صفحات سوريةعلي العبدالله

ألغام على طريق الثورة


علي العبدالله()

تمر الثورة السورية بمرحلة دقيقة وحرجة، فالخلاف حولها ليس بين الأطراف المؤيدة للنظام والمؤيدة للثورة فقط بل، وهو الأخطر في اللحظة السياسية الراهنة، ضمن الأطراف المؤيدة للثورة، وداخل صفوف المعارضة ذاتها. فالدول والقوى المؤيدة للثورة غير متفقة لا على الهدف السياسي ولا على طرق ووسائل تحقيقه، ناهيك عن الصراع الخفي فيما بينها على سوريا وقضايا أخرى.

يقود التدقيق في المبادرات المتتالية، الاقليمية والدولية، ازاء سوريا الى وجود حالة ارتباك، على خلفية العجز الذي يعيشه المجتمع الدولي في مواجهة عمليات القتل الوحشي والتدمير الممنهج الذي يقوم به النظام ضد المدنيين السوريين في المدن والبلدات والقرى، فالدول الموالية للنظام (روسيا، الصين، ايران) مازالت تصر على تحقيق مكاسب سياسية باستثمار الصراع الدائر في سوريا عبر دعم النظام بكل الوسائل التي تمكنه من الصمود في وجه الثورة الشعبية، وتتبنى روايته للأحداث، واعتباره ممثلا للدولة بكل مترتباتها من السيادة الى حق احتكار استخدام العنف، وتسعير المواجهة ريثما تنضج مساومتها حول مصالحها في سوريا وخارجها، ومازالت تعتمد الاسطوانة المشروخة ذاتها حول الجماعات المسلحة والدعوة الى وقف تسليحها، والإرهاب، وان لا حل من دون الجلوس على طاولة المفاوضات مع النظام، والحديث عن قوة النظام وشعبيته قبل ان يضيف السيد لافروف مبررا جديدا للتمسك به وظيفة حماية الاقليات.

الدول “المؤيدة” للثورة، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، مترددة بين خيارين صعبين: التنازل لروسيا، والتنازل للثورة السورية، فهي لا تريد التنازل لروسيا وتحقيق بعض مطالبها في سوريا وآسيا الوسطى والدرع الصاروخي، والموافقة على اعتبارها شريكا في القرار الدولي من جهة ومن جهة ثانية لا تريد للثورة السورية ان تنتصر انتصارا مبينا يجعلها حرة وسيدة قرارها، لما لذلك من تداعيات وانعكاسات على الإقليم، وخاصة على إسرائيل، لا تنسجم مع المصالح الامريكية، وهذا جعل موقفها يتداخل مع الموقف الروسي ويتقاطع معه في الابقاء على النظام، وان مشذبا، لكن من دون النفوذ الروسي والإيراني، وخاصة الايراني.

دفعت صعوبة اعلان تبني الخيار الثاني، في ظل عمليات القتل الوحشي الممنهج التي يرتكبها النظام ضد المدنيين العزل واشنطن الى لعب دور معطل بوضع العصي في عجلات الثورة بذرائع جلها مصطنعة، من تشتت المعارضة الى تواجد تنظيم القاعدة مرورا بمصالح الأقليات. ولما استهلكت هذه الذرائع لجأت الى تأجيل قرارها عبر طرح مبادرات تتعلق بإعادة صياغة المعارضة والثورة في مستوييها المدني والعسكري، على خلفية دفع الاطراف لقبول حل وسط يبقي جزءاً من النظام ويحقق للثورة جزءاً من مطالبها، وخاصة تنحي بشار الأسد، وهذا يفسر الدور الذي يلعبه روبرت فورد سفيرها في سوريا في محاولات استنزاف الثورة وتعقيد التحديات التي تواجهها عبر مباركة ودعم كل الخارجين على المجلس الوطني السوري، وتشجيع كل المبادرات وتبنيها، تلك التي تنطوي على تجاوزه او اضعافه وتبنيها وآخرها الدعوة لتشكيل هيئة المبادرة الوطنية السورية كمدخل لتشكيل حكومة مؤقتة من خارجه، والتي تعني انهاء دور المجلس الوطني السوري، وخلق كيان سياسي جديد. فالخط البياني للمبادرات والتصورات التي دعمها وتبناها السفير فورد تشير بوضوح الى سعيه لعرقلة التطور الحاصل في الثورة لجهة ادراك ضرورة التنسيق والوحدة بين قواها، وعلى كل المستويات، بتبنيه لخيارات وبدائل تعيد الموقف الى المربع الأول، ومن سعيه لإدخال قوى سياسية الى المجلس الوطني السوري بذريعة وحدة المعارضة، وهي لا تقبل موقف المجلس السياسي، للضغط عليه تمهيداً لتغيير مواقفه، الى العمل على فرض تشكيل لجنة المتابعة والاتصال بدور يتجاوز دور المجلس، وآخر هذه الخيارات تشكيل بديل للمجلس الوطني تحت اسم هيئة المبادرة الوطنية السورية، يناط بها تشكيل حكومة مؤقتة، وإطلاق رصاصة الرحمة على المجلس الوطني السوري.

فالتصور الجديد لتشكيل هيئة مبادرة وطنية سورية، في عمومه وتفاصيله، يقود الى استنتاج بوجود توجه لتطبيق النموذج العراقي في سوريا، والذي يقضي بتسليم البلاد لأشخاص ومكونات سياسية هزيلة ليست في صلب الثورة، وإقصاء القوى الحقيقية المعبرة عن تطلعات السوريين. وهذا واضح من بنية التصور حيث لم يكتف اصحاب المبادرة بعدم مشاورة قوى الثورة في الموضوع، بل لم يشركوها في تشكيل الهيئة وقدموا عليها مكونات لم تكن في الثورة، أو كيانات مصطنعة شكلت لتلعب دور حصان طروادة في اختراق المشروع الوطني للتغيير، الذي تبنته الثورة وتجاوز مطالبها وبخاصة إسقاط النظام. لان انتصارها وبلوغها أهدافها يتعارض مع المصالح الأميركية كما أسلفنا، عبر اعتماد حل وسط أو صيغة لا غالب ولا مغلوب تستجيب للمصالح الأميركية. هنا يجب ان لا ننسى دور أطراف في المجلس الوطني والمعارضة في الترويج لهذه السياسات والمواقف، فهي ولاعتبارات شخصية وأنانية تهرول لملاقاة مطالب الدول “الصديقة” علها تنال بعض الفتات، وفرض تشكيل حكومة مؤقتة مع ان المعطيات الواقعية لا تشير الى امكانية تشكيل حكومة مؤقتة، حقيقية، فلا انتصارات الثورة وسيطرتها على اجزاء من البلاد تسمح بإقامة منطقة آمنة تسمح للحكومة بالقيام بدورها منها، والنظام مازال يمتلك قدرات، وله حلفاء يدعمونه بقوة، لعرقلة تنفيذ هذا الخيار، ولا مستوى التنسيق والتعاون بين القوى السياسية والميدانية، عسكرية وغير عسكرية، يسمح بتشكيلها في ظروف صحية، فاحتمال انفجار الخلافات على خلفية تشكيلها شبه مؤكد، ناهيك عن ان ما حصل ويحصل مع المجلس الوطني السوري الآن يستدعي الحذر من التلاعب بموضوع تشكيل حكومة مؤقتة، والتعاطي معها كآلية لإدارة الازمة ما يعني استخدامها كأداة مرحلية ثم رميها في سلة المهملات. فالوضع لم ينضج لتشكيلها بشروط موضوعية ومحددات منطقية، سبق طرحها من قبل إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي وهي:

أ- أن تشكل بتوقيت مناسب عند التأكد من قرب سقوط النظام.

ب – أن تقوم على ارض محررة.

ج – ان تكون قوى الثورة في الداخل الطرف الرئيس في تشكيلها.

د – ان تكون مدتها محددة بسقوط النظام، وعندها يبدأ العمل على تنفيذ برنامج المرحلة الانتقالية، بدءا من عقد مؤتمر وطني جامع، وتشكيل حكومة للمرحلة الانتقالية مهمتها تنفيذ بقية برنامج المرحلة الذي اتفق عليه في مؤتمر المعارضة 2 و 3 تموز 2012 في القاهرة.

و – أن نضمن الاعتراف بها، والتعامل معها من قبل الدول الصديقة على أنها البديل السياسي للنظام.

يشير خيار تشكيل هيئة مبادرة وطنية لتشكيل حكومة مؤقتة، بالإضافة الى ما يحصل على الأرض من ممارسات بخصوص الدعم والتسليح باشراف أميركي، إلى وجود قرار بعدم تمكين الثورة من تحقيق انتصارات ميدانية تسمح لها بكسر توازن القوى الراهن على طريق حسم المعركة، فالتعاطي مع الدعم بالعتاد والمال يشير الى وجود قرار بالتحكم بإيقاع المواجهة من خلال السيطرة على وصول الدعم كما ونوعا وتوقيتا، وهذا بدوره يشير إلى خطة لاستنزاف الثوار، وإنهاكهم باعتماد تكتيك تليين الدفاعات المعروف في الاستراتيجية العسكرية، لدفعهم إلى حافة اليأس والاختيار بين قبول حل وسط او الهزيمة.

تستدعي المصلحة الوطنية، ونجاح الثورة في تحقيق أهدافها في اسقاط النظام، وولوج مرحلة التغيير الديمقراطي، رفض أي هيئة أو تشكيل سياسي فوق المجلس الوطني السوري، وأن لا يخدع المجلس نفسه، أو ينخدع لمروجي المبادرات، ويزعم انه قادر على الاحتفاظ بدوره مع قيام مثل هكذا تشكيل في الوقت نفسه، فالأمران لا يجتمعان، وان يعمل مع قوى المعارضة المنحازة للثورة على دراسة فكرة تشكيل حكومة مؤقتة وإنضاجها وتحديد آلية تشكيلها وشكلها وحجمها والتوقيت المناسب لقيامها، فالموضوع من الاهمية والخطورة بمكان تفرض التعاطي معه بما يستحق من المسؤولية والجدية والحصافة.

() كاتب سوري.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى