صفحات الناس

أنا سأقطع يدك.. وأنت تدفنها/ محمد خالد

 

 

 

لم يكن محمد يدري أن شراءه لدراجة نارية بثلاث عجلات، قد يكلفه قطع يده من الرسغ، من قبل عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”.

تبدأ قصة محمد ابن مدينة حلب مع التنظيم بعد نزوحه إلى بلدة اخترين شمالاً هرباً من قصف قوات النظام بالبراميل المتفجرة على أحياء المدينة الخارجة عن سيطرته. وبعد فترة وجيزة من وصول محمد وعائلته إلى أخترين، سقطت البلدة بيد “الدولة الإسلامية” مطلع العام 2014. حينها كان محمد قد بدأ ببيع الخضار أمام منزله المستأجر في محاولة لتأمين رزقه، ناوياً أن يجمع مبلغاً من المال لشراء دراجة نارية، توفيراً لمصاريف وأجور نقل الخضار.

محمد اشترى دراجة نارية ذات العجلات الثلاث، من أحد مقاتلي “داعش”، “حرصاً مني ألا تكون هناك مشاكل حولها، لاكتشف بعد ذلك أنها مسروقة من بلدة صوران في إعزاز”.

افتضاح أمر الدراجة المسروقة، حدث أثناء شراء محمد للخضار بالجملة في سوق أخترين، حين أتاه شخص وقال إن الدراجة تعود له. محمد ردّ رافضاً الاتهام، مؤكداً لجميع الحضور، أنه اشترى الدراجة من أحد عناصر “الدولة الإسلامية”، معتقداً بإن ذلك هو صكّ البراءة الذي يمتلكه.

ويقوم عناصر التنظيم في ريف حلب الشرقي، بالاستيلاء على أملاك المدنيين الخاصة، تحت مسمى “غنائم”، ويقومون ببيعها للمدنيين أو لمقاتلين آخرين، وفق فتاوى “شرعية” من شرعيي التنظيم تبيح لهم الاتجار بـ”الغنائم”. وكان التنظيم قد أجاز ذلك كمكافأة للعناصر. وتتم مصادرة أملاك وأموال من يتهم بالردة أو يقاتل إلى جانب الجيش الحر، وأحياناً لأشخاص لم تثبت عليهم أي تهم، ويشمل ذلك مصادرة الأراضي الزراعية والسيارات والمحال التجارية والمنازل، وفي حال كان هناك مستأجرون لتلك الأملاك، يتم طردهم منها فوراً للسيطرة عليها بشكل مباشر.

بعد جدل طويل، عاد الرجل في اليوم التالي، بصحبة دورية من “الشرطة الإسلامية”، وقاموا باعتقال محمد ومصادرة الدراجة وما عليها من بضائع. وتم نقل محمد إلى “المحكمة الشرعية” في مدينة الباب، ليبقى معتقلاً فيها لـ5 أيام من دون تحقيق.

في سجون التنظيم، يتم التعامل مع نوعين من السجناء؛ المنسوبة لهم أحكام جنائية كالسرقة وارتكاب المخالفات، والمتهمين بالخيانة والتعامل مع “التحالف” أو الجيش الحر، وغالباً ما يتم إنزال عقوبة الإعدام بحقهم.

وفي اليوم السادس بدأ التحقيق مع محمد، الذي قال: “أدخلوني لعند القاضي الذي وجه لي اتهاماً بسرقة الدراجة من صاحبها، لكني انكرت ذلك وذكرت له اسم الشخص الذي باعني إياها بالإضافة إلى اسمي شخصين كانا شهوداً على عملية البيع. فأمر القاضي بضربي واستمر بتوجيه الشتائم لي معتبراً بأني أسيء للمجاهدين وأعادونني إلى المعتقل، لأواجه التعذيب”.

يقول محمد: “أثناء وجودك في المعتقل تسمع تلك الأصوات التي تخرج من غرف التعذيب، وتنتظر دورك ولا تعرف متى سيأتي”. والتعذيب له درجات، فالمعتقلون من النوع الأول، يكون تعذيبهم أقل من غيرهم، ويشمل التعليق من الأرجل رأساً على عقب. محمد عُلّق من عقبيه، وبدأ طفل صغير بضربه بواسطة “كبل كهربائي” على جسده، وكلما قال بإنه لم يفعل شيئاً يستحق العقاب، كان يُشتم ويقال له: “يا كاذب أتتهم جند الخلافة بالسرقة؟”، أو “إن جند الخلافة يضعون أرواحهم على أكفهم لأجل أن يعيش بأمان من غدر الصحوات والمجوس”. وعندما يتعب الطفل من ضرب محمد، يأتي طفل آخر ليضربه، حتى يغمى عليه.

ومن وقت لآخر يطل على المُعتقلين، السجان، وينادي على الناس باسمائهم، قائلاً، “أنت ستقطع يدك”، و”أنت ستصلب وتقتل”، و”أنت سيقطع رأسك”، و”أنت سيفجر بك حزام ناسف”.

من سوء حظ محمد، أن المقاتل الداعشي الذي باعه الدراجة، وزميليه الشاهدين على عملية البيع، تم استهدافهم في إحدى ضربات “التحالف الدولي” في محيط مدينة مارع، ما أدى لمصرعهم. وعندما أخبروا محمد بأنهم قتلوا، بعد 20 يوماً على توقيفه، وأنه لا يملك أي دليل على كلامه، صُدمَ ولم تعد قدماه قادرتان على حمله.

وسرعان ما صدر حكم “القاضي الشرعي” التابع للتنظيم على محمد، قائلاً: “الآن أيها الكاذب السارق ستنال عقابك” وحكمَ عَليه بقطع اليد، في مكان عام. حكم على محمد بقطع اليد، لكنه أعفي من “دورة الاستتابة” كون إقامة الحدّ تعني تطهيره من الذنب الذي ارتكبه.

وعندما حان موعد تنفيذ الحُكم، كذب السجّان على محمد، وقال له: “سنقطع رأسك”. وبعد ذلك، سحبوه إلى ساحة مليئة بالناس، وسط مدينة الباب، وأغمضوا له عيناه “طمشوه” بقطعة قماش، وقادوه من يده. ثم تلى أحدهم بياناً بأن هذا الرجل “سارق وسوف نقطع يده”.

وبضربة واحدة من فأس عريض النصل، بُترت يد محمد.

وجاء ممرض أوقف النزيف وضمد جرحه. ثم أجبره عناصر التنظيم على حمل كفّه المقطوعة، والسير بها في مدينة الباب، للتشهير به أمام الناس.

وحين شارفت رحلة التشهير على نهايتها، أخبره أحد العناصر، بوجوب أن يدفن يده، قبل أن يُسمح له بالذهاب إلى بيته. وهناك، في منطقة بالقرب من تل اخترين، حيث الأرض غير صالحة للزراعة، حفر حفرة صغيرة، ودفن كفّ يده.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى