صفحات العالم

أمريكا أمام الخيارات التركية في سوريا/ محمد زاهد غول

 

 

إن المشهد السياسي الذي أظهرته القمة التركية الروسية الإيرانية في أنقرة يوم الأربعاء 4 نيسان/أبريل 2018، يعطي نتيجة صعبة وغير متوقعة ومحفوفة بالمخاطر لجميع أطرافها، فالنتيجة الصعبة هي أن هذه الدول على اختلاف أهدافها واختلاف طريقتها بمعالجتها للأزمة السورية إلا أنها لا تزال تجد أن من الممكن أن يتفقوا على إيجاد حل سياسي في سوريا وأن يتعاونوا فيه. وبمعزل عن الحديث عن الأهداف التركية المعروفة، فإن أهداف إيران غير أهداف روسيا في سوريا، ويحاول كل واحد منها أن يستغل أو يستثمر موقف الآخر وجرائمه في سوريا لصالحه، ما دامت المعارك دائرة ومستمرة، ولكنها ستصل إلى الاصطدام عندما يصلون إلى جني الثمار، بل أصبح الإيرانيون منذ اليوم يعتبرون أن بشار الأسد وروسيا قد خدعتهم في السنوات والأشهر الماضية بعد أن وقعت الحكومة الروسية مع الحكومة السورية عقود إعادة بناء سوريا لصالح الشركات الروسية، فضلاً عن توسيع القواعد العسكرية الروسية في سوريا نوعياً وكمياً وقدرات حربية، وكأن الروس يخططون أن تكون مكاسب إيران هي مكاسب أيديولوجية مذهبية طائفية فقط، بينما يبقى الشأن العسكري والسياسي والاقتصادي بيد القيادة الروسية، وهو ما تخشى إيران أن يكون له ارتباط مع الاتفاقيات الروسية مع الدولة الإسرائيلية أيضاً، وهو ما يحد من أهداف إيران الاستراتيجية بأن تكون لها أراض تسيطر عليها في سوريا، تربط من خلالها من طهران إلى بغداد إلى دمشق وبيروت. هذا المخطط الإيراني يناقض الأهداف الروسية لأسباب اقتصادية قبل أن تكون معارضة لأهدافها الأمنية والعسكرية، وهو معارض لأهداف تركيا وأمريكا والدول العربية أيضاً.

هذا على صعيد بعض أوجه النتيجة الصعبة، ومنها أيضاً اتفاق الدول الثلاث أو التزامها بالعمل على وحدة الأراضي السورية، وهذا وإن كان ضربة قاذية لأهداف أمريكا في تقسيم سوريا أولاً، فإنه يعني أيضاً منع إيران من أخذ الحد الأدنى من المكاسب بعد انتهاء الأزمة السورية، فإيران لم تعد تحلم بالسيطرة الكاملة على سوريا ولا التصرف فيها كيف تشاء، ولن تستطيع الاحتفاظ بها كدولة كاملة السيادة كإحدى دول محور المقاومة كما تزعم، فالحفاظ على وحدة سوريا حسب اتفاق القمة الثلاثية سيحرم إيران من تأسيس دولة طائفية تضمن لها نفوذاً خاصاً عليها، ولن يضمن لها بقاء وجودها العسكري فيها، فهذه من النتائج الصعبة على إيران ولذلك قد تعمل إيران بخلاف ما تتفق عليه مع روسيا وتركيا، حتى لو كان اجتماع القمة الثلاثي الروسي التركي الإيراني المقبل بشأن سوريا سيعقد في طهران، فالأهداف الإيرانية في سوريا سيتم تحجيمها بضغوط روسية تركية، فضلا عن الضغوط الإيرانية الداخلية.

إن من النتائج الصعبة وغير المتوقعة أن تكون الجهود الروسية التركية الإيرانية قد أفشلت المشروع الأمريكي في سوريا من الناحية العملية، وإن لم تتبن ذلك في بيانها السياسي ولا في خطابها الإعلامي فجلوس هذه الدول الثلاث في مؤتمرات قمة متعاقبة وبرعاية مؤتمر دولي خاص بشأن سوريا في أستانا هو دليل على أن الدور الأمريكي قد تم إضعافه بدرجة كبيرة من قبل هذه الدول الثلاث، واضطرار الرئيس الأمريكي ترامب إلى اتخاذ قرار انسحاب الجيش الأمريكي من سوريا لم يأت من فراغ، وإنما لأنه فشل في تحقيق أهدافه العسكرية. فالبيت الأبيض يعاقب البنتاغون على فشله منذ إدارة أوباما على كسب النفوذ في سوريا، بل أن تركيا، وهي مستندة إلى التعاون مع روسيا وإيران، قامت بعمليتين عسكريتين كبيرتين في سوريا هي معاكسة للرغبات الأمريكية، الأولى درع الفرات والثانية غصن الزيتون، ولا تزال تركيا تهدد بتطهير تل رفعت ومنبج وتل أبيض بل وتطهير سنجار في العراق من الأحزاب الإرهابية التي علقت عليها أمريكا معظم أهدافها ومشاريعها في سوريا وشمال العراق.

هذا التراجع الأمريكي في سوريا بعد نجاح عملية «غصن الزيتون» في مرحلتها الأولى في عفرين دفع الجنرالات الأمريكيين لتخفيف حدة خلافهم مع تركيا، لأنهم يعلمون أنهم كلما أوغلو في العداء أو الاختلاف مع تركيا ستكون نتيجته تقارب تركيا أكثر مع روسيا وإيران أيضاً، وأمريكا ليست في وضع يمكنها من خوض حروب عسكرية في سوريا، فكيف تخوض خلافات مع حليفها التاريخي الجيش التركي، لذلك فإن البنتاغون ومعه الإدارة الأمريكية لا يستطيعون تكبير خلافهم مع تركيا، وشاهده تصريحات وزارة الدفاع الأمريكية المتزامنة مع أحداث القمة الثلاثية، فقائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال، جوزيف فوتيل، قال الثلاثاء قبل انعقاد القمة الثلاثية في أنقرة بيوم واحد: «إن بلاده تجري حوارًا مكثفًا مع تركيا بشأن سوريا»، ورداً على سؤال حول الخلاف بين بلاده وأنقرة، بشأن الأولويات في سوريا، وعلى رأسها مدينة منبج، التي يسيطر عليها تنظيم «ي ب ك/ بي كا كا» الإرهابي، فقد أكد فوتيل أن قنوات الاتصال بين الجانبين التركي والأمريكي «جيدة ومفتوحة»، وهو ما أكدته التصريحات التركية أيضاً.

هذه التصريحات الأمريكية ومن جنرالات البنتاغون تأتي بعد عشرة أيام من تحرير الجيش السوري الحر بدعم تركي لمدينة عفرين، وفي يوم 4 نيسان/ابريل الجاري نفسه قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، جوني مايكل، إن «تركيا ما زالت حليفًا مقرباً لنا بحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ولا زالت قاعدتها الجوية في إنجيرليك جنوبي تركيا تلعب دورا هاما للحلف»، فأمريكا ليس أمامها إلا أن تحسن علاقاتها مع تركيا، فخسارة أمريكا لمشاريعها في سوريا يتطلب منها أن لا تخسر تركيا معها أيضاً، فأمريكا بسحب جيشها من سوريا خلال المدة التي حددها الرئيس الأمريكي ترامب مع مستشاريه خلال ستة أشهر يعني أنه أمام خيار وحيد وهو تحسين علاقات أمريكا مع تركيا، وهذا يدل على تراجع قدرة أمريكا على العمل في سوريا بحسب الخطة التي وضعها البنتاغون منذ سنوات.

ومطالبة ترامب من السعودية أن تدفع كلفة بقاء الجيش الأمريكي في سوريا إذا أرادت ذلك بشكل علني، رغم ما فيه من حرج لسمعة الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه دليل على مدى الضعف المالي الذي يعاني منه الجيش الأمريكي فأمريكا في عهد ترامب تعترف بدرجة ضعفها المالي وعجزها العسكري عن تحقيق أهدافها، ولذلك يكثر ترامب من الشكوى من ضياع الأموال الأمريكية خارج أمريكا، فهو يتندر على صرف أمريكا سبعة تريليونات على منطقة الشرق الأوسط في العقود الماضية دون أن تجني أمريكا منها شيئاً، وهذا مؤشر على أن أمريكا في السنوات المقبلة ستكون بحاجة إلى أصدقاء أقوياء لمساعدتها في إدارة شؤونها في سوريا، وفي الغالب قد لا تجد إلا تركيا وليس فرنسا.

إن إمكانيات فرنسا لن تسمح لها فرض رؤيتها الأمنية ولا السياسية ولا العسكرية في شمال سوريا، ولا يتوقع أن تقع في الأخطاء نفسها التي ارتكبتها أمريكا مع الأحزاب الكردية الانفصالية، ولكنها أي فرنسا قد تجد تشجيعا أمريكيا وأوروبيا يورطها في ذلك، بل قد تجد تشجيعا من الأحزاب الكردية الانفصالية، وهي التي فقدت ثقتها بإيران أولاً، وفقدت ثقتها بروسيا ثانيا، وفقدتها ثقتها بأمريكا ثالثاً، فقيادات هذه الأحزاب الانفصالية ستكون متلهفة لقبول المساعدة والتبني الفرنسي لها. ولكن تلك الأحزاب الانفصالية ستكون مخطئة أيضاً، لأنها ستكون دمية بيد فرنسا فقط، ولكن قد يكون التورط الفرنسي تلبية لبعض اللوبيات اليمينية الفرنسية والأوروبية والصهيونية التي تتبنى استغلال هذه الأحزاب الانفصالية في إضعاف سوريا.

وفي كل الأحوال فإن فرنسا تحشر نفسها في الأزمة السورية بعد أن وصلت إلى مراحلها الأخيرة عسكريا، وبالتالي فقد يكون هدفها من تبني الأحزاب الكردية الإرهابية في سوريا مثل قسد، بنظر تركيا، أن تصبح فرنسا مساهمة في تقرير مستقبل سوريا السياسي، بحكم أن فرنسا كانت دولة انتداب سابق على سوريا، فإذا رفضت الدول الضامنة الثلاث تركيا وروسيا وإيران التدخل الفرنسي فلن تستطيع فرنسا النجاح في مهمتها، ولن تكون حظوظها أي فرنسا أحسن من حظوظ أمريكا نفسها، والحكومة الفرنسية تعرف ذلك، بدليل إعلان معارضتها أن يكون مؤتمر أستانا بديلا عن مؤتمر جنيف، وهو الأمر الذي لم تدعيه الدول الضامنة الثلاث، بل جاء صريحا في مؤتمرها الصحافي في القمة الأخيرة في أنقرة من أن أستانا لن تكون بديلا عن جنيف، وإن كانت المساعي العملية تدل على أن الدول الضامنة الثلاث سئمت من قيادة أمريكا لجنيف نحو الأهداف الأمريكية فقط، وبالتالي فإن مراهنة فرنسا على القيام بالدور الأمريكي في سوريا هو متاهة لفرنسا أولاً، وتعطيل للجهود السياسية في إيجاد حل سياسي قريب ثانيا.

كاتب تركي

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى