صفحات العالم

أفلـت الزمـام


سليمان تقي الدين

أفلت زمام الأمور وانزلقت الأوضاع نحو الحروب العربية العربية. يتصدّر مجلس التعاون الخليجي قيادة الانقلاب على ما بقي من ركام إرث المرحلة القومية. صارت الأنظمة ذات الخطاب المفترض قومياً كالطبل المثقوب. أثبتت السنوات العشر الماضية أن ممانعة الإمبريالية الأميركية لا يمكن أن تستمر بالمشاغبة عليها بواسطة هذه أو تلك من الحركات القتالية أو بواسطة اللعب على التناقضات الإقليمية والدولية. الملايين المفجوعة الآن بالخيبات من أنظمتها أو مع أنظمتها ما كانت من قبل شريكة بهذه الوليمة الإمبريالية ولا بتناتش العرب بعضهم لحم بعض.

أجهز الاستبداد العربي على المناعة الوطنية وعلى التضامن العربي وكأن الشعوب المحاصرة بين ضغوط الخارج وضغوط الداخل تستجير من الرمضاء بالنار. لا يسمع الحاكم العربي من صوت الشعب إلا الهتافات المؤيدة له.

هذا المأزق التاريخي الذي يجعل العرب مستباحة كرامتهم وسيادتهم لكل ذي نفوذ لم يولد فجأة لكي نتداركه بغضبة أو نردّه بانتفاضة أو نواجهه بحرب. تخلّع المجتمع العربي منذ جرى تعطيله بوسائل التعطيل المتعددة، بالمال والفساد، بالفقر والاستعباد، بالكبت والقمع والاحتجاز المادي والمعنوي، وبسيطرة الأمزجة الحاكمة على إرادته ومقدراته.

لم يكن مفاجئاً مسار الأزمة السورية واستنفار ما بقي من أثاث الجامعة العربية لسحب الشرعية العربية عن النظام في سوريا. العزل المتبادل صار ثقافة كاملة. سلّم المعايير الناظمة للعمل العربي تحطّم منذ زمن بعيد. تحوّلت الجامعة العربية إلى تنسيقية بيانات مشتركة لا منظمة إقليمية فاعلة.

لا نظن أن وزراء الخارجية العرب الذين أحلّوا كل أشكال الحرب على سوريا يقدمون لإنقاذ سوريا غير البيانات. هم بذلك يفوّضون الجهات الدولية القادرة على التدخل أن تتدخل. لا يفيد غضب سوريا ولا تفيد تهديداتها. ليس في الأفق إلا المزيد من الدماء والدمار والانهيارات. هل غيّر الدم الذي أريق ويُراق في العراق وليبيا واليمن والسودان ولبنان وسوريا شيئاً، وهل تغيّر الحرب على الداخل أو الخارج شيئاً إذا لم تكن هناك قابلية سياسية لاستيعاب نتائجها؟!

أهدر العرب معطيات حرب تشرين عام 1973 وأهدروا معطيات حرب تموز 2006 وأهدروا معظم رصيد حركات التحرر والثورة الفلسطينية. لا انتصارات حقيقية خارج مفهوم التقدم التاريخي. للتقدم التاريخي معيار واحد هو تطور الإنسان. ليست قضيتنا كشعوب أن نهزم آلة حرب أعدائنا بل أن نهزم مشروعهم.

يخرج الأميركي من العراق تاركاً وراءه بلداً ضعيفاً مفككاً ومرتهناً. خرجت إسرائيل من لبنان تاركة خلفها ألغاماً طائفية ومذهبية، ولم تسلم البلاد من إعادة إنتاج طبقة سياسية تابعة مرتهنة جشعة وفاسدة. نود أن نواجه السلطان العثماني الجديد، وأن نمنع الملوك أن يصادروا تركة الجمهوريات الفاشلة. لكننا غير معنيين بنفوذ القيصر الروسي أو بسواه من أصحاب المصالح الإقليمية أو الدولية.

الشعوب العربية تريد حريتها أولاً لكي تقاوم مقاومة الأحرار لا أن تحارب محاربة العبيد.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى