صفحات العالم

أميركا وسورية: ثرثرة مناطق آمنة وتراكم مجازر واغتيالات/ محمد أمين

 

 

 

تعمل الولايات المتحدة على خطين متوازيين في الحرب السورية، الأول نظري، عبر تكرارها الحديث عن إنشاء مناطق آمنة، لم يعرف بعد أين ستكون والمدى الزمني لتطبيقها، والثاني ميداني سريع، عبر استهداف قيادات في تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) و”جبهة فتح الشام”، لكن المدنيين هم من يدفعون ثمن هذه العمليات، إذ يسقط العشرات منهم جراء الغارات التي تتبرأ واشنطن منها. ودخلت معركة انتزاع السيطرة على الرقة، أبرز معاقل “داعش” في سورية، مرحلة متقدمة، إثر عملية إنزال جوي قامت بها القوات الأميركية مع مقاتلين من “قوات سورية الديمقراطية”، في مسعى لتضييق الخناق أكثر على التنظيم، فيما يرتكب طيران التحالف الدولي مجازر بحق مدنيين.

وأعلن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، أخيراً أمام مسؤولين كبار من تحالف دولي يضم 68 بلداً يقاتل “داعش”، أن بلاده ستعمل على إنشاء “مناطق آمنة مؤقتة” للنازحين في العراق وسورية، عن طريق وقف إطلاق النار في البلدين. وقال “الولايات المتحدة ستزيد من ضغطها على تنظيمي داعش والقاعدة، وستعمل على إنشاء مناطق آمنة مؤقتة عن طريق وقف إطلاق النار، للسماح للاجئين بالعودة إلى ديارهم”. ولم يتطرق بالذكر إلى المواقع التي تخطط الولايات المتحدة لإقامة تلك المناطق فيها، أو الفترة التي ستستغرقها إقامتها.

وتناقض الوقائع على الأرض التصريحات الأميركية المتلاحقة حول إقامة مناطق آمنة للمدنيين، إذ لا يزال طيران التحالف الدولي يرتكب مجازر بحق المدنيين في عموم محافظة الرقة، أحدثها مجزرة مدرسة “البادية” في مدينة المنصورة (30 كيلومتراً غربي الرقة)، فجر الثلاثاء الماضي، وأدت إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين. وكانت المدرسة تأوي أكثر من 50 عائلة نازحة من عدة مناطق سورية. وفي اليوم ذاته، قتل أكثر من 30 مدنياً في الحي الثاني في مدينة الطبقة بقصف استهدف فرناً ومنازل للمدنيين، ما أوقع الرعب في قلوب عشرات آلاف المدنيين في المدينة وريفها، مع انسداد آفاق النجاة بأنفسهم. ويكاد لا يمر يوم دون مقتل مدنيين داخل مدينة الرقة، التي تأوي، وفق مصادر محلية، أكثر من 400 ألف مدني، لم تعمل واشنطن على توفير ملاذات آمنة مؤقتة لهم، أو ممرات آمنة يستطيعون عبرها الانتقال إلى أماكن إقامة مؤقتة حتى استرداد المدينة.

ويرجع مصدر رفيع المستوى في أحد الألوية العسكرية المنضوية في “قوات سورية الديمقراطية” سبب المجازر المتكررة بحق المدنيين في الرقة إلى اعتماد واشنطن على فصيل بعينه، ليس خبيراً بالطبيعة الجغرافية والسكانية في المحافظة، في إشارة منه إلى مليشيا الوحدات الكردية، التي تشكّل الثقل الرئيسي في “قوات سورية الديمقراطية”، وتتولى مهمة التوجيه فيها. وأضاف المصدر، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “غالبية سكان الرقة وريفها من العرب، وعلى التحالف الدولي التعاون مع أبنائها لتجنب المزيد من المجازر، التي تدفع إلى تشكيل رأي عام مناهض للمساعي الدولية في تحرير الرقة”.

ورفضت الولايات المتحدة استبعاد الوحدات الكردية من معركة انتزاع السيطرة على الرقة، والاعتماد على قوات تابعة للمعارضة السورية، تدعمها تركيا، رغم الرفض الكبير من الفعاليات المدنية في المحافظة للتوغل الكردي، خشية فرض إرادة أحادية جديدة لا تساعد في القضاء على الفكر المتطرف، بل تدفع باتجاه تغذيته أكثر، خصوصاً أن غالبية أبناء المحافظة تعتبر أن خطر مليشيا الوحدات الكردية لا يقل عن خطر تنظيم “داعش”. وتُتهم هذه المليشيا بالقيام بعمليات تهجير واسعة بحق عرب سيطرت على مناطقهم في شمال شرقي سورية. كما سبق للبنتاغون أن أكد أنه يعتمد على إحداثيات هذه المليشيا في تنفيذ ضربات جوية أدت إلى مقتل مئات المدنيين في ريف حلب، وفي الرقة. وبات من الواضح أن الجهد العسكري ينصب في الوقت الراهن على انتزاع السيطرة على مدينة الطبقة وسدها ومطارها بالكامل، قبل التوغل شرقاً للسيطرة على سد آخر أقل أهمية، في قرية الحمام، غربي الرقة بنحو 25 كيلومتراً، وبذلك يتم إحكام الطوق على مدينة الرقة من ثلاثة اتجاهات.

وذكرت مصادر مطلعة أن وزارة الدفاع الأميركية تستهدف السيطرة على مطار الطبقة لتحويله إلى قاعدة عسكرية، لتمتعه بموقع استراتيجي. ويقع المطار إلى الجنوب الشرقي للطبقة بنحو خمسة كيلومترات على تخوم بادية الشام الشمالية، غير بعيد عن الطريق الدولي الذي يربط حلب بالرقة ودير الزور. ولا تساعد الاستراتيجية الأميركية، التي تتعاطى من خلالها مع ملف محاربة “داعش”، في تحويل محافظة الرقة ومن بعدها دير الزور، إلى “مناطق آمنة” تجذب إليها السوريين النازحين من ديارهم، خصوصاً من خلال اعتمادها على “قوات سورية الديمقراطية”، التي تضم فصائل غير متجانسة تحركها نوازع انتقامية، ومن المرجح أن تجد مقاومة من أبناء الرقة في حال ارتكابها تجاوزات. ولم تتوضح بعد الخطط الأميركية للمرحلة التي تلي عملية انتزاع السيطرة على محافظة الرقة، ما ينذر بفوضى عارمة يدفع ثمنها المدنيون، الذين تسيطر عليهم “حالة رعب لا تُوصف”، وفق مصادر محلية تحدثت إليها “العربي الجديد”، الخميس، مشيرة إلى أن كل الخيارات “باتت سيئة أمام أهالي الرقة”، مناشدة التحالف الدولي عدم اعتماد إحداثيات جهات “ربما لها غايات انتقامية”، وأخرى تتعلق بتهجير السوريين عن ديارهم. وأوضحت المصادر أن طيران التحالف بات مبعث خوف شديد لدى المدنيين، خصوصاً أنه يستهدف مراكز تجمعات مدنية لا علاقة لتنظيم “داعش” بها. وأضافت “من يريد توفير مناطق آمنة للمدنيين لا يستهدفهم بهذا الشكل، مكرراً مآسي الطيران الروسي وطيران النظام على مدى سنوات، بل العمل على توفير ممرات آمنة، والابتعاد عن القصف العشوائي الذي حوّل حياة المدنيين إلى جحيم”.

وكان وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرولت طالب الإدارة الأميركية بتوضيح خططها بشأن الوضع في سورية. وأشار، في ختام اجتماع دول التحالف في واشنطن يوم الأربعاء، إلى أنه يجب ألا يتم تسليم مدينة الرقة بعد تحريرها إلى نظام بشار الأسد بل إلى “قوات المعارضة المعتدلة”، لأن باريس تعتبر أن قوات الأسد هي “قوات إرهابية” شأنها في ذلك شأن “داعش”. وكانت مصادر ذكرت أن الولايات المتحدة تدرس فكرة تشكيل فصيل سوري، ذي صبغة عربية، مهمته اقتحام مدينة الرقة وإدارتها بشكل مؤقت، في محاولة لتبديد المخاوف من دخول قوات كردية تحمل نزعة انتقامية تجاه المدينة.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى