صفحات العالم

أكراد سوريا… أسئلة الاندماج والهوية

منذ تبلور وعيها السياسي، عملت على الانخراط في المجتمع المدني رغم التهميش الذي رافقها. في «الكُرد السوريون والحراك الديموقراطي» (الدار العربية للعلوم ناشرون)، يرصد فاروق حجّي مصطفى مسار هذه الحركة منذ الاستقلال حتى اندلاع الحركة

الاحتجاجية عام 2011

ريتا فرج

شكّل الملفّ الكردي أحد أهم التحديات أمام الحكومات السورية المتعاقبة منذ الاستقلال إلى اليوم، وتصاعد الحديث عنه إثر تفجر الاحتجاجات السلمية التي تحولت إلى صراع عسكري. في «الكُرد السوريون والحراك الديموقراطي» (الدار العربية للعلوم ناشرون ــ 2013) يدرس فاروق حجّي مصطفى الحركة الكُردية عبر رصد مسارها التاريخي. منذ بدايات تبلور وعيها السياسي، عملت على الانخراط في المجتمع المدني السوري رغم حال التهميش الذي رافقها على المستويين الحقوقي والمواطني.

يبيّن الناشط والكاتب السوري أنّ الأكراد كانوا السبّاقين إلى تبني الديموقراطية، بدءاً من حقبة الوحدة المصرية السورية. أنشأوا «الحزب الديموقراطي الكردي في سوريا» (1957) كأول تنظيم سياسي يرفع هذا الشعار في الوقت الذي اتجهت فيه الأحزاب الأخرى إلى حمل مفردات القومية أو الاشتراكية أو العروبة. طالبت الحركة الكُردية بتأسيس عقد اجتماعي جديد.

لم يكن نشاطها السياسي في المراحل التي تلت الاستقلال بعيداً من اعتبار الأكراد مكوَّناً من مكوِّنات المجتمع السوري، لذا سعت الى إرساء الاندماج المجتمعي وتعزيز الهوية الوطنية، وقد تمكنت من خلال ممارساتها من التوفيق بين الطموح القومي والوطني.

يتناول الكاتب مرحلتين سياسيتين في دراسته للحركة الكردية، قبل الاحتجاجات الشعبية وبعدها. تاريخياً، انبثقت الحركة الكردية من رحم المجتمع المدني، فشكل تأسيس الجمعيات اللبنة الأولى لنهوض الأحزاب السياسية. مع تسلّم البعث للسلطة عام 1963، شهد الحراك الكردي انتكاسة جديدة، إذ عمدت سياسات الحزب على تجريد الأكراد السوريين من حراكهم ومُنع عنهم التواصل مع القوى السياسية الأخرى، ما دفعهم إلى التموضع داخل هويتهم.

لم تكن الأحزاب السورية في منأى عن منهج العزل والتهميش الذي اتبعه النظام السوري، فقد تماهت إلى حد ما مع الصيغ الإيديولوجية التي سيطرت عليها ولم تحاكِ هموم الأكراد وقضاياهم. بعد «إعلان دمشق» (2005)، تمكّن الأكراد ــ كما يبيّن الكاتب ــ من بلورة خريطة طريق سياسية تلاقي مطالب الحراك الديموقراطي السوري. آنذاك، وقّع «التحالف الديموقراطي الكردي» و«الجبهة الديموقراطية الكردية» أوّل وثيقة تصدر عن جهات معارضة داخلية تدعو إلى إنهاء النظام الأمني الشمولي. وبذلك، أبطل دخول بعض القوى السياسية الكردية في «إعلان دمشق» الحديث عن انفصال الأكراد وانعزالهم. وتأتي أهمية هذا الإعلان في أنه مثّل أول صيغة سورية تدعو إلى الإقرار بحقوقهم القومية.

بعد انفجار الاحتجاج السلمي في سوريا، راهن كثيرون على الأكراد لكونهم من أبرز الشرائح التي يمكن أن تندرج في الثورة، بسبب ما تعرضت له من عمليات تهميش طويلة. انخراط الكُرد في التظاهرات برهن أنهم جزء من التحرك المطلبي. هنا يسجل الكاتب ملاحظتين: الأولى سعي الأكراد إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى العلاقة العربية الكردية لمصلحة بناء أطر جديدة بين الفئات المجتمعية السورية؛ والثانية حركة الاحتجاج التي فتحت لهم المجال ليكونوا صنّاع سوريا الجديدة.

ينقد الكاتب كيفية تتعامل المعارضة السورية، ولا سيما «المجلس الوطني السوري»، مع مطالب الأكراد. رغم أنّ المجلس أصدر وثيقة خاصة بهم (الوثيقة الوطنية حول القضية الكردية في سوريا) بعد انسحاب ممثلي الأحزاب الكردية. لكن مخاوف الكُرد تفاقمت إثر ظهور العامل الإقليمي، ولا سيما التركي، الذي يمثل الحاضنة الأولى لـ«معارضي الخارج» لاعتبارات عدة، أهمها رفضهم للوصاية التركية وتخوفهم من سيطرة الإسلاميين (الإخوان المسلمين المدعومين من أنقرة والدوحة). يسجل الكاتب على القوى السياسية الكردية سعيها الدؤوب إلى توحيد المعارضة بهدف تأسيس عقد اجتماعي جديد، ويبرز أهم العقبات التي حالت دون تحقيق هذا الهدف من بينها عدم قدرة المعارضة بطرفيها الداخلي والخارجي على استيعاب حقوق الأكراد الثقافية والاجتماعية والسياسية، وتعصب بعض الأطراف الكردية للحيّز القومي. تحت عنوان «مأزق الاحتواء»، يضيء الكاتب على أهم مفصل من مفاصل المطالب الكردية، وهو «اللامركزية السياسية في الحكم». هذا المطلب الذي تبناه المجلس الوطني الكردي يرمي إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية والانسجام الاجتماعي والسياسي، وتحقيق رغبة الأغلبية في المناطق الكُردية، أي تحقيق شرط إدارتهم لذاتهم. هذه الصيغة (كما يذهب الكاتب) صعبة التحقيق؛ لأنّ المناطق الكردية غير مترابطة، والأفضل هو طرح «اللامركزية الإدارية» مع اتفاق جميع السوريين على الشراكة السياسية في حكم البلاد.

حرص الكاتب على تأكيد أن الكُرد ليس لديهم نيات انفصالية كما يتهمهم البعض؛ فهم لا يريدون الانفصال عن المجتمع السوري. ووجّه انتقادات إلى المعارضة الداخلية والخارجية (العلمانيون والإسلاميون) التي تعاملت مع الكُرد باستعلاء وفوقية، لا كشركاء. لم يوفر الكاتب حتى القوى السياسية الكردية التي اتخذت مواقف سلبية مما سمّاه «المعارضة العربية»، ورأى أنّ من المهم التواصل معها لبناء مستقبل سوريا بالشراكة مع الأطراف السياسية كافة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى