القوة، ولكن لم يكن بوسع أيٍ منها أن يقود الثورة لوحده، حتى لو افترضنا توفر قوة انتخابية عددية مفترضة لديه في تلك اللحظة. فهو وحده لا يصنع الثورة، والدليل أنه لم يصنع ثورة حتى نشبت الثورة من دونه، ثم استمرت بمشاركته.

أما الأغلبية الانتخابية ما بعد الثورة فقد تنتج عن ظروف أخرى، وعن معطيات لم تكن قائمة في الثورة. ففي الثورة لا تصوت غالبية السكان، بل تدعم بالفعل أو بالقول أو بالصمت القوى التي تحركت وقادتها.

4- ليست الديمقراطية حكم الأغلبية، بل هي حكم الأغلبية بموجب قواعد وأسس ديمقراطية تضمنها مبادئ ينص عليها الدستور صراحة أو تستمد من روحه، وهي الأسس التي لا يقوم من دونها أي نظام ديمقراطي. قد تدعم الأغلبية في لحظة ما حزبا في الحكم يطبق سياسة ما تمس بحقوق المواطن وحرياته، وقد تدعم الأغلبية حزبا يمس باستقلالية القضاء ولا يحترمها، أو يعمل بشكل حزبي داخل الجيش فيقوض أسس وطنية الجيش، ويلحقه بحزب بدل أن يتبع الوطن والشعب والسيادة.

وقد تدعم الأغلبية في لحظات تاريخية محددة فعلا غير ديمقراطي. ويبدو هذا تناقضا ولكنه ليس كذلك. فالأغلبية قد تكون غير ديمقراطية إذا منحت ثقتها لرئيسٍ ما مدى الحياة، أو إذا دعمت تقييد حقوق المواطن، أو إذا أيّدت التمييز بين المواطنين بسبب العقيدة أو الجنس أو الأصل. وقد لا تدعم الأغلبية الفعل غير الديمقراطي بذاته، ولكنها قد تدعم لأسباب معينة حزبا يتبنى سياسات غير ديمقراطية لأسباب أخرى.

5- ربما تكون مطالب الجمهور عادلة، ولكن هذا لا يعني أنه دائما على حق. والجماهير المتحركة في ثورة ضد نظم الحكم الجائرة هي على حق بالتأكيد. وهذا هو المبدأ في الموقف من حركات الجماهير. ولكن هذا لا يعني أن هنالك عدالة جماهيرية، أو أن العدالة هي ظاهرة جماهيرية.

 

فالعدالة تتم بموجب قواعد القانون ونصوصه. والقانون في النظام الديمقراطي هو نتاج تشريع غالبية ممثلي الشعب في جلسة حوار ونقاش بموجب قواعد متفق عليها، وليس في مظاهرة في ساحة عامة. وهي تشرّع القانون بشكل لا يتناقض مع مبادئ عامة تحافظ على النظام الديمقراطي ذاته. ولا تمس بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية التي يضمنها هذا النظام.

6- في الدول ذات التنوع الهوياتي الذي تداخل مع السياسة، ينشأ خطر اعتبار الديمقراطية حكم الأغلبية على أساس هويةٍ فرعيةٍ معطاةٍ مفروضةٍ على الفرد مثل المذهب والطائفة والناحية، وليس على أساس الرأي والمصلحة. وهو ما ينتهي عموما إلى حكم أقلية نافدة تدعي تمثيل جماعة الهوية. وهذا ما يترك الناس مع طغيان من نوع جديد، وهو طغيان أقلية تدعي الحديث باسم أكثرية هوياتية، غير ديمقراطية. وهو يؤدي إلى المس بحقوق المواطن المنتمي لهذه الأغلبية، أو للأقلية، لأنها تفرض عليه الانضواء في إطار هويته الطائفية أو المذهبية أو العشائرية أو الجهوية. واستبدال حكم طائفي أو جهوي بآخر هو ما تنجبه الحروب الأهلية وليس الثورات، وبالتأكيد ليس الثورات الديمقراطية.

وقد برز في سوريا مؤخرا، إضافة لعنف الدولة القمعي بعض حالات العنف الجسدي البدائي المجهول المصدر الذي لا يميّز عنف الدولة، بل يميز جرائم الحقد المعروفة في الصراعات الأهلية، ما يؤكد على ضرورة منازعة أي صبغة طائفية للصراع ونفي الصفة الأهلية عن النضال من أجل الديمقراطية.

7- نشأت في المعارضات العربية في عهود الاستبداد تيارات سياسية تدعو إلى تنظيم المجتمع بناء على مبادئ شمولية دينية أو علمانية، وكانت الدينية أبرزها في العقود الأخيرة. ولكن الديمقراطية ليست حكماً بموجب أيديولوجية دينية، ولو كانت الشريعة ذاتها، ولا هي “تنافس حر ” بين أحزاب في إطارها وتحت سقفها. إنها الحكم بموجب قوانين مدنية تحترم مبادئ محددة. وهي لا تتناقض مع الشرائع السماوية، ولكنها لا تتم في إطار يمنح الحق لرجال الدين في تفسير ما يتطابق وما لا يتطابق معها بهدف فرضه على الدولة أو المجتمع.

ويمكن القول بوثوق إنه من الأسباب التي دعت فئات واسعة ومؤثرة من الشعب إلى عدم الثورة على الاستبداد و”الرضا بواقع الحال” هو خوفان، الخوف من الفوضى، والخوف من البديل الديني في الحكم. ولو صرّح أحد في ساحات الثورات أن البديل للاستبداد هو البديل الديني السياسي كما طرح في السبعينات والثمانينات لانهار التحالف المدني ولفشلت الثورات في إسقاط أي نظام حكم قائم.

ولا يغير في الأمر شيئا إذا سمي الحكم الديني مدنيا بحجة أن مصدر شرعيته هو غالبية الشعب، أو لأنه لا يؤمن بالحكم بالحق الإلهي. فليست هذه قواعد الدولة المدنية. الدولة المدنية هي الدولة التي تقوم على أساس المواطنة والحقوق المدنية. ولا يهم أن يكون الحزب الذي يحكم قد تبنى في السابق، أو يتبنى حاليا أيديولوجية دينية أو يسارية أو ليبرالية. المهم أن يلتزم بشكل واثق وموثوق بالمبادئ الديمقراطية التي تشكل أساسا لأي دستور ديمقراطي. الدولة المدنية ليست دولة دينية. ولكنها أيضا ليست الدولة العلمانية العسكرية. وإن أي استناد إلى حكم العسكر لتجنب التيارات الدينية هو عودة للاستبداد.

8- بالإضافة للمعارضة الوطنية نشأت في المعارضات العربية قوى سياسية تفرط بالقضايا الوطنية والقومية، أو ترى فيها جزءاً من سياسات النظام القائم، وقد تكون مرتبطة بدعم أجنبي ما يجعلها تميل إلى تجاهل الدور الهدام لعلاقة الوصاية مع الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى بشكل عام. وهي لا ترى أهمية جوانب مهمة في تأسيس مسار التطور وسيادة الأمة، مثل الحفاظ على اللغة العربية وتطويرها، والموقف القاطع من احتلال أي أرض عربية، وبناء الاقتصاد الوطني من دون إملاءات أجنبية وبموجب حاجات السكان وليس بموجب مصالح الآخرين.

ولا يمكن أن ينص أي دستور على مثل هذه القضايا. ومن هنا الحاجة لمبادئ ميثاقية تشكّل أساسا لأي فهم ذاتي للديمقراطيات العربية المقبلة وتوجه تطورها. أما الدستور فيمكن على الأقل أن يثبت هوية الدولة كجزء من الوطن العربي وبالتالي يؤسّس فكريا وروحيا لمثل هذه المبادئ.

تثبت الدول هويتها الوطنية والقومية (كدولة/أمة) في الدساتير، كما تتفق أحزابها وقواها السياسية على مجموعة “مسلمات إجماع قومي” لا حاجة لتوثيقها دستوريا لأنها محفورة في النفوس عبر صياغات التجربة الجماعية من مناهج التدريس وكتابة التاريخ التقليدي والحوار بشأنه في نقد الأساطير التاريخية، وحتى الخدمة العسكرية.

أفكار ميثاقية:

1- يقوم ميثاق الثورة العربية على الموازنة بين التطلع إلى الحرية والمساواة، فحرية من دون مساواة بين المواطنين هي مقولة نظرية. ومساواة من دون حرية هي مساواة في الذل. تشكل قيم المساواة والحرية إذا ما اقترنت بإدارة عقلانية وسياسة رشيدة أساسا للعدالة والكرامة, وأحدهما لا يدوم من دون الآخر.

2- يتطور التوازن بين الحرية والمساواة في مبدأ جديد للمواطنة يقوم على الحقوق السياسية والاجتماعية.

3- الدولة العربية الديمقراطية هي دولة لجميع مواطنيها.

4- الشعب هو مجموع المواطنين وهو مصدر السلطات.

5- إن شكل ممارسة الحرية اجتماعيا وسياسيا هي الدولة التي تضمن الحريات المدنية للمواطن والعدالة. لا يمكن حماية هذه الحريات من دون قانون. ولكي يلتزم القانون بالحريات المدنية لا بد من مبادئ متفق عليها لا يجوز أن يخرج القانون ذاته عنها.

6- لا تقوم العدالة من دون سيادة القانون، والمساواة تكون أمام القانون على أساس مبادئ تشريعية عادلة تشتق منها.

7- إن مساواة المواطنين أمام القانون، ومساواة القانون بين المواطنين هي مبادئ تكمل بعضها بعضا. وهي مساواة لا تأخذ بعين الاعتبار أصل المواطن وجنسه وقوميته ودينه ومذهبه.

8- تقوم ديمقراطية الدولة العربية على الفصل بين السلطات والتوازن بينها في الوقت ذاته، وعلى استقلال القضاء، وعلى التداول الدوري للسلطة بين قوى سياسية منظمة تطرح برامجها لنيل ثقة المواطنين في عملية انتخابات حرة ونزيهة.

9- النظام الذي يضمن الحريات المدنية يراقب ذاته ويراقبه الجمهور. النظام الذي يراقب ذاته ويراقبه الجمهور هو نظام منتخب دوريا. ولكي يمكن انتخاب النظام دوريا لا بد من حريات سياسية: حرية الرأي، وحرية الوصول للمعلومات، وحرية الاجتماع والتنظيم.

10- يراعى في الانتخابات مبدأ نسبية التمثيل بحيث يمنح تمثيلا لأكبر قدر ممكن من التيارات السياسية والاجتماعية والفكرية، وبحيث لا يصادر حق أحد بالتمثيل النيابي لأنه أقلية في منطقة ما. ولا بد من تمثيل التيارات السياسية والاجتماعية والفكرية ذات الوجود ولو كأقلية على المستوى الوطني. كما يراعى حيث يلزم مبدأ التوافق لمنع حرمان فئات واسعة من التمثيل والمشاركة.

وتبقى الأولوية هي لمبدأ النسبية القائم على تمثيل المواطنين بواسطة مواطنين آخرين منتظمين في جماعات واتحادات سياسية طوعية بناء على مواقف وبرامج سياسية تخص المجتمع ككل، وليس بناء على هويات خصوصية. لا بد من تجنب أي نظام انتخابي يؤدي إلى اصطفاف هويات مقابل بعضها البعض، أو إلى تغييب تمثيل كتل سياسية كاملة.

11- إن أي حركة سياسية ترغب بالمشاركة في إدارة شؤون البلاد من خلال وجودها في الحكم أو في المعارضة المؤهلة للحكم هي حركة تلتزم بميثاق الثورة ومبادئها، ألا وهي مبادئ الديمقراطية.

12- تعترف الثورة بحق المواطن في بيئة إنسانية آمنة تقوم على الحرية والحق بالعيش الكريم اللازمين لممارسة إنسانيته الفردية والجماعية.

13- تشمل الحرية حرية الإنسان من القسر الجسدي وحرية الحركة والتنقل، وحرية الرأي والمعتقد والكلمة. ولا يجوز حجب الحرية من دون محاكمة عادلة.

14- لا يمكن ممارسة الحرية اجتماعيا في انتخابات وغيرها من دون حد أدنى من التوزيع العادل للثروة، ومن دون إدماج الفئات الضعيفة والمهمّشة في الحياة العامة. وتشمل حقوق المواطنة في الدولة الديمقراطية العربية حقوقا اجتماعية، لا تقوم إلا على الربط بين النمو والتنمية الإنسانية الشاملة, ولا تتحقق إلا بإدماج جميع الفئات والجماعات المحرومة والمهمشة مجتمعيا وتمكينها من أن يكون لها صوت سياسي مسموع ومؤثر.

15- تتشكل الأمة ذات السيادة من مجمل المواطنين بغض النظر عن طوائفهم وقومياتهم. وترتبط ببقية الشعوب العربية برابطة الثقافة واللغة، وبرابطة القومية العربية التي تتشكل منها أغلبية السكان في الدول العربية.

16- حق التجمع والاتحاد والتنظيم مكفول لجميع المواطنين على أساس طوعي لغرض تحقيق نفع عام خيري أو تنموي، سياسي أو اجتماعي، وبحيث لا تتناقض هذه الأهداف مع مبادئ الدستور. وتشجع الدولة المبادرات الاجتماعية والثقافية التي تغني الحياة العامة، وتساعد المواطنين على أخذ دور في تصميم حياتهم وتقرير مصيرهم. وتعزّز الدولة عملية نشوء حيز عام بين الدولة والمواطنين يصممه المواطنون ويحيونه بمبادراتهم التعاقدية المنظمة واتحاداتهم الطوعية وجمعياتهم ومنتدياتهم وحواراتهم.

17- يحظى المواطنون غير العرب بحقوق المواطن كافة. إنهم جزء من الشعب، ومن الأمة المواطنية، أو من الدولة الأمة. ولهم حقوق ثقافية خاصة تشمل الحق باستخدام لغتهم والتعليم بها وكتابة آدابها إضافة إلى اللغة العربية.

18- يكفل للمواطن حرية الفكر والمعتقد والضمير. ويحظر استخدام أجهزة الدولة لغرض التدخل في معتقدات الناس لإملاء سلوك عليهم يدعي أنه مشتق من الدين، أو أنه التفسير الوحيد الصحيح للدين القويم. ليست هذه وظيفة الدولة الديمقراطية.

19- تجد الدولة الديمقراطية العربية البنى لفصل مجال الأعمال بهدف الربح عن مجال السياسة, كما توجد الآليات القانونية اللازمة لمكافحة الفساد وإدخال اعتبارات من خارج الموضوع في عملية صنع القرار والتخطيط وتحديد السياسة الاستثمارية, وعطاءات الدولة ومشاريعها, والترخيص, والتوظيف, وغيرها. كما تحارب الإثراء غير المشروع داخل جهاز الدولة وخارجه, وتحاسب عليه.

20- ترتبط الديمقراطية العربية بتقاليد تاريخية عربية إسلامية ولا تتنكر لميراثها التشريعي بما فيه الشريعة الإسلامية بل تبني عليه كمصدر تشريعي وكثقافة. وترتبط الديمقراطية العربية بالتقاليد الديمقراطية كما طبقت في العديد من دول العالم، وتتبنى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهي لا تحاول اختراع ديمقراطية عربية في كل موضوع، فلا حاجة لاختراع العجلة من جديد في كل موضوع. وتنطلق من أن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لا تتناقض مع الشرائع السماوية، وأنه حيثما يقام العدل تكون شريعة الله الحق.

21- إن الأكثرية في الدولة الديمقراطية العربية هي الأكثرية الديمقراطية وليس الأكثرية الدينية أو المذهبية أو القومية، وإن الأقلية هي الأقلية الديمقراطية، وليس الأقلية الدينية أو القومية. وهي أكثريات وأقليات متقاطعة بالطبع، ولكنها ليست متطابقة، لا في الواقع ولا في المفهوم والمصطلح.

22- الكفاءة والاعتبارات المهنية هي أساس التعيين في الوظائف الحكومية وغير الحكومية. ولا توزع وظائف الدولة أو هيئاتها المنتخبة وغير المنتخبة بموجب مواقف الناس السياسية أو هوياتهم الخصوصية أو الفرعية. ويخلق الجو اللازم لكي يتم التعيين بموجب الكفاءة. كما تمنع ممارسة التمييز بين الناس عند التعيين في المؤسسات غير الحكومية. وترفض الدولة العربية الديمقراطية أن تكون جماعة الهوية وسيطا بين المواطن والدولة، سواء كانت المذهب أو الطائفة أو العشيرة.

23- تنتخب دوريا إدارات محلية ذات صلاحيات محددة لإدارات ذاتية لامركزية للمدن والبلدات (بلديات) والأقاليم (محافظات أو ولايات) في كل ما يمس شوؤن الحياة المحلية. ويحافظ القانون على التوازن بين صلاحيات هذه الإدارات وصلاحيات المركز.

24- الدولة الديمقراطية العربية جزء من الوطن العربي وتعمل على تعزيز روابط الأخوة والتعاون مع الدول العربية الأخرى، كما تعمل على تعزيز قوة ونشاط المنظمات العربية، وتفي بالتزاماتها لهذه المؤسسات. وتعمل الدولة العربية مع بقية الأقطار العربية على إقامة اتحاد عربي يشكل كيانا سياسيا واقتصاديا مؤثرا على الساحة الدولية.

25- تلغي الدولة العربية الديمقراطية القيود على حركة البضائع والأشخاص بين الدول العربية، وفي مقدمتها التأشيرات، كما تعمل على التعاون مع الدول العربية الأخرى في مشاريع اقتصادية ومشاريع بنى تحتية وغيرها.

26- لا مواطنة حرة من دون أمة حرة. المواطنة الكاملة ممكنة في الأمة الحرة ذات السيادة. إن المواطنية هي التجسيد الحقوقي الفردي لتشكل الأمة ذات السيادة. والديمقراطية هي أرقى أشكال ممارسة المواطنية بتجسيدها للمواطنية عبر الأمة الديمقراطية سيدة ذاتها ومصيرها.

27- تعتبر الدولة العربية تحرير أي جزء محتل من الوطن العربي قضيتها.

28- ترى الدولة العربية الديمقراطية نفسها جزءا من الدول والقوى الديمقراطية في العالم، ولا تدعم أي نظام يقوم بخرق حقوق الإنسان.

29- ترفض الدولة العربية الديمقراطية أي تواجد عسكري غربي على أرضها, ولا تقبل بأي مساعدة خارجية مشروطة بتدخل في سياسة البلد الداخلية أو في قراراته السيادية الخارجية. وتسعى الدولة العربية إلى تصميم اقتصادي تنموي يستغني عن المساعدات الأجنبية. وتوجه الاستثمارات الأجنبية المباشرة لأغراض التنمية الوطنية وتدعيم ركائزها.

30- تعتبر الدولة العربية الديمقراطية قضية فلسطين قضيتها.

الجزيرة نت

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى