صفحات العالم

أمور كثيرة ينبغي أن تسبق البدء بالحوار

 


دمشق ـ غازي دحمان

ليس الحوار كالتفاوض. ذاك أن الحوار، في مبناه ومعناه، تبادل للرؤى والتصورات، وليس إختيار الأفضل بين سيئين. كما أن الحوار لايشبه إتفاقات الهدنة والصلح التي تعقب الحروب بين الدول، حيث يفرض المنتصر شروطه على المهزوم.

في سورية، وفي ظل بقاء الاوضاع على حالها، واتساع حدة التوتر وزيادة منسوبه، قررت السلطات السورية إجراء حوار في العاشر من تموز، وقد جاء هذا القرار عشية المؤتمر الذي عقدته شخصيات مثقفة ومعارضة في دمشق، وكانت السلطات السورية قد مهدت لذلك عبر إصدارها قراراً يقضي بتشكيل هيئة تهتم بوضع أسس لحوار وطني.

والواقع ان طريقة طرح الحوار كمخرج للأزمة الحالية تنطوي على لبس مكشوف، كمثل بقية الإقتراحات والإجراءات التي إعتمدتها السلطة حتى اللحظة للتعاطي مع الازمة، والتي لم يكن واضحاً منها سوى الإجراءات الأمنية العنفية، والإحتفالية الإعلامية غير المفهومة أو المبررة. وعطفاً على ذلك، فإن طريقة طرح الحوار، وفي المناخ السياسي والامني السوري الراهن، تؤشر إلى كونها تكتيكاً سياسياً معيناً أكثر منه مبادرة جادة لحل سياسي حقيقي، وذلك للإعتبارات التالية :

– إن المطروح الراهن في سورية لا يحتاج إلى حوارات لتحقيقه، إذ لا يمكن ان يتصور المرء حواراً حول مطالب سياسية مزمنة، مثل إلغاء المادة الثامنة من الدستور، أو إرجاع الافرع الأمنية إلى مكاتبها وتحديد دورها بقضايا تقنية بحتة هدفها حماية أمن الناس والبلاد.

– يحتاج الحوار إلى وجود طرفين متكافئين يستطيعان التحاور والخروج تالياً بتوافقات معينة، ولا يوجد في سورية مكافئ للسلطة التي تحتكر القوة والدولة والشرعية، في الوقت الذي تصف فيه المحتجين على أنهم مندسّون ودعاة فتنة. فالحوار في هذه الحال سيكون نوعاً من إعادة تأهيل وطنية لهؤلاء وإعادتهم إلى جادة الصواب بوصفهم مغرراً بهم.

– ثم الحوار مع من؟ يحتاج الحوار إلى طرف سياسي واضح، لديه مطالب سياسية محددة، والسلطات السورية لاتعترف بوجود طرف سياسي في الأزمة الحالية: بالتأكيد ثمة شخصيات فكرية يثق بها المجتمع السوري، لكن الحوار معها، إن لم يتم الإعتراف بها كأطراف سياسية، من شانه ان يتحول إلى حوار ثقافي، وحتى عملية سبر لمعلوماتها عن الحرية والديمقراطية والتعددية، أي إختبار مدرسي بكل معنى الكلمة. ألم يتجرأ الإعلاميون والرسميون السوريون على القول بأن أحداً من المحتجين لا يفهم معنى الحرية، وأنهم على إستعداد للدخول مع كائن من يكون في مناظرات علنية عن الحرية؟

– والحوار على ماذا ؟، إذا كانت السلطات قد حددت مسبقاً عدم نيتها إدراج المادة الثامنة من الدستور في الحوار المزمع، كما قامت بإخراج كل القضايا الخلافية من قائمة الحوار، ونسيت السلطات السورية في هذه الحالة أن تعقد جلسات الحوار في غابة أكاديموس!

– إضافة لذلك، يحتاج الحوار إلى ضمانات لتحقيق مايتم الإتفاق عليه وإدراجه في الواقع السياسي والاطر الدستورية والهياكل السلطوية، أي تحويل ما يتم الإتفاق عليه إلى إجراءات قانونية ودستورية، ولعل المشكلة في ذلك تتأتى من إفتقاد سورية للبنى والهياكل السياسية والدستورية التي تضمن إدراج تلك الإجراءات إلى حقائق دستورية.

– يحتاج الحوار إلى مناخ مناسب لإطلاقه، وتهيئة الظرف المؤاتية لنجاحه، ولعل اهم مايحتاجه في الحالة السورية، إنكفاء السلطات الامنية والإبتعاد عن المعالجات العنيفة التي تجري ممارستها تجاه المحتجين. إضافة لذلك، فإن إجراء الحوار في هذا المناخ ليس أكثر من رسالة، للخارج والداخل، مفادها أنه قد تم كسر الحراك نهائياً وأن ما يجري هو منحة تقدمها السلطات للمعترضين، الذين لن يمثلوا حكماً بهذا الحوار، وإلا ماذا يعني غياب الحلول السياسية عن الأزمة طوال أكثر من شهرين؟ هل سبب ذلك إعطاء الوقت للدبابة كي تسوي الأمور ويقدم الحراك إلى طاولة الحوار جوزة مقشرة يسهل هضمها!

بغير ذلك، لن يكون للحوار اية قيمة، ولن يساهم في إخراج البلاد من الازمة التي تمر بها. فالحوار الجاد هو الحوار الذي يتجاوز المطالب المرفوعة والمعروفة، لكي لا يتحول إلى عملية تفاوضية معقدة وطويلة، الرابح الاكيد فيها السلطة لإمتلاكها كل اوراق القوة من الخبرة إلى إحتكار القوة وسواها من الاوراق التساومية، والإنصراف إلى تأسيس صيغة سياسية جديدة ديمقراطية وعلمانية، تضمن حق جميع مكونات المجتمع في المساواة والمشاركة، حينها سينتفي الخوف من الفتنة، كما ستنتفي مبرراتها، من خلال عقد إجتماعي جديد.

وفي ما خص الشخصيات التي عقدت المؤتمر في دمشق، والذي على أساسه أقدمت السلطة على تحديد موعد للحوار معها، فبالرغم من كونها شخصيات مرموقة ويكن لها المجتمع السوري إحتراماً خاصاً، سواء لوزنها الثقافي والرمزي، أو حتى بالنظر لتاريخها النضالي، إلا أنها تبدو في هذه المبادرة قد أقدمت على خطوة ناقصة، أقله لجهة عدم ترتيبها الأمور مع قادة الحراك، وعدم إلتقاطها لتوجهات المزاج العام في سورية. وبالرغم من تاريخها ووزنها، إلا انها لاتمثل على الأرض وزناً حقيقياً، وللحق هي تمثل تياراً غير مرئي في الثورة السورية ذات الطابع الريفي والهامشي المدني.

المستقبل

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى