باسل العوداتصفحات سورية

أكراد سورية حين يَنسون/ باسل العودات

 

 

كان لزيارة ممثل الرئيس الأمريكي في التحالف الدولي لبلدة (عين العرب) شمال سورية أثر سلبي مباشر على السوريين، فعلى الرغم من أنها زيارة عابرة لمنطقة باتت تُعتبر نقطة تقاطع مصالح للأكراد وللنظام السوري وروسيا والولايات المتحدة، إلا أنها جعلت أكراد سورية يعتقدون أن بإمكانهم البدء برسم حدود أرض ميعادهم، ويمكن لهم أن يبنوا هيكل قصرهم القومي بمعزل عن بقية السوريين (العرب).

أسمع الأمريكيون قبل أيام صالح مسلّم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وزعيم ميليشيات (وحدات حماية الشعب) الكردية كلاماً معسولاً، فقد وعدوا الرجل بأنه سيشارك في مفاوضات جنيف في المرحلة المقبلة التي تبدأ قبل نهاية الشهر الجاري، وقالوا له إن أكراد سورية هم جزء أساسي من الشعب السوري، وأصحاب حق يجب أن يُشركوا في رسم مستقبل سورية.

غادر مسلّم جنيف راضياً دون نقاش، وبعد يومين قام بريت ماكغورك، ممثل الرئيس الأمريكي في التحالف الدولي، بزيارة مفاجئة إلى المناطق التي تسيطر عليها (قوات سورية الديموقراطية) التي تُشكّل ميليشيات (وحدات حماية الشعب) جوهرها، وقام بجولة في مدينة (عين العرب) التي طُرد منها تنظيم الدولة الإسلامية وباتت تحت سيطرة هذه الوحدات الكردية، وقالت مصادر كردية إن الرجل أثنى على إدارتهم الذاتية وعلى مقاتليهم، وشدد على أن سورية المستقبل ستحترم حقوق الشعب الكردي وسيضمن ذلك الدستور الجديد لسورية، كما جدد التأكيد بأن الحزب سيُشارك في اجتماعات جنيف لاحقاً، وهذه المقولات لم يتبناها الأمريكيون علناً طبعاً.

على الفور، تغيّر المزاج العام لقسم غير قليل من أكراد سورية وخاصة مثقفيهم، حيث افترضوا أن الوعود الأمريكية وزيارة المسؤول الأمريكي العسكري للمنطقة ومن قبله اهتمام موسكو وإصرارها على إشراك صالح مسلّم بجنيف، كل ذلك دليل على أن الأكراد باتوا الورقة الصعبة والجوكر في القضية السورية، كما افترضوا أن ما يحلمون به، سواء أكان حكماً ذاتياً أم فيدرالية أم كونفدرالية أم انفصالاً هو أمر مُتاح للاختيار، وما عليهم سوى عدُّ الأيام ليروا حلمهم يتحقق، بل وهدد بعضهم نظرائهم العرب وقالوا إن ساحات (كوباني ـ كما يحلو لهم أن يطلقوا على عين العرب) هي ساحات وغى ومن يريد أن يُنازلهم فكرياً أو جسدياً عليه أن يأتي ليريهم (عضلاته) هناك.

يبدوا أن هؤلاء قد تسرّعوا قليلاً في إطلاق أحكامهم، فروسيا التي وضعت كل ثقلها لفرض صالح مسلّم وجماعته كمفاوض رئيسي في جنيف لم تنجح في ذلك، بل إنها طلبت من أعضاء ما يُعرف باسم (وفد موسكو) أن يشطبوا أسماء أكراد من قوائمهم ليُصار إلى اعتمادهم كمشاركين فرعيين في جنيف، كما نسي هؤلاء أن العم سام لا يفي بالوعود، ولو كان كذلك لكانت المعارضة السورية قد أسقطت النظام منذ سنوات وجنّبت سورية كل هذا الدمار، ونسوا أن تقاطع مصالح الولايات المتحدة وروسيا والنظام السوري وحتى إيران في شمال سورية حيث يكثر الأكراد هو تقاطع مصالح آني، سرعان ما سينتهي عند أول انعطافة أو تطور في الأزمة السورية.

نسي هؤلاء أن إشراكهم لبعض السوريين من غير الأكراد كواجهات شكلية لمجالسهم أو إدارتهم الذاتية أو تكتلاتهم هي مشاركة واهية هشّة سرعان ما سينفرط عقدها حين يصحى من غفِل عن حقيقة نواياهم الانفصالية أو شبه الانفصالية، وتناسوا حالة الصراع حول تمثيل الأكراد بين الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي ومن حوله، وحالة الخلاف بين مسلّم والزعيم الكردي البرزاني، والشرخ الذي خلّفه هذا الحزب بين الأكراد وبين الآشوريين في شمال سورية والعرب في كل سورية، ولم يُصدّقوا أن المبعوث الأمريكي انتقد استئثار حزب مسلّم بالقرار وطلب إشراك أكراد آخرين في إدارة المنطقة.

كذلك غاب عن ذهن هؤلاء أن لا تركيا (عدوة العمال الكردستاني) ولا الولايات المتحدة (صاحبة المصالح الاستراتيجية الكبرى) ولا حتى روسيا (اللاهثة لفرض نفسها) ولا النظام (الذي مدّهم بأسلحة وأنكروه) ولا المعارضة (التي تتهمهم بارتكاب جرائم حرب وتهجير) ستقبل بانفصالهم أو شبه انفصالهم، لما يُشكّله ذلك من خلخلة في توازن المنطقة، وفتح باب حروب أهلية شرسة لن تنتهي بعقود، الجميع بغنى عنها حالياً.

واحدة من المشاكل التي أفرزتها الحرب السورية هي النزعة القومية المتعالية التي برزت فجأة من بعض أكراد سورية الذين كانوا يبحثون عن انتماء بعد أن حرمهم النظام السوري من الانتماء للوطن السوري لعقود، وكذلك ارتفاع الأصوات المطالبة بالانفصال أو الحكم الذاتي وما بينهما، وتطورت مواقفهم بشكل متسارع لدرجة معاداة ومحاربة أي مُنتقد لهذه النزعات والأحلام والخيالات.

يمكن القول إن شريحة من الأكراد السوريين لا تعرف أن التعصب القومي هو رد فعل طارئ وينبغي رفضه، لأن بين أكراد سورية وبقية السوريين علاقات تقارب وتعايش وتسامح ومودة، والمشتركات معهم أكبر  بكثير من المشتركات مع أكراد العراق وإيران وتركيا، وهم شركاء الماضي والمستقبل، وأن التفوق القومي الشوفيني هو أفكار بالية أظهرت الأحداث والتطورات العالمية بطلانها وزيفها، وأن أي أحلام انفصال هي مشاريع حروب مُدمّرة مؤجلة، ونسوا أن ضمانة حقوقهم هو دستور سوري جديد، ودولة المواطنة والتعددية والسلطة التداولية المأمولة لا لدولة (التكريد)، وأن حقوق القوميات السورية يحددها الدستور، كما نسوا أيضاً أن من يجعلهم شركاء كاملي الحقوق مع بقية السوريين هو تحقق أهداف الثورة لا الوعود الأمريكية الخلبية أو المواقف الروسية المخادعة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى