صفحات الثقافة

أكان ضرورياً إصدار «ملمومات» الروائي الأميركي؟: جاك لندن «مرشداً» في أمور الصحافة والكتابة/ تقديم وترجمة: بول شاوول

 

 

وزّع الروائي الأميركي الكبير جاك لندن صاحب «The Call of The Wild» مقالاته ورسائله وملاحظاته حول مفهومه لمهنة الكاتب وطرقه في عدد من المجلات والجرائد في بداية القرن الماضي بعد مئة وأربعين عاماً من ولادته، جمعت هذه النصوص المبعثرة في كتاب، وقد قام بجمعها فرانسيس لاكاسان، توغل في مراسلات الروائي في المكتبات، باحثاً في كل المنشورات التي كتب فيها لندن. وقد جمعها تحت عناوين: «مهنة كاتب»، هذه المقتطفات التي بوبت بحسب المواضيع والعناوين، تشكل صورة ذاتية للكاتب في مكتبه. فجاك لندن يراجع وينتقد عمله، يومياً، يحلل رواياته، يساجل خصومه، يستحضر معلميه مثل ستيفنس كيبلنغ، هربرت سبنسر…

ورداً على طلب نصائحه من قبل كتاب مبتدئين، ها هو يقطر نصائح حول الطريقة التي يجب اتباعها، من دون أن يوفر انتقادات لاذعة لضعف بعض المخطوطات التي اطلع عليها، موحياً للكتاب دراسة نصوصه (كمراجع!): «لا تظنوني أعاني من «الأنا المركزية»، إذا اطلعتكم على قصصي، فأنا بذلت أقصى جهودي لكتابتها». فلندن، أحد كلاسيكيي الأدب الأنغلو-ساكسوني، وأحد كباره، أيستحق بعد كل هذه السنوات التي كرس فيها قيمته، أن يقدم اليوم كأستاذ في الأدب، أو في الكتابة، أو كواعظ في طريقة السرد والأسلوب؟

هنا مختارات مترجمة من كتابه.

مختارات

[ الإيقاع

ألف كلمة في اليوم، «سرعة ملحوظة». هكذا يصف جاك لندن الروزنامة المثالية للوصول إلى اكتمال القصة: ستون يوماً عملاً، «ثلاثون يوماً هدنة». للتنقيح، والتمحيص، والتصحيح، ستون يوماً عملاً… دائماً في صوغ ألف كلمة يومياً «يجب أن تكون كلمات جيدة، والأفضل اختياراً».

[ تدوين كل شيء

«أحمل دوماً دفتر ملاحظات. سافر معه، تناول طعامك معه، سجل فيه كل ما يخطر في بالك. يجب الارتياب من ذاكرتنا. فالورق الرخيص أقل عرضة للتلف من المادة الرمادية».

[ أن يكون عندك ما تقول

«أنتم، أيها الكتاب الشبان، هل لديكم ما تقولونه، أو أنكم تظنون أن عندكم شيئاً تقولونه. لكن الأسلوب يحسب أيضاً «واقع أن يكون عندنا شيء نقوله لا يعفيكم من بذل الجهود للتعبير عنه بأفضل الطرق، وبالشكل الممكن الأجمل».

[ تجاهل المنافسة

«الكاتب الجيد ليس قسراً هاوي أدب معاصر«. أهرب من موجة صعود أعمال الخيال اختاروا قراءاتك، واردم ما تقرأه خلال عشر صفحات إذا لم تكن مقتنعاً. تذكر أنك كاتب، في البداية والنهاية وعلى الدوام. حافظ على وقتك! الوقت، وإذا لم تتمكن من إيجاد الوقت، كن واثقاً أن العالم أيضاً لن يجد الوقت ليصغي إليك.

[ على الآلة الكاتبة

بعضهم يكتب كتبه دفعة واحدة ثم يلجأ إلى تنقيح الكل، وبعضهم الآخر يكتب صفحة صفحة ويصحح، على قدر ما يكتب مثل جاك لندن. «أنا أكتب يومياً» قال الكاتب للناشر ماكميلان. كان يسجل على الآلة الكاتبة المسودة كل مساء، لكي ينظر إلى النتيجة المطبوعة ويقيم البنية والإيقاع: «نتاجي الخاص يسقط أو يبقى بالنظر، بالبصر».

[ طول الجُمل

وهل ما هو أزعج من نثر رتيب؟ نوع بنية جملتك (قال لصديقه كلود سيلي جونز). جمل سريعة، حية، قصيرة، وعصبية هي الأفضل للسياق. لكن إذا تعلق الأمر باللاسياق (اللافعل) أو لبناء لا أهمية له، واستعملتها وكذلك عند وصولك إلى الحدث الكبير، فستكون بلا قيمة وأسوأ من بلا قيمة.

[ حول العقدة

أرسلت أيثل جينينغز إلى جاك لندن نصاً. لم يحدد فيه المكان «إنها الغلطة الأولى التي ارتكبتها، (يقول لندن) حددي المكان، أدخلي في لونك المحلي». وأكثر عمومية «أعيدي الواقع إلى القارئ. أخرجي من ذاتك، ادخلي في روح قرائك، واعرفي أي انطباع وفّرت له الكلمات التي استخدمتها».

[ الإيحاء

وإلى جينينغز نفسها، في الصفحة الثالثة من مخطوطك: تتوقفين لتقولي للقارئ ما أرهب للمرأة أن تعيش مع رجل خارج روابط الزواج! أنا جاهز لموافقتك، لكن كفنان أنا مجبر على أن أقول لك، حباً بالسماء، لا تقاطعي قصتك لتشرحي للقارئ كم هو رهيب. دعي القارئ يعي ذلك بنفسه من خلال قصتك، وتابعي.

[ إطناب القصة القصيرة

عقدة قصة قصيرة (كما قال لآنا سترانسكي الذي كتب معها «لا شيء سوى الحب» عام 1903)، يجب أن تتم في زمن قصير. يوم، أو ساعة، أو عندنا تغطية زمن أطول، شرط عدم سرد سوى اللحظات الأساسية. إنه قانون عام. فالإطناب (أو التوسع)، ليس من عناصر القصة القصيرة وإنما من الرواية. فالقصة شذرة مفصولة من دون كسر من الحياة، حالة نفسية، موقف، أو حدث فريد».

[ العنوان المناسب

وأي كاتب لم ينشغل في وضع عنوان؟ فـ»نداء الغابة» (عنوان روايته) حل محل عنوان سابق «الذئب الذي يغط في النوم». يجب اختيار عنوان جيد. فيجب أن يكون لكل عمل عنوان جيد «تعبت كثيراً (كما قال لآنا سترانسكي)، لإيجاد عناويني، فالعنوان الأفضل موجود إذا تمكنا معاً من اكتشافه».

[ وسواس «السرقة»

غالباً ما اتهم جاك لندن بالسرقة، ليس لأنه استنسخ نصوص سواه، بل لأنه استعار عناصر لقصصه، استشهادات، مقالات. في عام 1907، أخذت جريدة «الاندبندنت» عليه سرقة تفاصيل من رواية «نداء الغابة» من ذكريات أحد المبشرين في الشمال.. ورد لندن بأن وضع حدث في رواية ليس سرقة. «فكل رواية تاريخية هي مثال استغلال متخيل لأحداث واقعية سردت من قبل… وناشد الكتّاب بعدم رؤية السارقين في كل مكان. ويسخر من اتهامات ستانلي واتلرو، صاحب الرواية ما قبل التاريخ، «قصة أب» عام 1907 «ألا تظن أنك اندفعت كثيراً عندما وضعت قانوناً حصرياً لك لاستغلال الحقل الذي يمثله العالم البدائي من أجل الرواية؟ وعلى هذا الأساس، فإذا وصف كاتب غروب الشمس، ألا يحق لأي كاتب سواه أن يصف أي غروب شمس؟

[ معرفة ما نريد

بين الوصول إلى الجمهور العريض أو البقاء في البرج العاجي، يجب الاختيار. كتب جاك لندن إلى ماكس فيكلر: «إذا كنت تقترح أن تكتب من أجل تحقيق النجاح وكسب المال، فعليك أن تعرض في السوق انتاجات تجارية». وهذه العبارة ليست شتيمة: (ألم يكسب لندن عيشه بنشر قصص في الصحافة!)، فاسمح لي أن أنصحك أن تدرس دائماً البضائع المشتراة من المحال». قالها لأحد قرائه.

(كأنه بذلك يوازي بين البضائع الأدبية التجارية وبين النتاجات الكبيرة ذات القيمة الفنية الخاصة).

[ صدر الكتاب بالفرنسية عن دار «Les Belles Letters» في باريس قبل أسابيع عدة.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى