صفحات العالم

أميركا وفوضى الشرق الأوسط/ غريغ جافي وميسي راين

 

 

التزم الرئيس باراك أوباما، استراتيجية ترمي الى النأي ببلاده عن الانزلاق الى حرب إقليمية كبيرة بين إيران والعرب. لذا، انتهج مقاربة غير شاملة في جبه اضطرابات المنطقة تولي الأولوية للمفاوضات النووية مع إيران ومكافحة الإرهاب. ولم تعد مكافحة وكلاء طهران الذين يشنّون عمليات بالنيابة عنها، أولوية. ومع انتشار الفوضى وسفك الدماء، يواجه البيت الأبيض حملة ضغوط كبيرة من الحلفاء العرب والكونغرس وبعض القادة العسكريين الأميركيين، تحضّه على جبه إيران والتصدّي لدعمها جماعات عســـــكرية.واستـــدارة واشنطن الى هذا المحور تلفّها المخاطر. فهي لا تريد الغرق في نزاع متفاقم بين السنّة والشيعة ليس في مقدورها وقفه.

وفي الأيام الأخيرة، شنّت مقاتلات سعودية وسفن مصرية سلسلة هجمات على متمردين تدعمهم إيران في اليمن. ووفرت أميركا معلومات استخباراتية ولوجيستية. وفي العراق، حضّت واشنطن رئيس الوزراء حيدر العبادي، على فك الارتباط بين ميليشيات تدعمها إيران وبين القوات الحكومية مقابل الدعم الجوي الأميركي في سماء تكريت. فالجيش العراقي وميليشيات شيعية ومتطوعون شيعة، راوحوا مكانهم في ميدان معركة دموية طوال شهر مع مقاتلي «الدولة الإسلامية».

لكن، ثمة من يرى أن الخطوات الأميركية لجبه النفوذ الإيراني جاءت متأخرة إثر اهتزاز الاستقرار الإقليمي. وبدأت الإدارة الأميركية أخيراً، الكلام على تهديد إيران الشرق الاوسط. وترى دول الخليج أن الجواب الأميركي الفاتر عن النزاع السوري وافتقاره الى الحزم، كان الجسر الى بروز مقاتلين تدعمهم إيران ومــقاتلين إسلاميين متطرفين.

ويقول عدد من القادة العسكريين الأميركيين إنهم حضّوا الإدارة الأميركية طوال أعوام، على مكافحة مساعي إيران الى زرع الفوضى على يد وكلائها المسلّحين. لكن واشنطن «انتهجت سياسة الإهمال الحميد وإدارة الخد الآخر»، يقول الكولونيل المتقاعد ديريك هارفي، ضابط سابق في استخبارات القيادة الوسطى الأميركية. وجايمس ماتيس، الجنرال المتقاعد في البحرية الأميركية الذي أشرف على القوات الأميركية في الشرق الأوسط بين 2010 و2013، كان من أكبر دعاة سياسة تعاقب إيران ووكلائها. وهو دعا الى حظر السفن والطائرات التي تنقل السلاح الإيراني الى اليمن وسورية، والى زيادة عدد العمليات السرية الرامية الى اعتقال عملاء إيرانيين أو قتلهم، خصوصاً إثر إحباط عملية إيرانية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن. ويرى مسؤول سابق في وزارة الدفاع، أن الإدارة الأميركية تهمل خطط معاقبة إيران، مخافة أن تؤدي الى انفراط عقد المفاوضات الرامية الى الحؤول دون تطوير إيران سلاحاً نووياً. وهمّش البيت الأبيض ماتيس جزاء مواقفه، فتنحى من منصبه قبل انتهاء ولايته. وفي مداخلة الشهر الماضي أمام لجنة مجلس الشيوخ لشؤون القوات المسلحة، شكا ماتيس افتقار أميركا الى استراتيجية لجبه تحديات الشرق الاوسط، وأن نفوذها هناك بلغ أضعف مستوى منذ 4 عقود. ولكن قد لا تساهم مواجهة أميركا لإيران في تعزيز استقرار الشرق الأوسط. فالعنف الذي يعصف بالمنطقة، هو من بنات تراكم عقود من ضعف الحوكمة والحرمان الاقتصادي وقمع عنيف على يد مستبدين متمسكين بالسلطة. وإثر الربيع العربي، انتهج البيت الأبيض سياسة فصل ملفات المنطقة الواحدة عن الأخرى، ومعالجة كل منها على حدة. فأيدت واشنطن عملية عسكرية سريعة ضد العقيد الليبي، ولكنها لم تؤيد مثل هذه العملية ضد الرئيس السوري.

وفي اليمن الفقير والمدجج بالسلاح، كان شاغل السياسة الأميركية تدمير المجموعات الموالية لـ «القاعدة»، وأهملت بروز الحوثيين الذين تدعمهم إيران، والذين أطاحوا الحكومة اليمنية وحملوا واشنطن أخيراً على سحب قواتها ومستشاريها. وبعض المراقبين يشيد بهذه المقاربة الجزئية لمشكلات الشرق الاوسط، ويرى أنها متواضعة وعملانية في معالجة أزمة يتوقع أن تكدر أمن المنطقة في العقود المقبلة. فالأمم الشرق الأوسطية تفتقر الى رؤية طويلة الأمد وأهداف واضحة لما يرغبون في أن تكون المنطقة عليه في الأعوام الخمسة المقبلة، يقول محلّل شؤون الشرق الأوسط براين كاتوليس. ولكن مارتين إنديك، نائب رئيس معهد بروكينغز، كتب في رسالة إلكترونية أن «فراغاً نجم (عن السياسة الأميركية هذه) وإيران استغلّته… واليوم، نحن أمام مفترق طرق. فالوقوف موقف المتفرّج في سورية، هو الخطأ الأول الذي ساهم في فتح أبواب الجحيم». ولكن الإدارة الأميركية تقول إن إبرام اتفاق مع إيران يحول دون حيازتها السلاح الذري، يساهم في تعزيز استقرار المنطقة. ويخشى العرب من أن يكون مثل هذا الاتفاق خطوة على طريق «استدارة (أميركية) فارسية».

* مراسلان، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 28/3/2015، إعداد منال نحاس

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى