إحسان طالبصفحات سورية

أم المعارك السورية


    احسان طالب

    تتسارع الأحداث في سوريا مؤشرة إلى تحولات جذرية في موازين القوى على ساحة الصراع في سوريا ، فمعركة تحرير حلب كما يسميها الثوار وأم المعارك كما يسميها إعلام النظام ستكون مفصلا رئيسا في مسار التغيير الشامل الحاصل في المحافظات والمدن والأرياف السورية كافة.

    يشيع إعلاميو الثورة السورية أخبارا مفادها أن ما يزيد على نصف مدينة حلب بات خاضعا لسيطرة الثوار المسلحين فيما يعلن الإعلام الرسمي عن قرب حسم المعركة لصالح قوات النظام، لكن الفارق الرئيس هو في تأكيد تقدم الثوار على الأرض الحلبية موثقا بالصور وبتقارير صحفية حية وبثها مباشرة عبر مراسلي الجزيرة الثلاثة الميدانيين المتواجدين في العاصمة الشمالية والاقتصادية لسوريا ، فأحمد زيدان يقدم تقارير يومية من قلب العركة، تظهر جانبا من ضراوة المعارك وتتضمن مقابلات حية مع الثوار والسكان المحليين، فيما تعرض زميله عمر خشرم لإصابة مباشرة بشظايا قنابل أطلقت من أسلحة ثقيلة وسقطت بين السكان، وكان من نتيجتها جروح عميقة في ظهره وفي ساعده الأيمن أثناء تغطية حية لوصف دقيق لساحة المعركة .

    عزت محطات إعلامية تأخر اقتحام الجيش النظامي لساحة المعركة وخوضه لغمار معركة شوارع مع الثوار المتمركزين في حي صلاح الدين وحي الصاخور حسب ما صرح به مصدر أمني لصحيفة القدس العربي : المصدر الأمني الذي تحدث لـ “القدس العربي” قال إن تأخير في الدخول الجدي للجيش السوري إلى أحياء حلب مردّه بالدرجة الأولى الإعداد لدخول أرتال وسرايا من قوات النخبة التي سيوكل لها تنفيذ عمليات إنزال جوي واقتحامات في الشوارع، وكذلك تجنب إدخال آليات وعربات ستكون مكشوفة لمقاتلي الجيش الحر وفي مرمى نيرانهم. فيما يرجع عناصر من الثوار تأخر كتائب الجيش النظامي بالدخول إلى ساحة المعركة إلى خوف عناصر الكتائب الموالية للنظام من مواجهة الثوار المقاتلين بدوافع عقائدية ووطنية قوية وإلى خشية القادة من انشقاق عناصر من القوات المهاجمة وانضمامها إلى الجيش الحر كما حدث في مرات عدة .

    وفقا لمحللين عسكريين أمثال العميد صفوت الزيات سيكون من الصعب جدا على كتائب الجيش النظامي السيطرة على مناطق يمتلكها الثوار دون الدخول في حرب شوارع معهم ذلك لأن القصف المدفعي الجوي لم يتمكن من تكبيدهم خسائر كبيرة وذلك للجوئهم إلى ملاجئ تحت الأرض متوفرة بكثرة في الأبنية والعمارات الحلبية، ورياض قهوجي : هناك فارق بموازين القوى لكن هنا تفوق في الكفاءة القتالية للجيش الحر وتسلمه لمضادات دروع ما ساعد في تحقيق انجازات في ريف وداخل مدينة حلب كما أن سيطرة الجيش الحر على دبابات وعتاد وذخائر ومركبات عسكرية غنموها خلال معاركهم من الجيش النظامي سيكون له دور كبير في حسم الصراع كما أن حصول الجيش الحر على مضادات للحوامات أجبرها على تخفيف طلعاتها، وفي حال حصول الثوار على صواريخ أرض جو عامل أساسي مهم في خلق التوازن على الأرض . وفقا لخبير في الشأن السوري في اكسكلوسيف اناليسيز -المركز الاستشاري للمخاطر في لندن- فالجيش لا يملك ما يكفي من القوات لحصار حلب وعزل المعارضة المسلحة فيها مشيرا إلى ان الجيش فشل في حصار حمص وهي مدينة في نصف حجم حلب.

    وقال الخبير “القوات الحكومية التي تفتقر إلى ما يكفي من القوات البرية كي تستعيد السيطرة على المدينة ستلجأ على الارجح لاستخدام القوة الكاسحة بما في ذلك المدفعية والطائرات وطائرات الهليكوبتر والدبابات ضد المناطق التي يتمركز بها المتمردون – وفقا لرويترزـ بناء على ما تقدم يمكننا القول بأن المعركة التي ينوي الجيش النظامي خوضها لاسترجاع حلب تزداد تعقيدا ساعة بساعة وكما نعرف من تاريخ الثورة السورية فعلى مدار سنة كاملة لم يتمكن الجيش النظامي السوري من حسم معركة حمص التي يسيطر الثوار على أحياء عديدة ومساحات شاسعة من المدينة وريفها دون احتمال في منظور قريب لقدرة الجيش النظامي على استعادتها أو التغلب على الثوار المتمرسين في القتال و المتواجدين فوق أرضها، هذه التجربة تقدم أداة معيارية للحكم على معركة حلب الحاسمة ، حيث يبدو بوضوح تقدم الحالة الحلبية عن مثيلتها الحمصية خاصة وأن طرق الإمداد العسكري واللوجستي متوفرة وآمنة للثوار من حلب إلى الحدود مباشرة ، فالريف الحلبي محرر بالكامل حسب وصف الثوار والطرق نحو الحدود التركية مفتوحة ومؤمنة ويتم من خلالها إمداد الثوار بكل حاجاتهم العسكرية والغذائية ناهيك عن المقاتلين والخبراء وثلة من الضباط المنشقين الذين كانوا متواجدين على الأراضي التركية وباتوا حاليا فوق التراب الحلبي. وتبدو أم المعارك مهمة محفوفة بالمخاطر فمفاجأة الانشقاق واردة في كل لحظة، كذلك حصول تطورات دراماتيكية غير محسوبة ستكون واردة ، فإعدام زعيم الشبيحة في حلب مع بعض أنصاره في حي حلبي يسيطر عليه الثوار لم يكن متوقعا بل كان صادما للغاية بما يحمله من دلالات ورسائل للأطراف كافة، وفي ذات السياق وردت أنباء عن استهداف التمرد العسكري الثوري بقصف مدفعي بواسطة دبابات غنمها الجيش الحر من القوات النظامية لمطار منغ العسكري الواقع على بعد نحو ثلاثين كيلومترا شمال غرب حلب، وهو موقع استراتيجي هام للقوات النظامية فالطائرات العسكرية والحوامات التي تقصف حلب اليوم تنطلق منه كذلك يعتبر ركيزة أساسية لخطة النظام للسيطرة على حلب حيث يعتبر القصف من على بعد ومن الجو أحد التكتيكات الإستراتيجية في خطط الجيش السوري الرسمي لإنهاء المعارضة المسلحة.

    تتواتر أنباء عن حشود لأرتال دبابات ومدرعات وعربات جنود متوجهة نحو حلب وذلك لحسم العركة والقضاء على الثوار الذين قدر عددهم بخمسة آلاف مقاتل يتوزعون بتشكيلات عسكرية تضم لواءين رئيسين لواء التوحيد ولواء الفتح وينضم إليهم شبان متطوعون من الحلبيين كما يسارع لنجدتهم كتائب من الجيش الحر من المتواجدين في ريف ادلب بعد انسحاب حشود عسكرية نظامية كبيرة والتحاقهم بالقوات المتواجدة حالياً بمعظمها في منطقتين رئيسيتين الأولى على اوتستراد الحمدانية والثانية في مدرسة المشاة العسكرية الموجودة في حي النيرب، حسب القدس العربي.

    هل يستعين النظام بخبراء ومقاتلين مدربين ومؤهلين لخوض معارك شوارع من بلدان شقيقة أو صديقة ؟ ذلك وارد وممكن وسيساعد كما يتصور بعض المحللين بإنهاء معركة حلب خلال عشرة أيام على حد أقصى بعد قصفها لمدة أربعة أيام، لكن وقائع ما حدث ويحدث في سوريا يخالف مقولة أن النظام قادر على إنهاء التمرد المسلح في أي مكان سوري إذا ما استخدم ما يلزم من القوة والتحضير والتخطيط، ففي دمشق لم تنتهي الجيوب التي تغلغلت في أحياء دمشقية كحي التضامن، كما لم تهدأ مناطق انطلقت فيها الثورة من سنة أو يزيد ولم تتوقف رغم المداهمة والقصف كأحياء برزة والقابون، ولا تغيب عن ذاكرتنا حاضرة الثورة ومهدها مدينة درعا التي ما زالت منتفضة منذ ما يزيد على العام ونصف دون توقف أو كلل رغم ما تعرضت له من اجتياحات عسكرية ومداهمات واعتقالات طالت بالغالب كل الناشطين، لكن المدينة الطيبة ولادة ويتكاثر فيها الثوار كسنابل القمح.

    بدون شك فإن دوافع الثوار والجيش النظامي متباينة ، فالثوار تحركهم دوافع دينية قوية وإنسانية ووطنية كما تحركهم رغبة عظيمة في دحر نظام ما برح ينهال على المدنيين والمسلحين بالقصف والهدم والتدمير دون هوادة، مخلفا ما يزيد على عشرين ألف شهيد من المدنيين وأضعافهم من المفقودين وأضعاف أضعافهم من الجرحى ومئات الآلاف من النازحين، وتاركا مدنا بأكملها مدمرة خاوية على عروشها بعد أن تحول سكانها إلى شهداء وجرحى ونازحين فيما فضل بعضهم البقاء فوق أطلالها مقاتلين مصممين على الشهادة أو النصر، ، ناهيك عن عقيدة الشهادة التي تجعل المقاتل مستعدا بكل طيب خاطر للموت في سبيل عقيدته وربه ووطنه وشعبه.

    هل ستكون معركة حلب طريقا سالكا نحو الحل الجذري للأزمة السورية المستحكمة كما يريدها المعارضون أم أنها ستنتهي خلال أيام كما انتهت معركة دمشق وفقا للوصف والرؤية الرسمية التي أفصح عنها وليد المعلم في إيران مع العلم بأن تصريحات سابقة لوزير الخارجية السورية أفادت بقدرات هائلة للجيش النظامي قادرة على سحق التمرد والقضاء على العصابات المسلحة لم تتحقق، بل يفصح المشهد السوري عن تنامي وتراكم متزايد لقدرة الثوار العسكرية واللوجستية مكنتهم من خوض معارك طاحنة كبدوا خلالها القوات النظامية خسائر فادحة في الأرواح والمعدات وخسارة ميدانية تجلت بسيطرة متنامية للثوار على الأرض. إضافة للفوارق الكبرى بين العاصمتين الشمالية والجنوبية فالوضع في دمشق مختلف كثيرا حيث يتركز التواجد العسكري والأمني بمئات الآلاف من العناصر الأمنيين والمتعاونين معهم من موظفين ومخبرين وشبيحة، ذلك التنوع الشديد لسكان دمشق خلافا لما عليه الحال في حلب فالدمشقيون يشكلون أقلية في مدينتهم، وغالبيتهم باتوا من سكان الأرياف في حين يشكل الحلبيون نسيجا اجتماعيا متماسكا ومتجانسا ولا توجد أية مؤشرات توحي بانزعاجهم أو غضبهم من تواجد الثوار بين أحضانهم، بل على العكس فالتوافق بين الثوار والسكان المدنيين سيكون عاملا حاسما ومؤثرا في كتابة نهايات لا يرغبها النظام لأم المعارك. يقيم الثوار في وسط المناطق المهيمنين عليها من قبلهم حواجز تفتيش يمر عليها السكان ويتوقفون بقربها دون إبداء استيائهم بل تظهر التقارير الميدانية من هناك الرضا وحتى الامتنان لما يقوم به الثوار.

    لا شك بأن كل سوري يسقط في أرض المعركة بين الأخوة هو خسارة للشعب والوطن، ولا شك بقدرة القيادة السورية ورئيسها على وضع نهاية لهذا الاحتراب والدمار والخراب المادي والمعنوي لسوريا الوطن والشعب، وذلك بالاعتراف بالحقائق واتخاذ قرارات شجاعة أولها الإقرار بحتمية نقل السلطة والبدء بالتحول الديمقراطي عبر حكومة ائتلاف وطني تقود المرحلة الانتقالية وتسير بالوطن نحو بر الأمان، هل ستصغي تلك القيادة لصوت العقل ؟ لا أظن ذلك.

    قال الرئيس بشار الأسد، في خطاب موجه للجيش والقوات المسلحة بمناسبة يوم الجيش السوري ، إن المعركة التي يخوضها جيشه حالياً ستحدد مصير البلاد، وأشاد بالجنود لمواجهتهم ما وصفهم بـ”العصابات الإرهابية الإجرامية”، حسب ما قالت وكالة الأنباء الرسمية “سانا

    وأضاف أن قواته تخوض معركة في حلب يتوقف عليها مصير الشعب السوري، وأن الجيش يخوض معارك “بطولة وشرف ضد العدو”

    هذا الخطاب لا يوحي بسعي لحل سياسي فما تواجهه القوات النظامية هو العدو ومعركة حلب هي معركة تقرير مصير حسب التوصيف الرسمي .

    لن تنتهي معركة حلب خلال أيام ولن يتم الحسم فيها سريعا. فالنظام ما زال عاجزا عن رؤية الحقائق، والثائرون في كافة البقاع السورية مصرون على مطالبهم باسقاط النظام وماضون في مسيراتهم ومظاهراتهم السلمية حتى تحقيق النصر، فالمظاهرات حاشدة في مدينة حلب وتشهدها أحياء هنانو وسيف الدولة والصاخور والحمدانية وغيرها، خرجت في جمعة سماها المعارضون : دير الزور النصر القادم من الشرق، تؤكد حقيقة الثورة الشعبية الشاملة المطالبة بالتغيير الديمقراطي والتحول النهائي من حكم الاستبداد والفساد إلى حكم وطني ديمقراطي يسوده العدل والمساواة والوئام الاجتماعي والسلم الأهلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى