صفحات سوريةعقاب يحيى

أمّا خطاب ؟؟؟؟….


                                             عقاب يحيى

    لم يتوقع أحد ممن يعرف الوريث المأزوم أن يجيء خطابه بأكثر مما ورد، لأنه وقد أكلت ” الأزمة” جزءاً مهماً من عنجهيته المصطنعة، و”شجاعته” المشغول عليها لإبرازها دون أن تصاب بالمضغ ونشفان الريق واصفرار الوجه وهو ينقّط لؤماً وتهديداً.. ونثراً للاتهامات.. فإنه كان وفيّاً تماماً لبنية نظام ورثه فعبّر عنه بطريقة المُلقن الذي اعتاد إلقاء الدروس على التلامذة بغض النظر عن الموضوع، وعن مدى انتباههم، أو تفاعلهم معه بغير التصفيق المعهود ..

شكلياً : الخطاب ـ إن جازت التسمية ـ ينقل ” أستاذ” المصطلحات المصاب بعقدة بنيوية يمكن أنه قد يعي مفاعيلها فيه، فيحاول نفيها بتلك الفذلكة اللغوية ـ التعليمية.. انتقل بمستواه من الجامعة إلى الابتدائي، وربما للتهويم في سماء يتصورها خارج المكان والزمان والأحداث، ف”حلّق” فيها مستفيضاً بالشروح والتعليقات، والخروج عن النص، والتفصيح..وكأن عقدة الانفصام، أو عته جنون العظمة وصل مرحلة خطيرة يصبح معها القاتل أكثر استعداداً لسفك المزيد .

عقدة النقص المورّثة بعملية التوريث تستدعي صاحبها إظهار” عبقرية” في حروف العلة والمعلول والمصطلحات وكأنه يريد القول : أستحق أن أكون رئيساً..والدليل تلك الفصاحة الأشبه بمعلم، أو محاضر يلقي شيئاً مكتوباً على مدرجات أميين يعرفون كيف يصفقون، ولا يتجرأون على التثاؤب وإظهار الملل ..

ـ شكلياً أيضاً : الخطاب يكرر معزوفات الطاغية الأب فتحضر المؤامرة(العشق الأبدي) ، وتصبح سورية هي النظام، وهي الفرد، وهي القزم المملوك من طغمة فئوية مريضة بكل أنواع الحقد، والصلف.. فيعيد الابن كلمات أبيه، ويرد تعبير ” إخوان الشياطين” الذي يمكن أن يليق بثقافة شبيح موتور وليس بمن يضع نفسه في موقع رئيس، ومن يختزل سورية به وبعصابته، فيكرر التكرار نفسه وكأننا في الثمانينات، وفي خطاب التهريج، وما بعد، وكأننا في عامه الأول من حكمه المفروض .

ـ أما المضامين.. فهي تحمل مداليل كثيرة خطيرة، ترتكز على عامود الاستبداد القاتل فتنثر أفكاره وأفراخه في كل المجالات، ويصبح الشعب الثائر كمشة إرهابيين ومجرمين وقتلة وعملاء ومأجورين، ويتمّ نسف جوهر الأزمة(لا يمكن الاعتراف بها لأنه أصل البلاء) ورميها على آخر، والآخر يبدأ من المواطن السوري، إلى العرب والجامعة العربية، إلى الغرب ومؤامراته..وإذ ب”المسكين” نظام الطغمة عرضة لمليون مؤامرة داخلية وعربية وعالمية.. والسبب : انه مقاتل، ومحارب، ومقاوم، ورافض، وممانع.. ناسفاً بذلك عن قصد حقوق شعب طفح كيله، وامتهنتت كرامته، وحرياته وحقوقه طوال أزيد من أربعين عاماً ..

ـ الوريث المصاب بعته الصلف يستعيد سيرة والده القاتل بفخر لم يخلو من قهقهة مشهودة، وإذ به يريد أن يبزّه فخراً بالاستعداد لارتكاب المزيد من المجازر.. كيف لا و”المؤامرة” اليوم أشمل، وأقوى، وأكثر خطورة ؟… وهذا ما يدعو للوقوف الطويل عنده في محاولة لاستشراف القادم من الأيام التي يعلن فيها القاتل أنه مقبل على المزيد والمزيد، وأن خياره الوحيد هو هذا، وما رشّ تلك الحكايا عن الإصلاحات والتفصيل فيها، وعن ” الحوار مع المعارضة الشريفة”ن وإمكانية إشراك بعضها في ” الحكومة القادمة” التي ما يزال محتاراً في إيجاد الاسم المناسب لها.. سوى بعض عظام مهترئة نخرها عهر الدجل، وحقد الغل فبانت هرمة، ساقطة قبل أن ترى النور .

ـ نعم مداليل الخطاب المخطوب كبيرة، وخطيرة، لكنها تؤكد بالجرم المشهود أن لا خيار، ولا طريق سوى الثورة، وأن على جميع من يعلك ـ حتى الآن ـ كلمات الحوار، والرهان على ” التغيير التدرجي” أن ينتحروا، أو يكفوا عن اللعب وقد علق لهم الوريث مشانق الإعدام، بل والخوازيق، وأنه لا ينفع مع هذه الطغمة سوى وحدة الشعب وأطياف المعارضة جميعاً في خندق العمل لإسقاط الطغمة بكل رموزها ومرتكزاتها، والالتزام بما بلورته الثورة وطرحته، ممثلة بهيئاتها وشبابها على الأرض، لوضع برنامج  التغيير الشامل، تمهيداً للمرحلة الانتقالية التي تفتح الطريق لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية التعددية ..

ـ سيسقط الخطاب في وحل زمن غابر.. وقد يتسلى به أطفالنا القادمون وهم يتقاذفونه بين أرجل النسيان ..

الجزائر 9 /1/2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى