صفحات العالم

ألم يتعلم الأسد من الذين سقطوا؟

 


عبد الرحمن الراشد

شاهدهم على شاشة تلفزيونه، رأى كيف سقط الرئيس المصري مبارك، وقبله بثلاثة أسابيع رأى كيف هوى الرئيس التونسي بن علي، ويرى الآن القذافي يصارع من أجل الاحتفاظ بربع ليبيا، وهاهو الرئيس اليمني صالح يحاول تحسين شروط التنحي عن الحكم.

الرئيس السوري بشار الأسد شاهدهم جميعا. كان لديه الوقت الكافي لأخذ العبرة والدرس مما حدث، ليس مثل الرئيس التونسي الذي بوغت بثورة الشارع فجرب قمعها وفشل، فركب طائرته وفر. ولم يسعف الوقت الرئيس المصري فداهمته الأحداث فورا، وعندما فشل في إدارتها استعان بالجيش، لكن الجيش قام بخلعه. وهو الآن يرى أن القذافي الذي تبنى القمع بكل الوسائل العسكرية جلب على نفسه التدخل الدولي، وبسببها يترنح. أما النموذج الرابع فهو الرئيس اليمني؛ فقد اعتمد المراوغة السياسية في إنهاء مطالباته بالتنحي، لكن الجميع متمسكون بإخراجه، والبعض يريد محاكمته على مذبحة الجمعة.

سورية هي الدولة الخامسة في طابور الثورات وليست الأولى، ويفترض أن يكون الرئيس قد جمع ما يكفي من الأفكار والخيارات العملية ليعرف كيف يعالج أي اضطرابات. الذي حدث أنه فورا عالج أول مظاهرة احتجاجية بقتل خمسة أشخاص في مدينة درعا الحدودية التي كانت تحسب ضمن الأكثر موالاة لنظامه، فأصبحت هي شعلة الثورة ضده.

الغريب تماما أن الرئيس السوري لم يبرر لجوءه إلى القوة بأي تنازل للمتظاهرين، لم يحل برلمانه الذي بقي في عمره بضعة أسابيع، ويجري انتخابات مبكرة برقابة دولية. لم يعلن عن تغييرات في أجهزته الأمنية التي هي فعلا مصدر المشاكل في سورية على مدى عقود متواصلة ويضرب بسوئها المثل عالميا. لم يفرج عن المعتقلين السياسيين، وأكثرهم مدنيون لن يزيدوا في إزعاجهم له على إزعاج بقية المعارضين في الشارع. عمليا لم يفعل شيئا أبدا سوى الإعلان كلاميا عن رفع حالة الطوارئ حتى يبرر إرسال قواته العسكرية لمواجهة المتظاهرين.

من الواضح أن القيادة السورية تقلد القذافي: تشويه صورة الخصوم ومباشرة السحق العسكري. اتهمت المتظاهرين بأنهم سلفيون وإرهابيون ومندسون ومسلحون، وأطلقت عقال قواتها وأجهزة أمنها عليهم. لا ندري كيف سيستطيع الجيش كبح جماح عشرات الآلاف من المتظاهرين في عشرات المدن، حيث في كل مرة يسقط قتيل تقام مظاهرة تشييع جنازة وتكبر الأحقاد. لو كان الحل العسكري الأمني مفيدا لفاز قبله القذافي الذي استخدم الطيران والمدفعية الثقيلة والمرتزقة، لكنه فشل ولم تتوقف رغبة إسقاط النظام من قبل الثوار. سيدفع القتل بعموم الشعب السوري نحو تأييد المعارضة، وسيدفع المعارضة نحو التسلح، وسيتحول المتظاهرون المسالمون إلى ثوار مسلحين.

أنا لا أهون من المخاوف عند القيادة السورية التي تعتقد أولا أن هناك مؤامرة تحاك إقليميا ودوليا ضدها، وبالتأكيد هناك كثيرون يتمنون سقوط النظام السوري، وثانيا تظن أن التنازل سيكسر هيبة النظام وسيزيد من الانتفاضة ضده، لكن حتى لو كانت هذه الظنون صحيحة فإن الحل العسكري لن يفيد النظام السوري تحديدا. صحيح أن التنازلات السياسية قد تفقد النظام شيئا من سلطاته لكنها ستحافظ عليه، أو على الأقل ستعطي عذرا عند استخدامه الحل العسكري. لا يوجد نظام في العالم اليوم يتحكم في مصائر الناس ودقائق حياتهم كما يفعل في سورية، ويفترض أن القبضة الحديدية ولى زمنها ولذا ثار الناس في ليبيا ويثورون في سورية.

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى