صفحات العالم

أكراد سوريا يتوجّسون من عسكرة الانتفاضة


ديانا سكيني

محيي الدين شيخ آلي، سكرتير حزب الوحدة الديموقراطي الكردي السوري “يكيتي”، شخصية سياسية بارزة، ومن مؤسسي المجلس الوطني الكردي. في ما يلي يتحدث شيخ آلي المقيم في عفرين الواقعة شمال غرب حلب لـ”النهار” عن خلفيات المقاربة الكردية للأزمة السورية.

في نقاط عدة من عفرين او “جبل الكرد” حواجز يقيمها انصار حزب العمال الكردستاني. هذه الحواجز تلفت المراقبين أكثر من غيرها من الحواجز التي دأبت على اقامتها مؤخراً اللجان الشعبية والامنية التابعة للاحزاب التقليدية الكردية السورية الاخرى في ظل إنتشار مظاهر الأمن الذاتي  تحت شعار تأمين السلم الاجتماعي خوفا من الفوضى الامنية السائدة. فأنصار “العمال الكردستاني” استفادوا من تدهور العلاقات بين دمشق وانقرة ليدخلوا بقوة معادلة صد الاندفاعة التركية للتدخل العملاني في الوضع السوري. على أن التوجس الكردي السوري من صور اردوغان والاعلام التركية التي رفعها “السنة العرب” لم يكن السبب الوحيد الذي ادى الى تراجع حركة شارعهم التي قادتها تنسيقيات الشباب الكردية المؤيدة للانتفاضة ضد نظام البعث. فأي من الاطر المعارضة وابرزها “المجلس الوطني السوري” و”هيئة التنسيق الوطنية” لم يتمكن من منح الكرد المعارضين للنظام ضمانات حول وضع قومي متمايز يرضيهم في المستقبل. الامر الذي دفعهم الى تشكيل “المجلس الوطني الكردي” الذي ضم غالبية الاحزاب الكردية، والذي بات في ظل علاقة وثيقة مع القيادة السياسية لكردستان-العراق يمثل الجسد السياسي الرئيس لاكراد سوريا الذين يتراوح عددهم بين مليوني و3 ملايين نسمة يعيشون في مناطق غير متصلة جغرافياً. هكذا، أضحى المشهد الكردي السوري يتوزع اليوم على ثلاثة توجهات: “المجلس الوطني الكردي”، التنسيقيات الشبابية الداعمة للانتفاضة، وانصار حزب العمال الكردستاني. والجامع بين هذه التوجهات، الى الهم القومي، تشكيلها لكتلة علمانية تتصف بحساسية مزمنة تجاه الاسلام السياسي.

الحل الكردي

يقول سكرتير حزب “يكيتي” الكردي السوري محيي الدين شيخ آلي لـ”النهار” ان “الدفاع الثابت عن السلم الأهلي في سياق التصدي لمخاطر حرب أهلية والاستمرار في معترك السعي لتحقيق تغيير حقيقي بنيوي وشامل صنوان لا ينفصمان لدى المجلس الوطني الكردي”، مضيفا إن “التمسك بتطبيقات مبادرة الجامعة العربية على أرض الواقع يعد الخيار الأفضل للجميع”. كما يقتضي حل الأزمة اليوم من منظار شيخ آلي الذي يتحدث عن “ضرورة وحدة المعارضة على أرضية وطنية لا تراهن على الخارج”، عقد مؤتمر سوري عام بمشاركة كل الاطراف السورية وبرعاية عربية ودولية وبتضافر كل الجهود بغية إيقاف فوري لسفك الدماء في اتجاه إيجاد حل سياسي للأزمة” والذي هو “السبيل الصالح والأكثر نجاعةً لخدمة الشعب السوري وبناء الدولة ومؤسساتها على أسس جديدة تكفل الحرية والمساواة وإن كان أهل الحكم يصمون آذانهم ويواصلون خيارهم الأمني – العسكري المنبوذ” .

شيخ آلي الذي يقول إن “بابا عمرو لم يسقط، فهذه مجرد معركة عسكرية، وان السقوط المدوي كان من نصيب النظام”، يشرح النظرة الكردية الرافضة للعسكرة قائلا إن “تسويغ واستسهال دعوات التسلح وعسكرة الانتفاضة الشعبية في سوريا أمر مريب يحمل في طياته مخاطر جمة وعواقب لا تحمد عقباها، ينبذه حزبنا في الأمس واليوم خصوصاً أننا ننتهج مبدأ وثقافة اللاعنف في حل جميع القضايا والمسائل ومن الصعوبة بمكان أن نحيد عن هذا المبدأ وننزلق نحو متاهات”. ويضيف ان “تاريخ الحركات المسلحة الكردية يشير بقوة الى غدر الدول الممكن وقوعه عبر العسكرة، كما ان ارتباط حامل السلاح بمانحه امر لا تحمد عقباه”.  نسأل شيخ آلي عن المظاهر المسلحة في المناطق الكردية السورية اليوم ولا سيما لانصار حزب العمال الكردستاني فيقول ان “حزب العمال الكردستاني-تركيا يحظى بوجود أنصار وتشكيلات مدنية وغيرها في أكثر من ساحة وإقليم في الأمس واليوم، وان هناك تعاطفاً نسبياً من الاكراد السوريين معه، وهو على وفاق اليوم مع النظام السوري بعد استضافة تركيا المعارضة السورية”. لكن شيخ الي يرى مبالغة في “نقل وتصوير الحالة المسلحة” للعمال الكردستاني في سوريا، حيث “تبذل مساعي متشعبة لتوتير العلاقات الكردية – الكردية بهدف شق وحدة الصف المجتمعي الكردي في سوريا وإنهاكه”. ويشير الى انه و”بهدف قطع الطريق أمام مساعٍ كهذه غير نبيلة تم إنجاز وثيقة تفاهم بين المجلس الوطني الكردي في سوريا وأنصار حزب العمال الكردستاني ممثلين بـ “مجلس شعب غرب كردستان – PYD”، تهدف  الى منع الاحتكاك الكردي – الكردي، ونزع فتيل التوتر من الشارع”.

ويوضح  شيخ آلي ان “الوجود المسلح في المناطق الريفية الكردية يأتي في ظل غض النظر من النظام والفلتان الامني بعد 11 شهرا من الانتفاضة، وان الهدف من حمل السلاح واقامة الحواجز منع عمليات الاغتيال، والسطو والجرائم”.

عن عودة اكراد سوريا ورقة مرجحة في العلاقات السورية – التركية، يشير شيخ آلي الى أن “مواقف حكومة أنقرة إزاء الداخل السوري أثارت وتثير حفيظة أكراد سوريا بوجه عام وحزبنا بوجه خاص” مضيفا ان “رفع البعض الأعلام التركية في مدن ومناطق سورية كان موضع استغراب وتساؤل، كما ثبت لنا بأن ثمة أوساط تركية على الصعيدين الرسمي – وشبه الرسمي تجهد للعب على الوتر الطائفي في سوريا بوضوح لا لبس فيه ساعدها في ذلك بعض القنوات الفضائية” .

وهل سيحقق الفلتان الامني في البلاد  حالة من الحكم الذاتي العملاني للاكراد؟ يجيب بأن “الترويج لوجود نزعة إنفصالية مفترضة لدى أكراد سوريا مرده في الأساس الى ذلك الحجم من التعاميم السرية لحزب البعث العنصري وقيادته القطرية وفروعه، أضف إلى الكم الهائل من الأحكام الجائرة التي صدرت عن محكمة أمن الدولة العليا في دمشق على مدى عقود بحق المئات من النشطاء الكرد”.

ووفق شيخ آلي فان احلام التقسيم المتداول اليوم لا تراود اكراد سوريا الذين جل ما يطالبون به الحصول على اعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم الانسانية في ظل الوحدة السورية، شارحا ان عدم الاتصال الجغرافي بين المناطق الكردية السورية يجعل من فكرة الاقليم الكردي التي يروجها البعض فارغة. ووفق الرجل، فان الاكراد لم يطالبوا الى الآن بصوت واحد بنظام فيديرالي وما يخرج في هذا الاطار لا يعبر عن اجماع كردي.

ضعف المشاركة

عن تخييم الحس القومي الكردي اكثر من الحس الوطني العام على مشاركة الاكراد في الانتفاضة منذ اندلاعها، يقول شيخ آلي ان “من حق أكراد سوريا الاعتزاز بكرامتهم القومية الكردية والدفاع عنها بلا تردد، تماما كما من واجبهم الاعتزاز بكرامتهم الوطنية السورية والدفاع عنها بلا هوادة، ومن العبث الفصل بين الحقيقتين في الحالة السورية”.

ويتحدث شيخ آلي عن اسباب تراجع المشاركة الكردية في التظاهر ضد النظام قائلا ان ” بوادر الإنزياح التي لاحت عبر الدعوات شبه الصريحة في اتجاه التسلح وعسكرة الانتفاضة وكذلك فلتان الشعارات على حساب رصانة هدف التغيير الحقيقي المنشود من خلال الانتقال السلمي إلى الديموقراطية، أثارت قلق العديد من أوساط المجتمع السوري ولم تشجعها على الانخراط أكثر فأكثر في الانتفاضة، إلا أن الحراك الجماهيري السلمي في الشارع الكردي يبقى متسما بالاستمرارية والحيوية وبصيغ وأشكال عدّة”. وعن صحة ان تقديم النظام حوافز كالجنسية وغض النظر عن بعض المخالفات، هو ما هدّأ من قوة المشاركة الكردية؟ يجيب: “قبل إندلاع حركة الاحتجاجات بكثير كانت القيادة السورية قد اتخذت قرارها وشكلت لجان ولوائح تنفيذية تقضي بإعادة الجنسية إلى تلك الشريحة من أكراد محافظة الحسكة التي كانت تعاني وطأة الحرمان جراء تجريدها من الجنسية منذ عام 1962، أما موضوع المخالفات، فحقيقة الأمر بأن السلطات المختصة غضت النظر عن بناء مئات الآلاف من الأبنية والدور السكنية ليس في المناطق الكردية فحسب بل وفي جميع المناطق والمدن السورية الأخرى”. وحول التأثر بمقاربة كردستان الحذرة للأزمة، يرفض شيخ آلي نعت أكراد سوريا بأنهم تابعون سياسياً للاقليم الكردي العراقي “فهذا خطأ ومناف للحقيقة والهدف منه تصويرهم بأنهم يشكلون خطراً محتملاً على سوريا ووحدتها وتطورها” مضيفا “لا نذيع سراً بأن لنا علاقات أخوية – ودية مع القيادة السياسية في كردستان مبنية على الاحترام المتبادل بعيداً عن التخندقات”.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى