صفحات العالم

أميركا والتعامل مع «القاعدة» في سوريا/ صمويل بيرغر

يوضح عدم استعداد النظام السوري للانخراط بجدية في مفاوضات جنيف، الحاجة إلى وجود جهد مواز لتغيير حسابات النظام، والسماح للولايات المتحدة والمعارضة المعتدلة بالعودة إلى طاولة المفاوضات في موقف أفضل. وهذه هي الطريقة الوحيدة لإيقاف هذه الحرب الوحشية.

أظهرت الأحداث في حمص سفالة استراتيجية البؤس لنظام بشار الأسد. لكن الصراع اتخذ بعدا أمنيا مشؤوما للولايات المتحدة خلال الأشهر القليلة الماضية. وكثف الأسد من هجومه بما في ذلك قصف عناصر المعارضة السورية الأكثر اعتدالا من دون هوادة، مما شكل فراغا شغلته الجماعات المتطرفة التي تمثل بدورها تهديدا لنا. وقال مدير استخبارات الأمن القومي جيمس كلابر ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)جون برينان مخاطبين الكونغرس الشهر الماضي إن شرق سوريا أصبح ملاذا لـ«القاعدة» والجماعات المرتبطة بها مثل جبهة النصرة والدولة الإسلامية بالعراق والشام، والبعض يتطلع ليهاجم وطننا. وذكر كلابر أن من ضمن المقاتلين في سوريا أكثر من 7000 مقاتل أجنبي. وسيرجع الكثير منهم إلى أوطانهم في أوروبا وغيرها كمقاتلين مدَربين وأشداء.

وفي غياب حل دبلوماسي قريب نحتاج إلى تغيير المسار. ويجب أن تستمر عملية الحوار فهي السبيل إلى إنهاء الحرب. لكن على الولايات المتحدة السعي لاتخاذ مجموعة أقوى من الخطوات التي تعالج التهديد الماثل الذي تمثله «القاعدة» في سوريا وإعطاء فرصة للنجاح.

لن تستطيع الولايات المتحدة هزيمة «القاعدة» في سوريا وحدها. ولمواجهة «القاعدة» علينا تقوية عناصر المعارضة المعتدلة نسبيا. فهذه الجماعات فقط التي تتحدث وتقاتل من أجل غالبية السكان، وتشارك الشعب السوري رغبته في التخلص من كل من نظام الأسد والمقاتلين الأجانب معا، وتستطيع أن تسيطر وتحتفظ بالأراضي التي يحتلها المتطرفون. ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن معظم المقاتلين غير مرتبطين بـ«القاعدة» رغم أن بعضهم إسلاميون. وقد وقفت هذه الجماعات بالفعل خلال الأسابيع الماضية في وجه «القاعدة» في أجزاء من سوريا. وإن لم نساعدهم الآن فقد نجد أنفسنا نرد على هجمة إرهابية ناشئة من مناطق جديدة لـ«القاعدة» في شرق سوريا.

لحسن الحظ نستطيع تقوية المعارضة المعتدلة بطرق تعيد مكاسب «القاعدة» إلى الخلف، وتساعد على تغيير معادلة الأسد. أولا، تحتاج الولايات المتحدة إلى تقديم المساعدة إلى القوات المعتدلة المعادية للأسد ولـ«القاعدة»، حتى تصرف الناس بعيدا عن المتطرفين، ولتعمير المناطق المحررة ومواجهة هجمات النظام حتى يستطيعوا التركيز على «القاعدة». وأحد أفضل الطرق لتحقيق ذلك هي توفير الأموال النقدية لدفع الرواتب في المناطق المحررة. وكذلك بمساعدة بلديات الحكومة المحلية للمعارضة بدفع رواتب المعلمين والعاملين في المهن الطبية وموظفي الخدمة المدنية وضباط الشرطة، نستطيع مساعدتهم على اكتساب الشرعية وتأسيس النظام العام وخلق بديل للمتطرفين ونظام الأسد أكثر مواءمة.

كما يمكن اتباع أسلوب مماثل لدعم الفرق التي تقاتل «القاعدة». هناك حاجة للأسلحة أيضا، لكن نقل الأسلحة معقد من الناحية اللوجستية ويستغرق وقتا طويلا. وبينما على مقاتلي المعارضة إطعام أنفسهم وعائلاتهم فإن الجماعات المتطرفة تدفع أكثر بصورة أكثر اطمئنانا وكرما بسبب النقد الذي يتدفق عليها من مناصريها. سيكون من الصعب التدقيق مع قادة المعارضة والفرق الذين يتلقون المساعدات المالية مع الحفاظ على الواقعية: فقد تتحول بعض الأموال إلى لاعب سيئ. البديل هو الاستمرار في حصول هؤلاء اللاعبين السيئين على معظم المساعدة المتدفقة إلى مناطق المعارضة، بينما لا تحصل المعارضة المعتدلة على أي شيء.

ثانيا، بينما تعمل الولايات المتحدة على دعم المعارضة المعتدلة، فإن لازمة ذلك هي الحد من تدفق الأسلحة إلى نظام الأسد والجماعات المتطرفة. والطريقة الأكثر فاعلية هي فرض عقوبات مختارة بعناية على البنوك التي تمول شحنات الأسلحة إلى النظام وعلى الممولين لـ«القاعدة». إن استهداف هذه المؤسسات سيصنع عقبات أمام جهود النظام لإعادة تموينه، وسيشكل ضغطا على مناصري الأسد الدوليين لمساعدتنا على تحقيق حل سياسي.

أخيرا، إن أردنا كسب دعم المعارضة الكامل ضد «القاعدة»، فعلينا أن نكون مستعدين لمساعدتها على حماية المدنيين من فظائع الأسد، بما في ذلك القصف بالبراميل المتفجرة الذي يصيب البلدات التي تسيطر عليها المعارضة. كما أن إعاقة استخدام الأسد للطائرات المروحية والمقاتلات لقتل المدنيين، ستمكن المعارضة السورية المعتدلة من أن تُظهر أنها ساعدت في إزالة بعض الخوف الدائم من الموت القادم من الجو. وسيسمح للمعارضة أيضا بتحويل الموارد لقتال المتطرفين. هناك عدة طرق لتحقيق هذا الهدف مع الشركاء والحلفاء، من العمل مع وكلاء في المنطقة إلى الضربات الجوية، وهي خطوات محدودة في مداها ولا تتطلب وجود القوات الأميركية على الأرض.

عندما ننظر إلى سوريا فلن نرى ببساطة فرصا أهدرت خلال سنوات الصراع الثلاث. إن مصالح الولايات المتحدة الجوهرية على المحك، ولا يمكن استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه. ورغم وجود مخاطر تتعلق بهذه الخطوات، فإن البديل أسوأ بكثير: تعافي «القاعدة» من الضربات التي وجهتها لها الولايات المتحدة، وحصولها على معقل جديد ومواصلة الأسد لمجزرته. علينا تعديل الظروف لحماية أنفسنا، والعودة إلى طاولة التفاوض في موقف يساعد على النجاح.

* رئيس مجموعة أولبرايت ستونبريدغ ومستشار الأمن القومي للرئيس الأسبق بيل كلينتون من 1997 إلى 2001

* خدمة «واشنطن بوست»

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى